الاجتهاد: قسم الشيخ الخشن كتابه ” في فقه السلامة الصحية ” إلى أربعة فصول وخاتمة، فجاء الفصل الأول منها فصلاً تمهيديًّا يعرف بالتدخين وفصيلته النباتية، ويحدد عناصره الأساس المكونة له، وفي الفصل الثاني استعرض أضراره الاقتصادية والصحية، وفي الثالث عرض لآراء العلماء بين محلل ومحرم، والرابع خصصه لمناقشة هذه الأدلة.
بدأت حركة التفقّه في الدين في الأيام الأولى للإسلام على عهد رسول الله (ص)، فكان الصحابة يسمعون منه الآيات القرآنية وحديثه الشريف، ليفهم منه البعض حكمًا مّا، وبعضهم الآخر يفهم منه حكمًا مخالفًا، وذلك في موارد محدودة.
وكان تلك الحالة ممارسة لاستنباط الحكم الشرعي، ولكن في بداياتها الأولى، التي لا تحتاج إلى إعمال دقيق للذهن.
وكلما تقادم الزمن نمى هذا العلم، بحيث لا يستطيع المطلع العادي على النصوص الشرعية أن يستفيد منها الحكم الشرعي الذي يريد بمجرد الاطلاع المجرّد، فالفقه أصبح تخصُّصًا علميًّا، يمارسه الفقهاء بأدواتهم العلمية التي امتهنوها طوال فترة الدراسة والتحصيل والبحث العلمي، واستفادوها من فقهاء وعلماء سابقين.
وهذه الأدوات لا تزال في تطور ونموّ مع تطور وتعقّد الحياة.
هذه التعقيدات الحياتية المعاصرة تحتاج إلى مزيد من بحث ما لم يبحث، ودراسة ما استجدّ من موضوعات حديثة، وهذا ما انبرى لمعالجته غير عالم وفقيه بما يمتلكه من أدوات تمكنه من إعطاء الحكم الشرعي لهذه الموضوعات المعاصرة.
ومما يؤسف له أن تكون هذه المبادرات دون المستوى المطلوب، إنْ من حيث الانتشار في مراكز الدراسات الدينية، حيث لا يزال بحثها ـ من حيث العدد ـ قليلاً.
أو من حيث أسلوب الطرح ومنهج البحث، ذلك أن المنهج المتداول في هذه الدراسات الفقهية في المراكز الدينية في عالمنا الإسلامي لا يزال ذلك المنهج القديم نفسه، المتأثر إلى حد كبير بالمنهج اليوناني، الذي يعتمد ـ في الاستدلال ومحاكمة الأدلة ـ على أسلوب المنطق الأرسطي القائم على الاستدلال البرهاني الذي يعتمد على أشكال القياس الأربعة المنتجة لإثبات أي نتيجة علمية.
وقد تجاوزت معظم مراكز الدراسات في العالم هذا النمط من البحث، لعُقْمِهِ في معالجة كثير من المسائل، وبخاصّة الجوانب التطبيقية منها، لاعتماده بالدرجة الأولى على الاستدلال الذهني المجرّد.
فقه السلامة الصحيّة
من المؤاخذات على تبويب المتون الفقهية ـ القديمة والحديثة ـ أنه مبني على منهج أقرب للعقلي منه للواقعي الخارجي، حيث يقسّم الفقه إلى أربعة أبواب رئيسة: العبادات، وهي ما كان الطرفان فيها العبد وخالقه، والعقود، وهي ما كان الطرفان فيها: الإنسان وأخيه الإنسان، والإيقاعات، التي تتحقّق بوجود طرف واحد فقط، والأحكام، وهي بقية موضوعات الفقه.
ولم يراعَ في هذا التقسيم وحدة الموضوع، كأن يقسم الفقه إلى أحكام الأسرة، وأحكام الدولة، والأحكام الاجتماعية، والأحكام الفردية، والأحكام الطبية، وغير ذلك من الموضوعات الجامعة.
وهو خلل منهجي التفت إليه مجموعة من الفقهاء، فانبرى بعضهم بجمع المادة الفقهية حول بعض الموضوعات التي وجد المنفعة في التطرق إلى بحثها في عنوان واحد.
فكان من أوائل أولئك سماحة الشيخ حسين أحمد الخشن، إذ كانت له بعض المبادرات في ذلك، صدر منها كتابه: (الإسلام والبيئة .. خطوات نحو فقه بيئي)(1 )، بحث فيه المسائل الفقهية ذات العلاقة بالبيئة.
