خاص الاجتهاد: التكفير يعني اسقاط الهوية الدينية عن الفرد المسلم “مما يلغي كل حقوقه.. وقد يترتب عليه اجراءات عقابية كأحكام الردة في مشهور فتاوى المسلمين”./ “هناك رأي آخر لبعض العلماء المعاصرين، بأن الارتداد يوجب القتل حين يكون التحاقا بمعسكر العدو، أما اذا كان مجرد تغيير فكري عقدي فلا يستحق ذلك”.
يتحدث فضيلة الشيخ حسن الصفار في محاضراته العاشورائية التي ألقاها في الليلة الثالثة من شهر محرم 1439ﻫ الموافق 24 سبتمبر 2017م على جمع من المؤمنين في مجلس الحاج سعيد المقابي بالقطيف، عن معنى التكفير وما يترتب عليه من الآثار والنتائج النفسية والمستقبلية والإجتماعية إذا كفر أحد المسلم. كذلك يتحدث عن حكم طهارة المسلم ونجاسة الكافر والأقوال الواردة فيه، كما تطرق في كلامه الى أحكام الردة وأقوال بعض العلماء في إعادة النظر في موضوع قتل المرتد.
محاور المحاضرة
1/ ماذا يعني التكفير وماذا يترتب عليه؟
2/ استحقاق الهُويّة الدينية.
3/ اتجاهات التكفير.
4/ التحذير من التكفير.
{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا ضَرَبْتُمْ فِي سَبِيلِ اللَّـهِ فَتَبَيَّنُوا وَلَا تَقُولُوا لِمَنْ أَلْقَىٰ إِلَيْكُمُ السَّلَامَ لَسْتَ مُؤْمِنًا تَبْتَغُونَ عَرَضَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَعِندَ اللَّـهِ مَغَانِمُ كَثِيرَةٌ } سورة النساء،الآية 94
المحور الأول: ماذا يعني التكفير وماذا يترتب عليه؟
التكفير هو نسبة أحد من أهل القبلة إلى الكفر،فمن هو خارج الإسلام لا يطلق على تسميته بالكفر(تكفير)، لأنه كافر، وهناك معان أخرى للتكفير، منها: تكفير الذنوب والسيئات، أي محوها، كما في قوله تعالى: { رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الْأَبْرَارِ }
ومنها: إخراج الكفارة عن بعض المخالفات،كحنث اليمين أوترك الصيام الواجب، أو غيرهما من الموارد المشابهة، كما في قوله تعالى { فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ }
والبحث هنا حول التكفير بالمعنى الأول، وهو نسبة احد يُظهر الإسلام إلى الكفر، وتترتب عليه نتائج وآثار خطيرة، تتضح بعد عرض الفكرة التالية:
مكاسب الانتماء إلى الدين
يفترض أن انتماء الإنسان للدين يحقق له ثلاث مسارات من النتائج والآثار:
أولا: الاطمئنان النفسي والاستقرار الفكري، لأنه يجيب على أسئلته الحائرة عن وجوده وعن الكون و الحياة، كما يشعره بالاتصال بالقوة المطلقة المسيرة للوجود.
ثانيا: تأمين المستقبل والمصير الأخروي، حيث يعتقد الإنسان أن تدينه سبيل خلاصه ونجاته في الدار الآخرة.
هذان المساران لا يتأثران بالتكفير، لأنهما يرتبطان بداخل الإنسان.
ثالثا: الاعتبار والحماية الاجتماعية حيث يصبح عضواً في المجتمع الديني، يتمتع بمكاسب وامتيازات العضوية.
ففي الإسلام يكون له احترامه وحقوقه كمسلم، بدءاً من إلقاء التحية الخاصة عليه (السلام عليكم) حيث يرى البعض أنها تختص بالمسلم أما غير المسلم فيُحيّى بغير هذه الصيغة.
مروراً بعصمة دمه وماله، وطهارته، وحمله على الصحة في أقواله وأفعاله، ودخول المساجد والحرمين الشريفين، والتزاوج والإرث، والدفن في مقابر المسلمين، وقبول الشهادة، وصولا إلى إمكان تبوئه المناصب القيادية كالقضاء والولايات ورئاسة الدولة. وكذلك استحقاقه الحماية والنصرة لو تعرض للعدوان، وفي بعض هذه القضايا نقاش بين الفقهاء.
إن التكفير يعني إسقاط الهوية الدينية مما يلغي كل تلك الحقوق والامتيازات، بل وقد يترتب عليه إجراءات عقابية كأحكام الردة، فالمتفق عليه بين فقهاء المسلمين الحكم بقتل المرتد، وهو ما يثير تساؤلاً ملحاً خاصة في هذا العصر الذي تعززت في الحريات الفكرية و الدينية، والإسلام يؤكد على مبدأ حرية المعتقد، وعدم الإكراه في الدين، كما يصرح القرآن بذلك، فكيف يحكم بقتل المرتد؟!
يقول تعالى : (لَا إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ)
ويقول تعالى: (أَفَأَنْتَ تُكْرِهُ النَّاسَ حَتَّى يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)
ويقول تعالى: (وَقُلِ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ)
ويقول تعالى: (فَذَكِّرْ إِنَّمَا أَنْتَ مُذَكِّرٌ (21) لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُسَيْطِرٍ (22)
بالطبع للفقهاء أدلتهم التي يستندون إليها في الحكم بقتل المرتد.
رأي آخر في حكم المرتد
لكن هناك رأياً آخر لبعض العلماء المعاصرين، وهو أن الارتداد يوجب القتل حين يكون التحاقا بمعسكر العدو، أما إذا كان مجرد تغيير فكري عقدي فلا يستحق ذلك.
وقد مال إلى هذا الرأي(1) شيخ الأزهر الأسبق الشيخ محمود شلتوت (1310م – 1383هـ) (1893 – 1963م)، و من فقهاء الشيعة الشيخ محمد مهدي شمس الدين (1354هـ -1936م) (1421هـ -2001م)، والسيد محمد حسين فضل الله (1354 هـ – 1935م) (1431هـ – 2010م).
وقد أصدر الباحث الفقيه الدكتور طه جابر العلواني(2) كتاباً بعنوان (لا إكراه في الدين ـ إشكالية الردة والمرتدين عن الإسلام من صدر الإسلام إلى اليوم)(3) ناقش فيه الرأي الفقهي السائد بقتل المرتد عن الإسلام، انطلق في بحثه من النصوص والمبادئ الدينية التي تؤكد حرية اختيار الدين، وقد تناول النصوص ذات العلاقة بالموضوع ليصل إلى نتيجة خلاصتها: عدم وجود نص قرآني يشرع هذا الحد، كما تخلو السنة الفعلية من ذلك، فلم نـجد واقعة واحدة في العصر النبوي تفيد بتطبيق عقوبة دنيوية ضد من يغيّرون دينهم، مع ثبوت ردة عناصر كثيرة عن الإسلام في العهد النبوي، ومعرفة النبي بذلك، أما السنة القولية الواردة فيحتمل أن تخص من ينتقل إلى معسكر الأعداء.
وقد ناقش في بحثه رأي الفقهاء بمختلف مذاهبهم، ليستنتج أن الردة التي تستوجب العقوبة هي التي تتمثل في الانتقال إلى جبهة العدو.
وقد ذكر في مقدمة الكتاب، أنه أعد هذا البحث سنة 1992م، وكان يريد نشره لولا أنه تلقى تحذيرات بأن تبنيه لهذا الرأي قد يؤثر على وضع مؤسسته (المعهد العالمي للفكر الإسلامي)، فلما استقال من رئاستها عام 1996م، وأصبح رئيسا للجامعة الإسلامية في ماليزيا أعاد التفكير في طباعة الكتاب، فجاءته تحذيرات من إدارة الجامعة بأن ذلك سيؤثر على سمعة الجامعة، وقد يدفع لاتخاذ مواقف ضدها، فأخّر نشره، ولم ينشره إلا بعد عشر سنوات من تأليفه، يقول في مقدمته: (بدأ السن يتقدم، والأمراض تتكاثر، ولا أريد أن ألقى الله وقد كتمت علماً منّ الله به علي …)(4)
كما صدر مؤخراً بحث علمي حول ذات الموضوع عنوانه: (الفقه الجنائي في الإسلام ـ الردة نموذجاً) للباحث الفقيه الدكتور الشيخ حسين الخشن من لبنان، وصل فيه إلى نفس النتيجة.
و نحن هنا لسنا في مورد الترجيح لرأي معين في المسألة، و إنما نشير إلى خطورة التكفير باعتباره حكماً شرعيا له آثاره المصيرية الخطيرة، لأنه يكون افتراءً على الدين حينما لا يكون في محله، وللنتائج المترتبة عليه تجاه من يصدر ضده.
التكفير و إسقاط الجنسية
التكفير إسقاط للهوية الدينية، و هو ما يشبه إسقاط أو سحب الجنسية الوطنية، والذي يترتب عليه آثار مدمرة لحياة المواطن، لذلك تتشدد القوانين والمواثيق الدولية في هذا الموضوع، وتتفاوت البلدان في الالتزام بها، حيث تنص المادة 15 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان على حق كل فرد في أن تكون له جنسية، وعلى أن لا يحرم أحد من جنسيته تعسفاً.
وبحمد الله فإن بلادنا ليست من الدول التي تمارس هذا التعسف، فلم يجر إسقاط الجنسية إلا في حالات معدودة نادرة، بينما تقوم بذلك دول أخرى وبشكل جماعي.
وهذه ميزة من الميزات المهمة لبلادنا، نقول هذا وبلادنا تحتفل باليوم الوطني مستذكرين الحديث الشريف (حب الوطن من الإيمان) الذي أورده الشيخ عباس القمي في سفينة البحار .(5)
وما جاء عن أمير المؤمنين علي (ع): عمرت البلدان بحب الأوطان.(6)
إن حب الوطن والولاء له فطرة إنسانية باركها الدين، وشجع عليها، ولا يتحقق ذلك بمجرد رفع الشعارات، وإنما بالعطاء للوطن، والدفاع عنه، وتأكيد المحبة والتآلف بين أبنائه، ليكونوا صفاً واحداً في مواجهة الأخطار والتحديات.
1 – راجع: حسين الخشن، الفقه الجنائي في الاسلام الردة نموذجا، ص 25.
2 – افتقدته ساحة المعرفة الإسلامية مؤخراً بتاريخ 4 مارس 2016م رحمه الله.
3 – صدر عن مكتبة الشروق الدولية، الطبعة الأولى سنة 2003م، والثانية بالاشتراك مع المعهد العالمي للفكر الإسلامي سنة 2006م، ويقع في 198 صفحة من القطع الكبير.
4 – لا إكراه في الدين: بحث في إشكالية الردة والمرتدين من صدر الإسلام إلى اليوم، الدكتور طه جابر العلواني، ص 12.
5 – سفینة البحار ومدینة الحکم والآثار، الشیخ عباسالقمی الجزء : 8 صفحة : 525، حديث 11494.
6- بحارالأنوار– العلامة المجلسي – ج ٧٥ – الصفحة ٤٥– حديث 50.
المصدر: موقع فضيلة الشيخ حسن الصفار ملف صوتي بعنوان “إتجاهات التكفير في التراث الديني”