الرجولية

الاستدلال على اعتبار الرجولية في المرجعية / آية الله محمد فاضل اللنكراني “ره”

الاجتهاد: غير خفي أنّ السيرة العقلائيّة التي هي الأساس في باب التقليد والعمدة في جوازه لا فرق فيها بين أن يكون العالم الذي يرجع إليه الجاهل رجلًا أو امرأة، فلا بدّ في إثبات الاختصاص بالرجل في الشرع من إقامة دليل رادع عن هذه الطريقة و إعمالها في الشريعة

و ما يمكن أن يكون رادعاً أُمور:

أحدها: مشهورة أبي خديجة سالم بن مكرم الجمال قال: قال أبو عبد اللَّه جعفر بن محمّد الصادق (عليه السلام): إيّاكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور، و لكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا  فاجعلوه بينكم، فإنّي قد جعلته قاضياً فتحاكموا إليه»   [1].

و قد أُورد على الاستدلال بها لاعتبار الرّجولية تارة بأنّ ذكر «الرجل» لا دلالة فيه على دخالته و اعتباره؛ لأنّ ذكره إمّا يكون لأجل كونه أحد المصاديق، كما في قوله رجل شك بين الثلاث و الأربع و أشباهه، و إمّا لأجل أنّ الغالب المتعارف في القضاء هو الرجوليّة، بل لم تستعهد قضاؤه النساء و لو في مورد واحد، فأخذ عنوان الرجولية من باب الغلبة لا من جهة التعبّد و إفادة الحصر، و أُخرى بأنّ الرواية واردة في باب القضاء، و لم يقم دليل على ثبوت الملازمة بينه و بين باب الإفتاء فضلًا عن الأولويّة، كما لا يخفى.

و يمكن الجواب عن الإيراد الأوّل بأنّ ذكر «الرجل» في مقام إلقاء الضابطة الكليّة و إفادة القاعدة العامّة ظاهر في الاختصاص و الدخالة، و احتمال كونه أحد المصاديق، أو كون ذكره من باب الغلبة لا مجال له مع ظهور القيد في الاحتراز، كما هو الأصل في باب القيود المأخوذة في الموضوعات. و بالجملة مع احتمال مدخلية القيد لا وجه لرفع اليد عن الظهور إلّا أن يقوم دليل على العدم، كما في المثال المذكور.

و أمّا الإيراد الثاني فالظّاهر وروده، فإنّ اعتبار الرجولية في القاضي الذي يرجع إليه المترافعان و لازمه تحقّق التشافه لا دلالة فيه على اعتبارها في المرجع الذي لا يكون المهم إلّا آرائه و أنظاره، و ربّما تكون مجموعة في رسالة منتشرة لا يحتاج المقلِّد إلى الرجوع إلى شخصه طيلة حياته، مع أنّ القاضي لا بدّ و أن يكون رجلًا حتى يمكن له حفظ التعادل، و لا يقع متأثّراً عن دعوى المدّعى أو إنكار المنكر، و النساء بعيدة عن المتانة و عدم التأثّر بمراحل، و أين هذا من المرجعية التي لا يعتبر فيها شي‌ء من ذلك، فقيام الدليل على اعتبار الرجولية في القاضي لا يلازم الدلالة على اعتبارها في باب الإفتاء بوجه.

ثانيها: مقبولة عمر بن حنظلة المعروفة. و فيها: ينظران من كان منكم ممّن قد روى حديثنا  و نظر في حلالنا و حرامنا، و عرف أحكامنا فليرضوا به حكماً (1)

و يرد على الاستدلال بها مضافاً إلى ما عرفت من عدم الملازمة بين باب القضاء و باب الإفتاء عدم الدلالة على اعتبار الرجولية في باب القضاء أيضاً، فإنّ قوله (عليه السلام): «من كان» مطلق لا اختصاص له بالرجال، و ضمير الجمع المذكور لا يفيد ذلك بوجه؛ لأنّ النظر إنّما هو إلى اعتبار المماثلة في الإيمان و الاعتراف بالولاية و الإمامة، كما هو غير خفيّ.

ثالثها: قوله (عليه السلام) في رواية الاحتجاج المتقدّمة: فأمّا من كان من الفقهاء صائناً لنفسه، حافظاً لدينه، مخالفاً على هواه، مطيعاً لأمر مولاه فللعوام أن يقلّدوه و ذلك لا يكون إلّا بعض فقهاء الشيعة لا كلّهم. الحديث‌.

فإنّ فرض الموضوع الفقيه المذكور باعتبار الجمع يمكن أن يقال بدلالته على الاختصاص، و عدم سعة دائرة التقليد بنحو يشمل النساء أيضاً، فتأمّل.

رابعها: و هو العمدة، الأولوية القطعية للمقام بالإضافة إلى باب الإمامة للجماعة، الذي لم يرض الشارع فيه بإمامة المرأة للرجال في صلاة الجماعة، فإنّه إذا لم يجز للمرأة التصدّي لمنصب الإمامة مع أنّه من المناصب التي لا يبلغ من الأهميّة و العظمة منصب المرجعية و الزعامة، فعدم جواز تصدّيها لذلك المنصب بطريق أولى.

نعم، نتيجة هذا الدليل عدم جواز رجوع الرجال إليها في أخذ الفتوى و العمل عليها، و أمّا عدم جواز رجوع النساء أيضاً مع أنّه يجوز لها الإمامة للنساء فلا بدّ من الاستدلال له بعدم القول بالفصل في المقام قطعاً، ضرورة أنّه لم يحتمل أحد الفرق في المقام بين رجوع الرجال و رجوع النساء، كما لا يخفى.

فانقدح من جميع ذلك اعتبار الرجولية في المرجعيّة، خصوصاً مع وضوح مذاق الشارع بالإضافة إلى هذه الطائفة التي لا تكون الوظيفة المرغوبة منهنّ إلّا التستّر و الجهات الراجعة إلى الأُمور البيتيّة الداخلية، لا الاجتماعية المطلوبة من الرجال.

الهوامش

[1] الوسائل كتاب القضاء أبواب صفات القاضي الباب الأول ح 5

[3] الكافي: 1/ 67 ح 10، الوسائل: 27/ 136، كتاب القضاء، أبواب صفات القاضي ب 11 ح 1

 

المصدر:کتاب تفصيل الشريعة* في شرح تحرير الوسيلة (الاجتهاد والتقليد) المؤلف : الفاضل اللنكراني، الشيخ محمد الجزء : 1 الصفحة : 79

* “تفصيل الشريعة في شرح تحرير الوسيلة” الذي صدر عن دار نشر “عروج” التابعة لمؤسسة تنظيم ونشر أعمال الامام الخميني (رض) في 28 مجلدا، كتاب تفصيلي شامل في شرح “تحرير الوسيلة” للإمام الخميني. ویضم هذا النتاج فتاوى الامام ووجهات نظره الفقهية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky