خاص الاجتهاد: في السنوات الأخيرة، وتحديدًا خلال فترة ولاية ولي العهد محمد بن سلمان، شهدت المملكة العربية السعودية تسارعًا ملحوظًا في تنفيذ مشاريع التحديث(Modernization) والتغريب(Westernization)، مما فاقم حدة التساؤلات حول طبيعة التغيرات الجارية في المجتمع السعودي.
فقد شهدت المملكة تنظيم فعاليات من قبيل المهرجانات الموسيقية والحفلات الليلية التي يشارك فيها فنانون مشهورون، بالإضافة إلى فعاليات “موسم الرياض“، مما أثار تساؤلات حول موقف التيارات السلفية من هذه التغيرات، وسبب عدم اتخاذها موقفًا واضحًا تجاه هذه الفعاليات التي تعتبرها غير أخلاقية وغير شرعية. في هذا السياق، نستعرض في هذا التحليل أبرز النقاط المتعلقة بهذا الموضوع.
أولا: على الرغم من الصورة النمطية للمجتمع السعودي كمجتمع متدين، فإن الواقع يختلف تمامًا. فقد أدت الثروات النفطية الهائلة إلى ظهور طبقة اجتماعية مرفهة تعيش نمط حياة ليبرالي، وملكية علمانية ووهابية شكلية. وبالتالي، فإن المجتمع السعودي المعاصر هو مجتمع متنوع ومتعدد الطبقات، حيث تتجاور التقاليد الدينية مع التوجهات الحديثة. وهذا التداخل المتنوع يكشف عن الوجه الحقيقي للمملكة العربية السعودية في السنوات الأخيرة، بعيدًا عن الصور النمطية.
ثانيًا: شهد تاريخ العلاقة بين التيار الوهابي وآل سعود العديد من التقلبات والمنعطفات. ومن الشروط غير المكتوبة لعضوية هيئة كبار العلماء، بصفتها أعلى سلطة دينية في المملكة، عدم التدخل في الشأن السياسي. وقد شهد التاريخ حالات طرد لأعضاء هذه الهيئة نتيجة لتجاوزهم هذا الشرط، وأبرز مثال على ذلك هو حالة الشيخ العبيكان. كما أن موقف الشيخ ناصر الدين الألباني، الذي كان يرى أن أفضل سياسة هي ترك السياسة، قد شكل تأثيرًا كبيرًا على التيار السلفي، حيث دعا أتباعه إلى تجنب المشاركة في السياسة إلى أن يتم تطهير المجتمع عقائديًا.
“ثالثًا: في تصريح له قبل أيام، أكد وزير الثقافة السعودي بدر بن عبدالله بن فرحان، أن مهرجان الرياض لا يتعارض مع قيم الحرمين الشريفين، مؤكدًا أن المملكة العربية السعودية بلد واسع، والحرمين الشريفين جزء صغير منها. وأضاف أن مثل هذه الفعاليات لا تمس حرمة الحرمين الشريفين. وفي حديثه لصحيفة الشرق الأوسط، أشار الوزير إلى أن الثقافة الإسلامية جزء من تاريخ المملكة، ولكنها ليست مقتصرة على مكة المكرمة والمدينة المنورة، وأن مدنًا مثل الرياض وجدة والطائف ليس لها قدسية تاريخية. وختم تصريحه بالتأكيد على سعي المملكة لتحقيق التوازن بين قيم الحداثة والحفاظ على القيم الإسلامية.
رابعًا: طرحت فكرة “استقلال الفاتيكان” وحفظ الحق الدولي للكرسي الرسولي لأول مرة في عام 1929م من قبل الديكتاتور الفاشي الإيطالي موسوليني. فقد منح موسوليني للفاتيكان حكما ذاتيا محدودا مع مراعاة القوانين الكاثوليكية، وشروط الحياد في الحروب، مقابل عدم تدخل الفاتيكان في الشؤون الداخلية لإيطاليا.
وإذا ما قارنا هذه الاتفاقية التاريخية بالوضع الحالي في المملكة العربية السعودية، سنجد أن خطة ولي العهد محمد بن سلمان في منح التيار السلفي التقليدي حرية أكبر في مقابل عدم تدخله في الشؤون السياسية ودعمه للتغيرات الحديثة تشبه إلى حد كبير اتفاق موسوليني مع الفاتيكان. بعبارة أخرى، يسعى بن سلمان من خلال منح امتيازات خاصة للسلفيين إلى السيطرة عليهم وتقليل معارضتهم للتغيرات الحديثة.
بقلم حجة الإسلام والمسلمين السيد علي بطحائي