خاص الاجتهاد: الإمامة المبكرة للإمام الجواد “عليه السلام” كانت تحولاً جديداً في صياغة الأطروحة الإسلامية للحكم، والتنظير لها بما يعطي قراءة جديدة للقيادة المعصومة التي تجاوزت الحسابات المادية لكونها صياغة إلهية مسدّدة بغض النظر عن عُمر الإمام الذي يتولى مهمة الإمامة، بل يمكن أن نقول: إن إمامة الجواد المبكرة كانت تحدياً حقيقياً لتقليدية الحكم العباسي الذي تجاوز مرحلة النضج والرشد للخليفة العباسي الوريث لحكم آبائه. فالخليفة العباسي كان يعيش محنة عدم النضج والتكامل. بقلم: سماحة المحقق السيد محمد علي الحلو (رحمه الله)
لم تكن دراسة حياة الإمام الجواد “عليه السلام” تنطلق من الحاجة إلى قراءات التاريخ الإسلامي بما ينسجم وتاريخ التحديات السياسية التي رافقت بلورة نظام الحكم والتنظيم السياسي الإسلامي، وإن كان ذلك أحد دواعي الدراسة كذلك، إلا أن قراءة حياة الإمام الجواد “عليه السلام” تمثل الحقيقة الحرجة لمعطيات الظرف العام الذي يعيشه المسلمون آنذاك، فالإمام الجواد مثّل تطلّعاً جديداً في العطاء العام للقيادة الإسلامية التي تقود الأمة نحو الهدف الأسمى والأكمل.
فالإمامة المبكرة للإمام الجواد “عليه السلام” كانت تحولاً جديداً في صياغة الأطروحة الإسلامية للحكم، والتنظير لها بما يعطي قراءة جديدة للقيادة المعصومة التي تجاوزت الحسابات المادية لكونها صياغة إلهية مسدّدة بغض النظر عن عُمر الإمام الذي يتولى مهمة الإمامة،
بل يمكن أن نقول: إن إمامة الجواد المبكرة كانت تحدياً حقيقياً لتقليدية الحكم العباسي الذي تجاوز مرحلة النضج والرشد للخليفة العباسي الوريث لحكم آبائه. فالخليفة العباسي كان يعيش محنة عدم النضج والتكامل. محمد علي السيد يحيى السيد محمد الحلو 1428هـ
فإنه ما أن وصل إلى منصب الخلافة بالوراثة التقليدية، حتى بذل الجهود في تربيته الخاصة الإنضاجه ولكنه رغم ذلك كان يعاني من تعثرات الأداء في إدارة الدولة، ويؤول الأمر إلى استيلاء ذوي الحنكة السياسية من القادة والخدم والصبيان الذين يحيطون بالخليفة، فتدار الدولة على أساس مشتهيات هذا اللوبي أو ذاك. في حين تُثبت إمامة الجواد المبكّرة تحدياً كبيراً لتقليدية الوراثة العباسية، ولنظرية الاستحقاق الوراثي الذي يتقلّد من خلاله الخليفة العباسي منصبه.
وفي عمر مبكرة كان للإمام الجواد “عليه السلام” جولات صراع لإثبات أن الحق مع هذا الخط الإلهي، الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
وكانت المناظرات قائمة بين الإمام وبين مخالفيه بما يشكّل تهديداً حقيقياً للوجود العباسي، بل لوجود مدرسة الخلفاء المقابلة لمدرسة آل البيت المعصومة، و على هذا الأساس أخذ الصراع العباسي منحىً جدياً، فهو اليوم يواجه خطراً حقيقياً يطيح بكل مبتنياته، بل يمكن القول إن إمامة الجواد المبكرة كانت ثورة تغلي و تتّقد دواعيها بشكل خفي، حتى في مشاعر العباسيين أنفسهم، إذ يرى هؤلاء أن الخلافة لا تنتقل بالوراثة النسبية التقليدية، بل هي قضية إلهية لا يمكن تجاوزها.
والإمام الجواد”عليه السلام” السباعي أو الثماني من العمر يشكّل معلماً رئيسياً لهذا التحدي الخطير، فقناعات العباسيين لإمامة الجواد “عليه السلام” المبكرة تسير وفق قناعات الإنسان بكل موضوعيته، واعتباراته عقلائية. ومعارضة العباسيين للإمام الجواد “عليه السلام” تسير وفق سياقات التنافس السياسي، فهم بالنتيجة في أعماق ذواتهم “المنكسرة” يقتنعون بمعجزات الإمام، وبالتالي بأحقيته في الخلافة والإمامة، إلا أن هذا التحدي يعني إلغاء دورهم كحاكمين ويحيلهم محکومین تابعين.
من هنا نشأ الصراع العباسي في قراءة متحدية لواقع أهل البيت “عليهم السلام” من قبل المأمون العباسي، الذي كان يعيش قلق الاستحقاق الحقيقي الذي يجده في آل البيت. وكذلك يعيش هاجس انتقال السلطة من البيت العباسي إلى البيت العلوي، وهو الهاجس نفسه الذي يعيشه العباسيون كذلك، فالمأمون مثلا كان يمثل حقبة الصراع العباسي – العباسي، والإمام الجواد “عليه السلام”يمثل التحدي الحقيقي لسلطة العباسيين التي يقرأ جميع فصولها المسلمون، ولذلك فحياة الإمام الجواد “عليه السلام” مثّلث مقطعاً مهماً من الصراع بين فلسفتين متناقضتين في الحكم والسياسة والحياة بجميع مفاصلها، من هنا تطلق أهمية دراسة حياة الإمام الجواد وتاريخه المليء بالتحديات العباسية والمؤامرات والفتن.
ومن العجيب أن هذا المقطع التاريخي قد ألغيت فصوله التاريخية، أو اختفى منها الكثير، وصودر الأكثر، لذا تجد أن الباحث في هذا المقطع التاريخي المثير يجد الصعوبة بمكان في تحديد معالم الصراع والوقوف على مفاصله؛ لندرة النصوص، أو إلغاء الكثير من فصول هذا الصراع، والتعتيم على هذه الفترة التاريخية الحرجة من حياة الأمة الإسلامية؛ لذا تجد أنّ الدراسة عن الإمام الجواد “عليه السلام” لا تتعدّى سوى استعراض مبسط لجزء من حياته الشريفة، والباقي صادرته كتابات المؤرّخين بالإشارة الخاطفة لحياة هذا المقطع المثير، أو أخفت السلطات الحاكمة الكثير من هذا التراث التاريخي المهم،
وبذلك فإنّ المؤرخ الإسلامي متّهم بالإهمال – على أحسن تقدير – لهذه الفترة المعطاء من حياة الإمامِ الجواد “عليه السلام” , أما على أساس الكتابات الشيعية فهي بالرغم من أنها معدودة جداً إلاّ أنها لا يتعدّى أكثرها عن إشارات الحياة الإمامِ الجواد “عليه السلام” عدا ما كتبه العلامة المحقق السيد عبد الرازق المقرّم في كتابه الإمامُ الجواد “عليه السلام” ، فكانت دراسة تحليلية في أكثر جوانبها بعيدة عن السرد، ومهما يكن من أمر فإن حياة الإمام الجواد “عليه السلام” تستدعي الوقوف كثيراً لقراءة هذا المقطع الرائع من «الإمامة المبكرة وتداعيات الصراع العباسي »
المصدر: مقدمة المرحوم المحقق السيد محمد علي الحلو على الطبعة الأولى من كتابه بعنوان ” الإمام محمد الجواد (ع)، الإمامة المبكرة وتداعيات الصراع العباسي.
تحميل الكتاب