أساليب التدريس في مرحلة الدراسات العليا البحث الخارج

أساليب التدريس في مرحلة الدراسات العليا (البحث الخارج)

الاجتهاد: طريقة الآخوند الخراساني في التدريس كانت مركزية الأستاذ ومركزية الطالب معاً، حيث كان الطلاب المتميّزون يكلَّفون من قبل الأستاذ بإعادة إلقاء الدرس مرّةً أخرى على سائر الطلاب والإجابة عن أسئلتهم وإشكالاتهم، ويقال: إنّ السيد البروجردي كان يحث على ترويج هذا الأسلوب في الحوزة العلمية في مدينة قم، كما شهدت النجف تطبيقاً متفرّقاً لهذه الطريقة، منها درس الشهيد الصدر، حيث يقال بأنّ السيد كاظم الحسيني الحائري كان يلعب هذا الدور أحياناً./ بقلم الأستاذ الشيخ حيدر حب الله

تتنوع أساليب التدريس في مرحلة البحث الخارج، تارةً من حيث الشكل والأسلوب، وأخرى من حيث المنهج والمضمون ([27])، ونحاول هنا التعرّف على هذه الأساليب باختصار.

1 ـ أساليب التدريس في مرحلة البحث الخارج من حيث الشكل

يمكن رصد أساليب التدريس في مرحلة البحث الخارج وتنوّعها لنكتشف أنها تقوم أو يمكن أن تقوم على أربعة أساليب وطرق، هي:

1ـ مركزية الطالب (المدرسة السامرائية).

2ـ مركزية الأستاذ (المدرسة التقليدية).

3ـ الجمع بين المركزيّتين المتقدّمتين.

4ـ الأسلوب الجماعي.

أ ـ مركزية الطالب (أو المدرسة السامرائية)

يعدّ هذا الأسلوب من الأساليب التي اتبعها الميرزا الشيرازي الكبير (1312هـ) فترة تواجده في سامراء، ويقوم على طرح المسألة الفقهية أمام الطلاب، ثم يقوم الطلاب معه بالإدلاء بدلوهم في هذه المسألة باحثين بشكل جماعي كلّ ما يرتبط بها، من هنا تتوزّع الوظائف في هذا الأسلوب بين الطالب والأستاذ، فالطالب يقوم بالبحث وإثارة الأجوبة أو الإشكاليات وتتبّع النصوص والأسانيد وتحليل الأفكار والنظريات، فيما يقوم الأستاذ في البداية بطرح المسألة، ثم يشارك بين الفينة والأخرى في رأيه مثل سائر الطلاب، ثم يقوم في نهاية الجلسة باستخلاص النتائج وإعادة تنظيم الموضوع، ومن ثمّ الخروج بالاستنتاجات والخلاصات.

وقيمة هذا الأسلوب البحثي التدريسي أنه:

أولاً: ينمّي الطالب ويعطيه الثقة بنفسه، ويشعره بأنه مساهم في إنتاج الأفكار، ويخرجه من حالة التلقّي المحض إلى حالة الفعل والتأثير، الأمر الذي ينقله من رؤية الممارسة الاجتهادية إلى مرحلة تنفيذه بنفسه لهذه الممارسة، وهو ما باتت تؤكّده وتحث عليه الدراسات النفسية والتربويّة.

ثانياً: إنّ مشاركة عدّة أشخاص في العملية البحثية سوف تساعد في التوصّل إلى معطيات ونتائج أدقّ، وسينمو الحجم الكمّي للأفكار أيضاً من خلال طرح الأفكار المختلفة ومناقشاتها وتعدّد الاحتمالات المثارة في تفسير نصٍ هنا أو فكرة هناك.

ثالثاً: إنّ هذا الأسلوب يساعد الأستاذ على تقييم مستويات طلابه من خلال مشاركاتهم؛ لأنّ أسلوب التلقين لا يعطي الأستاذ صورةً واضحة عن درجات فهم طلابه أو مستويات تحليلهم، على خلاف هذا الأسلوب هنا فإنه يساعد بشكل أكبر.

