إن إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام تُعادل نظيراتها في أوروبا وأمريكا من حيث التأكيد على حقوق الإنسان، حيث أنّ المنظمة وبرأيه أتت كردِّ فعلٍ على الإدعاءات الأوروبية والأمريكية، وللأسف لم يكن إعلان القاهرة فعلًا خالصًا من صميم الدول الإسلامية.
خاص الاجتهاد: بمناسبة ذكرى إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام الذي انطلق في الخامس من أغسطس 1990؛ عُقد مساء أمس الأحد في مركز حقوق الإنسان الإسلامي في طهران ندوة علمية شارك فيها نُخبة من المهتمين بحقوق الإنسان، كما تحدث في الندوة كلٍّ من حجة الاسلام الدكتور الشيخ محمد حسين مظفري دكتوراه في الحقوق الدولية ومؤلف كتاب “تحديات حقوق الإنسان في العالم الإسلامي”، والدبلوماسي السابق الدكتور كامران هاشمي، والرئيس الأسبق لمركز حقوق الإنسان والتنوع الثقافي في منظمة دول عدم الانحياز، والدبلوماسي الدكتور السيد حسين رضواني رئيس قسم القانون والمنظمات الدولية في مكتب الدراسات السياسية والدولية التابع لوزارة الخارجية الإيرانية.
بداية الندوة تحدث الدكتور رضواني حول تجربته في العمل الدبلوماسي وعلاقته بحقوق الإنسان في الإسلام، مؤكدًا أنّ إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام يُعتبر وثيقةً مهمة بالنسبة للدول الإسلامية، مشيراً إلى أنّ هذه الوثيقة سبقتها وثيقتين أيضاً هما وثيقة مكة المكرمة الصادرة في العام 1979، ووثيقة الطائف الصادرة في سبتمبر من العام 1981، منوّها بأنّ تلك الوثائق أخذت شكلها الحقيقي والقانوني في العام 1982، حيث صدر أوّل إعلان لحقوق الإنسان في العام ذاته، حيث أقرّ مجلس وزراء خارجية الدول الإسلامي تلك الوثائق وأعلن عنها في الخامس من أغسطس في العام 1990 في القاهرة، ويتألف من 205 مواد، حيث أصبح هذا الإعلان عالمياً منذ ذلك الوقت.
وأشار الدكتور رضواني إلى أنّ من أهم ما خرج به إعلان القاهرة لحقوق الإنسان في الإسلام هو إنشاء مكتب دائم لحقوق الإنسان الإسلامي تابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي، الذي بات يُعني بالعمل على الترويج لتلك الحقوق من خلال إقامة الندوات والمؤتمرات والأبحاث.
بدوره أكد الدكتور كامران هاشمي على أنّ إعلان القاهرة لحقوق الأنسان في الإسلام تُعادل نظيراتها في أوروبا وأمريكا من حيث التأكيد على حقوق الإنسان، حيث أنّ المنظمة وبرأيه أتت كردِّ فعلٍ على الإدعاءات الأوروبية والأمريكية، وللأسف لم يكن إعلان القاهرة فعلًا خالصًا من صميم الدول الإسلامية.
ونوّه هاشمي إلى أنّه وفي العام 2008 وبناءً على اقتراح من الجمهورية الإسلامية الإيرانية تمّ تعديل إعلان القاهرة من خلال إضافة عدّة بنود جديدة عليه من أهمها التأكيد على حق الحياة والمساواة بين الجنسين، الحرية العالمية، الإعدام أن يكون فقط للجرائم الكبرى، بالإضافة إلى التأكيد على حماية الأسرة ونبذ العنف ضد المرأة واحترام الحرية الشخصية وحرية الأفكار والعقيدة والمذهب، ناهيك عن التأكيد على حقوق الطفل وحقوق الوالدين، وحق تعليم الأطفال في المرحلة الإبتدائية وبشكل مجاني، وحقوق العمال والتنقل وحق العمل والملكية الفكرية.
وشدّد الدكتور هاشمي على أنّ الثقافة هي الداعم الرئيسي للترويج لحقوق الإنسان في الإسلام، أي أن يتم الترويج لتلك الحقوق في كافة نواحي الحياة، ولا يكون الترويج لها عبثيًا، وذلك من خلال إيجاد مراكز متخصصة لدعم حقوق الإنسان في المجتمع، وأن تكون تلك المراكز نابعة من المجتمع أيضا.
بدوره الدكتور محمد حسين مظفري تحدث في موضوعٍ مختلف؛ ألا وهو قلة المراجع الإسلامية الخاصة بحقوق الإنسان في الإسلام، مُرجعًا السبب إلى أنّ منظمة المؤتمر الإسلامي لم تكن تقوم بأعمال من شأنها أن تُشجع على التأليف والنشر في هذا المجال، كما أنّ الجامعات في العالم الإسلامي لم تكن تقوم بأيِّ نشاطات في هذا المجال.
ونوّه مظفري إلى أنّ إصدار إعلان القاهرة جاء على عجل ولم يأخذ وقته الكافي في البحث والتحقيق، حيث أنّه أتى ردًّا على المطالبات الأوروبية، وعلى الرغم من ذلك فإنّ الدول الأوروبية وبناءً على إرثه الإستبدادي والغرور لم يقبل بذلك الإعلان، مطالباً بإضافة تعديلات أخرى عليه، الأمر الذي حوّل منظمات حقوق الإنسان إلى نوع أدوات السياسية الخارجية التي تعتمدها الدول الغربية.
وأشار مظفري إلى أنّ إعلان حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية نصت عليه الشريعة الإسلامية من خلال التأكيد على حقوق الإنسان وذلك من أجل تحقيق مقاصدها الشريفة، حيث يتفق الفقهاء على أن مقاصد الشريعة الإسلامية هي خمسة:
(حفظ النفس، حفظ العقل، حفظ الدين، حفظ النسل وحفظ المال)، حيث أنّ كل مقصد من هذه المقاصد يتطلب تحقيقه تمتيع الإنسان بعدد من الحقوق.
فمقصد حفظ النفس، مثلا، يتطلب المحافظة على حياة الإنسان وأمنه وتوفير متطلبات الحياة الضرورية له كالمأكل والمسكن والملبس وغير ذلك، ومقصد حفظ العقل مثلا يتطلب تحقيقه تمتيع الانسان بحرية التفكير والتعبير، ومقصد حفظ المال يتطلب حماية ملكية الإنسان، وخلاصة القول إن الدافع لتقرير حقوق الإنسان في الشريعة الإسلامية هو تحقيق مقاصدها الشريفة في تكريم الإنسان وترقية حياته بجميع جوانبها.
وحول العمل على إعمال الشريعة الإسلامية واعتمادها مرجعًا للدولة بعد الربيع العربي، أشار مظفري إلى أنّ مصر شهدت وخلال عامٍ واحد تعديل الدستور أربع مرات خلال حكم الرئيس المعزول محمد مرسي، غير أن عزله عاد بالبلاد إلى الدستور القديم، وفي تونس هناك جدل واسع وكبير بين الإسلاميين المطالبين بإعمال الشريعة وبين العلمانيين الرافضين لها، أما في ليبيا فهناك تطابق بين الدستور والشريعة الإسلامية.
تجدر الإشارة إلى أنّ هدف جميع الوثائق الخاصة بحقوق الإنسان في الإسلام هو الترويج الحوار بين الدول الإسلامية والمسلمين حول العالم، غير أنّ حقوق الإنسان في الإسلام لا تلقى الرواج المأمول منه، وبعبارةٍ أخرى لا يوجد عملٍ بالوثائق الصادرة والخاصة بتلك الحقوق، حيث بأنّ منظمات المجتمع المدني في الدول الإسلامية لم تعمل من أجل الترويج لحقوق الإنسان في المجتمعات الإسلامية، على خلاف منظمات المجتمع المدني في أوروبا التي عملت جاهدةً من أجل ترويج حقوق الإنسان الخاصة بها في مجتمعاتها، كما أنّ مراكز الأبحاث هناك تعمل وبنشاط وتُكتب عشرات المقالات العلمية المُحكمة في موضوع حقوق الإنسان، الأمر الذي يستوجب على منظمات المجتمع المدني في العالم الإسلامي أن تحذوا حذو نظيراتها في أوروبا وتعمل على ترسيخ هذا الحقوق في المجتمعات الإسلامية والترويج لها.