وها هو مع إصدار آخر، بعنوان: (في فقه السلامة الصحية .. التدخين نموذجًا)، يبحث فيه الحكم الشرعي للتدخين بحثًا استدلاليًّا، متوسِّلاً في بحثه المنهج العلمي الحديث في معالجة هذه المادة العلمية.
وقد رأيت من المناسب التعريف بهذا الجهد المتميز لسماحته، وذلك في عنوانين رئيسين، أولهما: عرض فصول الكتاب، وثانيهما: ذكر بعض الملحوظات الفنية التي وجدتها أثناء مطالعتي للكتاب.
أولاً: عرض الكتاب
قسم المؤلف دراسته إلى أربعة فصول وخاتمة، تناول في الفصل الأول ـ الذي كان بمثابة الفصل التمهيدي للدراسة ـ: تعريف التدخين، وأسماء التبغ وأنواعه، فذكر له سبعة أسماء أخرى للتبغ، هي: الدخان، والتتن، والطابق، والطابة، والطبّاق، والتنباك.
لينتقل بعدها إلى التعريف بفصيلته النباتية، فقال إنه ينتمي إلى الفصيلة الباذنجانية السامّة، ويحتوي على العناصر التالية: القطران، والنيكوتين، وأول أكسيد الكربون.
بعد ذلك استعرض الشيخ الخشن طرق استعماله وآلاته، ليبحث بعدها تاريخ ظهوره عالميًّا، فأشار إلى أن المنبت الأول لشجرة التبغ في القارة الأمريكية، وأن أول ما ظهرت في العالم الإسلامي «كان في حدود الألف الهجرية … وأول من جلبه إلى البرّ الرومي (أي التركي) رجل إنكليزي من النصارى، وأول من أخرجه ببلاد السودان المجوس، ثم جلبه إلى مصر والحجاز وسائر الأقطار» ـ ص 22 ـ.
وفي الفصل الثاني أرّخ للتشريعات القانونية للتبغ في القديم والحديث، التي كانت ـ في معظمها ـ تحظر التدخين في الأماكن والمرافق العامّة. ثم عرض لبعض الشعراء الذين كتبوا عن التبغ، ذاكرًا بعض قصائدهم الشعرية حول التدخين.
ليقف ـ بعد ذلك ـ مطوَّلاً لبحث الأضرار الاقتصادية للتدخين، على المستويين الفردي والدولي، ذكر فيها كثيرًا من الإحصائيات الاقتصادية بخصوص الإنفاق على التدخين على هذين المستويين في دول وشعوب متعدّدة.
أما وقفته المطولة الثانية فكانت مع أضراره الصحية، معدِّدًا الأمراض التي يتسبّب التدخين في جزء كبير من حدوثها أو تطورها على المستوى العالمي.
وفي الفصل الثالث قسم الشيخ الخشن البحث فيه إلى قسمين، بحث في الأول أهم المؤلفات حول التدخين، المستقلة وغير المستقلة، الإمامية وغير الإمامية، وفي الثاني تناول آراء العلماء حول التدخين، التي اختلفت فيه على عدّة أوجه، «فمنهم من رأى حلية تعاطيه، ومنهم من رأى الحرمة، ومنهم من توقف في المسألة، ومنهم من رأى أنها مجرى للأحكام التكليفية الخمسة تبعًا لاختلاف الظروف والأحوال، ومنهم من علق تحريمه على حصول الضرر، ومنهم من رآه مسكرًا، فأفتى بتحريمه» ـ ص 88 ـ.
غير مقتصر في عرض هذه الآراء على المذهب الإمامي، بل استعرض آراء مذاهب أهل السنة الأربعة، ومذهب الإباضية، والدروز، ورأي الكنيسة المسيحية.
أما الفصل الرابع فإنه قد استغرق جلّ الدراسة، حيث استوعب أكثر من نصف صفحاتها، وقد عالج فيه المؤلف ثلاثة عناوين، الأول منها حول منهج البحث، بيَّن فيه المنهجية المقترحة لمعالجة بحث التدخين فقهيًّا.
ثم انتقل إلى البحث الاستدلالي، سواءً للقائلين بالحرمة، أو القائلين بالإباحة.
مبتدئًا بالآيات القرآنية، ثم الروايات الشريفة المروية عن المعصومين (ع)، ثم الأدلة العقلية.
مناقشًا كل مجموعة من هذه الأدلة.
وفي الخاتمة بحث سماحته موضوع مفطرية التدخين أثناء الصيام.
ثانيًا: الملحوظات الفنية على الكتاب
أ- عنوان الكتاب
عنون الشيخ حسين الكتاب بِـ (في فقه السلامة الصحية .. التدخين نموذجًا)، وهو في الواقع عنوانان، الأول منهما رئيس، والثاني فرعي، وكان ينبغي أن يكون العنوان المتأخر منهما هو العنوان الرئيس، وذلك لانحصار مادة الكتاب فيه، دون أدنى ذكر للعنوان الأول، ذلك أن المؤلف لم يتعرض لموضوع فقه السلامة الصحية في أبحاث الكتاب وفصوله، ولو لمرّة واحدة، بل كان الكتاب مخصَّصًا لبحث موضوع التدخين فقط، لذلك كان الأولى أن يكون يعطي عنوانُ الكتاب صورةً أبرز للتدخين، بأن يكتب ـ مثلاً ـ: (الرأي الفقهي للتدخين .. بحث في فقه السلامة الصحية وفق المذهب الإمامي).
كما أن الدراسة ـ في استعراض الأدلة المحرِّمة والمحللِّة ـ لم تشمل إلا الأدلة من مصادرها الإمامية، لذا ناسب أن يحصر الدراسة في شقها الإمامي فقط.
ب- المقدمة
وفق المنهج العلمي الحديث، لا بدَّ أن تحتوي مقدّمة أي دراسة على مجموعة عناصر مهمّة، منها: أهمية الدراسة، والدراسات السابقة، ومنهج البحث المتبع، وتبويب الدراسة.
وهذه النقاط غاب معظمها في هذه الدراسة، باستثناء أهمية الدراسة، التي ذكرت في المقدّمة دون أن يعنونها.
ولكن المفارقة أن المؤلف استعرض المؤلفات والدراسات السابقة في مفتتحه للفصل الثالث. وتحدث عن منهج البحث قبل البدء بالاستدلال الفقهي لأدلة المحرمين والمحللين للتدخين في الفصل الرابع، وكان الأولى أن تذكر هاتان النقطتان مجتمعتين في مقدّمة البحث، لا أن تذكر متفرقتين في فصلين متأخّرين فيه.
ج- فصول الكتاب
قسم الشيخ الخشن الكتاب إلى أربعة فصول وخاتمة، وقد كانت ـ من حيث التسلسل والترتيب ـ مراعًى فيها الترتيب المنطقي، يمهّد فيها السابق للاحق، فجاء الفصل الأول منها فصلاً تمهيديًّا يعرف بالتدخين وفصيلته النباتية، ويحدد عناصره الأساس المكونة له، وفي الفصل الثاني استعرض أضراره الاقتصادية والصحية، وفي الثالث عرض لآراء العلماء بين محلل ومحرم، والرابع خصصه لمناقشة هذه الأدلة.
ولكني وجدت بعض مواطن الخلل في وضع بعض العناوين في هذه الفصول، أذكرها هنا بالترتيب التالي:
(1) لا يوجد عنوان جامع للفصل، فترتيب الفصل يُكتب بخط عريض واضح، وبعده العناصر التي سيتناولها المؤلف في طواياه، وكان المفترض أن يضع لكل فصل عنوانًا جامعًا للعناوين التي يضمها، وهذا أمر ساعد على وجود بعض الخلل فيما يخصّ مسألة وحدة الموضوع للفصل الواحد.
(2) لا يوجد ترابط عضوي في بعض الفصول، فالفصل الثاني ـ الذي يبحث فيه الأضرار الاقتصادية والصحية الناتجة عن التدخين ـ يشرع فيه باستعراض تاريخ التدخين مع التشريعات القانونية في العالم، ثم يضع عنوانًا عن «التبغ والشعراء»، وهو عنوان غريب نوعًا ما، لا علاقة له بموضوع البحث.
وقد كان بإمكان المؤلف وضعه ضمن عناوين الفصل الأول، لأنه قد يتناسب والمسألة التمهيدية للدراسة، أكثر من إقحامه في الفصل الثاني، الذي يعالج مسألة أضرار التدخين.
وفي هذا الفصل وضع الشيخ حسين عنوانًا عن (الأضرار الاقتصادية للتدخين)، ذكر فيه مجموعة جيدة من الإحصائيات حول الإنفاق على التدخين، من قبل الأفراد والجماعات، وما تحققه شركات التبغ من أرباح كبيرة.
ولكن هذه الإحصائيات الاقتصادية التي ذكرها المؤلف لا يمكن إطلاق عبارة (الضرر) عليها، ذلك أنها مجرّد أرقام تبين قيمة الإنفاق على التبغ واستعماله على مستوى بعض الشعوب والدول، فالإنفاق العالمي على اقتناء الأسلحة واستعمالها إنفاقٌ مبالغ فيه، والأرقام التي تساق حوله أرقام خيالية، ومع ذلك لا يعبر عنها بأنه (الأضرار الاقتصادية للأسلحة).
