اجتهاد الصحابة

اجتهاد الصحابة بين مدرسة أهل البيت والمدرسة السُنيّة.. دراسةٌ نقديةٌ مقارنة

الاجتهاد: يتناول البحث رؤية مدرسة الصحابة ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام) في مسألة اجتهاد الصحابة، فيبدأ بالقضايا ذات الطابع المنهجيّ من بيان وتعريف لمفردة الصحابي وعدالته في علوم اللغة والكلام والحديث عند المدرستين.

ويبحث حجية آراءهم، وهل أنها سنّةٌ كسنة النبي (صلّى الله عليه وآله) من جهة الاعتبار أم غير ذلك؟ آخذًا ذلك من رؤية أصول الفقه السنيّة وما استدلّوا به من نصوصٍ نقلية، وحوادثٍ تأريخيةٍ تمتد إلى عصر النبي (صلّى الله عليه وآله)، وبيان لخصائص اجتهادهم في عصره (صلّى الله عليه وآله)، وما روي في ذلك، مع اختيار نماذج معينةٍ من اجتهادات الصحابة بعد زمن النبيّ ومناقشتها. ذلك كله يتناوله البحث قراءةً، ونقدًا، وترجيحًا ليستوعب المسألة من جهاتٍ عديدة. / بقلم الشيخ د. عدنان فرحان

أوّلًا: تعريف الصّحابي في المدرستين

قبل الدخول في بيان حدود اجتهاد الصّحابة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبعد رحيله، ونوع هذا الاجتهاد، ينبغي أنْ نسلِّط الضوء – وباختصار- على موضوع تعريف الصّحابي لدى المدرستين – المدرسة السُنِّية، ومدرسة أهل البيت (عليهم السلام)- مع الإشارة إلى موضوع عدالة الصّحابة في المدرستين.

تعريف الصحابي في المدرسة السنِّية

قال ابن حجر في مقدِّمة الإصابة: «الصّحابي من لقي النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مؤمنًا به، ومات على الإسلام، يدخل فيمن لقيه من طالت مجالسته له أو قصرت، ومن روى عنه أو لم يروِ، ومن غزا معه أو لم يغزُ، ومن رآه رؤيةً ولو لم يجالسه، ومن لم يره لعارضٍ كالعمى»[1].

وذكر تحت عنوان: ضابط يُستفاد من معرفته صحابةُ جمعٍ كثيرٍ فقال: «كانوا لا يؤمّرون في المغازي إلّا الصحابة… وإنّه: لم يبقَ بمكة والطائف أحدٌ في سنة عشر إلاّ أسلم وشهد حجّة الوداع، وأنّه لم يبقَ في الأوس والخزرج أحد في آخر تعهد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ دخل في الإسلام، وما مات النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأحد منهم يظهر الكفر»[2]. وبهذا التعريف والضابط الذي ذكره ابن حجر تدخل الجزيرة العربية أو معظمها في تعريف الصّحابة.

تعريف الصّحابي في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)

إنّ مدرسة أهل البيت(عليهم السلام) ترى أنّ تعريف الصّحابي: هو كما ورد في قواميس اللغة العربية كالآتي:

الـصاحب وجمعه: صَحْب، وأصحاب، وصحاب، وصحابة و(الصَاحب: المعاشر والملازم، ولا يقال إلّا لمن كثرت ملازمته)، و(إنّ المصاحبة تقتضي طول لبثه)[3].

وبما إنّ الـصّحبة تكون بين اثنين، يتّضح لنا أنّه لا بدّ أنْ يُضاف لفظ (الصاحب)، وجمعه (الصَّحْب) الـى اسمٍ ما في الكلام، وكذلك ورد في القرآن في قوله تعالى: ﴿يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ﴾[4] و﴿أَصْحَابُ مُوسَىٰ﴾[5]، وكان يقال في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): (صاحب رسول اللّه)، و(أصحاب رسول اللّه)، مضافًا إلى رسـول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، كما كان يقال: (أصحاب بيعة الشجرة)، و(أصحاب الصّفة)، مضافًا إلى غيره.

ولم يـكـن لفظ الصاحب والأصحاب يوم ذاك أسماءً لأصحاب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولكن المسلمين من أصحاب المدرسة الـسُنِّية تدرّجوا بعد ذلك في تسمية أصحاب رسول اللّه (صلى الله عليه وآله وسلم) بالصّحابيّ والأصحاب، وعلى هذا فإنّ هذه التسمية من نوع (تسمية المسلمين)، و(مصطلح المتشرعة)[6].

ولا نريد أنْ ندخل في نقاشٍ طويلٍ حول الضابطة التي ذكرها ابن حجر في الإصابة، والتي استند فيها إلى روايةٍ عبّر عنها أنّها (من طريقٍ لا بأس به)، وفحواها: أنّهم كانوا في الفتوح لا يُؤمّرون إلّا الصّحابة. إذ إنّ هذه الرواية قد رواها كلٌّ من الطبري، وابن عساكر بسندهما عن سيف، عن أبي عثمان، عن خاله وعبادة، فمصدر الرواية – سيف – المتهم بالوضع والزندقة[7]. كذلك الواقع التأريخي يناقض ما ذكروا؛ فقد روى صاحب الأغاني وقال: «أسلم امرؤ القيس بن عديّ الكلبي، على يد عمر، وولاّه قبل أنْ يصلِّي لله ركعةً واحدة»[8]. ويخالفه أيضًا ما في قصة تأمير علقمة بن علاثة الكلبي بعد ارتداده، وقصته في الأغاني والإصابة بترجمته[9].

هذا هو واقع الرواية أو الروايات التي يستند إليها علماء المدرسة السنِّية، وهذا هو الواقع التأريخي، إلّا إنّهم استندوا إلى ما رووا، واكتشفوا ممّا رووا ضابطةًلمعرفة صحابة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وأدخلوا في عداد الصحابة جمعًا كثيرًا وبالجملة.

ثانيًا: عدالة الصّحابة

ومن المواضيع الأخرى المهمة التي ينبغي تحديد معالمها في كلا المدرستين موضوع عدالة الصّحابة، والتي تترتب عليها آثارٌ مهمةٌ في التشريع والسلوك والمفاهيم الإسلامية.

رأي المدرسة السُنِّية في عدالة الصّحابة

ترى المدرسة السنِّية أنّ الصحابة كلّهم عدول، وترجع إلى جميعهم في أخذ معالم دينها؛ قال أبو حاتم الرّازي في مقدمة كتابه: «فأما أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهم الذين شهدوا الوحي والتنزيل، وعرفوا التفسير والتأويل، وهم الذين اختارهم الله (عزّ وجلّ) لصحبة نبيّه (صلى الله عليه وآله وسلم) ونصرته وإقامة دينه وإظهار حقّه، فرضيهم له صحابةً، وجعلهم لنا أعلامًا وقدوةً… فنفى عنهم الشكّ والكذب والغلط والريبة والفخر واللمزّ، وسمَّاهم عدول الأمة، فقال (عزّ ذكره) في محكم كتابه: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ﴾[10]. ففسّر النبيُّ عن الله (عزّ ذكره)، قوله: (وسطًا)، قال: عدولًا فكانوا عدول الأمة»[11]. وقال ابن عبد البر في مقدمة كتابه الاستيعاب: «ثبتت عدالة جميعهم»[12]، ثم أخذ بإيراد آياتٍ وأحاديثَ وردت في حقّ المؤمنين منهم.

وقال ابن الأثير في مقدمة كتابه أُسُد الغابة: «والصحابة يشاركون سائر الرواة… إلّا في الجرح والتعديل، فإنّهم كلّهم عدول لا يتطرّق إليهم الجرح…»[13]. وقال ابن حجر في الفصل الثالث في بيان حال الصّحابة من العدالة من مقدمة الإصابة: «اتفق أهل السُنّة على أنّ الجميع عدول، ولم يخالف في ذلك إلّا شذوذٌ من المبتدعة»[14].

ودافع ابن حجر في الإصابة دفاعًا مستميتًا عن مبدأ عدالة الصحابة مطلقًا، وردَّ على من حاول تقييد هذا الإطلاق، فقال: «قال المازري في شرح البرهان: لسنا نعني بقولنا الصّحابة عدول، كلّ من رآه (صلى الله عليه وآله وسلم) يومًا أو زاره عامًا، أو اجتمع به لغرض وانصرف… وإنّما نعني به الذين لازموه وعزّروه ونصروه واتبعوا النور الذي أنزل معه، أُولئك هم المفلحون»، قال ابن حجر: «والجواب عن ذلك أنّ التقييدات المذكورة خرجت مخرج الغالب، وإلّا فالمراد من اتّصف بالإنفاق والقتال بالفعل أو القوة!! وأما كلام المازري فلم يوافق عليه، بل اعترضه جماعةٌ من الفضلاء، وقال الشيخ صلاح الدين العلائي: هو قولٌ غريبٌ يُخرج كثيرًا من المشهورين بالصّحبة والرّاوية عن الحكم بالعدالة.. والقول بالتعميم هو الذي صرّح به الجمهور وهو المعتبر…»[15].

وروي عن أبي زرعة، أنّه قال: «إذا رأيت الرجل ينتقص أحدًا من أصحاب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فاعلم أنّه زنديق، وذلك أنّ الرسول حقّ، والقرآن حقّ، وما جاء به حقّ، وإنّما أدّى ذلك إلينا كله الصحابة، وهؤلاء يريدون أنْ يجرحوا شهودنا ليبطلوا الكتاب والسُنّة، والجرح بهم أولى، وهم زنادقة»[16].

رأي مدرسة أهل البيت في عدالة الصّحابة

ترى مدرسة أهل البيت تبعًا للقرآن الكريم: أنّ في الصّحابة مؤمنين أثنى عليهم الله في القرآن، قال سبحانه في بيعة الشجرة: ﴿لَقَدْ رَضِيَ اللَّهُ عَنِ الْمُؤْمِنِينَ إِذْ يُبَايِعُونَكَ تَحْتَ الشَّجَرَةِ﴾[17]. فقد خصَّ الله الثناء بالمؤمنين ممّن حضروا بيعة الشجرة، ولم يشمل المنافقين الذين حضروها مثل عبد الله بن أبي، وأوس بن خولي. وكذلك تبعًا للقرآن ترى فيهم منافقين ذمّهم الله في آياتٍ كثيرة، مثل قوله: ﴿وَمِمَّنْ حَوْلَكُم مِّنَ الأَعْرَابِ مُنَافِقُونَ وَمِنْ أَهْلِ الْمَدِينَةِ مَرَدُواْ عَلَى النِّفَاقِ لاَ تَعْلَمُهُمْ نَحْنُ نَعْلَمُهُمْ سَنُعَذِّبُهُم مَّرَّتَيْنِ ثُمَّ يُرَدُّونَ إِلَى عَذَابٍ عَظِيمٍ﴾[18].

وفيهم من أخبر الله عنهم بالإفك، ومنه ممّن قصد اغتيال الرسول في عقبة هرشي، عند رجوعه من غزوة تبوك[19]. ومنهم من أخبر عنهم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في قوله عن أهوال يوم القيامة، كما في صحيح البخاري: «وإنّه يُجاء برجالٍ من أُمّتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا ربِّ أصحابي فيقال: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك، فأقول كما قال العبد الصالح: ﴿وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَّا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ﴾[20]. فيقال: إنّ هؤلاء لم يزالوا مرتدّين على أعقابهم منذ فارقتهم»[21]. وفي صحيح مسلم: «ليردنَّ عَلَيّ الحوض رجالٌ ممّن صاحبني، حتى إذا رأيتهم ورفعوا إليّ اختلجوا دوني، فَلأَقُولَنَّ: أي ربّ أصحابي، فَلَيُقالَنَّ لي: إنّك لا تدري ما أحدثوا بعدك»[22].

«ولمّا كان في الصحابة منافقون لا يعلمهم إلاّ الله، فقد أخبر نبيّه بأنّ عليًّا لا يحبّه إلاّ مؤمنٌ ولا يبغضه إلاّ منافق، وكان ذلك شائعًا ومشهورًا في عصر رسول الله[23]؛ قال أبو ذر: «ما كنا نعرف المنافقين إلّا بتكذيبهم الله ورسوله… والبغض لعليٍّ بن أبي طالب»[24]. وقال جابر بن عبدالله الأنصاري: «ما كنّا نعرف المنافقين إلّا ببغض عليّ بن أبي طالب»[25]؛ لهذا كلّه، ولقول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حقّ عليّ(عليه السلام) «اللهم والِ من والاه وعادِ من عاداه»، فهم يحتاطون في أخذ معالم دينهم من صحابي عادى عليًّا، ولم يواله، حذرًا من أن يكون الصّحابي من المنافقين الذين لا يعلمهم إلّا الله»[26].

فالنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد عيّنَ للأُمة العلامة الفارقة بين المؤمن والمنافق، حبّ عليّ وبغضه، ومن ثَمّ فإنّهم ينظرون في حال الرّاوي فإنْ كان ممّن قاتل عليًّا أو الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) وعاداهم، فإنّهم لا يتلزمون بأخذ ما يروي أمثال هؤلاء، صحابيًا كان أو غير صحابي.

سُنّة الصّحابة[27]:

الاستدلال بالآيات

وممّا ترتّب على القول بعدالة الصّحابة في المدرسة السنيَّة، القول (بسنّة الصّحابة)، أو مذهب الصّحابيين، ويريدون به: «القول أو السلوك الذي يصدر عنه الصّحابي، ويتعبَّد به، من دون أنْ يعرف له مستند».

أما بالنسبة الى مكانة سُنّة الصّحابة في التشريع: فيقول الشّاطبي في الموافقات: «سُنّة الصّحابة، سُنّةٌ يُعمل عليها ويرجع إليها، والدليل على ذلك أمور:

أحدهما: ثناء الله عليهم من غير مَثْنَوِيَّة، ومدهم بالعدالة وما يرجع إليها، كقوله تعالى: ﴿كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ﴾[28] وقوله: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[29]. ففي الأولى إثبات الأفضلية على سائر الأمم، وذلك يقضي باستقامتهم على كلّ حال، وجريان أحوالهم على الموافقة دون المخالفة، وفي الثانية إثبات العدالة مطلقًا، وذلك يدلّ على ما دلّت عليه الأُولى»[30].

ومن الواضح أنّ الأمور التي ذكرها الشّاطبي لا تنهض بإثبات ما يريده. والجواب على الآية الأولى يقع في وجوه[31]:

أولًا: إنّ إثبات الأفضلية لهم على سائر الأمم، لا تستلزم الإستقامة لكلّ فردٍ منهم على كلّ حال، بل تكفي الاستقامة النسبيَّة لأفرادها، هذا إذا لم نقل إنّ الآية إنّما فضّلتهم من جهة تشريع الأمر بالمعروف لهم والنهي عن المنكر، كما هو ظاهر تعقيبها بقوله تعالى: ﴿تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر﴾، فلا تكون واردةً في مقام جعل الحُجّية لأقوالهم أصلًا!!

ثانيًا: إنّ التفضيل الوارد فيها إنّما هو بلحاظ المجموع – ككل – لا بلحاظ تفضيل كلّ فردٍ منها على كلّ فردٍ من غيرها، لنلتزم لهم بالاستقامة على كلّ حال.

ثالثًا: إنّها واردةٌ في مقام التفضيل لا مقام جعل الحجّية لكلّ ما يصدر عنهم من أقوالٍ وأفعالٍ وتقريرات؛ إذ هي أجنبيةٌ عن هذه الناحية، فلا يمكن التمسّك بها بحال.

رابعًا: إنّ هذا الدليل لو تمّ فهو أوسع من المدّعى بكثير؛ لكون الأُمة أوسع من الصّحابة، ولا يمكن الالتزام بهذا التعميم. ومع ثبوت التعميم لا يمكن إثبات أحكام السُنّة لجميع الأُمة، كما هو واضح.

أمّا الآية الثانية التي اُستدلّ بها في المقام وهي قوله تعالى: ﴿وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا لِّتَكُونُواْ شُهَدَاء عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرَّسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيدًا﴾[32].

فما يقال عن الآية الأُولى يقال عن الآية الثانية أيضًا، فهي بالإضافة إلى هذه المؤاخذات للاستفادة منها، والغضّ عن تسليم إفادتها لعدالتهم جميعًا، إنّ مجرَّد العدالة لا يوجب كون كلّ ما يصدر عنهم من السُنّة، وإلاّ لعممنا الحكم إلى كلّ عادلٍ سواء كان صّحابيًا أم غير صّحابي، لورود الحكم على العنوان كما هو المفروض، وغاية ما تقتضيه العدالة هو كونهم لا يتعمدون الخطيئة، أمّا مطابقة ما يصدر عنهم للأحكام الواقعية ليكون سُنّةً، فهذا أجنبيٌّ عن مفهوم العدالة تمامًا.

الاستدلال بالأحاديث:

فقد استدلّ المثبتون لسنّة الصّحابة بجملةٍ من الأحاديث أمثال:

1.أصحابي كالنجوم بأيّهم اقتديتم اهتديتم.

2.عليكم بسُنّتي وسُنّة الخلفاء الراشدين من بعدي.

3.اقتدوا بالذين من بعدي أبي بكر وعمر.

إلى غير ذلك من الروايات التي تصبّ في المعنى نفسه [33].

إنّ هذه الروايات لا يمكن الأخذ بظاهر بعضها، ولا دلالة للبعض الآخر على المدّعى، مع سقوط بعضها سندًا. فالحديث الأول: (أصحابي كالنجوم…)، قال عنه ابن حزم: حديثٌ موضوعٌ مكذوبٌ باطل، وقال أحمد: حديثٌ لا يصح، وقال البزاز: لا يصح هذا الكلام عن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)[34].

ومع التغافل عن أسانيدها، فإنّه لا يمكن الأخذ بظاهر بعضها؛ لأنّه يستحيل التعبّد الشّرعي من قبل الشارع بها، للزوم التعبد بالمتناقضات، هذا بالإضافة إلى معارضتها بأخبار الحوض، فلا بدّ من تأويلها أو تأويل ما يصحّ منها بغير مجالات اعتبار الحجّية صونًا لكلام الشارع من الوقوع في التناقض.

وقد ناقش الغزالي كلّ ما يتّصل بهذه الأحاديث في بحثه عنها، مناقشات لا يخلو أكثرها من الإصالة. فعدّها – من قبل الغزالي[35] والآمدي[36]- في الأصول الموهومة في موضعه[37].

ويقول الشّوكاني في نقض الأخذ بقول الصّحابي على أنّه سُنّة: «والحق: أنّه – أيّ قول الصّحابي – ليس بحجّة، فإنّ الله سبحانه لم يبعث إلى هذه الأُمة إلّا نبيَّنا محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم)، وليس لنا إلّا رسولٌ واحد، وكتابٌ واحد، وجميع الأُمة مأمورةٌ باتباع كتابه، وسُنّة نبيّه، ولا فرق بين الصحابة وبين من بعدهم، في ذلك، فكلّهم مكلّفون بالتكاليف الشرعية، واتّباع الكتاب والسُنّة، فمن قال: إنّها تقوم الحجّة في دين الله (عزّ وجلّ) بغير كتاب الله، وسُنّة لرسوله، وما يرجع إليهما، فقد قال في دين الله بما لم يثبت، وأثبت في هذه الشريعة الإسلامية شرعًا لم يأمر الله به، وهذا أمرٌ عظيم وتقوّلٌ بالغ، فإنّ الحكم لفرد أو أفراد من عباد الله بأنّ قوله، أو أقوالهم حجّة على المسلمين يجب عليهم العمل به، وتصير شرعًا ثابتًا متقررًا تعمُّ به البلوى، ممّا لا يدان الله (عزّ وجلّ) به، ولا يحلّ لمسلمٍ الركون إليه، ولا العمل عليه؛ فإنّ هذا المقام لم يكن إلّا لرُسُل الله، الذين أرسلهم بالشرائع إلى عباده لا لغيرهم، وإنْ بلغ في العلم والدين عظم المنزلة أيَّ مبلغ، ولا شكّ أنّ مقام الصحبة مقام عظيم، ولكن ذلك في الفضيلة، ولا تلازم بين هذا، وبين جعل كلّ واحدٍ منهم بمنزلة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في حجيّة قوله، وإلزام الناس باتباعه، فإنّ ذلك مّما لم يأذن الله به، ولا ثبت عنه فيه حرفٌ واحد.

فاعرف هذا، واحرص عليه، فإنّ الله لم يجعل إليك وإلى سائر هذه الأُمة رسولًا إلّا محمدًا (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يأمرك باتباع غيره، ولا شرع لك على لسان سواه من أُمته حرفًا واحدًا، ولا جعل شيئًا من الحجّة عليك في قول غيره، كائنًا من كان».[38] وكلام الشّوكاني هذا كلام متين وليس فيه أيّ مغالاةٍ في ردّ أقوال الصّحابة، ولا الحطّ من مكانتهم، ولكنّه يضعهم في موضعهم الطبيعي.

هذا كلّه من حيث عدِّ ما يصدر عنهم من السُنّة، أّما جعل الحجّة لأقوالهم من حيث كونهم رواةً ومجتهدين فحساب من يثبت اجتهاده منهم حساب بقية المجتهدين، من حيث توفّر شرائط الاجتهاد وعدمها، فإذا توفّرت في الصّحابي تعيّن الرجوع إليه وإلاّ فلا يسوغ، وحسابهم حساب من لم تتوفرْ فيه شرائط التقليد، من المجتهدين، والصحبة التي تؤدي وظيفتها وإنْ كانت من أعظم الفضائل للعبد إلّا أنّ ما تعطيه من نتائج أُخروية محضة، ولا علاقة لها بعوالم جعل الحجّة أصلًا.

ثالثًا: اجتهاد الصّحابة في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)

بعد أنْ أثبتت مدرسة السُنّة اجتهاد الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) فمن الطبيعي جدًا إنْ كان الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) يجتهد ويعمل بالرأي في استنباط الأحكام الشرعية، أنْ يجيز لأصحابه كذلك أنْ يجتهدوا. يقول الشيخ محمد السّايس: «ثبت ثبوتًا لا يحتمل الريبة أنّ النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان مأذونًا بالاجتهاد، وأنّه وقع منه بالفعل، وأنّه أذن فيه لأصحابه وشجَّعهم عليه، وأقرّهم على الكثير منه وأثابهم عليه»[39]. ويقول د. عبد المنعم النمر: «ومن هذه المدرسة النبويّة تعلم الصّحابة كيف يلتزمون بالنصّ أحيانًا، وكيف يتصرّفون فيه أحيانًا، وكيف يحكمون في الموضوع إذ لم يجدوا نصًّا… (ثم يقول): إنّ الاجتهاد لم يبدأ بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بل بدأ برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه»[40].

وللآمدي- في الإحكام لأُصول الأحكام – كلامٌ مفصّلٌ في هذا المجال يقول فيه: «اتفقوا على جواز الاجتهاد بعد النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)، واختلفوا في جواز الاجتهاد لمن عاصره، فذهب الأكثرون إلى جوازه عقلًا، ومنع منه الأقلين… ثم اختلف القائلون بالجواز في ثلاثة أمور:

الأول: منهم من جوّز ذلك للقضاة والولاة في غيبته، دون حضوره، ومنهم من جوّزه مطلقًا.

الثاني: إنّ منهم من قال بجواز ذلك مطلقًا إذا لم يوجد في ذلك منع، ومنهم من قال: لا يكتفي في ذلك بمجرد عدم المنع، بل لابدّ من الأذن في ذلك، ومنهم من قال: السّكوت عنه مع العلم بوقوعه كافٍ.

الثالث: اختلفوا في وقوع التعبّد به سمعًا، فمنهم من قال: إنّه كان مُتعبَّدًا به، ومنهم من توقّف في ذلك مطلقًا، كالجبائي، ومنهم من توقّف في حقّ من حضر، دون من غاب كالقاضي عبد الجبار»[41].

والذي يستفاد من كلام الآمدي عدم وجود المنع في جواز اجتهاد الصّحابة في زمن الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما الخلاف في سعة هذا الجواز وضيقه، وهل أنّه للولاة والقضاة أم أنّه أعم؟ وهل أنّه يجوز مطلقًا للحاضر والغائب، أم أنّه لخصوص الغائب…؟ وهكذا.

ثم يختار الآمدي ويقول: «والمختار جواز ذلك مطلقًا، وإنّ ذلك مّما وقع مع حضوره وغيبته ظنًّا لا قطعًا». ثم يستدل على الرأي المختار بالدليلين العقلي والنقلي، فيقول: «أما الجواز العقليّ فيدُّل عليه ما دلّلنا به على جواز ذلك في حق النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)». وأمّا بيان الوقوع، فيقول الآمدي: «أمّا في حضرته: فيدّل عليه قول أبي بكر في حقّ أبي قتادة حيث قتل رجلًا من المشركين فأخذ سلبه غيره: لا نقصد إلى أسدٍ من أُسد الله يقاتل عن الله ورسوله فنعطيك سلبه. فقال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم): (صدق وصدق في فتواه)، ولم يكن قال ذلك بغير الرأي والاجتهاد. وأيضًا ما روي عن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أنّه حَكّم سعد بن معاذ في بني قريظة، فحكم بقتلهم وسبي ذراريهم بالرأي فقال(عليه السلام): (لقد حكمت بحكم الله من فوق سبعة أرقعة). وأيضًا ما روي عنه (عليه السلام) أنّه أمر عمر بن العاص، وعقبة بن عامر الجهني، أنْ يحكما بين خصمين، وقال لهما: (إنْ أصبتما فلكما عشر حسنات، وإنْ أخطأتما فلكما حسنة واحدة). وأما في غيبته فيدلّ عليه قصّة معاذ وعتاب بن أُسيد، بعثهما قاضيين إلى اليمن»[42].

