المناسبات الدينية - أسامة آل بلال النجفي

أستاذ الحوزة العلمية يحذّر من تأثير التدخلات السياسية على عفوية المناسبات الدينية

الاجتهاد: أستاذ الحوزة العلمية في النجف الشيخ أسامة آل بلال النجفي: إن كثيرا من الأحزاب السياسية وخصوصا الأحزاب الدينية الإسلامية حاولت استغلال المناسبات الدينية لمصالحها الخاصة.

شهدت المناسبات الدينية في العراق تحولات كبيرة في السنوات الأخيرة، ورغم عمق وجودها التاريخي في البلاد فإنها تأثرت بالأحداث والظروف، وبدأ يطغى عليها الطابع السياسي في كثير من الأحيان.

ويعزو العديد من رجال الدين والباحثين من ذوي الاختصاص ذلك التغيّر إلى الشحن السياسي المتزايد في العراق بخاصة بعد الغزو الأميركي عام 2003، مما دفع الأحزاب والقوى السياسية إلى استغلال هذه المناسبات لإثبات القوة وحشد مزيد من التأييد الشعبي.

وفي حديثه للجزيرة نت حول خروج المناسبات الدينية في العراق من روحانيتها والدخول إلى التفكيك الطائفي والمذهبي قال فضيلة الأستاذ الشيخ أسامة آل بلال النجفي: أنه منذ عام 2003 بدأت بعض الأحزاب وبعض الحركات استغلال المناسبات الدينية المتعددة خلال السنة الهجرية، من أجل جرّ النار إلى قرصها، ولكن سرعان ما التفت الناس إلى أن هذه الجهات السياسية تستغل هذه المناسبات الدينية لمصالحها الخاصة، وبدأت حلقة جديدة من الفشل في استغلال المناسبات الدينية من قبل الأحزاب السياسية.

ويؤكد أستاذ الحوزة أن السياسيين حاولوا استغلال هذه المناسبات الدينية مرارا وتكرارا بتأسيس مواكب حسينية في طريق المشاة إلى كربلاء، وكان الناس في بدايات زوال النظام السابق بعد 2003 يتعاملون مع هذه المواكب كما يتعاملون مع المواكب الأخرى، ولكن بعد مرور بضع سنين اكتشف الناس فشل هذه الأحزاب ونفاقها، وذلك أدى إلى إغلاق معظم تلك المواكب.

على الطرف الآخر، تحاول بعض القوى المعارضة استغلال هذه المناسبات الدينية لإيصال صوتها الاحتجاجي ضد الأحزاب الحاكمة، ويرى النجفي ضرورة تجرّد المناسبات الدينية عن هذه الصراعات مهما كانت، وأن تكون مناسبات خاصة في التقرب إلى الله سبحانه وتعالى، والسعي إلى التكامل النفسي والروحي، وهذا لا يمنع أن يقول الإنسان كلمة الحق بعيدا عن المزايدات وبعيدا عن الصراعات.

ويحذّر الشيخ النجفي من تأثير التدخلات السياسية على عفوية هذه المناسبات التي مر عليها مئات السنين، فتجد الناس لا يحركهم محرك وإنما الذي يحركهم هو الإيمان والعقيدة.

ويشير إلى أن بعض هذه التدخلات من قبل الأحزاب والسياسيين قد تفقد هذه “المسيرات الإيمانية” روحانيتها، فعندما تجد أن هناك صورا لرموز الأحزاب وهناك لافتات تحمل أسماء تلك الأحزاب، وتجد هنا وهناك أقوالا معسولة تكتب وتنشر وتوزع وهي كلمات حق أريد بها باطل، وشعارات رنانة ولامعة ولا يوجد تطبيق لتلك الشعارات؛ فهذا مما يسبب جدلا بين الناس ويفقد روحانية الزيارة وألق هذه المناسبات الدينية.

وفي مراسم الزيارة الأربعينية التي تنتهي اليوم السبت، تداول العراقيون بنوع من التهكم والسخرية قيام بعض قادة الأحزاب بالتسابق للظهور في هذه المناسبة من خلال توزيع الطعام والتجول بين الزائرين.

وفي المقابل، تحولت ذكرى المولد النبوي بالعراق في السنوات الأخيرة إلى وسيلة يحاول البعض استغلالها أو ركوبها للكسب السياسي والجماهيري، حيث يمكنك مشاهدة عشرات الساسة والنواب السنّة يتقاطرون على جامع الإمام أبي حنيفة في منطقة الأعظمية لحضور احتفال المولد المركزي الذي يقام هناك.

ولا يختلف الأمر كثيرا في أعياد النوروز في مارس/آذار من كل عام، حيث تتسابق الأحزاب الكردية على تنظيم الفعاليات وتسخير كل الجهود ضمن محاولات كسب تأييد شريحة واسعة من الجمهور.

كثرة المناسبات

ولعل السبب الأعظم لكثرة المناسبات الدينية والقومية هو المحاولة لإثبات الهويات من خلال إقامة الشعائر والاحتفالات، وإن لم تثبت أغلب هذه المناسبات بنصوص شرعية أو أدلة صحيحة، حسب الدكتور محمد طه حمدون رئيس دار الأثر والفقه في العراق.

 

ويشير -في حديثه للجزيرة نت- إلى كثرة هذه المناسبات في أغلب أيام السنة إذ تعطل الدولة عند إقامتها، وترفع فيها شعارات ذات بعد طائفي ومذهبي، وربما اكتنفتها بعض الأمور غير المنضبطة اجتماعيا وشرعيا.

ويرى حمدون أن بعض القوى تحاول إثبات الوجود وإيصال رسالة ذات بعد طائفي وسياسي مبالغ به، ربما ينعكس في غالبه على صفو البلد بتكديره، في ظل عجز الدولة عن ضبط كثير من الأمور التي تثير النعرات، وتؤزم المواقف، وتعمّق هوة الخلاف مع وجود بقايا الاحتقان الطائفي والقومي.

وعن الأبعاد السياسية والطائفية للتحشيد لهذه المناسبات، يقول حمدون “لا شك أن لإقامة هذه المناسبات أبعادا سياسية تتمثل في استغلالها لكسب الشارع وتعاطفه مذهبيا من خلال التسهيلات والمشاركة الفاعلة في إقامتها وخدمتها ماليا وإداريا، رغم تخلّي المسؤول عن دعم أتباعه في غير المناسبات مع فقرهم وبؤس وضعهم الاقتصادي والمعاشي”.ويضيف أنه “كما يتجلى البعد السياسي أيضا يتجلى بوضوح البعد المذهبي والقومي بإظهار الاعتزاز بالمعتقدات، بل ربما بإظهار الوجود وقوة الشوكة”.

وبينما تتنوع المناسبات في العراق بين زيارة الأربعينية (ذكرى مقتل الحسين بن علي) والمولد النبوي وأعياد النوروز وغيرها، ينوّه رئيس دار الأثر والفقه إلى أن المكونات تظهر من خلال هذه المناسبات وجودها ومعتقداتها، وربما تبرز قوتها وامتدادها الجغرافي والمناطقي، كما تتجلى معتقدات كل طائفة ومذهب بصورة واضحة وفعاليات مختلفة ومتجددة، مؤكدة تمسك كل فريق بثوابته ومعتقداته وما يؤمن به في ظل صراع الوجود، ومحاولة إثبات الهوية في خشية من هيمنة بعض المذاهب على الآخر والسعي للتغيير الديمغرافي وإلغاء وجوده القوي”.

ويؤيد رئيس أئمة وخطباء الأعظمية الشيخ مصطفى البياتي ما ذهب إليه حمدون، مؤكدا أن بعض المناسبات الدينية أصبحت محطّ استغلال من قبل بعض الفاشلين والفاسدين، بعد إخفاقهم في تقديم منجز للشعب العراقي.

ضرغام الدين علي

وفي حديثه للجزيرة نت، شدد البياتي على ضرورة أن تكون كل المناسبات تصبّ في خدمة البلد والمواطن وتقديم صورة حضارية للعراق، وتعايش مكوناته بعيدا عن الشحن الطائفي والقومي.

تأجيج الفتنة

ويرى أستاذ علم الاجتماع الدكتور وعد إبراهيم خليل أن المناسبات الدينية باتت تثار بشكل كبير في العراق، وهناك بعض الاستغلال لهذه المناسبات لخلق الفتن ودفع البلاد إلى عدم الاستقرار.

وفي حديثه للجزيرة نت، يرجع خليل انسياق بعض العراقيين وراء هذه الفتن إلى البساطة التي تميّز كثيرا منهم، فهم لا يفكرون بعمق، فالشخصية العراقية عاطفية انفعالية تتأثر بشكل سريع.

ويبدي أستاذ علم الاجتماع أسفه لوجود فئة لا تتعلم من الدرس عندما تقع في مشكلة أو بعد فترة تنسى ذلك وتعود للوقوع في الفتنة نفسها أو بفتنة مشابهة، وهذا يعود إلى طيبة هذه الشخصية وسرعة انفعالها وسرعة تأثرها بما يدور حولها، حسب قوله.

ويرجّح خليل أن الجهات التي تحاول إثارة الفتن بين العراقيين كثيرة، منها جهات داخلية، وأخرى خارجية، إضافة إلى الإرهاب الذي حاول كثيرا استغلال الدين لخلق النعرات الطائفية والمشاكل بين المسلمين، وهنالك بعض الأحزاب التي تستغل الدين لتحقيق مآربها الخاصة ولإثارة الفتن للحيلولة دون استقرار العراق.

ويذهب إلى أن إخماد الفتنة مسؤولية مجتمعية، ابتداء من الأسرة وانتهاء بأكبر مؤسسة وهي الدولة، بأن تأخذ على عاتقها إخماد أي فتنة تظهر وإسكاتها بأسرع وقت، قبل حدوث مشاكل لا تحمد عقباها.

ويشدد أستاذ علم الاجتماع على دور المؤسسة الدينية وبقية المؤسسات كل حسب مسؤوليته وموقعه، من أجل إخماد الفتنة قبل أن تصبح مشكلة وخيمة العواقب.

وعي شعبي

ويلفت الصحفي ضرغام الدين علي إلى أن المناسبات الدينية في العراق باتت محط استغلال سياسي حزبي ودولي، لخلق الفجوات والفتن.

ويشير علي -للجزيرة نت- إلى أن العراق استقبل هذا العام أعدادا هائلة من الزائرين، وأن الساسة لا يستطيعون مهما حاولوا العبث بهذا “العشق الرباني”، ولن يتمكنوا لوجود الوعي الشعبي.

ويعرب عن اعتقاده بأن العراقي أصبح يعي جيدا أساليب ساسته وأجنداتهم وتقديم مصلحتهم على المصالح العامة، لذا خرجت المظاهرات الشعبية ضد ساسة البلد، ومن أجل حقوق المواطنين البسيطة.

وبدوره، يقول الصحفي والناشط محمد السامرائي إن المناسبات الدينية أصبحت اليوم محط استغلال سياسي وفكري واجتماعي، و”يتعكز عليها أغلب السياسيين الفاشلين بالعملية السياسية”.

ويضيف -للجزيرة نت- أنه لاحظ في السنوات الماضية كيف استغل السياسيون والطائفيون -على سبيل المثال- تفجير مرقد الإمامين العسكريين عام 2006 في سامراء، لتصبح بوابة للعنف الطائفي، لكن العراقيين أصبحوا اليوم ناضجين فكريا ودينيا وسياسيا.

وينوّه السامرائي إلى أن المناسبات الدينية كانت بعيدة عن الصراعات السياسية وكانت تعطي رسالة كبيرة، لكن بعض الأجندات السياسية بدأت تستغل القصائد وتستغل المواكب، لزرع الفتنة.

ويؤكد السامرائي أن العراقيين أثبتوا وحدتهم وتماسكهم أمام العالم بعد أن نبذوا القصيدة الطائفية التي أثارت الجدل أخيرا لإساءتها إلى الصحابة الكرام.

من جانبه، يؤكد الكاتب حسين الصافي أن استغلال المناسبات الدينية من قبل الأطراف السياسية ضئيل جدا لأن معظم الشعب العراقي ليس لديهم تعصب أو توجه سياسي معين، حتى إن حاولت بعض الأحزاب السياسية إشراك التوجهات السياسية مع الطقوس الدينية.

ويؤكد للجزيرة نت أن سبب تمسك العراقيين بهذه المناسبات الدينية يعود لارتباطهم الروحي بمذهبهم والدفاع عنه، بخاصة في زيارة الأربعينية حيث يتكفل الناس بإطعام ملايين الزائرين ومبيتهم وشرابهم، وذلك يدل على الارتباط العميق من أجل إنجاح هذه الاحتفال البشري الكبير.

المصدر : الجزيرة 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky