ذهب المحقّق النراقي في كتابه (عوائد الأيام) إلى قولٍ مخالف لمشهور المتأخّرين في تحديد مفهوم الشعائر ، حيث اختار اختصاص هذا المفهوم بمعالم الحجّ ومناسكه،ورفض ما اشتُهر بين الفقهاء من التمسّك بعموم هذا المفهوم وشمول حكمه للمفردات الدينية الأُخرى،خصوصاً فيما يرتبط بقوله تعالى:(ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ..) بقلم: الشيخ قيصر التميمي
الاجتهاد: لا يخفى ما لمفهوم (الشعائر) من محوريّة وأهمّية خاصّة في الفقه الإسلامي ووجدان المسلمين، وقد تمّ توظيف هذا المفهوم دينيّاً بصورة واسعة وفي مساحة كبيرة جدّاً، شملت الدين كلّه، والأمكنة المقدّسة، والأزمنة المباركة، وشخوص الأنبياء والأوصياء والأولياء، وآثارهم ومراقدهم الشريفة، والمناسبات الدينية، وكلّ ما له علاقة وارتباط بمعالم الدين وأعلامه وأحكامه وآدابه، وهذا ما حدا بالمحقّق النراقي إلى البحث عن مفهوم الشعائر وحكمها الشرعي في عوائده، حيث خصّص لهذا البحث عائدة بعنوان: (عائدة: في وجوب تعظيم شعائر الله).
وقال النراقي في مطلع كلامه عن أهمّية هذا الموضوع: «قد تكرّر في كتب الفقهاء الحكم بوجوب تعظيم شعائر الله، وبه يتمسّكون في أحكام كثيرة من الوجوب والحرمة، كحرمة بيع المصحف وكتب الحديث من الكفار، ودخول الضرائح المقدّسة على غير طُهْر، وأمثال ذلك»[2].
وفي معرض ذكره لمستند تلك الأحكام قال: «والأصل فيه: قوله تعالى وسبحانه في سورة الحجّ بعدما ذكر طائفة من مناسك الحجّ: (… ذَٰلِكَ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّـهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوبِ * لَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ إِلَىٰ أَجَلٍ مُّسَمًّى ثُمَّ مَحِلُّهَا إِلَى الْبَيْتِ الْعَتِيقِ)[3]»[4].
موضع البحث
رسم النراقي خطة بحثه في لوحتين: الأُولى مفهومية، والأُخرى حكمية، حيث شرع بدراسة مفهوم موضوع الحكم في المسألة وهو (الشعائر)، ثم أردفه بالبحث في الحكم الشرعي، وهو وجوب التعظيم. والذي يهمّنا من كلامه في هذا المقال هو خصوص البحث المفهومي حول الشعائر، ومركز البحث هو وثائق النظرية وشواهدها الدينية، وسوف نشير لاحقاً إلى ما ذكره قدس سره في البحث الحكمي استطراداً، تبعاً لما جاء في العائدة، وتتميماً للفائدة
خلاصة المقال
تعرّضنا في هذا المقال لنظرية المحقّق النراقي حول اختصاص مفهوم (الشعائر) بمعالم الحجّ ومناسكه، وقد وثّقنا هذه النظرية بمجموعة من الشواهد القرآنية والروائية، وتحصّل من مجموع ما بيّناه الأُمور التالية:
1ـ إنّ تطبيق مفهوم (الشعائر) على موارده في النصوص الدينية قد انحصر في فريضة الحجّ ومعالمها ومناسكها وما يرتبط بها.
2ـ إنّ كلّ المكتسبات العقدية والمعطيات الشرعية المستنبطة من مفهوم (الشعائر) في النصّ الديني منحصرة في معالم الحجّ ومناسكه.
3ـ إنّ المفردات الدينية الأُخرى غير المعالم والمناسك لا تحظى بمكتسبات ومعطيات النصوص الشرعية، التي تتحدّث عن مفهوم (الشعائر) متعلّقاً وحكماً.
4ـ إنّ إطلاق مفهوم (الشعائر) على غير مناسك الحجّ ومعالمه لا يعدو كونه إطلاقاً لُغوياً واستعمالاً أدبياً مُحدثاً، وليس استعمالاً شرعياً دينياً.
5ـ لعلّ كثيراً ممّا جاء في كلمات الفقهاء ـ وخصوصاً القدماء منهم ـ من تسمية غير المناسك بالشعائر، لا يعدو كونه استعمالاً لُغويّاً، ولا يُراد به التطبيق المدرسي لعمومات وإطلاقات نصوص (الشعائر).
6ـ إنّ خروج المفردات الدينية الأُخرى ـ غير مناسك الحجّ ومعالمه ـ عن عموم مفهوم (الشعائر)، لا يُقلّل من شأنها الديني، ولا ينفي أبداً شرعيّتها وعظمتها وقداستها في المنظومة الدينية.
7ـ إنّ من أهمّ الثمار والفوائد المترتبة على هذا البحث هو الوقوف أمام موجة الانفلات المصداقي والتطبيقي لمفهوم الشعائر.
ثمّ طرحنا في نهاية المطاف التساؤلات التالية:
1ـ لماذا لا نجد تطبيقاً واحداً لعموم مفهوم (الشعائر) على غير المعالم والمناسك في القرآن الكريم، مع أنّ آياته المباركة مزدحمة بالمفردات التي يُطلق عليها في زماننا الحاضر لفظ الشعائر؟!
2ـ لماذا لم يُفسّر أئمة أهل البيت عليهم السلام آيات الشعائر بغير مناسك الحجّ ومعالمه، مع أنّهم كانوا قد تصدّوا ابتداءً لبيانها وتفسيرها كما تقدّم؟!
3ـ لماذا لم يُطبّق المعصومون عليهم السلام عموم مفهوم (الشعائر) على غير مناسك الحجّ ومعالمه، في فترة تزيد على القرنين ونصف، مع أنّه كان مورداً للحاجة بالنسبة إلى كثير من المفردات الدينية التي كانت متداولة آنذاك، ويُدّعى اليوم تطبيق مفهوم الشعائر عليها؟!