إلا أنّ الآمدي يلتفت إلى جملةٍ من الإشكالات يذكرها بلفظ: فإنْ قيل، ثم يجيب عنها. قال: «فإنْ قيل: الموجود في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قادرٌ على معرفة الحكم بالنصّ، وبالرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، والقادر على التوصّل إلى الحكم على وجه يؤمن فيه الخطأ إذا عدل إلى الاجتهاد الذي لا يؤمن فيه الخطأ كان قبيحًا، والقبيح لا يكون جائزًا» (هذا هو الإشكال الأول).

الإشكال الثاني: «وأيضًا فإنّ الحكم بالرأي في حضرة النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من باب التعاطي والأفتيات على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وهو قبيح فلا يكون جائزًا، وهذا بخلاف ما بعد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)».

الإشكال الثالث: «وأيضًا فإنّ الصّحابة كانوا يرجعون عند وقوع الحوادث الى النبيّ، ولو كان الاجتهاد جائزًا لهم لم يرجعوا إليه».

ورابعًا: «وأمّا ما ذكرتموه من أدلة الوقوع فهي أخبار آحادٌ لا تقوم حجّةٌ بها في المسائل القطعية، وبتقدير أنْ تكون حجة، فلعلها خاصّة بمن وردت في حقه غير عامة»[43].

هذه أهمّ الإشكالات التي يوردها الآمدي على القول باجتهاد الصّحابة، وحيث إنّ الآمدي يتبنّى الجواز مطلقًا، فلا بدّ له من الإجابة عن هذه الإشكالات. أما الجواب عن الإشكال الأول فيقول: «والجواب عن السؤال الأول ما مرّ في جواز اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)». وقد أجاب هناك: «إنّ المانع من الاجتهاد دائمًا هو وجود النصّ، لا إمكان وجود النص، ثم ما ذكروه منتقضٌ باجتهاد الصّحابة في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)»[44] .

وأجاب عن الإشكال الثاني: «إنّ ذلك – أي الاجتهاد- إذا كان بأمر رسوله الله وإذنه فيكون من باب امتثال أمره، لا من باب التعاطي والأفتيات عليه. وعن الثالث: وعن قولهم: «إنّ الصّحابة كانوا يرجعون في أحكام الوقائع الى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم)». يمكن أن يكون ذلك فيما لم يظهر لهم فيه وجه الاجتهاد، وإنْ ظهر غير أنّ القادر على التوصل إلى مقصوده بأحد طريقين لا يمتنع عليه العدول عن أحدهما إلى الآخر. ولا يخفى أنّه إذا كان الاجتهاد طريقًا يتوصّل به إلى الحكم، فالرجوع إلى النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أيضًا طريق آخر»[45].

والملاحظ على هذا النص، وخاصّة في الفقرة الأخيرة منه، أنّ وجود النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) الذي (لا ينطق عن الهوى) لا يمنع من اجتهاد الصّحابة في حضرته، وليس في ذلك أيّ إساءة أدب وقلّة احترام للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). وأنّ هؤلاء الصّحابة مجتهدون، ووجود النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) لا يمنع من اجتهادهم ما دام النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) مجتهدًا أيضًا، وأنّ الاجتهاد مأخوذ على نحو الطريقية في بيان الحكم الشرعي، ولا مانع من تعدّد الطرق للوصول إلى الحكم الشرعي سواء من خلال اجتهاد النبيّ أم من خلال اجتهاد الصّحابة!!

وكل ما قاله الآمدي يبتني على كون النبي مجتهدًا، فإذا نفينا اجتهاد النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من خلال الأدلة القاطعة، فلا يبقى لكلامه أيّ قيمةٍ علمية. أمّا الأخبار التي استدلّ بها الآمدي لإثبات مدّعاه فقد أُشْكِل عليه بأنّها أخبار آحاد لا تقوم الحجّة بها في المسائل القطعية. فقد أجاب عن هذا الإشكال، حيث أقرّ أولًا بأنّها كذلك «وما ذكروه من أنّ الأخبار المذكورة في ذلك أخبار آحاد فهو كذلك». إلّا أنّه تخلّص من هذا الإشكال «بأنّ المدّعى إنّما هو حصول الظنّ بذلك دون القطع».

أما الإشكال الأخير وهي خصوصية الموارد التي وقع فيها الاجتهاد فقد أجاب عن ذلك: «قولهم: يحتمل أنْ يكون ذلك خاصًّا بمن وردت تلك الأخبار في حقّه قلنا: المقصود من الأخبار المذكورة إنّما هو الدلالة على وقوع الاجتهاد في زمن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) ممّن عاصروه، لا بيان وقوع الاجتهاد من كلّ من عاصره»[46].

هذه هي عمدة الإشكالات التي ترد على اجتهاد الصّحابة وإجابة الآمدي عليها لإثبات مدّعاه، وهي أجوبة لا تخلو من تعسّف كما سيأتي.

ويقول الغزالي: «وكذلك يجوز – اجتهاد غيره – في عهده عندنا»[47]. ويقول صاحب مسلم الثّبوت وشارحه: «قالت طائفةٌ لا يجوز اجتهاد غيره في عصره، ومختار الأكثر الجواز مطلقًا، وقيل بشرط الغيبة للقضاء، وقيل بالأذن يجوز، وإذا أجاز ففي الوقوع مذاهب:

الأول: نعم مطلقًا حضرةً وغيبةً، لكن ظنًّا، واختاره الآمدي وابن الحاجب.

والثاني: لا يقع، وعليه الجبائي وابنه في المشهور.

والثالث: وقع في الغائب، بدليل قصة معاذ وعليه الأكثر.

الرابع: الوقف مطلقًا.

وقيل الوقف إلّا في من غاب.

ثم قال: والحق أنّ ترك اليقين الى محتمل الخطأ مختارًا ممّا يأباه العقل، إلّا لضرورةٍ مانعةٍ من السؤال كالغائب البعيد، أو للأذن من الرسول بالحكم كتحكيم سعد بن معاذ في بني قريظة»[48].

وخلاصة الأمر: إنّ اجتهاد الصّحابة في حياة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من الأمور المسلّمة عندهم إلاّ أنّهم اختلفوا في أعمال الاجتهاد في عصره سعةً وضيقًا، إطلاقًا وتقيدًا.

حقيقة اجتهاد الصّحابة

وقبل البحث في حقيقة اجتهاد الصّحابة لا بدّ من الإشارة والتذكير بأنّ الاجتهاد له مفهومان:

أحدهما: الاجتهاد الذي يعتمد على المصادر الشرعية كالكتاب والسنّة، للوصول إلى الحكم الشرعي، أو الوظيفة العملية.

والآخر: الاجتهاد الذي يعتمد على الرأي والفكر الشخصي ويُعدَّ من مصادر التشريع للحكم الشرعي.

وما بين مفهومي الاجتهاد فرقٌ ذاتيّ وماهويّ، إذ إنّ الاجتهاد بالمعنى والمفهوم الأوّل هو الذي تتبناه مدرسة الإمامية؛ لأنّه يعني بذل الجهد لاستنباط الحكم الشرعي، والحوادث الواقعة والمسائل الضرورية، عن طريق المصادر المعتبرة. أما المفهوم الثاني، والذي تلقته بعض المدارس الأصولية للمدرسة السُنيَّة بالقبول، فهي تعني بذل الجهد من قبل المجتهد للوصول الى حكم الوقائع التي ليس فيها نصٌّ خاصٌّ بالاعتماد على الرأي والفكر الشخصي، ولو سُئلَ عن الدليل لهذا الحكم لأجاب أنّه الرأي والتفكير الشخصي.

وعليه يكون الاجتهاد بالمعنى الأول مجرد وسيلةٍ وطريقٍ لمعرفة الحكم الشرعي، وعلى الثاني يكون الاجتهاد هو المُنْشِئ والمُوجِد للحكم الشرعي.

إذا اتّضح هذا، نسأل: أيّ نوعٍ من الاجتهاد كان يتبناه ويعمل به الصّحابة في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ هل هو الاجتهاد بمعناه الأول، أم أنّه الاجتهاد بمعناه الثاني؟ لو استعرضنا بعض الأمثلة الاجتهادية من خلال بعض الروايات نلاحظ أنّ الاجتهاد بالمعنى الأول هو الذي كان سائدًا في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، وبشكل محدود – بين بعض علماء الصّحابة وقرّائهم، ومن أمثلة هذه الروايات:

أولًا: بعد انتهاء غزوة الخندق قال(صلى الله عليه وآله وسلم) لأصحابه: «لا يُصلّينَّ أحدُكم العصر إلاّ في بني قريظة» ونفّذ جماعة الأمر بنصّه فلم يُصلّوا إلاّ في بني قريظة، واجتهد آخرون، وقالوا إنّ الغرض المسارعة بالذّهاب لمكان بني قريظة الخائنين لتأديبهم، وصلّوا العصر وهم في طريقهم وسارعوا في الوصول، وعلم رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بذلك، فأجاز ما فعله الفريقان على اعتبار أنّهما اجتهدا في تنفيذ أمر الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) ووصلوا سريعًا، وإنْ لم يكن بعضهم صلّى في الطريق، وبعضهم لم يُصلِّ إلّا بعد وصوله، المهم أنّهم حقّقوا ما أراد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)[49]. وهذا النوع من الاجتهاد يُصْطَلح عليه علميًا (اجتهاد تخريج المِلاك في مقام التطبيق).

ثانيًا: في باب التيمم من صحيح البخاري: جاء رجلٌ إلى عمر بن الخطاب فقال: إنّي أجنبت فلم أصب الماء، فقال عمار ابن ياسر لعمر بن الخطاب: أمّا تذكر أنّا كنا في سفر أنا وأنت، فأما أنت فلم تصلِّ، وأمّا أنا فتمكعت فصلّيت فذكرت للنبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). فقال النبي(صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّما كان يكفيك هكذا، فضرب النبيّ بكفيه الأرض ونُفخ فيهما، ثم مسح بهما وجهه وكفيه»[50].

فقد يستدلّ بهذه الرواية على اجتهاد الصّحابة في من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم). والذي يظهر أنّ اجتهاد عمر في هذه القضية يمكن تقريبه بأنْ يقال: إنّ الصلاة مشروطةٌ بالطهور، وتحصيل الماء غير ممكن، وفي الوقت نفسه يجهل كيفية التيمم؛ ولهذا وصل إلى هذه النتيجة الاستنباطية وهي أنّ الصلاة ساقطة في مثل هذه الحالة، لفقد شرط صحتها. أما بالنسبة لعمار، فالذي يبدو أنّ اجتهاده في هذه القضية يمكن تقريبه بهذا الشكل:

أولًا: إنّ الصلاة لا تترك بحال.

ثانيًا: والطهارة شرطٌ في صحة الصلاة وهي تنقسم إلى:

1.طهارة مائية: ﴿وَأَنزَلْنَا مِنَ السَّمَاء مَاء طَهُورًا﴾[51].

2.طهارة ترابية: لقول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): «وَجُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا».

ثالثًا: في حالة عدم الحصول على الماء للطهارة لا بد من الطهارة التّرابية والتيمم.

لقوله تعالى: ﴿فَلَمْ تَجِدُواْ مَاء فَتَيَمَّمُواْ صَعِيدًا طَيِّبًا﴾[52].

رابعًا: في حالة وجود الماء فلا بدّ أنْ يحصل الغسل لتمام البدن ويستوعبه، وبما أنّه لا يوجد الماء، فلا بد أنْ يحلّ محله التراب، وأنْ يستوعب تمام البدن، ولهذا يقول عمار: «فتمعكت»، أي تقلبت وفي رواية فتمرغت. أي أنّه لمّا رأى أنّ التيمم إذا وقع بدل الوضوء وقع على هيئة الوضوء، رأى أنّ التيمم عن الغسل يقع على هيئة الغسل[53].

الرأي المختار

من خلال هذه النماذج من الروايات وغيرها يمكن القول بوجود الاجتهاد في زمن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، من قبل بعض علماء الصّحابة وبعض القرّاء وبشكلٍ بدائي وعفوي، وخاصّة بين المهاجرين إلى الحبشة، وكذلك لمن هاجر قبل الرسول الى المدينة، وبشكلٍ عام للغائبين عن مصدر التشريع وعن النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنْ كان للمناقشة والنقض والإبرام في مثل هكذا لون من الاجتهاد والاستنباط مجالٌ واسع، إلّا أنّه على أيّ حالٍ يدلّ على وجود هكذا لون من الاجتهاد.

وخلاصة الأمر، إنّ من المسلّم به أنّه لا يوجد حكمٌ تشريعي في عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ ومصدره الوحي، ولم يكن اجتهاد الصّحابة – إنْ قلنا بوجوده في عصر النبيّ- بذاته مصدرًا تشريعيًا. إلا أنّ بعض الباحثين ذهب إلى القول: «إنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) قد جعل الاجتهاد أصلًا ثالثًا للأحكام في عصر»[54]. وهي دعوى غريبة، سوف يتّضح بطلانها في ما يلي من البحث.

خصائص الاجتهاد عند الصّحابة في عصر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)

وقد تميّزت معالم اجتهاد الصّحابة في هذا الدور بالخصائص التالية:

أولًا: عدم الحاجة المُلحّة للاجتهاد وذلك لسببين:

الأول: قلّة الفروع الفقهيّة والوقائع الجديدة.

الثاني: وجود الرسول الأكرم (صلى الله عليه وآله وسلم) والتمكّن من الاستفتاء منه في أمورهم الدينية. ﴿لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُواْ مِن قَبْلُ لَفِي ضَلالٍ مُّبِينٍ﴾[55].

بعد أنْ عرفنا حقيقة اجتهاد الصّحابة وخصائص هذا الاجتهاد، نأتي الى مناقشة الروايات التي استدلّ بها بعض علماء الأصول في المدرسة السُنيِّة لإثبات اجتهاد الصّحابة في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) عن طريق الرأي والفكر والذوق الشخصي، وبتشجيع من النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) نفسه!! كما يقولون! وفيما يلي بعض النماذج لهذه الروايات، وهي قابلةٌ للمناقشة والنقض والإبرام من جهاتٍ متعدّدة:

روايات اجتهاد الصّحابة في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

أولًا: روي إنّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قال لعمرو بن العاص يومًا: «احكم في هذه القضية.

فقال عمرو: اجتهد وأنت حاضر؟!

قال (صلى الله عليه وآله وسلم): نعم، إنْ أصبت فلك أجران، وإنْ أخطأت فلك أجر»[56].

ثانيًا: خبر معاذ بن جبل، وقد بعثه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى إحدى الجهات – اليمن – ليُعَلِّمَ أهلها، ويقوم ببعض الأمر فيهم، وقال له: كيف تصنع إنْ عرض لك القضاء؟ قال: أقضِ بما في كتاب الله قال (صلى الله عليه وآله وسلم): وإنْ لم يكن في كتاب الله؟ قال: فبسُنّة رسول الله، قال: فإنْ لم يكن في سُنّة رسول الله؟ قال: اجتهد رأيي ولا آلو، «فَسُرَّ الرسول من ذلك، وقال: الحمد لله أنْ وفّق رسولَ رسولِ الله لما يرضي الله ورسوله»[57].

ثالثًا: روى البخاري في صحيحه، أنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «إنْ الحاكم اجتهد فأصاب فله أجران، وإنْ اجتهد فأخطأ فله أجر»[58].

رابعًا: جاء في سنن أبي داود: «إن مُعَاذًا سأل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فقال: يا رسول الله بِمَ أقضي؟ قال بكتاب الله، قال: فإنْ لم أجد؟ قال: بسُنّة رسول الله، قال: فإنْ لم أجد؟ قال:… اجتهد رأيك…». وفي الكتاب نفسه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم): «إنّي إنّما أقضي بينكما برأيي فيما لم يُنَزَل عليَّ فيه»[59].

مناقشة الرّوايات:

لقد اُستدلّ بهذه الرّوايات وأمثالها على صحّة الاجتهاد- فيما لا نصّ فيه- والذي تنطوي تحته القدرة على الاستنباط من المصادر التي تعود إلى – الرأي – والذي يصطلح عليه الاجتهاد بالمعنى الخاصّ، كما سوف يأتي. فقد قيل – استنادًا إلى هذه الروايات – إنّ هذا النوع من الاجتهاد وجد في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). حيث نجد أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) قد ترحّم على معاذ بن جبل؛ لأنّه قد توصّل إلى اجتهاد الرأي، فيما لا نصّ فيه، وهذا يدلّ على إقراره وقبوله لهذا النوع من الاجتهاد.

وفي الرواية الأولى، والثالثة نجد أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) يأمر ابن العاص، وعقبة بن عامر، وآخر من الصّحابة – لم تنصّ الرواية على اسمه – بالاجتهاد ويبيِّن لهم أجر ذلك. إلّا أنّ كثيرًا من العلماء قد شكَّكوا في صلاحية تلك الروايات للإستدلال من حيث الإسناد، ومن حيث الدلالة.

أما بالنسبة لحديث (معاذ بن جبل)، فقد جاء في (عون المعبود) ما نصّه: «وهذا الحديث أورده الجوزقاني في الموضوعات، وقال: هذا باطل، رواه جماعةٌ عن شعبة، وقد تصفّحت هذا الحديث في المسانيد الكبار والصغار، وسألت من لقيته من أهل العلم بالنقل عنه، فلم أجد له طريقًا غير هذا. والحارث بن عمر ابن أخي المغيرة بن شعبة، مجهول، وأصحاب معاذ من أهل حمص لا يعرفون. ومثل هذا الإسناد لا يعتمد عليه في أصل الشريعة. فإنْ قيل: إنّ الفقهاء قاطبةٌ أوردوه، واعتمدوا عليه. قيل: هذا طريقه، والخلف قلّد فيه السّلف، فإنْ أظهروا طريقًا غير هذا ممّا يثبت عند أهل النقل رجعنا إلى قولهم، وهذا ممّا لا يمكنهم البتة»[60].

وقال ابن حزم في الأحكام: «وأما خبر معاذ فإنّه لا يحلّ الاحتجاج به لسقوطه، وذلك أنّه لم يُروَ قطّ إلّا من طريق الحارث بن عمرو، وهو مجهولٌ لا يدري أحدٌ من هو. حدَّثني أحمد بن محمد العذاري… حدّثنا إسماعيل البخاري – وهو مؤلف الصحيح – فذكر سند هذا الحديث، وقال: رفعه في اجتهاد الرأي، قال البخاري: (ولا يعرف الحارث إلّا بهذا، ولا يصح)، هذا نصّ كلام البخاري في تأريخه الأوسط، ثم هو عن رجالٍ من أهل حمص لا يدري من هم. ثم لا يعرف قط في عصر الصّحابة ولا ذكره أحدٌ منهم، ثم لم يعرفه أحدٌ قط في عصر التابعين، حتى أخذه أبو عون وحده عمّن لا يدري من هو، فلمّا وجده أصحاب الرأي عند شعبة طاروا به كلّ مطار، وأشاعوه في الدنيا، وهو باطلٌ لا أصل له»[61].

ورواية معاذ من أهمّ ما استدلّ به لإثبات اجتهاد الرأي من قبل الصّحابة في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، إلّا أنّ هذه الرواية عليها كثيرٌ من الإشكالات والمناقشات، من حيث السند، ومن حيث الدلالة:

أولًا: الرواية ضعيفة السند، ولم تذكر في كتب الصّحاح والمسانيد، وإنّما نقل هذه الرواية الواقدي في الطبقات[62]، عن الحارث بن عمر الثقفي، ابن أخي المغيرة. فالمصدر الأوّل لهذه الرواية هو ابن سعد في الطبقات، وكلّ من جاء من بعده من الرواة أخذ منه. كذلك الذي يبدو من سند الرواية أنّها روايةٌ مرسلة، حيث قال – الراوي –: «أخبرنا أصحابنا عن معاذ بن جبل قال…»[63]. ولا نعلم من الذي نقل هذه الرواية عن معاذ بن جبل. وقد صرّح الآمدي في الأحكام بأنّ هذه الرواية من أخبار الآحاد[64]. وقال الذهبي في ميزان الاعتدال: «الحارث بن عمرو عن رجال عن معاذ بحديث الاجتهاد. قال البخاري: لا يصحّ حديثه. قلت: تفرّد به أبو عون محمد بن عبد الله الثقفي، عن الحارث بن عمرو الثقفي ابن أخي المغيرة، وما روى عن الحارث غير أبي عون، فهو مجهول. وقال الترمذي: ليس إسناده عندي بمتصل»[65]. فالحديث ضعيف السند، أو مرسل ولا يُحتجّ به.

ثانيًا: الحديث المذكور قد ورد في باب القضاء، الذي هو لحل النزاع والتخاصم، وقد يستند في إصدار الحكم إلى الأحكام الثانوية، ولا يمكن تعميمه إلى باب الفتوى واستنباط الأحكام الشرعية للأحداث الواقعة والموضوعات المستحدثة؛ إذ إنّ التعميم يحتاج الى عدم القول بالتفاوت بين الأمرين، والدليل لا يساعد على ذلك[66].

ثالثًا: يحتمل أنْ يكون قبول الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لاجتهاد الرأي من معاذ بن جبل لخصوصيّةٍ قد شخّصها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)في شخص معاذ، فأجاز له ذلك ومع هذا الاحتمال لا يمكن تعميم إجازة الرسول إلى غير معاذ[67].

رابعًا: عبارة (اجتهد برأيي) الواردة في رواية معاذ بن جبل، لا ينحصر معناها في المعنى الاصطلاحي المعروف عندهم الآن، والذي يعني المعرفة عن طريق الرأي والفكر الشخصي؛ إذ إنّ هذا المصطلح لم يكن متعارفًا في زمن صدور الرواية – على فرض صدورها – فيحتمل أنْ يكون قصد معاذ من (اجتهد برأيي)، هو معرفة الأحكام الشرعية من خلال تطبيق الوقائع والقضايا الجديدة التي يواجهها على الأصول والكليات، وبمعنى آخر يعني إرجاع الفروع إلى الأصول واستنباط الحكم من خلال هذه العملية، والتي هي في الواقع روح الاجتهاد والاستنباط الفقاهتي. ومع وجود هذا الاحتمال فلا يمكن أنْ نحمل كلام معاذ على الاجتهاد بمعنى الرأي والتفكر الشخصي؛ إذ لم يكن هذا الاصطلاح معروفًا في ذلك الزمن والعصر، ومع عدم الأخذ بهذا الاحتمال تبقى عبارة معاذ من المبهمات التي لا يمكن الاستناد إليها لإثبات قضيةٍ من القضايا.

خامسًا: ولو تنزلنا عن هذا كلّه، فإنّ رواية معاذ إنّما تكون دليلًا لإثبات اجتهاد الرأي إنْ سلمت من المعارضة، إلا إنّه يوجد ما يعارض هذه الرواية. فقد روى ابن حزم في الأحكام رواية معاذ بن جبل، وهي تخلو من عبارة (أجتهد برأيي)، قال:… عن محمد بن عبيد الله الثقفي – هو أبو عون – قال: لمّا بعث رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) معاذًا إلى اليمن قال: يا معاذ بِمَ تقضي؟ قال: أقضي بما في كتاب الله. قال: فإنْ جاءك أمرٌ ليس في كتاب الله؟ قال: أقضي بما قضى به نبيُّه (صلى الله عليه وآله وسلم)، قال: إنْ جاءك أمرٌ ليس في كتاب الله، ولم يقضِ به نبيُّه؟ قال: أقضي بما قضى به الصّالحون، قال: فإنْ جاءك أمرٌ ليس في كتابه الله، ولم يقضِ به نبيُّه، ولا قضى به الصالحون. قال: أؤم الحقّ جهدي. فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) الحمد لله الذي جعل رسولَ رسولِ الله يقضي بما يرضي به رسول الله[68].

فلم يذكر (أجتهد برأيي) أصلًا، وقوله: (أؤم الحقّ)، هو طلبه للحق حتى يجده، حيث لاتوجد الشريعة إلّا منه، وهو القرآن، وسنن النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم). ثُمّ إنّ هنالك جملةً من الروايات الناهية عن العمل بالرأي في أمر الدين، فلا يمكن التشبث بروايةٍ واحدةٍ وترك هذه الروايات المعارضة لها.

وممّا يعزز هذا الاحتمال ما ورد في كلمات أمير المؤمنين(عليه السلام) حيث روي عنه: «إنّما هلك الذين قبلكم بالتكلّف، فلا يتكلّف رجلٌ منكم أنْ يتكلّم في دين الله بما لا يعرف، فإنّ الله (عزّ وجلّ) يعذر على الخطأ إنْ اجتهدت رأيك»[69]. فالملاحظ في هذه الرواية استخدام الإمام لمصطلح (الاجتهاد) بمعناه المقبول والمعروف لدى المذاهب الإسلامية، والذي بيَّناه سابقًا، وليس اجتهاد الرأي الذي هو مورد خلاف؛ فلا يمكن التشبث بأمثال هذه الروايات لإثبات اجتهاد الرأي في عصر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

والمصطلحات الأصولية المعروفة والمتداولة الآن من قبيل: القياس، الاستحسان، والإجماع، والمصالح المرسلة، ومذهب الصّحابي، وشريعة السّلف… وأمثال هذه المصطلحات لم توجد في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وإنّما ظهرت في مرحلةٍ متأخرةٍ، وفي عصر تكوين المذاهب. وإنّما كان الاستناد إلى كتاب الله وسُنّة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في الاستنباط والاجتهاد، والذي كان محدودًا جدًا وفي موارد نادرة. كما قلنا سابقًا. وهذا الأمر مورد اتفاق علماء الأمة الإسلامية، ولا يوجد خلافٌ إلاّ في بعض الجزئيات[70].

أما بالنسبة لحديث ابن العاص، وعقبة فيقول فيهما الغزالي: «فإنْ قيل: فقد قال – النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) – لعمرو بن العاص: احكم في بعض القضايا، وقال: اجتهد وأنت حاضر؟ فقال: نعم، إنْ أصبت فلك أجران وإنْ أخطأت فلك أجر، وقال لعقبة بن عامر ولرجل من الصّحابة: اجتهدا فإنْ أصبتما فلكما عشر حسنات، وإنْ أخطأتما فلكما حسنة. قلنا – والكلام للغزالي – حديث معاذ مشهور! قبلته الأمة، وهذه أخبار آحاد لا تثبت، وإنْ يثبت احتمل أنْ يكون مخصوصًا بهما، أو في واقعةٍ معينة[71].

المناقشة:

نقول تعليقًا على كلام الغزالي بالنسبة إلى حديث معاذ بن جبل، حيث قال: «إنّه حديثٌ مشهورٌ قبلته الأمة». لقد تبيَّن لنا من خلال نقل كلمات العلماء وأهل الفن مثل الجوزقاني، وصاحب كتاب عون المعبود، وابن حزم، والبخاري، إنّ هذا الحديث ساقطٌ وباطل، ولا أصل له. فالشهرة التي يدعيها الغزالي لهذا الحديث من مقولة «رُبّ مشهورٍ لا أصل له».

فهذه الأحاديث إمّا مرسلة، وإمّا مروية عن مجاهيل، وإمّا أحاديث آحاد، وهذا كافٍ للوهن فيها، وعدم الاعتماد عليها. وحتى من احتجّ بمثل هذه الأحاديث لإثبات (اجتهاد الرأي) فإنهم لم يلتزموا بمضمونها عمليًّا، بل تعدو إلى الاجتهاد مقابل النصّ، كما قال ابن حزم مُعقّبًا على حديث معاذ السّالف الذكر. يقول: «وأيضًا فإنّهم مخالفون لما فيه، تاركون له؛ لأنّ فيه أنّه يقضي أولًا بما في كتاب الله، فإنْ لم يجد في كتاب الله، فحينئذٍ يقضي بسُ نّة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وهم كلّهم على خلاف هذا، بل يتركون نصّ القرآن إما لسُنّةٍ صحيحة، وإمّا لروايةٍ فاسدة، كما تركوا مسح الرجلين، وهو نصّ القرآن لرواية جاءت بالغسل، وكما تركوا الوصية للوالدين والأقربين لروايةٍ جاءت: «لا وصية لوارث»، وكما تركوا جلد المحصن، وهو نصّ القرآن لظنٍّ كاذبٍ في تركه، ومثل هذا كثير، فكيف يجوز لذي دينٍ أنْ يحتجّ بشيءٍ هو أوّل مخالفٍ له؟!…»[72]

وفي دلالة هذه الأحاديث مجالٌ واسعٌ للمناقشة أعرضنا عنها خشية الإطالة[73].

رابعًا: الاجتهاد في عصر الصحابة

وإذا جاز لنا أنْ نشكك في ورود الأثر الصحيح المجوِّز (للإجتهاد بالرأي) في عصر النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) – وهو تشكيك في محله – فليس لنا ذلك ونحن نستعرض عصر الخلفاء الأوائل، حيث نجد أنّ هذا المصطلح ورد على ألسنة قسمٍ منهم على نسق ومضمون ما ورد في تلك الأحاديث السابقة من حيث الهيئة والمادة والمدلول.

فمنها ما جاء في رسائل الخليفة عمر أكثر من مرة، وأبرزها في رسالته الى شريح القاضي، حيث قال: «فإنْ أتاك ما ليس في كتاب الله، ولا بسُنّة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ولم يتكلّم به أحد، فإنْ شئت أنْ تجتهد رأيك فتقدّم، وإنْ شئت أنْ تتأخّر فتأخر»[74]. ومضمون هذا الحديث لا يختلف، بل هو مضمون حديث (معاذ المتقدِّم) نفسه.

ومنها: ما جاء في حديث عبد الله بن مسعود، قال: «فإنْ جاءه أمرٌ ليس في كتاب الله، ولا قضى به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فليقضِ بما قضى به الصالحون، فإنْ جاءه أمرٌ لم يقضِ به الصالحون، فليجتهد رأيه»[75]. وكذلك جاء في حديث (زيد بن ثابت)، كما نقله الشعبي، قال: «أتى زيد بن ثابت قومٌ فسألوه عن أشياء، فأخبرهم بها فكتبوها، ثم قالوا: «لو أخبرنا: فأتوه فأخبروه، فقال: أغدرًا؟ لعلّ حديثي حدثتكم خطأ، إنّما أجتهد لكم رأيي»[76].

والذي نلاحظه من خلال هذه النصوص وغيرها أنّ هذا التعبير – أعني الاجتهاد بالرأي – كان سائدًا، وتذكر لنا كتب الصّحاح، والوقائع، والأحكام، والسّير، عشرات الفتاوى صدرت من الخلفاء معتمدةً هذا النوع من الاجتهاد[77]. بل حتّى في عصر التابعين نرى شيوع هذا المصطلح بالمعنى المتقدّم، ففي كلامٍ لمالكٍ قال في اختلاف الصّحابة: «مخطئ ومصيب، فعليك بالاجتهاد»[78].

ظهور الاجتهاد بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)

تتفق مدرسة الإمامية على أنّ عصر النصّ لم ينتهِ بوفاة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، وإنّما بقي عصر النصّ متمثّلًا بالإمامة، التي هي امتدادٌ للنبوّة، إلّا فيما يخصّ النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) من أموره. وهذا من الأمور المتفق عليها بين علماء المذهب، ومبرهن عليها في كتبهم الاستدلالية والأصولية والعقائدية.

«وإذا رجعنا إلى المصادر الأساسية بمدرسة أهل البيت، وجدنا أنّ أئمّة أهل البيت لم يعتمدوا في بيان الأحكام الإسلامية مبدأ (الرأي)، وإنّما استندوا إلى ما توارثوه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) من حديثٍ في كتبٍ خاصّةٍ بهم… فأئمّة أهل البيت (عليهم السلام) لا يعتمدون الرأي في بيان الأحكام، وأحاديث أئمة أهل البيت مسندة إلى الله ورسوله»[79]. في الكافي: «سأل رجلٌ أبا عبد الله – الإمام جعفر الصادق(عليه السلام) – عن مسألةٍ فأجابه فيها، فقال الرجل: أريأت إنْ كان كذا وكذا ما يكون القول فيها؟ فقال له: «مه، ما أجبتك فيه من شيءٍ، فهو عن رسول الله، لسنا من (أرأيت) في شيء»[80]. وفي بصائر الدرجات: «مهما أجبتك فيه بشيء، فهو عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لسنا نقول برأينا من شيء»[81].

قال المجلسي – معقبًا على الحديث: «لما كان مراده – أي السائل – أخبرني عن رأيك الذي تختاره بالظّن والاجتهاد، فقد نهاه (عليه السلام) عن هذا الظن، وبيّن له أنّهم لا يقولون شيئًا إلّا بالجزم واليقين، وبما وصل إليهم من سيد المرسلين»[82].

هذه هي معالم مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، لقد كان الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام) بعد رحيل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) «يعملون بما أخذوا من كتاب الله، وبما توارثوه من سُنّة الرسول المكتوبة لديهم، وعلّموا الفقهاء بمدرستهم ما توارثوه من سُنّة الرسول، ونهوا عن العمل بالرأي والقياس والاستحسان، والمسمّىبالاجتهاد»[83].

أما في المدرسة السُنِّية فنجد الأمر يختلف عمّا عليه في مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)، فهي لا تلتزم بالنصّ في مسألة الإمامة، وتعتبر أنّ عصر النصّ قد انتهى بوفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومصادر التشريع عندهم توسعت كثيرًا لتشمل – بعد الكتاب والسنّة – أمور أخرى، منها سنّة الصّحابي، والقياس، والاستحسان، والمصالح المرسلة، وغيرها.

نماذج من اجتهاد الصّحابة:

أولًا: اجتهاد أبي بكر:

منها فتواه في مسألة الكَلالة[84]: «وقد سُئِلَ أبو بكر عنها، فقال: «إنّي سأقول فيها برأيي، فإنْ يكُ صوابًا فمن الله، وإنْ يك خطأً فمنّي، ومن الشيطان، والله ورسوله بريئان منه، أراه ما خلا الولد والوالد. فلمَّا استخلف عمر قال: إنّي لاستحيي الله أنْ أرد شيئًا قاله أبو بكر»[85]. وكذلك من اجتهاده، جوابه عن أرث الجدّة، حيث قال لهاكما في الموطأــ: «ما لّكِ في كتاب الله شيء، وما علمتُ لك في سُنّة رسول الله شيئًا، فارجعي حتى أسأل الناس… ثم بعد ذلك فرض لها السّدس»[86].

ومنها قصة مقتل مالك بن نويرة من قبل خالد بن الوليد، وتزوّج امرأته في ليلة مقتله، وهي قصةٌ معروفةٌ نقلها أرباب التاريخ والسير بتفاصيلها وجزئيتها، ففي تأريخ اليعقوبي: فقال عمر بن الخطاب لأبي بكر: «يا خليفة رسول الله إنّ خالدًا قتل رجلًا مسلمًا، وتزوج امرأته من يومها، فكتب أبو بكر إلى خالد فأشخصه، فقال: يا خليفة رسول الله إنّي تأوّلتُ وأصبتُ وأخطأت»[87]. وفي وفيات الأعيان، وتأريخ أبي الفداء، وكنز العمال، واللفظ للأول: «لمّا بلغ ذلك أبا بكر وعمر، قال عمر لأبي بكر: إنّ خالدًا قد زَنَى فارجمه، قال: ما كنت أرجمُه، فإنّه تأّول فأخطأ، قال: فاعزله، قال: ما كنت أغمد سيفًا سلّه الله»[88].

ثانيًا: نماذج من اجتهاد عمر بن الخطاب:

منها: تحريم مُتعتَي الحجّ والنساء:

حرّم عمر مُتعتَي الحجّ والنساء، فعدّ ذلك منه من مسائل الاجتهاد، كما قاله ابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة[89]، ورواه أحمد في مسنده، عن جابر بن عبد الله الأنصاري، قال: «تمتّعنا على عهد النبيّ الحجّ والنساء، فلمّا كان عمر نهانا عنهما، فانتهينا»[90]. وفي تفسير السيوطي، وكنز العمال، عن سعيد بن المسيب، قال: «نهى عمر عن المتعتين، متعة النساء، ومتعة الحجّ»[91].

وفي بداية المجتهد، وزاد المعاد، وشرح نهج البلاغة، والمغني لابن قدامة، والمُحلّى لابن حزم، واللفظ للأول: روي عن عمر – وفي زاد المعاد: ثبت عن عمر – أنّه قال: «متعتان كانتا على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنا أنهى عنهما، وأعاقب عليهما: «متعة الحجّ ومتعة النساء»[92]. وفي رواية الجصاص: «متعتان كانتا على عهد رسول الله أنا أنهى عنهما وأضرب عليهما: متعة النساء ومتعة الحجّ»[93].

تشير الروايات الآنفة إلى اجتهادين للخليفة عمر في حكمين من أحكام الإسلام: في متعة الحجّ، ومتعة النساء، وتفصيل القول فيهما في محله من الكتب والموسوعات الفقيهة.

ومن اجتهاد عمر أنّه أفرض، وفضّل في العطاء:

قال الطبري في سيرة عمر في ذكر حوادث سنة ثلاثٍ وعشرين من تأريخه: «هو – أي عمر- أول من دوّن للناس في الإسلام الدواوين، وكتب الناس على قبائلهم، وفرض لهم العطاء»[94]. وذكر ابن الجوزي في أخبار عمر وسيرته تفصيل فرض العطاء، وتفضيل بعضهم على بعض قال: «فرض للعباس بن عبد المطلب اثني عشر ألف درهم، ولكلّ من زوجات الرسول عشرة آلاف درهم، وفضّل عليهنّ عائشة بألفين، ثم فرض للمهاجرين الذين شهدوا بدرًا لكلّ واحدٍ خمسة آلاف، ولمن شهدها من الأنصار أربعة آلاف. وقيل: فرض لكلّ من شهد بدرًا خمسة آلاف من جميع القبائل»[95].

هكذا فضّل بعضهم على بعض في العطاء، حتى بلغ العطاء لبعضهم ستين مرةً أكثر من الآخرين، وبذلك أوجد النظام الطبقي داخل المجتمع الإسلامي خلافًا لسُنّة الرسول، فاجتمعت الثروة في جانب، وبان الإعسار في الجانب الآخر، وتكوّنت طبقةٌ مترفةٌ تتقاعس عن العمل. ويبدو أنّ الخليفة أدرك خطورة الأمر في آخر حياته، فقد روى الطبري، أنّه قال: «لو استقبلت من أمري ما استبدرت لأخذت فضول أموال الأغنياء فقسمتها على فقراء المهاجرين»[96].

وكان لهذا التقسيم آثارٌ سياسيةٌ سيئةٌ طالت المجتمع الإسلامي، واستخدمها الولاة والحكام وسيلة ضغط ٍعلى معارضيهم من خلال إسلوب التجويع وقطع العطاء. يقول السيد العسكري: «ومن أضرار تقسيم بيت المال على صورة عطاء سنوي- مع التفضيل في العطاء – أنّ المسلمين أصبحوا بعد ذلك تحت ضغط الولاة، وكان الولاة يقطعون عطاء من خالفهم، ويزيدون في عطاء من وافقهم، مثل ما وقع في زمن الخليفة عثمان، وما وقع من زياد وابنه عبيد الله زمن ولايتهما على الكوفة»[97].

اجتهاد الخليفتين أبي بكر وعمر في الخُمْس:

ومن موارد اجتهاد الخليفتين أبي بكر وعمر، منعهما أهل البيت (عليهم السلام) خُمْسهم، وخاصَّة حقّ ابنة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فاطمة $، والقضية مستفيضة في كتب التأريخ والموسوعات الروائية، وحفلت بها المصادر التأريخية.

وملخّص القضية: بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، وتنصيب السقيفة لأبي بكر خليفة، استولى الصّحابيان أبو بكر وعمر مرّةً واحدةً على كلّ ما تركه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) من ضياعٍ من بعده، ولم يتعرّضا لشيءٍ مما أقطع منها للمسلمين، عدا ما فعلا بفدك التي كان النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) قد أقطعها ابنته فاطمة (عليهم السلام) في حياته، فإنّهما استوليا عليها كما استوليا على سائر ضياع النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم)، ومن هنا نشأ الخلاف بين فاطمة (عليهم السلام)، وبينهما على ذلك، وعلى أرثها من الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم).

فيما يلي نماذج من بعض الروايات التي تشرح هذه القضية:

1.رواية عمر:

عن عمر: «لمّا قبض رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) جئت أنا وأبو بكر إلى عليٍّ، فقلنا: ما تقول في ما ترك رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)؟ قال: نحن أُحق الناس برسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم). قال عمر فقلت: والذي بخيبر؟ قال والذي بخيبر. قلت: والذي بفدك؟ قال: والذي بفدك. فقلت- أي عمر- أما والله حتى تخروا رقابنا بالمناشير فلا»[98].

2.رواية عائشة:

في صحيح البخاري، ومسلم، ومسند أحمد، وسنن أبي داود، والنسائي، وطبقات ابن سعد، واللفظ للأول: عن عائشة: «إنّ فاطمة (عليهم السلام) أرسلت إلى أبي بكر تسأله ميراثها من النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ما أفاء الله على رسوله (صلى الله عليه وآله وسلم)، تطلب صدقة النبيّ، التي بالمدينة، وفدك، وما بقي من خُمس خيبر. فقال أبو بكر: إنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) قال: «لا نورث، ما تركنا صدقة، إنّما يأكل آل محمد من هذا المال – يعني مال الله – ليس لهم أنْ يزيدوا على المأكل، وإنّي والله لا أغيّر شيئًا من صدقات النبيّ التي كانت عليها في عهد النبيّ، ولأعملنَّ فيها بما عمل فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)»[99].

وفي هذا الحديث سمّى أبو بكر تركة الرسول: (الصّدقات)، استنادًا إلى الرواية التي رواها هو عنالرسول، بأنّه قال (ما تركنا فهو صدقة)، ومنذ ذلك التأريخ وإلى يومنا هذا سُمّيت تركة الرسول بالصدقات[100].

الحديث الثاني: عن عائشة أيضًا: وأول هذا الحديث ، كالحديث الماضي إلى قولها: «… فغضبت فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) فهجرت أبا بكر، فلم تزل مهاجرته حتى توفيت، وعاشت بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر، قالت عائشة: فكانت فاطمة تسأل أبا بكر نصيبها ممّا ترك رسول الله من خيبر وفدك وصدقته بالمدينة، فأبى أبو بكر عليها ذلك، وقال: لست تاركًا شيئًا كان رسول الله يعمل به إلّا عملت به، فإنّي أخشى إنْ تركت شيئًا من أمره أنْ أزيغ، فأمّا صدقته بالمدينة فدفعها عمر إلى عليٍّ وعبّاس، وأما خيبر وفدك فأمسكهما عمر، وقال: هما صدقة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) كانتا لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر، قالت: فهما على ذلك إلى اليوم»[101].

وفي هذا الحديث: يصرِّح الخليفة بأنّ ضِياع رسول الله كانت لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وأمرهما إلى من ولي الأمر من بعده، إذن فهو الذي ينفق منها لحقوقه التي تعروه ونوائبه، وهذا هو معنى قول الخليفة في الحديث الأول: لأعملنَّ فيها بما عمل فيها رسول الله، أي: لأنفقنّ منها لحقوقي التي تعروني ونوائبي.

والملاحظ في حديث عائشة أنّها اقتصرت في ذكرها مورد نزاع فاطمة مع أبي بكر، بذكر مطالبتها إيّاهم بإرث أبيها الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)، بينما كانت خصومتها معهم في ثلاثة أمور:

مطالبتها إيّاهم بمنحة الرسول.

مخاصمتها إيّاهم في أرث الرسول.

مخاصمتها إيّاهم في سهم ذي القربى[102].

يقول الإمام عليِّ(عليهم السلام) في كتابه إلى عثمان بن حنيف واليه على البصرة: «بلى كانت في أيدينا فدك من كلّ ما أظلّته السماء، فشحّت عليها نفوسُ قوم، وسخت عنها نفوسُ قومٍ آخرين، ونعم الحكم الله»[103].

والخلاصة: اجتهد أبو بكر فمنع ذوي القربى من سهامهم في الخُمْس، ومنع فاطمة (عليهم السلام) من منحتها وأرثها من رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، واجتهد عمر فاستمر على منع ذوي القربى من سهامهم من الخُمْس، واجتهد فاستمر على مصادرة تركة الرسول، وأخيرًا لما انهالت الثروة عليهم اجتهد وأراد أنْ يدفع إليهم بعضهاكما روي: قال الإمام عليِّ – في جواب سؤال من قال له: بأبي وأُمي ما فعل أبو بكر وعمر في حقّكم أهل البيت من الخُمْس…؟-: «إنّ عمر قال: لكم حقّ ولا يبلغ علمي إذا كثر أنْ يكون لكم كله، فإنْ شئتم أعطيتكم منه بقدر ما أرى لكم، فأبينا عليه إلّا كله فأبى أنْ يعطينا»[104].

ثالثًا: نماذج من اجتهاد الخليفة عثمان:

يحدثنا تأريخ الخلافة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أنّ سيرة الشيخين (أبي بكر وعمر) قد عرضت على الإمام عليّ للإلتزام بها إلى جانب كتاب الله وسُنّة رسوله، فأبى ذلك وقبلها عثمان بن عفان، ولم يلتزم بها بإجماع المؤرّخين. ولو أردنا أنْ نُحصي موارد اجتهاد الخليفة عثمان لطال بنا المقال، ولكننا نورد بعض النماذج ونحيل الباقي إلى مطولات كتب السيرة والتأريخ والأثر:

استعانته بأقربائه وإعطاؤهم الخُمْس وصدقات رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم).

وفي هذا المجال يحدثنا التأريخ أنّ عثمان قد قرّب المنحرفين عن الله ورسوله، وبعضهم ممَّن طرده الرسول من المدينة، مخالفًا بذلك سيرة الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة من سبقه، ومن نماذج ذلك: إعطاء خمس فتوح أفريقيا مرةً لعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وأُخرى لمروان بن الحكم. قال ابن الأثير في تأريخه: «أعطى عبد الله خُمْس الغزوة الأولى، وأعطى مروان خُمْس الغزوة الثانية، التي افتتحت فيها جميع أفريقيا»[105].

وقال الطبري: «لمّا وجّه عثمان عبد الله بن سعد إلى إفريقيا، كان الذي صالحهم عليه بطريق أفريقية (جرجير) ألفي ألفٍ وخمسائة ألف دينارٍ وعشرين ألف دينار» وقال: «وكان الذي صالحهم عليه (عبد الله بن سعد) ثلاثمائة قنطار ذهب فأمر بها عثمان لآل الحكم، أو مروان»[106].

ومن طريق ما ينقله البلاذري في أنساب الأشراف: «إنّ مروان لمّا بنى داره بالمدينة دعا الناس إلى طعامه وكان (المُسَّور) في من دعا، فقال مروان وهو يحدِّثهم: والله ما أنفقت في داري هذه من مال المسلمين درهمًا فما فوقه!! فقال المسور: لو أكلت طعامك وسكت لكان خيرًا لك، لقد غزوت معنا أفريقيا وإنّك لأقلّنا مالًا ورقيقًا وأعوانًا، وأخفَّنا ثقلًا، فأعطاك ابن عفان خُمْس أفريقية، وَعُمِّلت على الصدقات فأخذت أموال المسلمين…»[107].

والعبث بأموال المسلمين واتّخاذ مال الله دولًا، ممّا اشتهر بين هؤلاء في عهد عثمان، حتى تناولته الشعراء في شعرهم، وقال في ذلك (أسلم بن أوس بن بجرة الساعدي) من الخزرج، وهو الذي منع أن يدفن عثمان بالبقيع:

اجتهاده في تركة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم):

أما اجتهاده في ما تركه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) فقد قال أبو الفداء، وابن عبد البّر، واللفظ للأوّل: «وأقطع مروان فدك، وهي صدقة النبيّ، التي طلبتها فاطمة من أبي بكر»[108]. وقال ابن أبي الحديد: «واقطع عثمان مروان فدك، وقد كانت فاطمة (عليها السلام) طلبتها بعد وفاة أبيها (صلوات الله عليه)، تارةً بالميراث، وتارةً بالنحلة، فدفعت عنها»[109].

وقال ابن عبد ربه وابن أبي الحديد – واللفظ الأول-: «وتصدّق رسول الله بمهزور – موضع سوق بالمدينة – على المسلمين فأقطعها – عثمان – الحارث بن الحكم أخا مروان»[110].

كان هذا بعض ما انتهى إلينا من اجتهاد الخليفة عثمان في خصوص أمر الخُمس وتركة الرسول على عهده. وقد تجلَّى فقه واجتهاد عثمان حين اُحتُجَ عليه في ذلك بأبي بكر وعمر اللذين لم يستعينا بالأقرباء، ولم يؤثروا أحدًا منهم على غيره فقال: «إنّ أبا بكر وعمر قد تركا من ذلك ما هو حقّهما، وإنّي أخذت ما هو لي فقسمته في أقربائي». وقال البيهقي- مبررًا – في ما أقطع عثمان من تركة الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ذوي قرباه: «تأوّل في ذلك ما روي عن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إذا أطعم الله نبيًّا طعمة، فهي للذي يقوم من بعده، وكان مستغنيًا عنها بماله فجعلها لأقربائه ووصل بها رحمهم»[111].

وكانت هذه التصرفات من جملة الموارد التي سببت نقمة الناس عليه؛ إذ تعود نقمتهم لأمرين:

أولًا: لأنّ الخليفتين قبله كانا يضعان تلك الأموال في النفقات العامة، وخصصها عثمان لأقربائه.

ثانيًا: موضع أقربائه من الإسلام وأهله! فقد نزل في ذم بعضهم القرآن الكريم[112]، وبعضهم أهدر رسول الله دمه[113].

أسباب اختلاف الصّحابة في الفتاوى والاجتهادات

من الواضح أنّ الاجتهاد الذي يعتمد على الرأي والتفكير الشخصي لا بدّ أنْ يقع فيه اختلافٌ من مجتهدٍ إلى آخر، بل يقع الاختلاف في آراء المجتهد الواحد في المسألة الواحدة. فعدم وجود قواعد مقرَّرة للاجتهاد، أو موازين أُصولية معروفة من جهة، وتحكم الآراء والأهواء الذاتية من جهة أخرى، يؤدّي إلى الاختلاف قطعًا.

يقول الدواليبي: «كانت ترد على الصّحابة أقضيةٌ لا يرون فيها نصًّا من كتابٍ أو سُنّة، وإذ ذاك كانوا يلجأون الى الاجتهاد، وكانوا يعبّرون عنه بالرأي أيضًا، كما كان يفعل أبو بكر… وكذلك كان عمر يفعل…

ثم استشهد بما روي أنّ عمر كتب به إلى شريح وإلى أبي موسى، وقال: ولم يكن الصّحابة في اجتهادهم يعتمدون على قواعد مقرَّرة، أو موازين معروفة، وإنّما كان معتمدهم لما لمسوا من روح التشريع. ثم قال في تعريف الاجتهاد: إنّه رأي غير مجمعٍ عليه، فإذا أجمع عليه، فهو الإجماع، ولذلك فالاجتهاد بعد الإجماع في المنزلة»[114]. وقسم أنواع الاجتهاد إلى ثلاثة:

أولًا: البيان والتفسير لنصوص الكتاب والسُنّة.

ثانيًا: القياس على الأشباه ما في الكتاب والسنّة.

ثالثًا: الرأي الذي لا يعتمد على نصٍّ خاصّ، وإنّما على روح الشريعة المبثوثة في جميع نصوصها معلنة: «إنّ غاية الشرع إنّما هي المصلحة، وحينما وجدت المصلحة فثم شرع الله»، وإنّ «ما رآه المسلمون حسنًا فهو عند الله حسن»[115].

وقال: ولعل من أبرز المسائل الاجتهادية، والوقائع التي حدثت في عهد الصّحابة بعد وفاة النبيّ هي قضية قسمة الأراضي التي فتحها المقاتلون عنوة في العراق، وفي الشام، وفي مصر. فلقد جاء النص القرآني يقول بصراحةٍ لا غموض فيها إنّ خُمْس الغنائم يرجع لبيت المال، ويصرف في الجهات التي عنيتها الآية الكريمة: ﴿وَاعْلَمُواْ أَنَّمَا غَنِمْتُم مِّن شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى﴾[116].

أما الأخماس الأربعة الباقية فتقسّم بين الغانمين، عملًا بمفهوم الآية المذكورة، وبفعله عليه الصلاة والسلام حين قسم خيبر بين الغزاة… وعملًا بالقرآن والسنّة جاء الغانمون إلى عمر بن الخطاب وطلبوا إليه أنْ يخرج الخُمْس لله، ولِمَن ذُكِر في الآية، وأنْ يقسّم الباقي بين الغَانِمين. فقال عمر: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد أقتسمت وَورِثّت عن الآباء، وحيزت؟ ما هذا برأي؟ فقال له عبد الرحمن بن عوف فما الرّأي؟ ما الأرض والعلوج إلا مما أفاء الله عليهم. فقال عمر: ما هو إلاّ ما تقول، ولست أرى ذلك…!! فأكثروا على عمر، وقالوا: تقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قومٍ لم يحضروا ولم يشهدوا…؟ فكان عمر لا يزيد على أنْ يقول: هذا رأيي. فقالوا جميعًا الرأي رأيك!!»[117].

وهكذا نجد الاستناد إلى الرأي كمصدرٍ للفتوى عند الصّحابة، في الاختلاف الذي وقع بين ابن عباس وزيد بن ثابت في نصيب الأم من تركة فيها زوج وأب وأُم. فقال ابن عباس: «لها ثلث المال، وقال زيد بن ثابت: لها ثلث الباقي، فقال ابن عباس: أفي كتاب الله ثلث الباقي؟ فقال زيد: إنّما أقول برأيي، وتقول برأيك…»[118].

وهنالك أسبابٌ أخرى كثيرةٌ لاختلاف الصّحابة في الفتاوى والاجتهاد، منها ما يعود إلى درجة فهمهم للنصوص التشريعية، كفهم دلالات نصوص القرآن والسُنّة، ومنها ما سببه المناهج التي يستندون إليها في الاستنباط الفقهي، وغيرها من الأسباب الكثيرة التي أفرد لها بعض العلماء وبعض مؤلفاتهم وبحوثهم[119].

لائحة المصادر والمراجع

القرآن الكريم.

ابن الأثير، علي بن محمد، الكامل في التأريخ، تحقيق: علي شيري،دار إحياء التراث العربي، بيروت،ط1، 1408هـ – 1989م.

ابن الأثير، علي بن محمد، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، تصحيح: عادل أحمد الرّفاعي،دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1417 هـ – 1996م.

ابن الأثير الجزري، جامع الأصول في أحاديث الرسول، تحقيق: أبو عبد الله عبد السلام، ومحمد عمر علوش، ط1، دار الفكر، بيروت، 1417هـ – 1997م.

ابن حجر، أحمد بن علي العسقلاني، الإصابة في تمييز الصّحابة، مطبعة مصطفى محمّد، القاهرةـ، 1358هـ – 1939.

ابن حزم الظاهري، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق: أحمد محمد شاكر، تقديم إحسان عباس،دار الآفاق الجديدة، بيروت،ط1، 1400هـ – 1980م.

ابن حنبل، المسند، شرح وفهرست أحمد محمد شاكر،الرابعة، دار المعارف، القاهرة، 1954م.

ابن رشد، محمد بن أحمد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، القاهرة، أفست منشورات الرّضي، قم، 1389هـ – 1969م.

ابن عبد ربه، أحمد بن أحمد، العقد الفريد، شرح وضبط أحمد أمين، أحمد الزين، إبراهيم الأبياري،دار الكتاب العربي، بيروت، 1406هـ – 1986م.

ابن عبد البر، يوسف بن عبد الله، الاستيعاب في أسماء الأصحاب، مطبعة مصطفى محمد، القاهرة، 1939م.

ابن خلكان، أحمد بن محمد، وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان، تحقيق: محمد محي الدين عبد الحميد، نشر مكتبة النهضة المصرية،مطبعة السعادة – القاهرة، 1948م.

ابن قيّم الجوزية، محمد بن أبي بكر، إعلام الموقعين،دار الجيل الجديد، بيروت (بلا ت).

ابن كثير، إسماعيل بن عمر، البداية والنهاية،مؤسسة التأريخ العربي، ودار إحياء التراث العربي، بيروت.

ابن قيم، أبو عبد الله محمد بن أبي بكر، زاد المعاد في هدى خير العباد،مؤسسة الرسالة، بيروت، ط10، 1405هـ – 1985م.

أبو داود السجستاني، سليمان بن الأشعث، سنن أبي داود، دار الجنان، بيروت، 1409هـ – 1988م.

أبو الفداء، إسماعيل بن علي، تاريخ أبي الفداء المسمّى (المختصر في أخبار البشر)، تعليق محمود أيوب،دار الكتب العلمية، بيروت،ط1، 1417 هـ – 1997م.

الآمدي، علي بن محمد، الإحكام في أصول الأحكام، تحقيق د. سيد جميلي، دار الكتاب العربي، بيروت، 1403هـ- 1996م.

البلاذري، أحمد بن يحيى، أنساب الأشراف: تحقيق محمد باقر المحمودي،مؤسسة الأعلمي، بيروت،ط1، 1394هـ – 1974م.

البلاذري، أحمد بن يحيى، فتوح البلدان، تحقيق: رضوان محمد رضوان،دار الكتب العلمية، بيروت،1398هـ – 1978م.

البيهقي، أبو بكر أحمد بن الحسين، سنن البيهقي المعروف بـ(السنن الكبرى)، إعداد د. يوسف عبد الرحمن المرعشلي،دار المعرفة، بيروت، 1413هـ – 1992م.

الترمذي، سنن ابن ماجه،دار إحياء التراث العربي – بيروت، (1395م).

جناتي، ادوار اجتهاد (أز ديدكاه مذاهب إسلامي)، بالفارسية،مؤسسة كيهان، طهران، 1372ش.

الحاكم النيسابوري، محمد بن عبد الله، مستدرك الصحيحين، دار المعرفة، بيروت.

الدواليبي، معروف، المدخل إلى علم أصول الفقه،جامعة دمشق، 1378هـ.

الذهبي، محمد بن أحمد بن عثمان، ميزان الاعتدال في نقد الأقوال، تحقيق: علي محمد البجاوي،دار الفكر، بيروت.

الرازي، أبو حاتم، الجرح والتعديل،مطبعة مجلس دائرة المعارف العثمانية بحيدر آباد الّكن، الهند، 1271هـ – 1952م.

الزمخشري، محمود بن عمر، الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل،دار الكتاب العربي.

السيوطي، الحافظ جلال الدين، الدر المنثور في التفسير بالمأثور، تقديم عبد الرزاق المهدي، صححها وخرّج أحاديثه نجدت نجيب،دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1421هـ – 2001م.

الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى، الموافقات في أصول الفقه، دار الفكر، بيروت .

الشوكاني، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول، تحقيق: أحمد عزو عنايت،دار الكتاب العربي،ط1، 1419هـ – 1999م.

الصدر، رضا، الاجتهاد والتقليد، باهتمام السيد باقر خسروشاهي،مركز النشر التابع لمكتب الأعلام الإسلامي، قم ط2، 1420هـ.

الطبري، أبو جعفر محمد بن جرير، تأريخ الأمم والملوك، المعروف بتأريخ الطبري، تحقيق أبو الفضل إبراهيم، روائع التراث العربي، بيروت، ط2 .

العسكري، مرتضى، معالم المدرستين، مؤسسة البعثة، طهرن،ط4، 1412هـ – 1992م.

العسكري، مرتضى، عبد الله بن سبأ وأساطير أخرى، انتشارات توحيد،ط6، 1413هـ – 1992م.

الغزالي، المستصفى في علم الأصول، دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1418هـ – 1997م.

فواتح الرحموت في شرح مسلم الثبوت، المطبوع بهامش المستصفى (للغزالي)،ط1، المطبعة الأميرية، مصر، 1322هـ – أفست: دار الذخائر، قم، 1368ش.

القرطبي، يوسف بن عبد البر، الاستيعاب في أسماء الأصحاب،مصطفى محمّد- القاهرة، 1939م.

الكليني، محمد بن يعقوب، الكافي، طبعة الآخوندي، النجف، 1375هـ.

المتقي الهندي، كنز العمال،مؤسسة الرسالة، ضبطه وتصحيح: صفوة السّقا، وبكري الحياني، 1409هـ – 1989م.

المرتضى، الذريعة إلى تصانيف الشيعة،الدار الإسلامية، طهران، 1387هـ- 1968م.

النمر، عبد المنعم أحمد، السايس نقلًا عن علم الفقه، وزارة الأوقاف والشؤون الدينية، الجمهورية العراقية، سلسلة إحياء التراث الإسلامي.

الهيثمي، نور الدين علي بن أبي بكر، مجمع الزوائد ومنبع الفوائد،دار الكتاب العربي، بيروت، ط3، 1402هـ – 1982م.

الواقدي، محمد بن سعد، الطبقات الكبرى،دار إحياء التراث العربي، بيروت، ط1، 1417هـ – 1996م.

اليعقوبي، أحمد بن أبي يعقوب بن واضح، تأريخ اليعقوبي،دار صادر، بيروت، 1379هـ.

 

الهوامش

[1] ابن حجر، الإصابة في تمييز الصحابة، ج1، ص 7 المقدمة.

[2] المصدر نفسه، ص 8.

[3] ابن منظور، لسان العرب، مادة: صحب.

[4] سورة يوسف، الآية:39.

[5] سورة الشعراء، الآية:61.

[6] للتوسّع انظر: العسكري، معالم المدرستين، ج1، ص 118.

[7]للتوسع انظر:العسكري، عبد الله بن سبأ، ج1، ترجمة: سيف بن عمر.

[8]أبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، ج 16، ص 147 149. وترجمة امرؤ القيس بن عدي في: أعلام الزركلي، ج 2، ص 12، وفي هامش الصفحة: 147 من المصدر نفسه.

[9]ابن حجر العسقلاني، الإصابة في تمييز الصحابة، ج2، ص496 498. وأبو الفرج الأصفهاني، الأغاني، ج16، ص319.

[10]سورة البقرة، الآية: 143.

[11]أبو حاتم الرازي، الجرح والتعديل، المقدمة: ج1، ص 7 9.

[12]ابن عبد البر، الاستيعاب في أسماء الأصحاب، ج1، ص2.

[13] ابن الأثير، أُسد الغابة في معرفة الصحابة، ج1، ص 3.

[14] ابن حجر العسقلاني، الإصابة، ج1، ص 9.

[15] المصدر نفسه، ج 1، ص 11.

[16] ابن حجر، الإصابة، ج 1، ص 10..

[17]سورة الفتح، الآية: 18.

[18]سورة التوبة، الآية: 101.

[19]انظر: الواقدي، المغازي، ج2، ص 1042 1045. وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج2، ص 103.

[20]سورة التوبة، الآية 117.

[21]البخاري، صحيح البخاري، ج7، ص195.

[22]النيسابوري، صحيح مسلم، ج 4، ص 1800.

[23] روايته في المنافقين في: صحيح مسلم، ج 1، ص 61. والترمذي، ج 13، ص 177.

[24]الحاكم النيسابوري، مستدرك الصحيحين، ج3، ص 129. والمتقي الهندي، كنز العمال، ج 15، ص 91.

[25]ابن عبد البر، الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج2، ص 462.

[26]العسكري، معالم المدرستين، ج 1، ص 141.

[27]من أوسع مَن كتب في سُنّة الصحابة وحشد لها الأدلة حتى بلغ بها إلى ستة وأربعين دليلاً في كتابه: أعلام الموقعين عن ربّ العالمين، فصل: تفصيل الأدلة على وجوب اتباع أقوال الصحابة، ص 957 970.

[28]سورة آل عمران، الآية: 110.

[29]سورة البقرة، الآية: 143.

[30]الشاطبي، الموافقات في أصول الفقه، ج4، ص 62.

[31]اقتبسنا وجوه الإجابة باختصار من كتاب: الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، ص 135- 143.

[32]سورة البقرة، الآية: 143.

[33]للتوسع انظر: الشاطبي، الموافقات، ج4، ص 64 وما بعدها.

[34] اقرأ ما كتبه الشيخ عبد الله دراز في تعليقه على هذا الحديث في المصدر نفسه، وما جاء فيه من تضعيف.

[35]الغزالي، المستصفى، ج1، ص 209.

[36]الآمدي، الأحكام، ج 4، ص 155.

[37]للتوسع انظر: الحكيم، الأصول العامة للفقه المقارن، ص 138- 143 وكذلك: ص 439- 441.

[38]الشّوكاني، إرشاد الفحول، ج 2، ص 188 189.

[39]السّايس، محمد، نشأة الفقه الاقتصادي، ص 14، نقلاً عن: النمر، عبد المنعم، علم الفقه، ص 31.

[40]المصدر نفسه، ص 44.

[41]الآمدي، الإحكام، ج 4، ص 181 182.

[42]المصدر نفسه، ج4، ص 182 وما بعدها.

[43]المصدر نفسه، ج 4، ص 183.

[44]المصدر نفسه، ج 4، ص 181.

[45]المصدر نفسه، ص 183.

[46] المصدر نفسه، ج 4، ص 183 184.

[47]الغزالي، المستصفى، ج 2، ص 355.

[48]الأنصاري اللكنوي، فواتح الرحموت بشرح مسلم الثبوت، ج2، ص 274- 276 بهامش المستصفى.

[49] الأنصاري اللكنوي، فواتح الرحموت، ج 2، ص 425.

[50] ابن حجر، فتح الباري في شرح صحيح البخاري، ج1، ص 352. وقد علق الشارح على الرواية بقوله: هذه الرواية اختصر فيها جواب عمر… نعم ذكر جواب (عمر) مسلم في الصحيح، ولفظهُ: «لا تصل حتى تجد الماء…» وهذا مذهب مشهور من عمر.

[51]سورة الفرقان، الآية: 48.

[52]سورة المائدة، الآية: 6.

[53]جناتي، أدوار الاجتهاد، ص 45 46.

[54]الدواليبي، معروف، المدخل إلى علم أُصول الفقه، ص 11.

[55]سورة آل عمران، الآية: 164.

[56]ولمعرفة مصدر الحديث، انظر: صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، باب أجر الحاكم إذا اجتهد فأصاب أو أخطأ، الحديث 7352. وصحيح مسلم، حديث رقم 1716 في الأقضية. وسنن أبي داود، حديث 3574. وسنن ابن ماجة، حديث 2314.

[57] رواه أبو داود في أقضيته، والترمذي، والحاكم، والنسائي في القضاء، وابن ماجة والدّارمي في المقدمة، وأحمد في مسنده.

[58]صحيح البخاري، كتاب الاعتصام، حديث رقم: 7352.

[59]سنن أبي داود، كتاب الطهارة، حديث رقم: 3583. وانظر ابن الأثير الجزري، جامع الأُصول، ج 8، ص 139 -142.

[60]العظيم آبادي، عون المعبود في شرح سنن أبي داود، ج 6، ص 369.

[61]ابن حزم، الأحكام، ص 206 – 207.

[62]الواقدي، الطبقات الكبرى، ج 3، ص 584.

[63]المصدر نفسه، ص 584.

[64]الآمدي، الأحكام، ص 183.

[65]الذهبي، ميزان الاعتدال في نقد الرجال، ج1، ص 439.

[66]جناتي، أدوار الاجتهاد، ص 51.

[67]المصدر نفسه، ص 51.

[68]ابن حزم، الأحكام، ج 6، ص 208، ولابن حزم مناقشات وافية لهذا الحديث، انظر: المصدر نفسه، ج 6، ص 211 226.

[69]اليعقوبي، تاريخ اليعقوبي، ج2، ص208. انظر: جناتي، أدوار الاجتهاد، ص 52.

[70]للتوسع انظر: السيد المرتضى، الذريعة، ج1، ص 34.

[71]الغزالي، المستصفى، ج2، ص 173 174.

[72]ابن حزم، المصدر السابق، ج 2، ص 208.

[73]انظر: الصدر، رضا، الاجتهاد والتقليد، ص26-27. وانظر: ابن حزم، المُحلّى، ج2، ص 62. والمظفر، أصول الفقه، ج 1، ص 193. والفضلي، دروس في فقه الإماميّة، ج 1، ص 82 86.

[74]ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين، ج 1، ص 61 62.

[75]ابن حزم، ملخص إبطال القياس، ص 12.

[76]المصدر نفسه، ص 62.

[77]للاطلاع على نماذج من تلك الفتاوى يراجع كتاب (النص والاجتهاد) للسيد عبد الحسين شرف الدين، مع مقدمة الكتاب للسيد محمد تقي الحكيم؛ كذلك كتاب (رسالة في الاجتهاد والتقليد…)، للشيخ علي رضا السنجري؛ تقريرات أستاذه السيد الروحاني؛ فقد ذكر أمثلة كثيرة لاجتهاد الرأي، ص 21- 31.

[78]ابن حزم، ملخص إبطال القياس، ص 20؛ ولاحظ تعليقه الناشر لكتاب إبطال القياس: ص 15.

[79]العسكري، معالم المدرستين، ج 2، ص 311.

[80]الكليني، الكافي، ج 1، ص 58.

[81]الصفار، بصائر الدرجات، ص 301.

[82]المجلسي، مرآةُ العُقول في شرح أخبار الرسول، ج 1، ص 102.

[83]العسكري، معالم المدرستين، ج 2، ص 381.

[84]الكَلالة: الميت الذي لا ولد ولا والد له في ورثته، فورثتهُ يقال لهم: كَلالة، وقد ورد حكم الكَلالة في سورة النساء، الآية: 12 وفي الآية :176.

[85]الدارمي، سنن الدارمي، ج 2، ص 365. وابن القيم الجوزية، أعلام الموقعين، ج 1، ص 28.

[86]ابن أنس (مالك)، الموطأ، ج 2، ص 407.

[87]اليعقوبي، تريخ اليعقوبي، ج 1، ص 132.

[88]ابن خلكان، وفيات الأعيان، ج 5، ص 67. أبو الفداء، تاريخ أبو الفداء، 158. كنز العمال، ج 3، ص 132، الحديث 228.

[89]ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 362.

[90]ابن حنبل، مسند أحمد، ج 3، ص 362.

[91]السيوطي، تفسير الدر المنثور، ج 2، ص 141. المتقي الهندي، كنز العمال، ج 8، ص 293.

[92]ابن رشد، بداية المجتهد ونهاية المقتصد، ج 1، ص 346. وابن قيم، زاد المعاد في هدي خير العباد، ج 2، ص 205. وابن حزم، المُحلّى، ج 7، ص 107.

[93]الجصاص، أحكام القرآن، ج 1، ص 279.

[94]الطبري، تأريخ الأمم والملوك، ج2، ص 22 23. والبلاذري، فتوح البلدان، 549.

[95]روى عن ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 3، ص 154 في الطعن الخامس.

[96]الطبري، تاريخ الطبري، ج 5، ص 33 في ذكر سيرة عمر.

[97]العسكري، معالم المدرستين، ج 2، ص 94.

[98]الهيثمي، مجمع الزوائد ومنبع الفرائد، ج9، ص39، باب في ما تركه الرسول، عن الطبراني في الأوس.

[99]البخاري، صحيح البخاري، ج2، ص 2300. وسنن أبي داود، ج 2، ص 49. وسنن النسائي، ج 3، ص 179. وابن سعد، الطبقات، ج 2، ص 315.

[100]العسكري، معالم المدرستين، ج 2، ص 148.

[101]صحيح البخاري، ج2، ص 124. وصحيح مسلم، الحديث 54، من كتاب الجهاد. والذهبي، تأريخ الإسلام، ج 1، ص 346. وابن كثير، تأريخ ابن كثير، ج 7، ص 285. وسنن البيهقي، ج 6، ص 300. ومسند أحمد، ج 1، ص 6. وابن سعد، الطبقات، ج 8، ص 18.

[102]العسكري، معالم المدرستين، ج 2، ص 129. وللتوسع انظر: المصدر نفسه، ج 2، ص 150، 157.

[103]ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 4، ص 77.

[104]البيهقي، سنن البيهقي، ج 6، ص 344، باب سهم ذي القربى. ومسند الشافعي، ص 187 باب قسم الفيء.

[105]ابن الأثير، الكامل في التأريخ، ج3، ص 71.

[106]الطبري، تاريخ الطبري، ج1، ص 2818. وابن كثير، البداية والنهاية، ج7، ص 152.

[107]البلاذري، أنساب الأشراف، ج 5، ص 28.

[108]أبو الفداء، تأريخ أبي الفداء، ج 11، ص 232، في ذكر حوادث سنة (34). وابن عبد ربه، العقد الفريد، ج4، ص 273.

[109] ابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج1، ص67.

[110] ابن عبد ربّه، العقد الفريد، ج 4، ص 273. وابن أبي الحديد، شرح نهج البلاغة، ج 1، ص 67.

[111]البيهقي، سنن البيهقي، ج 6، ص 310.

[112]للتوسع انظر: الزمخشري، الكشاف، ج 2، ص 35. والبلاذري، أنساب الأشراف، ج 5، ص 49.

[113]للتوسع انظر: العسكري، معالم المدرستين، ج2، ص 164 166.

[114]الدواليبي، المدخل إلى أصول الفقه، ص 14، ص 17، ص 30، ص 53، ص 57.

[115]المصدر نفسه، ص 91 95.

[116]سورة الأنفال، الآية: 41.

[117]الدواليبي، المدخل إلى أصول الفقه، ص 95.

[118]القرطبي، جامع بيان العلم وفضله، ج 2، ص 72.

[119]للتوسع انظر: الإنصاف في بيان أسباب الاختلاف للدّهلوي؛ واختلاف الصحابة للدكتور أبو سريع؛ ومحاضرات في أسباب الاختلاف للشيخ علي خفيف؛ واختلاف الفقهاء للطبري.

 

المصدر: المركز الاسلامي للدراسات الاستراتيجية

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky