نشر موقع “العربية نت” تقريرا عن مستقبل المرجعية الدينية في النجف خاصة بعد وفاة المرجع الراحل آية الله السيد محمد سعيد الحكيم

مستقبل المرجعية الدينية في النجف الأشرف بعد وفاة المرجع السيد الحكيم “ره”

الاجتهاد: نشر موقع “العربية نت” تقريرا عن مستقبل المرجعية الدينية في النجف خاصة بعد وفاة المرجع الراحل آية الله السيد محمد سعيد الحكيم تناول فيه اﻷسماء المطروحة التي يمكن أن تلبس “الرداء”، متحدثا بشكل خاص عن مرجعية سماحة آية الله السيد السيستاني “دام ظله” ودوره التاريخي في العراق.

وقال إن سماحته تحول لزعامة “وطنية” تجاوزت الأطر المذهبية والطائفية الضيقة، ليكون بمثابة “الأب الروحي” للعراقيين جميعاً بمختلف أديانهم وأعراقهم، خصوصاً في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، العام 2003، وما شهده العراق من أعمال عنف وإرهاب وتهجير، وقف أمامها السيستاني بشكلٍ واضح وصريح، رافضاً قتل العراقيين أو التعرض لهم بسوء.

وفيما يلي نص التقرير:

الأخبار الواردة من الحوزة العلمية بمدينة النجف العراقية، تُفيد بأن الأنشطة الثقافية والعلمية التابعة لمكتب المرجع الديني الراحل السيد محمد سعيد الحكيم، سوف “تبقى بما تيسر”، وذلك “مع استجازة المرجعية”، حسب “مقتضيات المصلحة العامة وأداء الأمانة”، حتى يتم ترتيب العمل الإداري والخيري بُعيد وفاة آية الله الحكيم، خصوصاً أن المرجع الأعلى السيد علي السيستاني، قام بتوفير “الغطاء الشرعي” الذي من خلاله يُمضي الأعمال الخدمية والمساعدات التي تقدمها هذه المكاتب لـ”المؤمنين”.

الحكيم الذي توفي إثر نوبة قلبية في 3 سبتمبر الجاري، كان أحد المراجع “الأربعة الكبار” في النجف، الذي يرجعُ له ملايين المسلمين الشيعة في دول مختلفة، لأخذ أحكامهم الفقهية، واتباع إرشاداته الأخلاقية العامة.

إسحاق الفياض محمد سعيد الحكيم

أهل الخبرة في الحوزة العلمية، كانوا ينظرون للسيد محمد سعيد الحكيم، بوصفه المرشح الأبرز لأن يكون “المرجع الأعلى” بُعيد آية الله علي السيستاني، إلا أن الحكيم وافته المنية عن عمر ناهز 85، وهو الرحيل الذي يفتحُ السؤال حول مستقبل المرجعية الدينية في النجف!

فقهاء آل الحكيم

ينتمي المرجع الراحل السيد محمد سعيد الحكيم لعائلة دينية تحظى باحترام واسع داخل العراق وخارجه، ولها تاريخها السياسي والفقهي والثقافي والاجتماعي، الذي أثر في أجيال متعاقبة.

رغم كون السيد محمد سعيد الحكيم سِبط المرجع الأعلى للمسلمين الشيعة -حينها- آية الله السيد محسن الحكيم، إلا أن ذلك لم يُحول المرجعية إلى إرثٍ عائلي، حيث تؤكد مصادر قريبة من أجواء الحوزة العلمية في مدينة النجف أن “آل الحكيم ليسوا في وارد التصدي للإفتاء في المرحلة الحالية”، وأن “الأسرة ترفض أن تصير المرجعية منصباً وراثياً، فهي متمسكة باتباع التقاليد العلمية والمسلكية التي جرى عليها العرف في النجف الأشرف”، بحسب المصدر الذي تحدثت معه “العربية.نت”.

هنالك نحو 220 عالم دين من آل الحكيم، بينهم عدد من الفقهاء وأساتذة “البحث الخارج”، وهي الدراسات التخصصية العُليا في الفقه الجعفري، التي لا يتمكن من تعلِيمها إلا القلة من المتبحرين في الفقهِ وأصوله وفي علوم اللغة والحديث وتفسير القرآن الكريم والعقائد والفلسفة الإسلامية.

