الاجتهاد: إن المطالع لسيرة العالم الجليل آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي يقف على مجموعة من الكنوز المهمة التي يصلح كل واحد منها ان يقف عنده المتتبع ليفيد منه ما امكنه.
منها ما يتعلق بنفس شخصيته وسيرته العملية المليئة بالدروس والعبر.
ومنها ما يتعلق بتأليفاته المتنوعة والغنية.
ومنها ما يتعلق بمشروعاته المفيدة والمعرفية.
وهنا أودّ الوقوف على مجموعة من الملامح التي تميزت بها شخصيته قدس الله روحه.
أولا: الإحاطة والشمول في العلوم الاسلامية،حيث درس الفقه والأصول في حوزة قم المقدسة على يد كبار المجتهدين أمثال أية الله العظمى السيد البروجردي قدس سره الشريف، وآية الله العظمى السيد الخميني قدس سره الشريف ،واية الله العظمى الشيخ محمد تقي بهجت قدس سره الشريف ،وايضا أحاط بالفلسفة الإسلامية من خلال الدرس على يد اشهر فلاسفة المسلمين في العصر الحديث السيد العلامة الطبأطبائي قدس سره الشريف ، وتخصص في مجالها تخصصا كاملا وله تدريس لاشهر الكتب الفلسفية امثال الأسفار الاربعة لصدر المتألهين الشيرازي رحمه الله والشفاء للشيخ الرئيس ابن سينا رحمه الله ، وغيرها من الكتب الفلسفية ،
فهو عالم متخصص في أبواب المعرفة في شقيها النظري الحكمة النظرية والعملي الحكمة العملية فالاولى هي إدراك الوجود واهمه المبدأ والثانية ادراك الواجب العملي واهمها الاخلاق اصلاح النفس.
ثانياً: إضافة للبعد الفلسفي والعقلي والاصولي فإن آية الله مصباح اليزدي قد تخصص في مجال العرفان النظري وايضا العملي حيث تتلمذ على يد الشيخ بهجت قدس سره الشريف فترة طويلة من الزمن وأخذ منه الحكمة العملية وهو تلميذ السيد القاضي قدس سره وغيره من العرفاء ،وكل من يطالع حياة الشيخ اليزدي قدس سره ويقرا كتاباته ويسمع محاضراته ويعيش في محضره يعرف الذوق العرفاني الرفيع ،وعرفانه هو عرفان اصيل يستقي من القرآن الكريم والسنة (الثقلين) وليس فيه ما ينفر الروح أو يدعو لقضايا بعيدة عن الشريعة فالعرفان والبرهان والقران واحد وهو تلميذ مدرسة الحكمة المتعالية .
ثالثاً: الاطلاع على فلسفة العصر في مبحث الوجود ونظرية المعرفة وكل من يطالع كتابه المنهج الجديد في الفلسفة يعرف ذلك فهو لم يجعل الدرس الفلسفي منغلقا على بحث الوجود فقط بل أيضا على بحث المعرفة ،وفي كتابه الذي أصبح كتابا دراسياً في الحوزة العلمية دروس مهمة في نظرية المعرفة ونقاش لكبار الفلاسفة حول نظرية المعرفة هذا البحث المهم في الفلسفة الحديثة والذي أصبح محور الدراسة فيها فقد ناقش ديكارت وكانط وغيرهم من فلاسفة الغرب وبين بأسلوب عملي مبسط نظرية المعرفة العقلية الاسلامية فقد بحث مصدر المعرفة وقيمة المعرفة ،وبحث انواع العلم الحصولي والحضوري ببحث شيق علمي ، ورد على الحسيين والعقليين في مسألة انتزاع الكليات ،
وهو قد درس كتاب فلسفتنا للشهيد الصدر في قم المقدسة فترة طويلة ،وكل من يقرأ المنهج الجديد في الفلسفة يعرف تأثر اليزدي قدس سره في الشهيد الصدر رضوان الله عليه في كتابه فلسفتنا حيث بحث نظرية المعرفة مفصلا ، ولقد درس الشيخ اليزدي قدس سره إضافة لكتاب فلسفتنا كتاب اصول الفلسفة للعلامة الطبأطبائي قدس سره الشريف ، وقد كتب تعليقة على نهاية الحكمة ، مما يبين اهتمام الراحل بالدرس الفلسفي فهو يعرف أن ميدان الحوار والبحث هو البحث الفلسفي فمن خلاله تتبين معالم مدرسة الاسلام الاصيل ..
رابعاً: البعد العلمي يقول الحديث الشريف يهتف العلم بالعمل فإن اجابه والا ارتحل، والشيخ اليزدي ظاهرة كبيرة في العلم والعمل فهو ناشط ثوري في الثورة الإسلامية وقد تبع استاذه السيد الخميني قدس سره في ذلك ، وقد كان محاضرا في الحوزة والجامعة يبين للشباب والطلبة اهمية الاسلام والتشيع الاصيل ودورهما في الحياة الإنسانية ،
وقد تعرض آية الله مصباح اليزدي كباقي العلماء للمضايقة من النظام البهلوي ، وقد عمل على تأسيس مدارس كثيرة ،ومؤسسات كبيرة تعني بالشأن العلمي والفكري ،وكان يلقي المحاضرات على جموع الشباب المتعطش للمعرفة بأسلوب شيق محبب للنفس ، يحاضر في الحوزة وفي المسجد وفي الجمعة وفي المؤتمرات وفي التلفزيون والإذاعة وفي كل مجال متاح لنشر المعرفة ،اضافة للبعد العملي العبادي الشخصي حيث كان في قمة العبادة والزهد ، بل من أساتذة الاخلاق والمربين والذي يذكرك بالله تعالى دائماً .
فنحن أمام عالم فذ وفيلسوف من طراز كبير وفي هذه المناسبة ندعو للاطلاع على فكره من خلال كتبه التي تمت ترجمتها الى اللغة العربية وهي كثيرة ومتنوعة في مجالات شتى ،ومن خلال محاضراته المترجمة في اليوتيوب فإنها ذات سحر خاص وبهجة وجذب كبير .
رحم الله الفقيد الراحل وعوضنا من أمثاله فهو مصداق للحديث الشريف إذا مات العالم ثلم في الإسلام ثلمة لا يسدها شئ إلى يوم القيامة.
الشيخ عبد الحكبم الخزاعي
المصدر: وكالة انباء الحوزة العلمية في النجف الاشرف – واحة