خاص الاجتهاد: يرى العلامة العسكري أن مناهج الحوزات العلمية في دراسات الفقه والأصول موفقة كل التوفيق في تخريج العلماء والباحثين، إلا أنها أصبحت لاتعتني بسائر العلوم الإسلامية الأخرى التي لا يستغني عنها الفرد المسلم في أي عصر كان، لأن المجتمع بحاجة الى القرآن وعلومه والی سیرة النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وسيرة المعصومين (عليهم السلام) من بعده، وأيضا الى البحوث العقائدية.
بحيث يمكن القول – والقول للعلامة العسكري -إن دروس التفسير والسيرة كانت قد انعدمت إلا في أوقات التعطيل هنا وهناك، وأن دروس العقائد تراجعت وأصبحت قليلة لايوازي الاهتمام بها أهميتها وعمق الحاجة اليها.
يعتبر العلاّمة العسكري من روّاد الحركة الإصلاحية في العراق الذين اكتشفوا حقيقة أبعاد المناهج الدراسية “التربوية والتعليمية” التي قررها المستشارون الأجانب في دوائر وزارة التعليم الرسمي لتربية النشأ الجديد في البلاد الإسلامية، واكتشف العلامة العسكري بعد دراسة مقارنة التفاوت والبون الواسع بين المناهج التي تدرس في ألمانيا وفرنسا واليابان وبريطانيا ومثيلاتها المقررة في بلادنا الخاضعة لنفوذهم وسيطرتهم حيث تبين له أن مدارسهم ومناهجهم تأخذ الشباب والطلبة لتهيئهم وتعدهم كوادر متخصصة وطاقات عاملة في مختلف جوانب العلوم والمعرفة، بينما تأخذ مدارسنا وكلياتنا هذه الناشئة لتخرجهم موظفين في دوائر الدولة، ومن هنا كان العلامة العسكري يسمي مدارس ذاك الوقت ب (معامل تحضير الموظفين) وهكذا توصل الى تحدید وتعيين أحد وأهم الأسباب الحقيقية لتخلف مجتمعاتنا الإسلامية آنذاك .
أما رؤيته في مناهج الحوزات العلمية فكان يرى أنها في دراسات الفقه والأصول موفقة كل التوفيق في تخريج العلماء والباحثين، إلا أنها أصبحت لا تعتني بسائر العلوم الإسلامية الأخرى التي لا يستغني عنها الفرد المسلم في أي عصر كان، لأن المجتمع بحاجة الى القرآن وعلومه والی سیرة النبي (صلى الله عليه واله وسلم) و سيرة المعصومين( عليهم السلام) من بعده، وأيضا الى البحوث العقائدية. بحيث يمكن القول – والقول للعلامة العسكري – إن دروس التفسير والسيرة كانت قد انعدمت إلا في أوقات التعطيل هنا وهناك، وان دروس العقائد تراجعت وأصبحت قليلة لا يوازي الاهتمام بها أهميتها وعمق الحاجة اليها.
ومن خلال ادراكه لأهمية مناهج المدارس الحكومية ومناهج الحوزات العلمية حاول العسكري أن يعمل شيئأ لإصلاح الواقع:
أولا: محاولة ادخال درس التفسير في حوزة قم
قال سماحته: لمّا كنت طالبة في حوزة قم، في المدرسة الفيضية بين عام (۱۳۵۰ – ۱۳۵۳ هـ) وجدت أن الحوزة العلمية مقتصرة على تدريس الفقه والأصول فاستطعت أن أؤثر على جماعة من الطلبة معي منهم السيد محمود الطالقاني أول إمام جمعة في طهران في بداية الثورة الإسلامية والشيخ الصدوقي أحد شهداء المحراب الأربعة، والسيد عبد الرضا الصدر وغيرهم حيث وصل العدد الى تسعة أو عشرة طلاب، واتفقنا على حضور درس للتفسير في أيام الدراسة الحوزوية لا في أيام التعطيل، عند الميرزا خلیل کمره أي، وقد انقعد فعلا درس التفسير، غير أن درسنا هذا أثار استغراب بقية الطلبة وكانوا يتعجبون منا لحضور هذا الدرس في وقت التحصيل على حد تعبيرهم، وكنا ندرس معه حاجة المسلمين في العالم الاسلامي أينما كانوا، غير أن الذي حصل أن مدير المدرسة في زمن السيد حسين البروجردي – المرجع آنذاك – وكان يدعى بالميرزا مهدي قد خالفنا و تصوّر أننا بصدد إحداث تغيير في الحوزة وعمل على تعطيل درسنا الذي كان مع اخلاصه وادارته الجيدة للمدرسة غير مدرك لحقيقة عملنا ولم يرتق الى عمق تفكيرنا.