إلا أنّ هذا الأسلوب التدريسي يحتاج ـ كي يترك تأثيراته الإيجابية ـ إلى بعض التنظيم والضبط، وذلك أنّ هناك مشاكل تنجم عن استخدام هذه الطريقة في التدريس:

1 ـ إنّ الموضوع الصغير عندما يدخل في بحثه عشرون شخصاً قد يطول الحديث عنه عدّة ساعات قبل أن تحسم الأمور، ولهذا يُنقل أنّ درس الميرزا الشيرازي كان يمتدّ أحياناً لسبع ساعات متواصلة، الأمر الذي يرهق الحضور ويتعبهم، بل ربما يكون مؤثراً في حدوث فوضى في الأفكار وعدم قدرة على ضبط التحليل في خطوات محدّدة؛ لأنّ طريقة عصف الأفكار هذه قد تحكمها الفوضى في بعض الأحيان، الأمر الذي يفقد الطالب منهجية الخطوات ووضوح الرؤية.

2 ـ إنّ مثل هذا الأسلوب قد ينفع لو كان عدد طلاب الدرس محدوداً، أما لو كان كثيراً بالعشرات أو المئات، فإنّ هذا الأمر سيحوّل الدرس إلى فوضى عارمة غير خلاقة، فيصبح من العسير الخروج بنتائج مفيدة فيه.

3 ـ إنّ الدروس الحوزوية العليا قد يلتقي فيها ـ كما نعرف ـ أشخاص متعدّدون ومختلفون من حيث المستوى العلمي، فقد يشارك اليوم طالبٌ خرج للتوّه من مرحلة السطوح ومستواه العلمي متوسّط، وإلى جانبة طالب يدرس البحث الخارج منذ ست أو سبع سنوات، وقد يحدث أن يؤثر دخول طالب من النوع الأول في هبوط مستوى الدرس من خلال إثارة أفكار يعدّ أمرها واضحاً لسائر الطلاب، أو قد تضطرّ مشاركته لتوضيح قضايا كان يفترض أن تكون واضحة في مرحلة السطوح، كالفرق بين الحكومة والورود أو الإطلاق والعموم أو نحو ذلك، واحترام وجود مثل هذا الطالب قد يؤثر على مستوى الدرس عموماً ويظلم سائر المشاركين.

ولتفادي هذه المشاكليمكن أن يصار إلى تنظيم الجلسة العلمية الدرسية بحيث تدور الدائرة مرّتين على الطلاب لكي يدلوا بدلوهم وتعليقاتهم، مع تحديد وقت معيّن للمداخلة والحرص على عدم الخروج عن الموضوع، وهنا أيضاً يمكن أن يلعب الأستاذ دوراً أساسياً في ضبط الجلسة الدرسية، كما يمكن مسبقاً وضع وقتٍ محدّد تقسّم حصصه على المشاركين، ويمكن توزيع جوانب البحث على الطلاب قبل يوم، فيتولّى أحدهم الجانب الأصولي والآخر الرجالي و..

ومهما سجّلت الملاحظات على هذا الأسلوب الدرسي، إلا أن فوائده تظلّ تطالب به،مما يجبرنا على التفكير في طريقة تجمع إيجابياته ولا تضرّنا مع ذلك سلبياتُه، وهذا ما حاول أن يفعله أصحاب الأسلوب الثالث كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

ب ـ مركزية الأستاذ (أو الطريقة المدرسيّة)

هذا هو الأسلوب الذي مازال سائداً ومهيمناً على الحوزات العلمية في العالم، ومنها مدينتي: قم والنجف، ويقصد به أنّ محور الدرس الذي يتحمّل المسؤولية الكبرى هو الأستاذ، حيث يقوم بنفسه بتنظيم الدرس وتحضير مقدّماته وإعدادها، ثم يتولّى إلقاء الدرس بأكمله، ويكون هو الفاعل والمتحرّك والمؤثر فيما الطالب هنا هو المنفعل والساكن والمتأثر، وغاية ما يفعله الطالب أنه يستمع للدرس، ويكتبه أثناء إلقاء الأستاذ له.

وقد يحدث أن يشارك بعضٌ قليل من الطلاب عادةً في الإشكال على الأستاذ أثناء الدرس أو بعده مباشرةً، وهنا أيضاً تختلف طرائق الأساتذة وطبائعهم، فبعضهم يجيب على إشكال الطالب وبعضهم لا يجيب، وبعضهم يتجاوب فيما بعضهم الآخر ينهر ويقسو في الكلام، وبعضهم يستجيب ويقرّ بالإشكال وبعضهم ليس كذلك وهكذا..

ومن خصائص هذا الدرس وآثاره:

1 ـ أنّ الطالب مضطرٌّ للتعامل والتكيّف مع طريقة الأستاذ ولو لم تعجبه، فقد يطيل أو يختصر أو يعقّد البيان أو ينظّم أو لا ينظم الموضوعات، وليس أمامه سوى الرضا به أو الانتقال إلى أستاذ آخر.

2 ـ قد لا يفهم الطالب بعض الأمور، فيكون تدخّله لفهمها محرجاً بالنسبة إليه، مما قد يؤدّي إلى وجود ثغرات في فهمه، وهذا ما قد يمكن جبره بالمباحثات الطلابية بعد ذلك.

3 ـ عدم وضوح شخصيّة كثير من الطلاب بالنسبة لأستاذهم، لاسيما إذا كان الدرس كبيراً، وعدم قدرة الطالب على الشعور بأنّ الأستاذ يربّيه؛ لأن الغالب هو أنّ الأستاذ يعطي الدرس ويخرج.

وهذه الأمور يمكن تلافي بعضها على الأقلّ بتغيير بعض الأساتذة لطرائقهم أو استشارتهم لطلابهم في نقاط قوّة الدرس وضعفه كلَّ فترة، أو إفساح المجال للأسئلة الاستفهامية بعد الدرس أو في يوم محدّد من الأسبوع، أو الاقتراب في العلاقات الشخصيّة من طلابه.

ورغم بعض الثغرات في هذا الأسلوب وإمكان تلافي جملة منها، إلا أنّ قيمته أنّه يختصر الوقت وينظّم البحث ويقدّم كمّاً أوفر من المعطيات، وقد يقوم الأستاذ بتقديم مختصرات مطبوعة لدرسه كلّ يوم أو أسبوع بما يساعد الطلاب على فهم الدرس بطريقةٍ أفضل.

ج ـ أسلوب الجمع بين المركزيّتين (الأستاذ والطالب)

يذهب هذا الأسلوب إلى الجمع بين مركزية الأستاذ ومركزية الطالب معاً، من خلال تحويل كلّ درس إلى حصتين اثنتين، ففي الدرس الأول تكون المحورية لصالح الأستاذ انسجاماً مع مركزيّته، وهنا يكون الهدف استبداد الأستاذ بالدرس شرحاً وتوضيحاً وتنظيماً دون أدنى تدخل من الطلاب، بحيث يتركون إشكالاتهم أو ملاحظاتهم للمرحلة اللاحقة.

أما الدرس الثاني فيخصّص للطلاب كي يقوموا بإبداء الدرس مرةً ثانية وتكراره أمام الأستاذ، وهنا يتقوّى الطالب على البيان ويعمّق فهمه أمام الأستاذ وتنجلي الصورة له تماماً، لاسيما إذا كان حاله متوسّطاً.