مع أن هناك أضرارًا اقتصادية للتدخين، تتمثل ـ غالبًا ـ في الإنفاق الحكومي على معالجة مرضى السرطان وغيره من الأمراض الناتجة عن التدخين، وكذلك في الخسارة الاقتصادية التي تتمثل في حالات الوفاة التي تكون بسبب التدخين في حال كان المتوفى من الموارد البشرية المعطاءة في عملها.
وهذا ما كان ينبغي ذكره، لإمكان إطلاق اسم الضرر عليه.
وهنا لا بدّ من توضيح نقطة مهمّة، وهي أن المؤلف في مناقشته للأدلة، ذكر منها أن البعض حرّم التدخين لانطباق الإسراف المحرم عليه، وبخاصّة مع وجود هذه الإحصائيات التي ذكرها في هذه النقطة، ولكن مع ذلك لا نستطيع أن نصف الإسراف أنه ضرر شخصي على الإنسان إلا من باب التسامح والتجوّز اللغوي.
(3) في الفصل الثالث، بدأ المؤلف باستعراض المؤلفات السابقة حول التدخين، المستقلة منها وغير المستقلة، الإمامية وغير الإمامية، ثم استعرض آراء العلماء حول التدخين، ليقسمها إلى: محللة ومحرِّمة، مدرجًا قائمة بالفقهاء لكل رأي.
ولا أظن أن هاتين النقطتين لهما ترابط عضوي، بحيث يُجمَعَان في فصل واحد يقتصر عليهما.
فالعنوان الأول كان الأولى أن يذكر في المقدّمة ـ كما أسلفت ـ، والآخر من الممكن أن يكون عنوانًا تمهيديًّا لبحث الأدلة لكلا الفريقين.
(4) في الفصل الرابع، بحث سماحة الشيخ الخشن منهج البحث، وكان الأولى به أن يبحثه في المقدّمة، وهنا قد يُعذَر المؤلف في وضعه في هذا الفصل، ذلك أنه كان بحاجة ـ قبل الدخول في استعراض الأدلة ـ أن يُبَيِّنَ المنهج المقترح لبحث حكم التدخين فقهيًّا، وقد كان متاحًا أن يذكر هذه النقطة في المقدّمة، ويذكِّر بها هنا، ثم يستعرض الأدلة ويناقشها.
(5) ختم المؤلف الكتاب ببحث مسألة فقهية وجد أنها مهمة، هي حكم التدخين أثناء الصيام، حيث إنها من المسائل المختلف فيها بين الفقهاء، حيث يذهب بعضهم إلى مفطريته أثناء الصيام، ويذهب آخرون إلى خلاف ذلك.
والخاتمة ـ في أي دراسة ـ تكون مخصَّصة لبيان خلاصة الدراسة، وأهم نتائجها، ولم يكن من المناسب عنونة هذا البحث بِـ (الخاتمة)، وكان بإمكانه أن يذكره كملحق، لعدم كونه بحثًا رئيسًا في الدراسة.
د. عناوين لم تبحث
هذه الدراسة ـ محل البحث ـ من الدراسات المستقلة حول موضوع محدّد، هو التدخين، وهذا النوع من الدراسات يفترض أن يلمّ بجميع جوانب الموضوع، حتى يعطي إضافة نوعية فيه لم تذكر في الدراسات التي تناولته بشكل مجمل.
وسأذكر هنا بعض العناوين التي كان من المفترض تناولها في دراسةٍ حول الحكم الشرعي للتدخين:
1. فقه السلامة الصحية
العنوان الأصل للدراسة هو: (فقه السلامة الصحية)، ومع ذلك لم يفرد له المؤلف عنوانًا فرعيًّا يبحث في معناه ومفرداته وفوائد دراسته وغيرها من العناوين التي تندرج تحته، وهي نقطة ألمحنا إليها في حديثنا عن الملحوظات على عنوان الكتاب.
فالمؤلف ـ حتى في حال كان موضوع فقه السلامة الصحية عنوانًا ثانويًّا ـ يحسن به التعرض له، لأنه العنوان الأعم الذي ينتمي إليه بحث موضوع الدراسة.
2. التدخين من الأشربة والأطعمة
ختم المؤلف ـ كما أثبتنا في نقطة سابقة ـ الكتاب ببحث حول: (حكم التدخين أثناء الصيام)، وذلك لما وجده الشيخ من خلاف بين الفقهاء حوله يسترعي التوقف معه.
وأظن أن موطن الخلاف بين الفقهاء هو التعرف إلى التحديد العلمي الدقيق للمقصود بِـ (الأطعمة والأشربة)، ففي حال الاتفاق على هذه المسألة، يمكن الحكم على مفطرية التدخين أثناء الصيام أو عدم مفطريته، وكذلك مفطرية الغبار والأدخنة، الغليظة وغير الغليظة، لأن ما يُفطر الصائم هو الأكل والشرب، فإذا صدق على هذه العناوين أنها من الأكل أو الشرب، أصبح بالإمكان الحكم بمفطريتها.
ولذلك أجد من المناسب بحث هذه النقطة في الفصل الأول/ التمهيدي، وذلك لتحديد المسار الذي تنتمي إليه نوعية هذه الممارسة، وهي التدخين، هل هي من الأكل أو الشرب، أم هي من نوع آخر يختلف عنهما.
3. التدخين مع الإضرار بالآخرين
أثناء استعراض سماحة الشيخ للأدلة التي يسوقها البعض لتحريم التدخين، ذكر أن من بينها ما أدلى به بعض الفقهاء من شمول قاعدة نفي الضرر لهذه الممارسة، مما يستوجب تحريمه.
وكان الأولى بالمؤلف أن يستفيد من هذه القاعدة لبحث موضوع التدخين السلبي، الذي سبق وذكره كعنوان جانبي، إذ اكتفى بتوضيح المقصود منه، مع أنه العنوان الأبرز في التشريعات الغربية، ذلك أن التدخين يمنع هناك في المرافق العامّة، التي يرتادها عموم المواطنين، ولا يمنع التدخين في غير هذه الحالات، وكان الأجدر بيان الرأي الفقهي حول التدخين في حال كان مضرًّا بالآخرين، ولا سيما بخصوص المرأة الحامل ، التي يضرّ التدخين بجنينها.
وكذلك بحث حكم التدخين في المرافق العامّة في الدول التي يمنع قانونها ونظامها العام مثل هذه الممارسة، وعدم الاكتفاء بحكم التدخين كممارسة شخصية.
هـ. مصادر الكتاب
لم يدرج سماحة الشيخ حسين الخشن قائمة بمراجع ومصادر الكتاب، «لسبب قهري، وهو تلف المكتبة الشخصية لكاتب هذه السطور، بفعل الحرب الإسرائيلية الأخيرة المدمّرة على لبنان في صيف 2006 م» ـ ص 7 ـ، نسأل الله أن يعوضه خيرًا، بما يحمله من علم ينفع به دينه وأبناء مجتمعه.
وستكون ملحوظتي الأخيرة هذه حول نوعية المصادر التي اعتمد عليها المؤلف في هذا الموضوع، ذلك أن موضوع التدخين لن يُعدَم المؤلف الحصول على دراسات تشريعية حديثة فيه، وكان ينبغي أن تكون مثل هذه الدراسات حاضرة بشكل جيد في هذه الدراسة.
هذا من جهة، ومن جهة أخرى، نرى أن المؤلف ـ أثناء استعراض آراء العلماء حول التدخين، استعرض آراء جميع المدارس الإسلامية، وضمّ إليها رأي الكنيسة المسيحية، ولم نجد مصادر هذه المدارس أثناء البحث الاستدلالي.
وهنا قد يعذر المؤلف، إذ قد تكون هناك مصادر تشريعية كثيرة حول التدخين، ولكن ليس بالضرورة أن تكون متوفرة باللغة العربية، وكذلك قد يعثر الباحث على بعض الآراء للمسيحيين، أو للدروز، وليس بالضرورة أن يحصل على ما يدعّمها في البحوث الاستدلالية، لندرتها ـ مثلاً ـ، وعلى الكاتب أن يشير إلى أن من عقبات البحث أنه لم يتمكّن من العثور على المصادر الحديثة المرجوّة في الأبواب الفلانية في البحث، ليلتمس له القارئ العذر.
وأخيرًا:
لا يفوتني التأكيد على نقطة مهمّة، وهي أن هذه الملحوظات لا تخرج عن أن تكون ملحوظات فنية، لا تمسّ جوهر الكتاب والجهد العلمي المبذول فيه، لا سيما في البحث الاستدلالي.
نسأله تعالى أن يوفق سماحة الشيخ حسين الخشن لمزيد من العطاء والبحث والجهد، بما يرقى بهذه الأمة ويرفع من شأنها، إنه ولي ذلك.
والحمد لله رب العالمين.