أعتقدأنه قد آن الأوان أن تصدرالمجامع الفقهية في كل أنحاء العالم الإسلامي قراراً قاطعاً باعتمادالرأي الفلكي العلمي الصحيح اليقيني الثابت لبدء الشهور العربية وإنهائها، لأنه الأكثر دقة والأكثر جمعاً لللأمة، وكل النصوص الواردة في هذا المجال فهي نصوص ظنية محتمله يمكن تأويلها وتوجيهها بما يتفق مع الحقائق العلمية القاطعة.
موقع الاجتهاد: في كل عام يتم إثارة ضجة خلافية حول إثبات هلال رمضان أو هلال شوال، وتنقسم الشعوب الإسلامية في تحديد بدء الصوم وفي تحديد نهايته، على نحو يعزز الفرقة بين الأمة الإسلامية وبين مذاهبها وأقطارها وأنظمتها السياسية، ويدخل على تقاطع الخلاف الهلالي خلافات من أنواع أخرى بعضها مذهبي وبعضها سياسي وبعضها فقهي، ومما يدعو للأسف أن بعض الشعوب تنقسم في القطر الواحد والدولة الواحدة، فتجد أن الشيعة لهم عيد والسنة لهم عيد وفق الفتاوى الصادرة عن المرجعيات الفقهية لكل فئة أو لكل مذهب.
مسألة تحديد بدء الصوم بحقيقته وبدء الشهر القمري مسلمة لا خلاف عليها، اعتماداً على قوله تعالى: « فمن شهد منكم الشهر فليصمه» واعتماداً على الحديث: «صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته» حيث أن الحديث يدعو المسلمين إلى بدء الصوم إذا ثبتت بداية الشهر برؤية علامته المرتبطة بظهور الهلال، لكن ما ينبغي الالتفات إليه بقوة أن مسألة تحديد بداية الشهر تعتمد على ذلك العلم الفلكي الذي يدرس حركة القمر في مداره المرسوم منذ خلقت الأرض، وتطور هذا العلم ونضج إلى تلك الدرجة التي تصل إلى حساب لحظة اقتران الهلال مع الشمس، ولحظة تولده عبر تحديد دقيق من الوقت يصل إلى الثانية الواحدة، أو بعض أجزاء من الثانية، بل يمكن حساب لحظات تولد الهلال لسنوات قادمة بدرجة تصل إلى القطعية المتفق عليها التي لا تحتمل خلافاً، ويتم تحديد متى يغيب الهلال قبل الشمس أو بعدها، وهل يمكن رؤيته بالعين أو لا يمكن رؤيته.
وحول هذه الحقيقة العلمية يجب التأكيد على بعض الأمور المتعلقة بهذه المسألة على وجه العموم من جهة وعلى بعضها على وجه الخصوص.
أولاً: يجب عدم التفريق بين الرأي الفلكي والرأي الفقهي وكأنهما أمران متباينان، بل إن الرأي الفقهي في هذه المسألة هو الرأي الفلكي الصحيح الثابت، حيث أن الفقه يعني العلم أو التعمق في العلم المصحوب بالفهم، وكل ما كان علماً صحيحاً ثابتاً فهو شرع وفقه. وفقه الأهلة ومطالعها يعتمد على العلم الصحيح المرتبط بحركة القمر حول الأرض والمتعلقة بحركة الشمس اعتماداً قهرياً لا ينفك عنها.
ثانياً: قول الرسول محمد صلى الله عليه وسلم “صوموا لرؤيته وافطروا لرؤيته فَإِنْ غُمَّ عَلَيْكُمْ فَاقْدُرُوا لَهُ” يدل بوضوح أن المسألة ببساطة متعلقة بالتحقق من تولد الهلال أو بدء الشهر بما يتوفر لديكم من قدرة أو أدوات أو علم يتم التواصل من خلاله لمعرفة الحقيقة، أما القول أنه يجب الاعتماد على الرؤية البصرية المجردة فحسب ولا يجوز استعمال المناظير والأمور العلمية الأخرى حتى لو كانت صحيحة ودقيقة، فهذا رأي ضعيف واجتهاد مرجوح يجب عدم الالتزام به ،لأن مستوى اليقين المتأتي من علم الفلك أقوى من الظن المتأتي من شهادة رجلين و بلا مقارنة.
ثالثاً: لقد جعل الله الشمس والقمر والنجوم علامات للهداية، ووسائل للتعرف على الحقائق المرتبطة بمعرفة المواقيت، ولذلك ينبغي الاتفاق على أن العلم المرتبط بهذه الأمور الفلكية هو جوهر الفقه المتخصص بتحديد بداية الشهور وانتهائها، ومعرفة أوقات الصلوات وشهور الحج كذلك، ولذلك فإن العلم المتعلق بمعرفة مطالع الشمس وحركتها ومطالع الأهلة هو المطلوب شرعاً وفقهاً وعقلاً، والحياد عن ذلك يمثل مخالفة صريحة لمراد الشارع ومقاصد الشريعة اعتماداً على آراء فقهية متهافتة أحياناً لا تقوى على الصمود أمام الآراء العلمية القاطعة.
رابعاً : الخلاف الذي جرى حول مسألة تحديد بداية الشهر بناء على الحقائق الفلكية؛ وهل هي لحظة الاقتران أم لحظة تولد الهلال أم لحظة غياب الهلال قبل الشمس أو بعد الشمس وإمكانية رؤيته بالعين، فهذه يمكن حسمها ابتداءً على حسم الموقف باتجاه اعتماد الرأي الفلكي العلمي الصحيح المتفق عليه أولاً، ومن ثم يجب الاتفاق على أن الشهر الجديد يبدأ منذ لحظة انتهاء الاقتران وبدء لحظة تولد الهلال الجديد بعد اكتمال دورته بغض النظر عن رؤيته بالعين أو عدم رؤيته، فهذه حقيقة فلكية ثابتة يجب أن تصبح معتمدة من كل دوائر الفقه ودوائر القضاء الشرعي في كل بلدان المسلمين حسماً لكل أنواع الخلاف الأخرى السياسية والمذهبية والقطرية وغيرها، وهذا أمر ممكن ومقدور عليه.
ولذلك أعتقد أنه قد آن الأوان أن تصدر المجامع الفقهية في كل أنحاء العالم الإسلامي قراراً قاطعاً باعتماد الرأي الفلكي العلمي الصحيح اليقيني الثابت لبدء الشهور العربية وإنهائها، لأنه الأكثر دقة والأكثر جمعاً لللأمة، وكل النصوص الواردة في هذا المجال فهي نصوص ظنية محتمله يمكن تأويلها وتوجيهها بما يتفق مع الحقائق العلمية القاطعة، ويجب احترام العقل والعلم الصحيح الثابت بدون أدنى مواربة ودون أدنى شكوك لا تصمد أمام اليقين.
المصدر: الدستور