الاجتهاد: بمشاركة أكثر من 55 عالمًا وباحثًا ومفكرًا ومختصًّا بدأت صباح أمس الأحد (01 /12 /2019م) ندوة تطور العلوم الفقهية في عُمان في نسختها (الخامسة عشرة) والتي تنظمها وزارة الأوقاف والشؤون الدينية وستستمر ثلاثة أيام. الندوة جاءت بعنوان: (فقه الماء في الشريعة الإسلامية .. أحكامه الشرعية وآفاقه الحضارية وقضاياه المعاصرة) بمشاركة نخبة من العلماء والمفكرين والباحثين من داخل السلطنة ومختلف دول العالم الإسلامي.
وتشتمل الندوة على ثمانية محاور تتصل بالأصول الشرعية لفقه الماء والأنظمة الإسلامية في فقه الماء وقضايا الماء في الفقه الإسلامي وفتاوى الماء في الفقه الإسلامي وفقه الماء في تطبيقات التراث الإسلامي وقراءات معاصرة في فقه الماء المعاصر وفقه الماء والصراعات المعاصرة وأحكام البحر في الفقه الإسلامي.
14جلسة تناقش عبر 8 محاور فقه وقضايا وفتاوى الماء وتطبيقات التراث الإسلامي والصراعات الحالية
“ندوة تطور العلوم الفقهية” تستعرض آراء أهل الذكر والقواعد الكلية في “فقه الماء” برؤية معاصرة
◄ سماحة الشيخ أحمد الخليلي: الأمة الإسلامية أحوج إلى البحث المستنير للقضايا المستجدة بهدف تطوير الفقه
◄ مفتي مصر: التجديد في البحوث الفقهية من قضايا العصر.. وفهم المُتغيرات من أصول الاجتهاد الفقهي
◄ آية الله أحمد مبلغي: أبعاد اجتماعية ودولية وسياسية في التعامل الفقهي مع الماء
◄ عبدالرحمن السالمي: مباحث أخلاقية تلزم الفقيه بتوضيح رؤيته للكون وفضاءاته وأبعاده
◄ الندوة تتزامن مع إعلان السلطان قابوس للمؤتلف الإنساني لتعزيز الاحترام الكوني
وتتضمن الندوة ضمن جلساتها تقديم 57 ورقة عمل يشارك فيها عدد من أصحاب السماحة في بعض الدول العربية والإسلامية وعلماء ومفكرون من داخل السلطنة وخارجها.
وألقى سماحة الشيخ أحمد بن حمد الخليلي، المُفتي العام للسلطنة، كلمة قال فيها إنَّ الأمة الإسلامية أحوج إلى البحث المستنير وباستمرار للقضايا المستجدة فمن خلال ذلك يتطور الفقه، مُشيرًا سماحته إلى أن كل عصر تظهر فيه قضايا تنجم عن تطور الحضارة تفرزها هذه التطورات المتسارعة للحضارة الإنسانية.
وأشار سماحته إلى أنَّ الفقه يتسع لذلك كله ففيه القواعد الكلية التي تندرج ضمنها جميع الجزئيات التي تتعلق بالموضوعات المتعددة فما أحوج الأمة إلى هذا البحث المستمر والنظر إلى هذه القضايا المستجدة لتؤطر في إطار الفقه الإسلامي، مؤكدًا أن قضية الماء هي قضية مهمة لأنه روح الحياة .وأكد سماحته فضل الله تعالى في بقاء الماء ليكون روحاً لهذه الحياة فكان من الواجب أن تُشكر هذه النعمة أيما شكر لأنَّ الله سبحانه وتعالى أوجب على عباده شكر النعم ومن لا يشكر نعم الله فقد كفره، مؤكدًا على أهمية المحافظة على الماء وعدم الإسراف فيه، ومشيرًا إلى أهمية التوسط فبه تبقى النعم كما هي ويكون فيها شكر لهذه النعمة التي أنعم الله بها على عباده.
وقال سماحته إنَّ هذه البحوث المتعددة في بيان هذه النعمة العظيمة وبيان المحافظة عليها من خلال الاجتهاد الذي كان عبر القرون الماضية والذي لا يزال مُطردًا والحمد لله فإنَّ بابه لم يغلق في أي وقت من الأوقات ويجب أن يبقى باب الاجتهاد مفتوحًا.