وقد تمّ تداول هذا الأسلوب في الحوزات العلمية على نطاق محدود؛ إذ غالباً ما كان الطلاب يستعيضون عن الجلسة الثانية هذه بجلسة المباحثة التي كانوا يعقدونها فيما بينهم بحيث يستفيدون من بعضهم، لاسيما استفادة الضعفاء أو المتوسّطين من النخبة المتميّزة، ولعلّ عدم رواج هذا الأسلوب الجامع هنا ناتجٌ عن أنه يأخذ قدراً أزيد من وقت الأستاذ، والأساتذة الكبار غالباً ما لا تكون لديهم الفرصة الكافية لذلك؛ نظراً لانشغالاتهم الكثيرة، لاسيما لو تصدّوا للشأن العام أو للمرجعيّة الدينية.

وعلى أيّ حال، فإنّ التتبع التاريخي يبيّن لنا أنّ هناك عدّة طرق استخدمت داخل هذا الأسلوب فيما يخصّ جلسته الثانية، وأهم هذه الطرق هي:

1ـ طريقة الآخوند الخراساني، حيث كان الطلاب المتميّزون يكلَّفون من قبل الأستاذ بإعادة إلقاء الدرس مرّةً أخرى على سائر الطلاب والإجابة عن أسئلتهم وإشكالاتهم، ويقال: إنّ السيد البروجردي كان يحث على ترويج هذا الأسلوب في الحوزة العلمية في مدينة قم، كما شهدت النجف تطبيقاً متفرّقاً لهذه الطريقة، منها درس الشهيد الصدر، حيث يقال بأنّ السيد كاظم الحسيني الحائري كان يلعب هذا الدور أحياناً.

في هذا الأسلوب يمكن تخفيف الضغط عن الأستاذ لاسيما المتصدّي لشؤون أخرى، بيد أنّه يحتاج إلى توفّر طلاب متميزين حقاً في الدرس كي يتولّوا هذه المهمّة.

2 ـ طريقة السيد محمد باقر الدرجئي، حيث يقال: إنه كان يلقي الدرس صباحاً في (مسجد نو) في إصفهان، ثم يعيده مرّةً أخرى في المساء.

لكنّ هذا ليس مساهمةً من الطالب إلا إذا جعل الدرس الثاني مفتوحاً للمناقشات أشبه بالطريقة السامرائيّة.

3 ـ طريقة المحقّق الإصفهاني (1361هـ)،حيث كان يقوم قبل أيّام من الدرس بكتابته وتسليمه إلى الطلاب، فيقرؤنه ويطالعونه ويفهمونه، ويكون ذلك بمثابة الدرس الأوّل، ثم لما يحين موعد الدرس يلقيه عليهم وهم فاهمون له، ليكون ذلك تعميقاً وترسيخاً للدرس في أذهانهم.

وهذه الطريقة جيدة أيضاً، حيث يأتي الطالب معها إلى الدرس وهو مهيأ للتعمّق فيه، فبدل أن يُذهب طاقاته الذهنية في التمكّن من فهم مطالب الأستاذ أثناء الدرس، ها هو الآن يبذلها في ابتكار الإشكال على الأستاذ أو فهمه فهماً أعمق.

وقد سمّيت هذه الطريقة بهذا الاسم؛ لأنه يقال بأنّ أوّل من سنّ هذا الأسلوب هو الشيخ الإصفهاني في حوزة النجف، وهناك بعضٌ قليل جداً من الأساتذة اليوم يمارسون هذه الطريقة أيضاً.

ولعلّه يمكن أن ندرج طريقةً أخرى مقترحة هنا من قبل بعض الباحثين([28])قد تكون شكلاً آخر من أشكال طريقة المحقّق الإصفهاني، باتت ميسورةً اليوم، وهي أن يقوم الطالب باستماع أشرطة الأستاذ التي ألقاها في الدورة السابقة قبل الذهاب إلى الدرس، فيكون مستعداً لفهم الموضوع أكثر والإشكال عليه.

لكنّ هذه الطريقة قد تنفع في الأصول دون الفقه؛ لقلّة تكرار الأساتذة أبحاثهم الفقهية، كما أنها تتوفّر لمن يعطي الآن دورةً ثانية، أما من يعطي دورةً أولى فيكون من العسير توفير ذلك لطلابه.

4 ـ طريقة السؤال والجواب، بحيث يعقد بعد الدرس أو في وقتٍ لاحق لقاءٌ مخصّص لتساؤلات الطلاب وإشكالاتهم، شرط أن يكون صدر الأستاذ رحباً وكبيراً، ليجيب عن مختلف أنواع الطروحات والتساؤلات التي يقدّمها الطلاب، مهما كانت بالنسبة إليه سخيفةً أو ضحلة.

5 ـ ويمكن تصوير طريقة أخرى هنا، وهي أن يطلب الأستاذ من أحد الطلاب بشكل متناوب أن يحضّر الدرس ويلقيه هذا الطالب، ثم يقوم الأستاذ بإلقاء درسه بعد ذلك أو في وقت لاحق، وإن كان هذا الأسلوب فيه بعض المصاعب من حيث إنّ بعض الموضوعات قد يحتاج في نفسه لعدّة دروس حتى يكتمل، فلو اكتفى الطالب بدرس واحد لبُتر البحث ولظهر ما يعطيه الأستاذ وفق ترتيبه الشخصي مغايراً لما يعطيه الطالب.

وعلى أيّ حال، فأسلوب الجمع بين المركزيّتين له فوائدهالتي تعطي الطالب وضوحاً في الفهم وتمكّناً من الإشكال أو تدرّباً على البيان، بحيث يؤهّله ذلك لمهنة التدريس لاحقاً، كما أنّ هذا الأسلوب يوضح ـ في بعض طرقه ـ للأستاذ أيضاً طاقات تلامذته وإمكاناتهم، ويضع الطلاب أمام مسؤوليّات جديدة.

إلا أنّ هذا الأسلوب يعاني أيضاً من بعض المشاكل والمعوقات،مثل احتياجه إلى وقت إضافي يحوي تكراراً، وربما لا تكون للأستاذ أو التلميذ الفسحة الكافية من الوقت لذلك، كما أنه يجعل الطالب المتوسّط يعتاد على تكرار الموضوع لفهمه واستيعابه، فيما نحن بحاجة إلى تدريبه على الفهم من المرّة الأولى.

د ـ الأسلوب الجَمَاعي

ويقصد بهذا الأسلوب أن يقوم مجموعةٌ من الطلاب بالبحث بشكل جَمَاعي عن مسألة فقهية أو أصولية أو.. ويناقشوا أبحاث الآخرين ويفنّدوا الأقوال، ثم يتبنّى كلّ واحد منهم رأياً، ثم يُصار إلى عرض ما أنتجوه في هذه اللقاءات البحثية على الأستاذ، لكي يقوم بتصويب ما يحتاج إلى تصويب، وبإرشادهم إلى نقاط ضعفهم وقوّتهم. وربما يصار إلى استخدام أسلوب البحث الجماعي دون حاجةٍ إلى الأستاذ.

إلا أنّ هذا الأسلوب يمكن التعليق عليه:

أولاً: إنه لا يتوفّر إلا للطلاب الذين قضوا فترةً من وقتهم في دراسة البحث الخارج، كي تكون لديهم المؤهّلات لخوض حوار علمي بحثي أو تشكيل خليّة عمل بحثية ناضجة. ومن الصعب أن يُطلب ذلك من الطلاب الذين التحقوا للتوّ بمرحلة الدراسات العليا، إلا إذا هُيّؤوا من قبلُ لذلك.

ثانياً: إنّ هذا الأسلوب قد يخسر الطالب معه الفوائد التي قد يكسبها من حضور درس الأستاذ ومراكمة الخبرة بذلك، حيث لن يشاهد أمام ناظريه حركة الاجتهاد وهي تمارَس بشكلٍ حيّ أمامه من قبل أستاذه الذي بلغ مرتبة الاجتهاد.

