الإمام الخميني

الإمام الخميني قائد الثورة والحركة الإسلامية المعاصرة / بقلم تمارة المجالي

الاجتهاد: لعل من أهم الميزات التي تُميّز الشخصية الربانية الرائعة للإمام الخميني، هو حضورها الدائم في الساحة والتصدي النوعي لكل شؤون الناس. فإهتمام الإمام الخميني العرفاني والفلسفي لم يمنعه من التعاطي مع الشأن السياسي من موقع المبادرة ومكافحة الظلم والإستبداد بكل أشكاله ومستوياته.

من الشخصيات التي  تركت ولا زالت تأثيرات عميقة في مسيرة الأمة الإسلامية بشكل عام، والشعب الإيراني المسلم بشكل خاص، هو الإمام الراحل السيد روح الله الموسوي الخميني (قدس سره) الذي تمكَّن في بعدين أساسيين من ترك بصمات واضحة وتأثيرات صريحة في مسيرة الأمة الإسلامية.

وهذان البعدان هما، البعد العلمي – الفقهي، حيث إنّ الإمام الخميني من مراجع الدين وفقهاء الأمة وعلماء العصر، الذي ترك تأثيراً علميًّا في مسيرة الحوزات والمعاهد العلمية والبحثية، ولا زالت نظرياته وتصوراته الفقهية والعلمية محلَّ دراسة وعناية من قبل العديد من المهتمين والمختصين.

كما أن نظرية الإمام الخميني في الفقه السياسي، لا زالت تسير بخطى حثيثة في نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، والتي التزمت منذ إنتصار الثورة في عام 1979م بنظريته السياسية في إدارة البلاد والعباد.

كذلك البعد السياسي، حيث إنّ الإمام الخميني رضوان الله عليه، لم ينعزل عن قضايا الأمة وإنما تفاعل معها، وتحمّل وجاهد في محاربة الإستبداد السياسي، وتمكَّن بفضل حنكته وصبره وشجاعته وصمود وتضحيات الشعب الإيراني المسلم من صنع ثورة شعبية في إيران، أسقطت الإمبراطورية الشاهنشاهية، وخلَّصت الشعب الإيراني من ظلم وإستبداد الشاه ونظامه. لم تتوقَّف جهود الإمام الخميني بإسقاط الشاه وقيادة ثورة شعبية. وإنما عمل بعد ذلك على إرساء دعائم نظام جمهوري يستمد شرعيته من الشريعة والشعب.

فالإمام الراحل في نظريته السياسية لم يتخلَّ عن حق الفقيه وواجبه في آن في التصدي لشؤون الأمة العامة، والإشراف على سير مؤسسات الدولة ومراقبة أدائها. وفي الوقت نفسه لم يتجاوز حق الناس في إختيار شكل نظامهم السياسي والأشخاص الذين يتحملون المسؤوليات العامة في الدولة.

لذلك نجد على الصعيد الواقعي، أنّ الإمام الخميني كفقيه له ولاية شرعية على شؤون الأمة، مارس هذا الحق وثبَّت ولاية الفقيه كرأس للنظام الدستوري والسياسي للجمهورية الإسلامية، كما أنه أرسى معالم الإنتخاب المباشر، وحمَّل الشعب الإيراني مسؤولية إختيار حكّامه ومسؤوليه.

وبهذا المركَّب، تمكَّن الإمام الخميني (قدس سره) على هذا الصعيد من الوفاء بالشروط والمتطلبات الشرعية للحاكم وفق الرؤية الشرعية – الإسلامية، كما أنه إلتزم بمقتضيات الممارسة الديمقراطية التي تُعطي للناس حق الإختيار والإنتخاب ومراقبة المسؤولين ومحاسبتهم.

ولعل من أهم الميزات التي تُميّز هذه الشخصية الربانية الرائعة، هو حضورها الدائم في الساحة والتصدي النوعي لكل شؤون الناس. فإهتمامه العرفاني والفلسفي لم يمنعه من التعاطي مع الشأن السياسي من موقع المبادرة ومكافحة الظلم والإستبداد بكل أشكاله ومستوياته. كما أن مرجعيته الدينية لم تمنعه من الإنصات إلى قضايا الناس وحاجاتهم الملحّة.

لذلك فإننا نستطيع القول، إنّ شخصية الإمام الخميني (قدس سره) هي من الشخصيات المتكاملة التي جمعت بين العلم والعمل، بين الفقاهة والسياسة، بين العرفان وقضايا الناس.

لذلك أضحى بحق نموذجاً فريداً على أكثر من صعيد. ولم تستطع كل الضغوطات أن تحول بينه وبين العمل للوصول إلى أهدافه وغاياته، فقاوم النظام الشاهنشاهي من موقع المسؤولية الشرعية، وتحمَّل في سبيل ذلك ألواناً هائلة من الضغوطات والصعوبات، ولكن جميعها لم تثنهِ عن مواصلة الدرب وتحقيق المنجز الإسلامي المعاصر.

وفي سياق بناء الدولة الجديدة واجهته الصعوبات الجمَّة والمؤامرات المحلية والإقليمية والدولية، ولكنه كان صلباً وكانت بصيرته الثاقبة دوماً صوب البناء والتنمية وتحقيق حلم الأنبياء والأئمة والمصلحين عبر التاريخ.

وقاد الإمام الراحل باقتدار وحكمة الشعب الإيراني بعد الانتصار العظيم، في بناء دولة جديدة لا زالت هي التي تقود الشعب الإيراني وتحافظ على أمنه ومصالحه الإستراتيجية.

ولقد تميَّز الإمام الخميني في مختلف أطوار حياته بصفات نفسية وسلوكية متميزة واستثنائية، فهو فقيه الفلاسفة وفيلسوف الفقهاء، كما هو القائد السياسي الفذ الذي قاد ركب الثورة الإسلامية في إيران، وأخرجها بحنكته وحكمته من الكثير من المحن والإبتلاءات.

وسيَّج هذه القدرات بالتواضع الجمّ وحبّ الناس والزهد في الدنيا والتعفّف عن مباهج الحياة وزخرفها. فبفضل الأبعاد الفقهية والعلمية والسياسية والإدارية والميدانية، التي تجسدت في شخصيته، ترك بصمات واضحة في مسيرة الشعب الإيراني والأمة الإسلامية.

وبفضل الجهاد العلمي والسياسي والتصدّي المباشر الذي باشره خلال سنين طويلة من حياته، تبوَّأ موقعاً مركزيًّا أساسيًّا في المشروع الإسلامي المعاصر.. فهو بحق أحد رواد هذا المشروع وأبرز صنّاع العصر الإسلامي الراهن.

لا بد من الإشارة إلى أنّ هذه الشخصية الإستثنائية ارتبط إسمها بالثورة الاسلامية، فكانت الحلم الذي هدف إليه في الوقت الذي كان العالم يشهد هيمنة كبيرة للطغيان الأمريكي و البريطاني. لقد رأت الدول الإستكبارية في الثورة الإسلامية نموذجاً خطراً يهدّد كل مصالحها في العالم، ويشكّل دافعاً لكلّ الشعوب المستضعَفة للإنتفاض على حكّامها وقطع يد التدخّل الغربية في شؤونها الداخلية، لذلك فقد سعت بمختلف الوسائل إلى تشويه صورة هذه الثورة وهذا القائد العظيم، وذلك عبر الترويج للأكاذيب المضلّلة التي لا تمّت للحقيقة بصلة.

وأصدق دليل على ذلك ما عبّر عنه أحد الصحافيّين الأجانب في كتابه “الطريق إلى جماران”، عندما كان يظنّ أن الإمام قدس سره  من خلال ما سمعه في وسائل الإعلام الغربية – ذلك الرجل المتغطرس والحاكم الذي يجلس على عرشه الذهبي. ولكنّه عندما قرّر زيارة الإمام قدس سره في منزله تبيّن له أنّ هذا الرجل المتواضع، والحكيم، يشكّل في سكونه هدوء البحر، وهو بعيد كل البعد عن الأكاذيب الغربية.

يمكن أن نضيف في هذا السياق، وبتعمق أكثر في الفكر السياسي للإمام روح الله الموسوي الخميني قدس سره الشريف، الموقف والرؤى الإستشرافية من القضية الفلسطينية، كمثال نسوقه ضمن أمثلة كثيرة تهمّ قضايا الأمة الإسلامية والتي كانت من أوليات الإهتمام لدى الإمام قدس سره الشريف.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky