إبراهيم موسى زاده منهجية فقهية

موسى زاده: ضرورة منهجية فقهية لتأصيل الدفاع عن الولي الفقيه في الفكر الإسلامي

خاص الاجتهاد: أكد الأستاذ إبراهيم موسى زاده على ضرورة منهجية فقهية لتأصيل الدفاع عن الولي الفقيه، واصفًا إياها بالركن الأساسي للمجتمع الإسلامي.

انعقد الملتقى العلمي التخصصي “قدرات الفقه في الدفاع عن ولي أمر المسلمين والمجتمع الإسلامي” بحضور نخبة من أساتذة الحوزة والجامعة والباحثين في العلوم الإسلامية، وذلك في قاعة الشهيد بهشتي بجامعة باقر العلوم (عليه السلام). خلال هذا الملتقى، استعرض الأساتذة حسن علي أكبريان، سعيد ضيائي فر، ذبيح الله نعيميان، إبراهيم موسى زاده، قاسم شبان نيا، علي محمدي، السيد إحسان رفيعي علوي، محمد جواد أرسطا، السيد سجاد إيزدهي، محمود حكمت نيا، ورضا إسلامي، الدور الذي لا غنى عنه للفقه الشيعي في صون الحكم الإسلامي والتصدي للتحديات العالمية.

وقام الأساتذة في هذا الملتقى بتوضيح الأبعاد الفقهية والقانونية والحضارية للدفاع عن ولاية الفقيه، مشددين على حتمية إعادة النظر في إمكانيات الفقه الشيعي في مواجهة التهديدات العالمية والحروب الهجينة، كما لفتوا الانتباه إلى فتاوى المراجع العظام بوصفها دعامة راسخة لحفظ هوية الأمة الإسلامية وقوتها.

ضرورة منهجية فقهية لتأصيل الدفاع عن الولي الفقيه

عضو الهيئة العلمية بكلية القانون والعلوم السياسية، جامعة طهران، الأستاذ الدكتور إبراهيم موسى زاده: تُعد القضية التي نتباحثها اليوم من أقدم وأعرق الموضوعات في الاجتهاد الفقهي الإسلامي. هذه المسألة، علاوة على عراقتها، قد حظيت بعناية الفقهاء منذ أمد بعيد، نظراً لسعة آيات الذكر الحكيم المتعلقة ببابي الجهاد والدفاع. ومن ثم، فإن المراجع الشرعية في شأن حماية الكيان الإسلامي، والدفاع عن الولي، والحاكم، والإمام في المجتمع الإسلامي، وافرة ومتشبعة بالمضامين.

مع أن آلية الدفاع قد شهدت تحولات عبر العصور (من الصراعات التقليدية بالأسلحة البيضاء إلى الحروب المعاصرة باستخدام المقذوفات، والطائرات المسيرة، والفضاء السيبراني، والحروب المعرفية والهجينة)، إلا أن جوهر مبدأ الدفاع يظل راسخاً في المباحث الفقهية. وتشهد الأدلة الشرعية من قرآن كريم، وسنة نبوية، وإجماع، وعقل، وفطرة سليمة، جميعها صراحةً واتساعاً على مشروعية وإلزامية فعل الدفاع.

إن ما يستدعي التأكيد هو حتمية تبني منظور منهجي وتنظيمي في تناول قضية الدفاع، ولا سيما في حماية كيان ولي أمر المجتمع الإسلامي. فإذا ما تم تناول هذا الموضوع بأسلوب منهجي وبناء، فسيمكننا، استناداً إلى الامكانات الكامنة في الفقه، توفير حلول ناجعة للقضايا الراهنة. وهذا يتأكد بشكل خاص نظراً لوفرة مصادرنا الفقهية في هذا الصدد، وكون فقهنا فقه كشفي، مما يزيل الحاجة إلى التمسك بالأصول العملية، ويجنبنا الارتباك في مرحلة الاستنباط.

من المنظور الفقهي، يجب التأكيد على أنه لا يوجد فرق بين الإمام، والولي، والحاكم في المجتمع الإسلامي؛ فهذه مجرد تسميات مختلفة لحقيقة واحدة. إن الولاية، بوصفها ركنًا أساسيًا للمجتمع الإسلامي، هي العنصر الجوهري الذي لا يمكن للمجتمع الإسلامي أن يتحقق بدونه. وعلى الرغم من وجود دول متعددة في العالم الإسلامي، إلا أن معظمها إسلامي بالاسم فقط، ويفتقر إلى نظام تشريع إسلامي وإلى ولاية إسلامية حقيقية. ونتيجة لذلك، فإن تهديد، أو هجوم، أو اعتداء على ولي المجتمع الإسلامي، يعادل إضعاف أو تدمير أساس المجتمع الإسلامي، لأن الولي والمجتمع الإسلامي لا ينفصلان عن بعضهما البعض. ومن هنا، يُعتبر الدفاع عن الولي دفاعًا عن أساس ووجود المجتمع الإسلامي.

مكانة الولاية في المنظومة الدفاعية للفقه الإسلامي

في الكتب الفقهية التقليدية، يُذكر عادةً أن الجهاد الدفاعي يصبح واجبًا عندما تتعرض الأراضي الإسلامية للهجوم. هذه الرؤية تُعد نظرة “جُزُرية” لمسألة الدفاع. في حين أنه إذا كان الهجوم موجهًا مباشرةً إلى رأس المجتمع الإسلامي، أي الولي والحاكم الشرعي، فإن تهديدًا أخطر بكثير قد وقع. ذلك لأنه قد تهاجر فئة من المجتمع الإسلامي أو يحدث فيها تمدد وانكماش ديموغرافي، ولكن ما دام ركن الولاية محفوظًا، فإن بنية المجتمع الإسلامي تظل قائمة. وعلى العكس من ذلك، إذا أُزيل الولي، ينهار أساس المجتمع؛ وبالتالي، فإن الدفاع عنه يكون في حكم الدفاع عن أصل الإسلام.