ثالثاً: لا يختلف هذا الأسلوب كثيراً عن أسلوب المدرسة السامرائية، بل يظهر أنّ الأسلوب السامرائي أفضل منه؛ لأنّ حركة البحث في الأسلوب السامرائي تقع أمام مرأى الأستاذ وتدخّله بين الفينة والأخرى وتصويبه الأمور، أما في الأسلوب الجماعي فإنّ الأستاذ غائبٌ عن الحضور، وهو لا يرى سوى أوراق الطلاب، ومن الممكن أن يكتب الطلاب أوراقهم بعد البحث والمداولة، كما من الممكن أن يكون بعض الطلاب أقدر من حيث البيان الشفاهي منه في مجال البيان التدويني فتختلّ رؤية الأستاذ له.

كما أنّ الأسلوب الجماعي يتطلّب من الأستاذ مطالعة البحث عينه مكرّراً مراتٍ عديدة بعدد طلابه، وهذا ما قد يستهلك وقتاً كثيراً، لاسيما وأنه قد يكون من الأساتذة الكبار أو المتصدّين للشأن العام.

من هنا، يُعتقد أنّ الجمع بين أسلوبي المدرسة السامرائية والجماعية يظلّ هو الأفضل نسبيّاً، لكن دون حاجة إلى مراجعة الأستاذ كلّ الأبحاث المكتوبة، فيجمع الطالب بين القدرة البحثية الشفوية والتدوينية، ويأخذ بالتدرّب على التصنيف الفقهي والأصولي بطريقة موسّعة واجتهادية.

هـ ـ الأسلوب الجامع المختار (هل يمكن الجمع بين الأساليب؟)

ومن خلال ما تقدّم، أعتقد أنه يمكن الجمع ـ إلى حدّ ما ـ بين الأساليب المختلفة المشار إليها، ونقترح هنا تقسيم مرحلة البحث الخارج إلى قسمين:

1 ـ المرحلة التعليمية، ويمكن أن تستمرّ من عامين إلى ثلاثة أعوام في الحدّ الأدنى، وتستخدم فيها الطريقة التقليديّة (مركزيّة الأستاذ)، شرط أن يطلب من الطالب فيها ـ أولاً ـ التدرّب على صياغة الأبحاث التي يلقيها الأستاذ في مجلس الدرس، إلى جانب ـ ثانياً ـ إلزامه بكتابة بحثين على الأقلّ سنوياً في المجال الأصولي والفقهي، مع إضافة ـ ثالثاً ـ تعيين بعض فضلاء الدرس العالي ـ إن لم يتمكّن الأستاذ نفسه ـ لإعطاء الطلاب المبتدئين في المرحلة العليا فرصةً أسبوعية لطرح إشكالاتهم واستفهاماتهم وملاحظاتهم التي خطرت ببالهم أثناء الأسبوع.

2 ـ المرحلة البحثية، وتتلو تلك المرحلة، ولا يلزم الطالب فيها بحضور درس الأستاذ على الطريقة المتقدّمة، وإنما يُلزم بالطريقة السامرائية (مركزيّة الطالب) ولو بدرس أسبوعي مطوّل للأستاذ من جهة، إلى جانب طريقة البحث الجماعي من جهة أخرى كما شرحنا قبل قليل.

وتستمرّ هذه المرحلة لعامين أو ثلاثة، بحيث يصبح المجموع خمس إلى ست سنوات، تتلوها أطروحة بحثية موسّعة يُلزم الطالب تقديمها وليس معها درس، ويشرف عليه فيها الأساتذة البارزون.

 

المصدر: قسم من مقالة بعنوان: الحوزة العلمية ومناهج الدراسات العليا – مطالعة عابرة في أساليب التعلّم والتعليم وقواعد الإدارة التعليمية للشيخ الدكتور حيدر حب الله

 

تحميل المقالة

الحوزة_العلمية_ومناهج_الدراسات_العليا

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky