خاص الاجتهاد: أكد البيان الختامي للمؤتمر الدولي الثالث للفقه والقانون على أنّ عالم اليوم عالمٌ ينبض بالحياة والتطور مع حقائق اجتماعية عديدة باتت موجودة ولا يمكن إنكارها، وغيرها الكثير مما لم يتم الكشف عنه حتى الآن بالنسبة للبشر، وهنا يبرز سؤال جوهري حول أهميّة ودور الفقه في التعامل مع الواقع الاجتماعي الجديد من حيث تطبيق على النظام القانوني والتشريعي.
اختتم في العاصمة الدينية الإيرانية قم المؤتمر الدولي الثالث الذي حمل عنوان “الفقه، القانون والواقع الاجتماعي”، والذي نظّمه مركز البحوث الإسلامية التابع للمجلس الشورى الإسلامي الإيراني، والذي يبحث بشكلٍ خاص بالفقه والقانون والواقع الاجتماعي، وذلك بحضور 30 من الشخصيات العربية والإسلامية المؤثرة في العالم الإسلامي، بالإضافة لعدد من أساتذة الجامعات وطلاب العلوم الشرعية الإيرانيين، والهدف من هذا المؤتمر حسب الجهات المُنظمة له؛ هو فتح آفاق جديدة من خلال الحوار وتعزيز دعم الفقه للقانون من أجل الوصول إلى تعاملات صحيحة واختيار وظيفة بنّاءة ومؤثرة حيال الواقع الاجتماعي وقضاياه.
الفقه والواقع الاجتماعي
البيان الختامي للمؤتمر أكد على أنّ عالم اليوم عالمٌ ينبض بالحياة والتطور مع حقائق اجتماعية عديدة باتت موجودة ولا يمكن إنكارها، وغيرها الكثير مما لم يتم الكشف عنه حتى الآن بالنسبة للبشر، وهنا يبرز سؤال جوهري حول أهميّة ودور الفقه في التعامل مع الواقع الاجتماعي الجديد من حيث تطبيق على النظام القانوني والتشريعي.
وخلال جلسة الافتتاح أكد مركز البحوث الإسلامية على ضرورة الإتكاء على القانون في التعامل الواقع الاجتماعي الجديد، مضيفاً: “إذا لم يقدم الفقه الدعم المناسب للقانون؛ فسيضعف كلاهما”.
وتمّ خلال المؤتمر تقديم عدد من أوراق العمل تضمنت ثلاثة محاور، عُرضت وبُحثت في أربع جلسات تخصصية، وتضمنت أوراق العمل:
1- الأسس التحليلية الوصفية للواقع الاجتماعي وفقه الواقع الاجتماعي.
2- منهجية الفقه في داعم القانون فيما يتعلق بالواقع الاجتماعي.
3- المراجعة الفقهيّة والقانونية للانتهاكات الاجتماعية.
نتائج المؤتمر
بعد الاستماع إلى المقالات ومناقشتها ونقدها؛ خرج المشاركون بعدد من الاقتراحات، ومن أهمها:
1- من الضروري أن تلعب القوانين دوراً هاماً وفعالاً وبنّاءً في المسائل المتعلقة بالواقع الاجتماعي.
2- إذا أراد الفقه أن يدعم القانون فيما يتعلق بالواقع الاجتماعي اليوم؛ فإنّه يحتاج إلى النظر في متطلبات ومكونات القانون من ناحية، كما يتوجب عليه أن يعلم واقع الحياة المعاصرة بشكل جيد من ناحية أخرى.
3- ضرورة تشكيل مجلس قضائي يتألف من فقهاء وقانونيين من مختلف المذاهب الإسلامية، وذلك لتقديم المشورة وصياغة القوانين على أسس الفقه، والاستفادة من قدرات جميع المذاهب في النظر إلى الحقائق الاجتماعية والاعتراف بها جميعاً.
4- ضرورة تعميق وتطوير الدراسات المتعلقة بالسياسات الجنائية ووضع مجموعة كاملة وفعالة من السياسات بوصفها سياسة جنائية؛
وبناءً عليه؛ ينبغي مراعاة عدّة أمور في السياسة الجنائية الفعالة:
ألف: مكافحة أسباب التفسخ الاجتماعي، كالتمييز غير المُبرر، الأخلاق السيئة الفقر والجريمة…
ب: الحاجة إلى تغيير النهج العقابي في التعامل مع التشوهات الاجتماعية، وذلك من خلال الوقاية المبنّة على الفقه والتشريع والسياسة الجنائية الإسلامية.
ج: الحاجة إلى رؤية شاملة للحقائق والأضرار الاجتماعية وتجنب التعصب العرقي والقومي.
5- من الضروري تعميق وتقوية طرق استنتاج واستنباط القضايا الاجتماعية مع الحفاظ على أصالتها وصحتها.
6- ضرورة إقامة نوع من التقارب القانوني بين الحكومات الإسلامية وذلك من خلال تشريع مشترك بشأن الحقائق الاجتماعية المُعاصرة.
7- يجب تنظيم العلاقة بين الفقه والقانون والحقائق الاجتماعية على نحو متوافق لا على نحو مختلف ومتناقض يفرض نوعاً من الازدواج في الأحكام القانونية والدينية في الحياة.
8- إن تعدد الوقائع الاجتماعية يستلزم إيجاد فقه متخصص.
9- يجب أن تُعالج مسألة الفقر باعتباره إحدى أسوء الظواهر الاجتماعية الموجودة، وذلك من خلال اتخاذ مجموعة من السياسات والتدابير التشريعية المبنيّة على القضاء على الفقر والحرمان.
جرائم مشتركة
أمين سر المؤتمر آية الله أحمد مبلغي أكد كلمته خلال المؤتمر على أنّ الشيعة والسنة يتعاملون مع الجرائم المرتكبة كلٌّ وفق رؤيته وقوانينه، غير أنّه هناك جرائم ذات طابع مشترك لا تُفرق بين الشيعي والسني، وتعتبرها جميع الفرق المذهبية بأنها جريمة.
وفي عهذا السياق يقول مبلغي: “هذه الجرائم تمثل تهديداً للعالم الاسلامي برمته ومن هذا المنطلق يتوجب تبني كفاح موحد ومشترك سني وشيعي بمساندة من الحكومات ضد مثل هذه الجرائم مشيراً إلي إنّ هنالك شبهات تُطرح حول إقحام الفقه أو عدم إقحامه في القضايا الإجتماعية”.
بدوره الشيخ مصطفى ملص عضو هيئة علماء المسلمين في لبنان أكد على أهمية المؤتمر كونه يسعى لإيجاد آفاق جديد في مواجهة الخبراء المعنيين بالقضايا الاجتماعية، ومن هنا تنبع أهميّة هذا المؤتمر، مشيراً إلى أنّ مركز البحوث الإسلامية التابع للمجلس الشورى الإسلامي الإيراني لعب دوراً محورياً في الدعوة إلى هذا المؤتمر المهم للأمة الإسلامية.
ونوّه ملص إلى بعض الفتاوى الصادرة عن بعض الأشخاص بقوله: “نأسف أن نرى بعض الأشخاص في العالم الإسلامي من الذين لا يتمتعون بالعالم والمعرفة الكافية يقومون بإصدار الفتاوي، معتقدين بوجود فرق بين الفقه والقوانين الإنسانية”، متابعاً: “من المؤكد أنّ هؤلاء الأشخاص يقصدون تشويه صورة الفقه وضربه من الداخل، حيث أنّ الفقه والقانون يكمل كل منهما الآخر، ولا يمكن فصلها، كما أنّ هؤلاء –المُفتين- يسعون لإحداث الفتنة والعداء بين الشعوب والحُكام”.
تجدر الإشارة إلى أنّ الهدف من هذا المؤتمر تعميق دور وموقع الفقه والقانون في القضايا الاجتماعية الجديدة، من خلال الاستفادة من فكر الفقهاء، علماء الاجتماع المُسلمين والحقوقيين، وابتدأ بقراءة رسالة موجهة من المرجع الإسلامي آية الله مكارم الشيرازي، كما شكر الحضور حفاوة الاستقبال من قبل الجمهورية الإسلامية الإيرانية وقائد الثورة الإسلامية السيد علي الخامنئي، ومجلس الشورى الإسلامي متمثلاً برأيسه علي لاريجاني ورئيس المؤتمر آية الله أحمد مبلغي.
واُقيم المؤتمر الأسبوع الماضي ولمدة يومين وبمشاركة أكثر من ٣٠ شخصية من عدّة بلدان عربية وإسلامية مثل الأردن وقطر والجزائر وتركيا وتونس وروسيا والعراق ولبنان والمغرب، وعُرض خلال المؤتمر ٥٥ مقالاً علمياً اختصّت بالبحث حول الفقه والقانون والواقع الاجتماعي الذي يعيشه المسلمين في ظل التغيّرات الاجتماعية والسياسية التي تجتاح المنطقة منذ أعوام.