من منظور القانون العام، تتشكل الدول على ثلاثة أركان أساسية: الإقليم، والسكان، والسيادة. في حين أن التغير في السكان أو الإقليم لا يؤدي بالضرورة إلى زوال كيان الدولة، فإن غياب السيادة والحاكمية يعني فعليًا انحلال الدولة. في المجتمع الإسلامي، يسري هذا المبدأ أيضًا: فالولاية هي عامل الوحدة، والاستمرارية، وتحقق المجتمع الإسلامي.

التعاليم الفقهية المكملة في الأبواب الأخرى لدعم الدفاع
علاوة على ذلك، توجد العديد من التعاليم الفقهية في أبواب أخرى من الفقه، مثل الخمس، والحج، والصلاة، والقصاص، والحدود، والتي يمكن أن تشكل، مجتمعة، الأسس النظرية لدفاع منهجي في ظل ظروف الحرب الهجينة اليوم. مبادئ مثل “المقابلة بالمثل” (فَمَنِ اعتَدىٰ عَلَیْکُمْ فَاعْتَدُوا عَلَیْهِ بِمِثْلِ ما اعتَدىٰ عَلَیْکُمْ)، و”نفي السبيل” (وَلَن یَجعلَ اللهُ للکافِرینَ علی المؤمنینَ سبیلاً)، و”منع الاستضعاف”، و”مكافحة الظلم”، و”إزالة الاستكبار”، و”حماية المستضعفين”، كلها تؤكد على ضرورة هذا الدفاع.

إن بعض هذه المفاهيم قد لا تكون قد وردت صراحة في الأبواب التقليدية للجهاد الفقهي، ولكن يمكن العثور على شواهد كافية لها في نصوص فقهية أخرى، وفي الآيات القرآنية والروايات. إن مبادئ مثل “التناصر” (المعاونة المتبادلة)، و”المسؤولية الجماعية في الدفاع عن الأرض الإسلامية”، و”مشروعية الدفاع” كلها تؤكد على أنه من الممكن، بضم هذه المبادئ إلى بعضها البعض، استخلاص مجموعة منظمة ومتكاملة من التعاليم الدفاعية.

ما ذُكر هو جزء من التعاليم الفقهية التي طُرحت في إطار الفقه الجواهري وفي طبقات مختلفة من الفقه الإسلامي. هذه التعاليم تمثل طاقات كامنة توجد في أبواب متنوعة من الفقه، ولكنها لم تُجمع وتُدوّن بشكل متناسق حتى الآن. يبدو أن هذه الطاقات هي من أهم السندات التي يمكن الاعتماد عليها في الظروف الراهنة للدفاع عن المجتمع الإسلامي ومكانة الولي الفقيه.

مقارنة بين الدفاع والجهاد الابتدائي من منظور فقهي

في هذا السياق، يتمتع موضوع “الدفاع” نفسه بخصائص مميزة مقارنة بـ”الجهاد الابتدائي”. فالدفاع، خاصة إذا تم بشكل فردي وفي إطار منهجي، يتميز بمزايا تجعله أكثر استجابة في كثير من الحالات من الجهاد الابتدائي.

الجهاد الابتدائي، بحسب رأي الفقهاء، يتطلب إذن الإمام، وحضور الحاكم الشرعي، وتحقق شروط خاصة؛ بينما الدفاع لا يخضع لمثل هذه الشروط. أهم خاصية للدفاع هي أنه لا يحتاج إلى إصدار حكم أو فتوى، ويعتبر أمرًا عقليًا وفطريًا؛ بحيث يكون لأي شخص، في أي زمان ومكان، ودون الحاجة إلى إذن من الإمام أو نائبه الخاص أو العام، الحق في الدفاع عن نفسه إذا واجه اعتداءً.

من الميزات البارزة الأخرى للدفاع تقدمه على سائر الواجبات الدينية، كما ورد في كلام الفقهاء. هذا المبدأ قابل للتعميم على الظروف الراهنة أيضًا؛ بمعنى أنه إذا تعارض الدفاع مع واجبات أخرى، فإن الأولوية تكون للدفاع.

بعض الفقهاء لم يعتبروا البلوغ شرطًا للدفاع. وفي حين أن الجهاد الابتدائي يعتبر واجبًا كفائيًا ومقتصرًا على من يجاور الكفار، فإن الدفاع يعتبر واجبًا عينيًا على جميع المسلمين. فعلى سبيل المثال، لو أيقن مسلم يقيم في بلد كأمريكا أو في الديار غير الإسلامية بضرورة نصرة ولي المجتمع، لكان لزامًا عليه أداء هذا الواجب عبر إزالة المسببات التي مست ولي المجتمع بالعدوان.

هذا الجمع من المرتكزات يكشف عن الامكانات الجليلة والأصيلة المتوافرة في الفقه الإسلامي حول قضية الدفاع. وحتى لو صدر هذا الوجوب في قالب فتوى، فبإمكانه أن يبيّن سنده الشرعي ويُعزز هذا المسار. وفي نهاية المطاف، يتعين التشديد على أن جميع هذه الإمكانات موجودة في الفقه الإسلامي، ولا تتطلب سوى إعادة ترتيب وتصنيف دقيق؛ دون أن يُفهم هذا العمل على أنه تلفيق أو تجديد لا يستند إلى أصل. 

دیدگاهتان را بنویسید

نشانی ایمیل شما منتشر نخواهد شد. بخش‌های موردنیاز علامت‌گذاری شده‌اند *

Clicky