ثانيا: محاولة انشاء مدرسة حوزوية جديدة في سامراء
بعد رجوع العلامة العسكري من قم الى العراق بعد عام ۱۳۵۳ ه -1932م، حاول سماحته أن ينشئ مدرسة حوزوية في سامراء بمناهج وفق الرؤية التي كان يؤمن بها واتفق مع خاله المرحوم نجم الدين العسكري وخاله الشيخ أبي الحسن، ولكنه لم ينجح في مساعيه تلك. فقرر على اثر ذلك الذهاب الى بغداد والكاظمية لعله ينجح في اقامة مشاريعه هناك.
ثالثا: تأسيس مدرسة منتدى النشر في الكاظمية
يقول العلامة العسكري: التقيت في الكاظمية الأستاذ أحمد أمين صاحب کتاب (التكامل في الإسلام)، وخلال اللقاء أعطيته كتابي «الأمراض الاجتماعية» ، وبعد قراءته أبدي أحمد أمين استعداده للعمل في مشاريعي، غير أنه لم يتفق معي في نقطة البداية، اذ كان رأيي أن يبدأ العمل من المدارس الابتدائية وكان رأيه أن يبدأ العمل من المدارس العالية لتخريج المعلّمين، وعذره كان أن المدارس الابتدائية تحتاج الى مدرسین، فاذا جيء بهم من المدارس العصرية فهم غير متدينين واذا جيء بهم من الحوزة فهم غير قادرين على التدريس في مثل تلك المدارس، ويقول العسكري: أن تقييم أحمد أمين المستوى طلبة الحوزة لم يكن دقيقا، وأخيرا اتفق على أن يشرع وفق رؤيتي من الابتدائية.
ومن أجل أن تكون المدرسة رسمية اتفقنا مع الشيخ محمد رضا المظفر على تأسیس مدرسة في الكاظمية تابعة لجمعية منتدى النشر في النجف الأشرف.
وفعلا تأسست مدرسة منتدى النشر في الكاظمية بعد أن تشكلت جمعية مؤسسة لها، برئاسة السيد أحمد الحسینی والد السيد على نقي واتفقنا على أن يكون , مدير المدرسة السيد محمد الخلاني،
ويقول العلامة العسكري : أنا رجعت الى سامراء من أجل انشاء مدرسة أخرى هناك، ولكن الصعوبات التي واجهتها مدرسة منتدى النشر في الكاظمية جعلت أحمد أمين يصر على عودتي إلى الكاظمية وفعلا عدت الى الكاظمية و تطور وضع المدرسة ونشاطاتها حيث كان يحضر نشاطات تلك المدرسة آنذاك رجالات الشيعة أمثال (جعفر أبو التمن) و محمد رضا الشبيبي والسيد عبد المهدي المنتفجي، وكان يقال ان الفرع زاد على الأصل، ونجحت مدرسة منتدى النشر في مرحلتها الابتدائية، وأصبح لها بناية عظيمة وانتقلت رئاسة الجمعية المؤسسة لها بعد وفاة السيد أحمد الحسيني الى ولده السيد على النقي.
رابعا: الاتفاق مع المرجع السيد البروجردي على انشاء مدرسة في قم
ترك العلامة العسكري مدرسة منتدى النشر في الكاظمية بسبب مشاكل أثيرت مع الجمعية المؤسسة لها ورجع الى سامراء وأنصرف الى كتابة السيرة النبوية إلا أنه وبعد سنتين من رجوعه عقد العزم على الهجرة الى قم لمفاتحة السيد البروجردي بشأن مدرسة علمية وفق المنهج الذي خطط له ، و فعلاًَ حصل على موافقة المرجع الأعلى للشيعة في إيران آنذاك و لكن ظروف تأميم النفط وما أثير من مشاكل مع مصدق والسيد الكاشاني والحوزة العلمية جعلت بعض العلماء كالسيد صدر الدين والد السيد موسى الصدر ينهونه عن انجاز مشروعه، كما أن الرسائل التي بعثت إلى السيد البروجردي من الكاظمية كرسالة الشيخ مرتضی آل ياسين التي كانت تطالب برجوع العلامة العسكري الى هناك جعلته يصرف النظر عن مشروع تلك المدرسة ويرجع الى العراق مرة أخرى.
خامسا: مدرسة الامام الكاظم عالية في الكاظمية
بعد رجوع العلامة العسكري الى الكاظمية حاول أن يؤسس حوزة علمية فيها ولكنه لم يوفق فأنشأ مدرسة الامام الكاظم ( عليه السلام) التي استمرت إلى ما بعد قیام ثورة 1958م.
سادسا: مدارس أخرى في بغداد وغيرها
استطاع العلامة العسكري أن يؤسس العديد من المدارس والمعاهد التربوية الأهلية وفق المنهج والخطة التي رسمها وهي كما يلي:
١- مدرسة الامام الجواد في الكرادة الشرقية.
۲ – مدارس بغداد الجديدة – بغداد.
۳- مركز تعليم البنات – بغداد.
5 – مدارس الزهراء للبنات – بغداد، باشراف الشهيدة بنت الهدی .
6 – مدارس الامام الصادق – البصرة.
6- ثانوية الامام الباقر – الحلة.
۷- ثانوية الامام الحسن – الديوانية، وقد كانت تحت اشراف الشيخ محمد مهدي شمس الدين قبل أن تصبح بعهدة جمعية الصندوق الخيري.
۸- روضة الزهراء للأطفال – بغداد.
سابعا: كلية أصول الدين في بغداد
تعتبر كلية أصول الدين الانجاز الأهم للعلامة العسكري حيث أسسها في بغداد عام 1963 م لتكون نواة لجامعة اسلامية متكاملة، وقد خرجت عدة دورات ، ودرس فيها اساتذة من خيرة اساتذة جامعة بغداد. وبعد مجيء نظام البعث عام ۱۹۹۸ م قرر إلغاءها.
ثامناً: المجمع العلمي الاسلامي
في عام (۱۳۹۷ ه- ۱۹۷۹ م) قام العلامة العسكري بتأسيس المجمع العلمي الاسلامي في طهران ليمارس من خلاله دروسه العلمية وتطوير الكتب الحوزوية على مستوى المقدمات، وقد قدم هذا المجمع خدمات جمة للعالم الاسلامي على مستوى ارسال المبلغين وتأسيس المدارس وتهيئة المناهج وطبع الكتب.
تاسعا: كلية أصول الدين في طهران و قم ودزفول
لئن استطاع النظام البعثي غلق كلية أصول الدين في بغداد ليحرم أبناء الأمة الإسلامية من فرصة الاستفادة منها ومن العلوم التي كانت تدرس فيها ، فإن الله سبحانه وتعالى قد عوض العلامة العسكري بعد عمر تجاوز الثمانين، بأن وفر له فرصة اعادة تأسيس كلية أصول الدين مرة أخرى بفروع وإمكانيات أفضل حيث تم فتح هذه الكلية عام (۱4۱۷ هـ – ۱۹۹6 م) في مدينة قم وبعدها بعام فتح لها فرع في طهران وبعدها بعام آخر فتح لها فرع في مدينة ديزفول ، كما أن مراحل الدراسة فيها شملت البكلوريوس والماجستير والدكتوراه.
النشاط الاجتماعي عند العلامة العسكري
لم يكن العلامة العسكري بمعزل عن ساحة العمل الاجتماعي وهو الذي أحس مبكراً بما يعانيه مجتمعه وما يقاسيه من المآسي والآلام، ومن هنا فقد اتسع عمله ليشمل كل مجال يستطيع من خلاله أن يقدم العون والمساعدة لمجتمعه ويعينه على أن يتجاوز محنته ومشاكله. وكانت نظريته تنطلق على أساس أن العمل المثمر لابد وأن يقوم على أساس المؤسسات لا العمل الفردي وإن كان العمل الفردي فوائده أيضا، ومن هنا قام وبمعونة العلماء الآخرين بتأسيس
١- جمعية التربية الإسلامية.
۲ – جميعة الصندوق الخيري الاسلامي، وقد أسس هذه الجمعية السيد هبة الدين الشهرستاني وكان أول رئيس لها ثم تولى العلامة العسكري رئاسة هذه الجمعية بعده ، وقد تولت جمعية الصندوق الخيري:
أ- فتح مستوصف الرعاية الإسلامية في الكرادة الشرقية.
ب – فتح مستوصف الرعاية الاسلامية في الكاظمية. كما أنها كانت على وشك الشروع ببناء مستشفى الامام الحسين ع ولكن المشروع لم يتم
ج – تبنت الجمعية العديد من المدارس التي أسست آنذاك – كما تقدم –
المصدر: كتاب: مؤتمر تكريم العلامة السيد مرتضى العسكري، تاليف مجموعة من الباحثين – الناشر: مركز الطباعة والنشر لمجمع العالمي لاهل البيت