التجديد والاجتهاد
تلا ذلك كلمة ألقاها سماحة الشيخ شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية قال فيها: «قضية التجديد والتطوير في البحوث الفقهية من أهم القضايا التي تشغل بال أهل العلم في العالم الإسلامي بوقتنا الحاضر، موضحًا أن إدراك الواقع وفهم تطوراته ومتغيراته ركن رئيسي من أركان التجديد والاجتهاد، وأنه لن تثمر أية جهود للتطوير والتجديد ثمرة حقيقية إلا بدراسة الواقع والتعمق في علومه وفهم تفاصيله وما يطرأ على أعراف الناس وثقافاتهم من تغيير إيجابي أو سلبي
وأوضح مُفتي جمهورية مصر -في كلمته الرئيسية بالندوة الدولية حول «تطور العلوم الفقهية» المنعقدة في سلطنة عُمان، اليوم الأحد، وتستمر ثلاثة أيام- أنه بالتجديد يتسنى لنا مواكبة متطلبات العصر والواقع، وأن نحقق مقاصد الشريعة الإسلامية الغراء من غير إخلال بالثوابت أو إهدار لأيِّ معلوم من الدين بالضرورة.
وأضاف سماحة الشيخ شوقي علام، أن مصطلح التجديد والاجتهاد بين كل منهما من التلازم والاطراد والارتباط ما يكاد يجعلهما وجهين لعملة واحدة، فالتجديد من لوازم الاجتهاد الصحيح؛ لأنَّ الاجتهاد معناه بذل الفقيه وسعه في استنباط الحكم الشرعي، ويدخل في هذا المعنى بالضرورة فقه النوازل المعاصرة والقضايا المستحدثة التي لم يرد فيها نص شرعي، وإنما يكون ذلك بإدراك علل التشريع وأسراره التي هي مناطات الأحكام الشرعية.
وتابع مفتي جمهورية مصر، أن هناك مجالات أخرى أوسع وأرحب تتعلق بالمفاهيم والتصورات العامة الكلية للوجود والحياة والغاية التي يجب أن يتغياها الإنسان من كل معتقداته وأفعاله وتصوراته، أي ما يتعلق بالنموذج المعرفي الإسلامي الذي يواجه ثورة حداثية معرفية شرسة تهدم الثوابت وتقلب الموازين وتعبث بالمفاهيم وتغير التصورات و تتلاعب بالمصطلحات، وأن هذا النموذج المعرفي الذي يعرف الآن بالعولمة ينطلق في الأساس من إنكار المطلق ومن الاعتقاد بنسبية القيم والأخلاق وتهميش رسالات الأديان، وهذا النموذج ينبغي مواجهته بالنموذج المعرفي الإسلامي بقيمه الأصيلة وثوابته الراسخة وبأخلاقه المحمدية.
التعامل الفقهي
بعد ذلك قدم سماحة الشيخ آية الله أحمد مبلغي من علماء حوزة قم بالجمهورية الإسلامية الإيرانية كلمة قال فيها: «هذا المؤتمر عكف على دراسة الماء وهو ثلاثي الأبعاد، تطوري وواسع وصلة، ويجب على العلماء التركيز على منهجية التعامل الفقهي مع الماء، وضروري فهم الماء بشكل دقيق وأبعاده الاجتماعية والدولية والسياسية، وهنا كثير من التحولات طرأت على الماء وضروري توجيه الدراسات الفقهية تجاهه».
وأضاف سماحة الشيخ مبلغي :«ظاهرة ندرة المياه واستخدامها وتلوثها وتكنولوجيا معالجتها حديثه تجعله موضوعا حساساـ ولابد من منهجية التعامل الفقهي وتجهيزها بالزوايا القانونية والحقوقية، ولابد من تفعيل مقاصد الشريعة وروحها ومصادرها وعرض القواعد الفقهية الخاصة المتعلقة بالمياه، وأوجه شكري لصاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله ورعاه- ومعالي وزير الأوقاف».
قضايا مائية
كما تحدث سماحة الشيخ راوي عين الدين رئيس مجلس الإدارة الدينية لمسلمي روسيا الاتحادية قائلاً: تُعد قضية الموارد المائية والبيئية قضايا مهمة لمسلمي روسيا الاتحادية معددا أهم الجوانب المتعلقة بهذا الشأن، حيث أكد أن الماء من الضروريات في مختلف مناحي الحياة، ومن المهم النظر في الأمر بعين الاعتبار وجعله من الأولويات في القضايا الفقهية والدينية التي يجب الحرص على مناقشتها وتناولها.
مشكلة مائية
تلا ذلك كلمة الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان السالمي رئيس اللجنة المنظمة للندوة، قال فيها :«لدى العالم كله في مطلع هذا القرن مشكلة مائية بدأت منذ عقود، ولا تؤذن بانتهاء. والمشكلة لها جانبان: جانب الندرة، وجانب التنظيم والحيلولة دون هدر المياه، وأما نحن في الجزيرة العربية فنُعاني من ندرة المياه منذ أكثر من ألفي عام، ولذلك فإن اهتمامنا بالمسألة المائية قديم ممتد. وهذا الاهتمام له أربعة جوانب: جانب استنباط الماء بشتى السبل، وجانب الحفاظ عليه من الهدر وسوء الاستعمال، وجانب متابعته بين الأرض والسماء، وجانب الاستخدام الطقوسي والديني بعامة».
وأضاف رئيس اللجنة المنظمة للندوة: «الفقهاء في وضع الأطر المنظمة لعمل تلك الأفلاج، ولاسيما ما يخص الجانب الشرعي والقانوني، وأصبحت هذه المدونات جزءا معرفيا، يضاف لحضارة وتاريخ ذاك البلد ونظمه الاجتماعية والمعيشية، وتشعل حماستهم لكشف المزيد من طرائق معيشته. وفي كل هذه المجالات تظل الأولوية لحفظ الماء وجودا ونظافة ونماء، وعده دائماً بركة ونعمة وخيرا».
وأضاف الشيخ الدكتور عبدالرحمن بن سليمان السالمي، أن المؤتمر يعقد بتوجيهات سامية من حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -حفظه الله تعالى- ونحن نستبشر بالخمسين عاماً للنهضة المباركة، استبشرنا بوثيقة جلالته للائتلاف الإنساني المنتظمة على أسس العدل والعقل والأخلاق، داعية إلى المعرفة والتعارف الإنساني والاحترام الكوني، ونحن في هذا المؤتمر الذي يمثل حلقة في ندوة تطور العلوم الفقهية، وهي السلسلة التي امتدت عبر قرابة العقدين، وصارت موسماً علمياً ينتظره فقهاء العالم من كل أقطابه.
جلسات ومحاور الندوة
الجلسة الأولى
قدم مفتي جمهورية مصر شوقي علام ورقة بحثية تناول فيها أبرز دلالات ألفاظ الماء في القرآن الكريم وما ارتبط بها من تخريجات فقهية وبيان أهمية الماء في ضوء القرآن الكريم، وقد ظهر بذلك ما أولاه الذكر الحكيم للماء من عناية، ومدى الثراء المرتبط بدلالة هذه اللفظة في القرآن الكريم بما انعكس على الاستنباط الفقهي والنظر الإسلامي لهذا العنصر الأساس في الكون.
تلا ذلك كلمة قدمها فضيلة الدكتور محمد تقي عثماني قال فيها: إن حماية المياة من التلوث أمر شرعي واجب الاتباع، لما له من أهمية من النواحي الدينية والحياتية خاصة وأن الماء هو ركيزة الحياة الأساسية التي تساعد على العبادات، كما إن الله عزّ وجلّ ذكر فضله في كثير من المواضع القرآنية.
ثم تطرق معالي الدكتور أحمد العبادي الأمين العام للرابطة العالمية للعلماء، إلى فقه المياه في الواقع المعاصر، مشيراً إلى أن هنالك نصوصا مؤسسة استنبط منها العلماء جواز الماهيات (الماء) قسمة بينهم، ولابد من إخراج التجربة الإسلامية لسد الذرائع ولكي يكون صوتا مسموعا، ومن ثم تكوين مراصد لدراسة مثل هذه القضايا.
في حين قال أفلح بن أحمد الخليلي أمين فتوى أولى فقهاء المذاهب الإسلامية للماء أهمية بالغة، وهو جلي فيما حبرته أقلامهم التي يشع نورها في مصنفاتهم، وأسلط الضوء في وريقاتي هذه على عناية فقهاء الإباضية به، وهي حقيقة بموسوعة عظيمة تستخرج الدرر من بحار مصنفاتهم لتحلي بها عنقها، واستخراجها يتطلب مسحًا لمؤلفاتهم ثم رصف مسائلهم وحسن تنظيمها، ثم ترصيع الأحكام بأدلتها وربط الأصول بفروعها حتى يتم وضع المفصل في تأصيلها.
ثم قال آية الله الشيخ أحمد مبلغي: هنالك فروع في الفقه الإمامي يمكن القيام بالتنظير على أساسها في قضية الماء، ونواجه مشكلة الفقه رغم التجارب التي تكونت إلا أننا عندما نلقي الضوء على موضوعات مستجدة نكرر ما قيل قديما، ولابد من بحث عن طرق لتفعيل الفقه وإخراج طاقات الفقه في المسائل الحديثة والواقعية والمستجدة، كما أنه لابد أن تستخلص الروح الكامنة وراء الأحكام الفقهية ثم نعود للقضايا المستجدة.
تلا ذلك كلمة سماحة الشيخ الدكتور أبوبكر أحمد حيث قال: نرفع آيات التقدير لجلالة السلطان قابوس بن سعيد -حفظه الله ورعاه- والشكر موصول لمعالي وزير الأوقاف، وأن الماء مفيد في الحياة الدنيوية والأخروية وواجب الحفاظ عليه، وعلينا أن نعلم أجيالنا الجديدة الحفاظ على الماء.
من ثم قال فضيلة الشيخ الدكتور محمد زيتون: يرتبط الماء بالبيئة في القرآن والسنة وملكيته عامة، حيث بدأت الثورة الأولى في الفقه في السنة الثانية للهجرة مع حادثة بئر رؤمة.
الجلسة الثانية
قال الدكتور إدريس الفاسي: «يتلخص فقه الماء فيما عدا العبادات في موضوعين اثنين: موضوع ملكية المياه، وموضوع الارتفاق في المياه، أما موضوع ملكية المياه فقد تبين أن الإشكال المتعلق به ظاهري فقط، إذ إن الفقهاء متفقون على ما يتملك منها وما لا يتملك».
وأضاف الفاسي: «الكلام عن موضوع الارتفاق في المياه فقد تبين في موضوعه أنّه لا ينفصل استيعاب ما يتعلق به بمعزل عن تفهم المأثور منه والمستنبط، وما ينبني عليه من المأثور فهو جملة أحاديث محدودة ينبني على كل حديث منها نوع من أنواع الارتفاق في المياه، ووجوه التفريع في مسائل الارتفاق في المياه فقد تبين أن جميع ما يتعلق بها هو من باب المصالح المرسلة التي لا يشترط فيها إلا عدم المصادمة لنص شرعي، وهو ما يعبر عنه الأصوليون بعدم نص فيها لا بالاعتبار ولا بالإلغاء، وذلك طبعًا بعد اعتبار ما يدخل في أصل الاستصلاح من جلب المصالح ودفع المفاسد، وما يدخل فيه من التمييز بين المصالح العامة والمصالح الخاصة».
وأشار الفاسي، إلى أنَّ من اللافت للنظر وهو أوضح شاهد على ما ذكرناه أن محكمة المياه التي أنشأها المسلمون في الأندلس قد بقيت مستمرة عبر العهود المسيحية التالية، وإلى يوم الناس هذا، بل إنها مما اعتبر ضمن النصوص التشريعية في قانون الماء بإسبانيا منذ عقود معدودة.
أما دكتور داود بورقيبة فقال: «جاءت نصوص خاصة في بعض أنواع الارتفاق، وهي تدل على ما سواها من حقوق الارتفاق في الأملاك العامة والخاصة، وتتعلق بالمياه أربعة من حقوق الارتفاق: الشرب: وهو النصيب من الماء للأراضي، والشفة: وهو حق شرب الماء لبني الإنسان والحيوان، والمجرى: وهو أن يكون لعقار حق إجراء الماء الصالح ومروره في عقار آخر، مالكه غير مالك العقار الأول، والمسيل: وهو حق تصريف الماء الزائد عن الحاجة أو غير الصالح إلى المصارف العامة».
وقال محمد بن سيف الشعيلي في كلمته: «إن عقد المساقاة من العقود الملزمة للأطراف والتي شرعت بالنص الفقهي والقانوني؛ تحقيقاً لمقاصد وغايات عديدة منها: استغلال الثروة المائية بأمثل طريقة، وكذلك لمقصد تحقيق مصلحة الناس ومراعاة حاجاتهم المختلفة من السعي للكسب والارتزاق المشروع، وتوظيف الأبدان والأذهان في خدمة الأمة كما يجب».
وأضاف الشعيلي: «من الضروري السعي إلى تطوير التشريع القانوني لعقود الإيجار والانتفاع التي يكون موضوعها الشراكة في العمل بالأبدان مثل المساقاة والمزارعة والمغارسة وغيرها وذلك بما يتناسب مع الأوضاع الاقتصادية للمجتمعات ويلبي متطلبات الأفراد والمؤسسات ماليا ومعيشيا، كما يجب على المصارف الإسلامية في المجتمعات الإسلامية تفعيل عقد المساقاة والتوسع في أنشطته وموضوعاته ومجالاته بما يتفق وأحكام الشريعة الإسلامية العامة ويراعي الأعراف المائية وغيرها ذات الشأن بهذا العقد».
وأكد الشعيلي ضرورة توجيه الاهتمام على صعيد الأفراد والمؤسسات الأكاديمية والخدمية المعنية بتطوير النشاط الزراعي نحو عقد المزيد من الندوات والمؤتمرات الغنية بالبحوث وأوراق العمل المقارنة لدراسة واقع العقود التي من شأنها النهوض بهذا القطاع بدءا بالتجديد التشريعي وانتهاء بالتطوير في الجانب التطبيقي حفاظاً على الأرض والثروة المالية.
الجلسة الثالثة:
في البداية تحدث الدكتور محمد الغاربي، عن نظام الأفلاج في الفقه الإباضي (رؤية فقهية وحضارية) قال إنَّ فقه نظام الأفلاج يساير حياة الناس ويبحث عن الوسائل الناجعة لمشكلات وميدان رحب للاجتهاد، كما يعد نظام الأفلاج مجموعة قواعد لتنظيم العلاقة بين النَّاس.
وأشار الدكتور مصطفى باجو إلى أن نظام الأفلاج من أهم سمات الفقه في الحفاظ على نعمة الماء، وحسن استغلاله، والعدالة في توزيعه، وضمان استقرار العلاقات الاجتماعية، ومنع التظالم والخصومات التي يشهدها الصراع على موارد الماء زمان الندرة، لا يزال هذا النظام قائماً معمولاً به في معظم واحات واد مزاب».
وقال باجور، إن نظام الري في بلاد الإسلام كان متشبعًا تضمن قوانين دقيقة مبناها قاعدة عدم التجارة في الماء والتكسب به، حتى لا تضيق الحياة بالناس بهذا التعامل الانتهازي، وظهرت عبقرية أبي العباس في حل إشكالية ندرة الماء، ومراعاة قواعد الشرع في تأمينه للناس، وتقصي دقائق المسائل في تجسيد هذه القواعد، مع معرفة شاملة بطبيعة المنطقة وخصوصية البيئة الاجتماعية التي ينتظمها هذا النظام. وهذه وظيفة المجتهد البصير، الذي لا يظل أسير النظر المجرد، بل يجمع فقه النصوص إلى فقه الواقع في توازن وانسجام، وتلك خلاصة شروط الاجتهاد في الإسلام.
أما دكتور محمد الحسن البغا فقد أوصى بضرورة بث الوعي ونشره حول الثقافة المائية للمحافظة على الثروة المائية بغرس وتنمية ثقافة القطرة المائية قد تنقذ إنسانا. والتعاون الفعَّال بين بني البشر لتحقيق الكفاية المائية المحلية والدولية ومن ثم الكفاية الغذائية فلا تسمع البشرية بالمجاعات وقتلى الجوع والعطش مع تطور الاقتصاديات والاتصالات والمواصلات، وزيادة البحوث والدراسات المائية لتلبية حاجات الإنسان ولتطوير استثمار الماء.
في حين قال الدكتور سعيد بن سعيد العلوي: يبدو، للوهلة الأولى أن تنوع مصادر المياه في المغرب بين الأمطار والأنهار والينابيع يدخل البلد في قائمة الدول التي تحتوي على ثروة مائية هائلة تفوق أو توازي حاجيات الناس، لكن واقع الحال يشي بغير ذلك فالمياه لا تكون في جميع الأحوال على النحو المطلوب من الغزارة ومن ثم فإن الندرة، من جانب أول، وسوء التوزيع.
ويشير محمد مزين، إلى بعض أسباب ومظاهر الندرة في المياه عبر تاريخ المغرب. من تلك الأسباب ما يعزى إلى التقلبات المناخية التي جعلت البلد يدخل دومًا في فترات من الجفاف وانحباس المطر كانت تمتد أحيانا سنين متصلة، وطبيعة المغرب الجبلية وما تشكله من عائق لجر المياه من أودية الأنهار إلى البسائط».
جاء اختيار عنوان الندوة لارتباط الماء بجوانب الحياة المُتعددة حيث ارتبط بتراثنا الفقهي ارتباطاً وثيقاً وخاصة في الجانب التعبدي إذ لا يوجد في تراثنا الفقهي مصدر يخلو من ذكره في باب الطهارة أو الصلاة أو غيره وتعدى ذلك ليصبح أساسًا من أسس فقه العمران فكتب الحكمة السياسية في القديم تعد الماء أس قائمة الضرورة لعمران المدن فيما يعرف بـ (سعة المياه المستعذبة)، كما يعد توفيره مقصدا من مقاصد حفظ النفس التي هي ضمن الكليات الخمس المبنية عليها شريعة الإسلام.
والماء يدخل ضمن المعاملات المدنية ولذلك قعدت له قواعد تملك في إطار الملكية العامة أو الخاصة، كما لا يخفى على أحد علاقته بالبيئة في إطار ترشيد الاستهلاك وصونه من التلوث وقضايا التصحر والاحتباس الحراري، كما تعد المياه مصدرا هاما في الجانب الاقتصادي وخاصة في الصناعات الحديثة وغيره وبتوسع الحضارة الإنسانية واشتراك الأمم فيما يعرف بدول المنبع أو المصدر ودول المصب ظهرت صراعات على المياه وتعددت أشكالها وبرزت قضايا تزامنت مع ترسيم الحدود،
كما ظهرت مصطلحات أخذت شكلا من أشكال المعرفة وجانبا من جوانب القانون واليوم تعتبر قضية المياه على رأس قضايا الساعة سواء في جانبها الفقهي أو إطارها القانوني والتشريعي وإعمال العقل الاجتهادي لاستنباط الحكم الشرعي الذي يعالج مستجداته
حيث تناولت محاور الندوة الأصول الشرعية والأنظمة الإسلامية والفتاوى لفقه الماء وقراءة التراث الإسلامي حوله والقضايا القانونية والمستجدات المعاصرة وأحكام البحار، شارك فيها فقهاء وعلماء القانون وخبراء بلغ عددهم سبعة وخمسين باحثًا من السلطنة ومصر والجزائر والمغرب وسوريا والبحرين واليمن والأردن وإيران والسعودية ولبنان وليبيا وباكستان والهند والعراق وروسيا الاتحادية وإندونيسيا،
كما شارك في الندوة حضور كثيف من مفتيي مختلف البلدان ككوسوفو وصربيا والهند وكرواتيا وسلوفينيا وأوغندا وبلجيكا وتايلند ونيجيريا والسنغال، كما شارك في الندوة معالي محمد تقي عثماني وزير الأوقاف بجمهورية باكستان الإسلامية وسماحة الدكتور شوقي علام مفتي جمهورية مصر العربية وسماحة الشيخ أحمد العبادي الأمين العام للرابطة المحمدية بالمملكة المغربية وشارك في الندوة الباحثون وطلاب الجامعات والمعاهد العليا والمهتمون بالشأن الديني والفكري والقانوني.