الأخوان، السيدان محمد جعفر ومحمد باقر الحكيم، كلاُهما فقيهان يشهدُ لهما بالاجتهاد، وأنهما أهلٌ للإفتاء.

الحكيمان اللذان تجاوزا السبعين عاماً، بحسب ما تحدثَ لـ”العربية.نت” شخصية نجفية “لن يتصديا للمرجعية في وجود آية الله السيد علي السيستاني، فضلاً عن كونهما صاحبي مسلكٍ يتسمُ بالزهد”، مضيفاً “الأنباء تفيد أنهما رغم طرح الفكرة من بعض الفضلاء في الحوزة العلمية، إلا أن الحكيمين يرفضانها، وليسا في وارد ذلك على الأقل في الوقت الحالي”، وأنهما مكتفيان بـ”البحث والتدريس”.

من الجيل الذي يليهمُ، هنالك أسماء من “آل الحكيم” يشارُ إليها بالبنانِ، مثل: آية الله السيد رياض الحكيم، وسواهُ من العلماء، بعضهم يدرسُ في حوزة “النجف” العراقية، والبعض الآخر في حوزة “قم” الإيرانية؛ فهنالك نحو 7 شخصياتٍ من آل الحكيم، يقدمون دروس “البحث الخارج” التي يحضرها طلبة من جنسيات مختلفة.

رحيلُ الزعيم!

العام 1992، توفي المرجع الديني السيد أبو القاسم الخوئي، الذي كان يشارُ إليه بوصفه “زعيم الحوزة العلمية في النجف الأشرف”، و”المرجع الأعلى” للمسلمين الشيعة، وأستاذ تتلمذ على يديه مئات طلبة العلوم الدينية، طوال عقود، بينهم العشرات من الفقهاء، وعدد من الذين أصبحوا من بعده مراجع للتقليد.

الخوئي

كان الفراغ الذي تركه الخوئي كبيراً، خصوصاً أنه في زمنه كان شبهَ مُهيمنٍ على المرجعية الدينية، رغم وجود شخصياتٍ أخرى، لعل أبرزها في إيران آية الله الخميني وآية الله شريعة مداري.

الإرث المرجعي للسيد الخوئي، توزع بين عدد من المرجعيات الدينية في العراق وإيران، إثر وفاته.

عراقياً، كان أبرز من آلت لهم الفُتيا: السيد عبد الأعلى السبزواري، والشيخ علي الغروي، والسيد علي السيستاني، دون إغفال فقهاء مثل: الشيخ مرتضى البروجردي، والسيد علي البهشتي، إلا أنهما لم يتصديا لشؤون المرجعية.

إيرانياً، كان هنالك عدة مراجع دينية، منهم: السيد محمد رضا الكلبيكاني، والسيد محمد الروحاني، والشيخ محمد علي الأراكي.. وعقبَ رحيلهم، رجع قسمٌ كبير من مقلديهم إلى السيد علي السيستاني، ما صيره “المرجع الأعلى” للمسلمين الشيعة.

إذن، لم تذهب “المرجعية العليا” مباشرة إلى السيد علي السيستاني إثر وفاة أستاذه السيد أبو القاسم الخوئي، بل تطلب الأمر سنوات، هي فترة زمنية طبيعية في عرف الحوزات العلمية، لأن “الإفتاء” مهمة لا يسعى لها الفقهاء أو يتسابقون عليها، وإنما يتصدون لها عندما يُلحُ عليهم “المؤمنون” و”أهل الخبرة”، ويجدون أن من واجبهم الشرعي العمل على تلبية احتياجات الناس وحفظ مصالحهم الدينية والدنيوية. ومع هذا، لم يكن السيستاني المرجع الوحيد في النجف، إثر وفاة المرجعين السبزواري والغروي، بل كان هنالك الراحل السيد محمد سعيد الحكيم، والشيخ بشير النجفي والشيخ إسحاق فياض، والأربعة كان يُنظر إليهم على أنهم من “طبقة واحدة” رغم وجود خصوصيات فكرية وفقهية لكل واحدٍ منهم.

مرجعية {السيد} السيستاني!

يعتبرُ السيد علي السيستاني، الذي جاوز التسعين عاماً، أبرز الفقهاء في العصر الحاضر، ليس لدوره الديني وحسب، بل تحوله زعامةً “وطنية” تجاوزت الأطر المذهبية والطائفية الضيقة، ليكون بمثابة “الأب الروحي” للعراقيين جميعاً بمختلف أديانهم وأعراقهم، خصوصاً في مرحلة ما بعد سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، العام 2003، وما شهده العراق من أعمال عنف وإرهاب وتهجير، وقف أمامها السيستاني بشكلٍ واضح وصريح، رافضاً قتل العراقيين أو التعرض لهم بسوء.

السيد-السيستاني

مرجعية السيستاني، يوماً بعد آخر كسبت ثقة في أوساط المجتمع الدولي، وكان يزور بيته المتواضع بمدينة النجف مختلف السياسيين الأجانب والمبعوثين الأمميين. ولعل أبرز تلك المحطات كانت اللقاء الذي جمع بابا الفاتيكان فرانسيس بالسيد السيستاني، في مارس الماضي. فيما ينتظرُ المراقبون الزيارة التي من المزمعِ أن يقوم بها شيخ الأزهر د. أحمد الطيب إلى العراق، بدايات نوفمبر القادم، والتي ضمن جدولها زيارة مدينة النجف، وبالتأكيد لقاء المرجع السيستاني.

خارطة الطريق

المهام المتنوعة، والنشاط التواصلي طوال ثلاثين عاماً، داخل وخارج العراق لمرجعية السيستاني، ستنعكس على أداء المرجعيات الدينية التي ستأتي من بعده، والتي لن يكون بمقدورها أن تعود إلى الوراء، أو تمارس أدواراً ضيقة جداً وقديمة الطابع، لأن “خارطة الطريق” التي رسمها أسلوب عمل السيستاني، والمبنية على أسسٍ نجفية راسخة قوامها الاعتدال ومدنية الدولة واحترام التنوع البشري والفصل بين رجال الدين ومؤسسة الحكم، هذه “الخارطة” ستكون منهاجاً لمن يليه، مع ملاحظة أن جُلهم تأثر بتجربته، وتعلم منها، وعاش جزءا من تفاصيلها، وبالتالي لا خيار أمامهم إلا العمل على البناء عليها ودفعها نحو مجالات أوسع وتحديثها بما يتوافق مع التطورات المستقبلية.

بالتأكيد، شخصية السيد علي السيستاني، وعلمه، ومستوى وعيه واطلاعه، وأيضاً زهده وأخلاقه، كلها عوامل مؤثرة جداً، صنعت لمرجعيته صورتها الخاصة، إلا أنه من أهم أسباب التميز، وجود جهاز مرجعي فعال، وشبكة وكلاء واسعة، ومؤسسات نشطة، وعلاقات خارجية تتوسع يوماً بعد آخر، وشخصيات لها خبرتها – كلٌ في مجاله – تعمل على إدارة البيت المرجعي، تتوزع بينها الأدوار، من أجل تحقيق أهداف المرجعية العليا.

ما بعد {المرجع السيد} السيستاني!

هنالك أكثر من 40 عالم دين يقدمونَ دروس “البحث الخارج” في حوزة النجف، أي تلك العلومَ الفقهية والأصولية التخصصية العُليا، التي تعادل درجة “الدكتوراه” في الجامعات النظامية؛ وهي المرحلة التي يُفترض أن من يتصدى لها يحوزُ درجة “الاجتهاد”، وإن اختلفت مستوياته وعمقه من عالمٍ لآخر.

يمكن تقسيم الفقهاء في مرحلة “ما بعد السيستاني”، إلى ثلاث طبقات رئيسية، وهذا التقسيم مبني على التراتبية العمرية والدراسية والمزاملة في البحوث، ولا يعني تفضيل أحدٍ منهم على الآخر علمياً، أو المساواة بينهم، فذلك أمر منوط بـ”أهل الخبرة والاختصاص” وليس عامة المراقبين.

• الطبقة الأولى، تضم فقهاء كبارا هم من المجايلين للسيد علي السيستاني، مثل المرجعين الشيخ إسحاق الفياض والشيخ بشير النجفي.
• الطبقة الثانية، تضم فقهاء مثل: الشيخ باقر الإيرواني، والشيخ هادي آل راضي، والشيخ حسن الجواهري، والسيد محمد باقر الحكيم، والسيد محمد جعفر الحكيم.
• الطبقة الثالثة، تضم فقهاء مثل: السيد محمد رضا السيستاني، والسيد رياض الحكيم، والسيد علي السبزواري، والسيد صادق الخرسان.

بالرغم من وجود هذا العدد من أساتذة “البحث الخارج” والفقهاء، إلا أن “من تشرئبُ لهم الأعناق” حسبَ تعبيرِ متابعٍ لـ”ملف المرجعية” في مرحلة “ما بعد السيستاني”، وتحديداً من “الطبقة الثانية”، ثلاثة أسماء بارزة، هي: الشيخ باقر الإيرواني، والشيخ هادي آل راضي، والشيخ حسن الجواهري. دون إغفال المرجعين الشيخ بشير النجفي وإسحاق الفياض، وهما بالأساس أستاذان ورمزان دينيان، لديهما العديد من المقلدين في دولٍ مختلفة.

مصدرٌ عليمٌ بـ”حوزة النجف” يشيرُ إلى “السيدين محمد باقر ومحمد جعفر الحكيم” كفقيهين بارزين. إلا أن ما قد يجعلُ حظوظهما أقل “كبرُ سنهما، وعدم تصديهما للعمل العام، وأسلوب حياتهما الزهيد والبعيد عن مواكبة التغيرات الاجتماعية والثقافية التي طالت المجتمع العراقي خاصة والدولي عامة”.

آل السيستاني!

هنالك اسمان مهمان على الصعيد العلمي، وهما: السيدان محمد رضا ومحمد باقر، أبناء المرجع السيد علي السيستاني، وهما أستاذان يحضر دروسهما عدد كبير من علماء الدين في حوزة النجف.

الباحث المختص في الشؤون الإسلامية الشيخ حسين علي المصطفى، أشار في حديث مع “العربية.نت”، إلى أن “الأخوين السيد محمد رضا والسيد محمد باقر السيستاني، مجتهدان لامعان، يمتلكان عمقاً في الأصول والفقه، وبحثهما العلمي على درجة عالية من التخصص والدقة”، مضيفاً “إلا أن القرائن والمعطيات تشير إلى أنهما لن يتصديا للإفتاء والمرجعية إذا رحل والدهما السيد علي السيستاني حفظه الله، رغم أنهما جديران بالمنصب”، وذلك برأيه عائدٌ لـ”ورعهما وتقواهما، وزهدهما في المناصب التنفيذية، واحتراماً للعرف الحوزوي الذي جرت عليه العادة بألا يتولى المرجعية الابن بعد أبيه، كونه ليس منصباً تتوارثه العائلات الدينية”.

رداءُ المرجعية!

إن من أهم ما تميزت به مسيرة المرجعية الدينية في حوزة النجف، هو بعدها عن التقسيمات القائمة على “العرق”، فهنالك مراجع دينية عربية وأخرى إيرانية أو من أصول أذرية أو باكستانية أو أفغانية؛ وهذا التنوع “العرقي” لم يكن عائقاً أمام وصولهم إلى سدةِ “المرجعية”، لأن أهم ما يتوجب توافره في “مرجع التقليد” إضافة للمستوى العالي والمتخصص من العلم والفقاهة، هو حيازته على درجة عالية من الزهد والأخلاق ونقاء السيرة والبعدِ عن الملذات الدنيوية، إضافة لحسنِ التدبير.

هنالك ما يشبه “القاعدة الذهبية” في التراث الشيعي، مفادها أن “المرجعية رداءٌ يلبسهُ الله لمن يشاء”، وبالتالي فإن من يسعى لها لن ينالها، ومن يزهد فيها يهبُها الله له!

 

المصدر: شفقنا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky