خاص الاجتهاد: المرجع الديني آية الله مكارم الشيرازي“دام ظله” في رسالة إلى مؤتمر تكريم آية الله السيد عبد الحسين اللاري “رحمة الله عليه” بمناسبة ذكرى مرور 100 عام على وفاته: لقد ترك لنا سجل آية الله اللاري الحافل بالخدمة للشعب والدفاع عن الدين والمعتقدات، نموذجًا خالداً يُحتذى به.
في البداية، لا يسعني إلا أن أقدم خالص الشكر والتقدير للقائمين على تنظيم مؤتمر آية الله العظمى السيد عبد الحسين اللاري “رحمة الله عليه”، وأتمنى أن يحقق هذا المؤتمر أهدافه ويكون خطوة على طريق تعريف الجيل الجديد بأبطال وعظماء هذا الوطن بشكل أفضل.
إنّ تاريخ هذا الوطن العظيم، بكل ما فيه من صعود وهبوط، مليء بالحماسة والبطولة التي أظهرها الأبطال الشجعان في سبيل الدفاع عن وطنهم وقيمه الدينية. وقد وقف العلماء والفقهاء جنباً إلى جنب مع الشعب، وفي بعض الأحيان كقادة ومرشدين، وخلقوا ملاحم بطولية.
عندما كان الاستعمار الإنجليزي يطمع في نهب وسرقة هذه الأرض من خلال مؤامرات متنوعة وخطط مُحكمة، وكانت حكومة القاجار تسلك طريق الظلم والقهر ضد الشعب، برز عالمٌ شجاع، وعارف بزمانه، ومفكرٌ ومعتمد مثل آية الله السيد عبد الحسين اللاري، ليُسطر صفحةً ناصعةً من صفحات الجهاد في سبيل الإسلام، وإقامة الحق، ودعم المظلومين.
وقد انتقل هذا الفقيه الراحل، الذي تلقى تعليمه الديني على يد كبار علماء الحوزة العلمية في النجف الأشرف وكان من تلاميذ الميرزا الشيرازي “قدس سره” المبرزين، من النجف إلى مدينة لارستان بناءً على أمر السيد (الشيرازي) وطلب أهالي لارستان، وذلك بهدف قيادة الناس والاهتمام بالشؤون الدينية والعقائدية.
لقد وقف هذا الفقيه العظيم كحصن حصين في وجه ظلم وتعديات الحكومة آنذاك ونهب الاستعمار البريطاني، واتخذ من الدفاع عن الشعب المظلوم والمضطهد في تلك المنطقة شعارًا لجهوده ونشاطاته. وبالإضافة إلى ذلك، تميز هذا العالم الجليل باهتمامه بتطبيق أحكام الإسلام ونشر المعارف الدينية ومنع انتشار المنكرات في المجتمع الإسلامي
لقد ترك لنا سجله الحافل بالخدمة للشعب والدفاع عن الدين والمعتقدات، نموذجًا خالداً يُحتذى به في ديار فارس. رحمة الله تعالى عليه وأسكنه فسيح جناته
أسأل الله تعالى أن يرفع درجات هذا العالم الجليل وأن يجزيه خير الجزاء، كما أشكر وأقدّر جميع من ساهم في تنظيم هذا المؤتمر المبارك
والسلام عليكم ورحمة الله
قم – ناصر مكارم الشيرازي
١٧ ارديبهشت ١٤٠٣
٢٩شوال ١٤٤٥
موجز عن العالم المجاهد السيد عبد الحسين اللاري “ره”: 1264 – 1342 هـ ق
السيّد أبو عبد المحمّد، عبد الحسين ابن السيّد عبد الله ابن السيّد عبد الرحيم الموسوي اللاري الدزفولي، وينتهي نسبه إلى السيّد حمزة من أحفاد الإمام موسى الكاظم(عليه السلام).
ولادته
ولد في الثالث من صفر 1264ﻫ بمدينة النجف الأشرف.
دراسته
منذ بلوغه سنّ السابعة تعلّم القراءة والكتابة التقليدية، ثمّ اتّجه نحو دراسة العلوم الدينية حتّى نال درجة الاجتهاد، وبعدها بدأ بالتدريس والتأليف والتصنيف، وأصبح من الأساتذة المرموقين في النجف.
وبناء على طلب أهالي مدينة لار من السيّد الشيرازي الكبير بإرسال السيّد اللّاري إليهم، ولحاجة المدينة الملحّة إلى عالم ديني، وافق السيّد الشيرازي على إرساله؛ فشدّ الرحال إلى مدينة لار عام 1309ﻫ، واعتبر هذه المهمّة تكليفاً شرعياً عليه من قبل السيّد الشيرازي.
من أساتذته
السيّد محمّد حسن الشيرازي المعروف بالشيرازي الكبير، الشيخ محمّد الإيرواني المعروف بالفاضل الإيراوني، الشيخ محمّد حسين الكاظمي، الشيخ لطف الله المازندراني، الشيخ حسين قلي الهمداني.
تدريسه
قام(قدس سره) منذ وصوله إلى مدينة لار بتشكيل حوزة علمية، وأخذ يُلقي دروسه فيها، وبدأ بتربية وإعداد الطلّاب، ولم يمضِ على تشكيل هذه الحوزة إلّا أيّام معدودات حتّى تقاطر عليها الشباب من جميع أنحاء محافظة شيراز، وكذلك كرمان وسيرجان وغيرها حتّى بلغ عدد الطلّاب الذين درسوا عنده خمسمائة طالب على ما قيل.
من تلامذته
نجلاه السيّد عبد المحمّد والسيّد علي أكبر، صهره السيّد محمّد علي الشريعتمداري، السيّد عبد الباقي الشيرازي، السيّد محمّد حسين المجتهد اللّاري، السيّد أحمد المجتهد الفال أسيري، السيّد عبد المحسن المهري، الشيخ محمّد حسين اللّاري، السيّد محمّد علي الجهرمي، السيّد أسد الله الإصفهاني، الشيخ عبد الحميد المهاجري.
من صفاته وأخلاقه
1ـ عبادته: كان ملتزماً بصلاة النوافل اليومية، وقراءة الأدعية والزيارات، وتلاوة القرآن الكريم، وقد أعطى أهمّية خاصّة لصلاة الليل، وكان يُوصي أقرباءه ومعارفه بعدم تركها.
2ـ زهده: كان بمنتهى الزهد، ولم يتعلّق قلبه يوماً ما بزخرف من زخارف الدنيا الزائلة، وإنّما كان همّه الوحيد هو إرشاد الناس إلى الشريعة الإسلامية ونشر أحكامها، وبالرغم من كثرة الأموال التي كانت تحت تصرّفه لم تُحدّثه نفسه يوماً بصرف شيء منها في حاجاته الشخصية.
3ـ قضاؤه حوائج الناس: كان يتابع بنفسه أُمور الناس وإنجاز طلباتهم، وفي أيّام عيد الأضحى المبارك كان يذبح الأغنام بنفسه ويوزّعها على الفقراء والمحتاجين، وكان يوزّع بنفسه مرتّبات الأيتام والمساكين والمقعدين.
كان يُوصي معارفه دائماً بإرسال أصحاب الحاجات والمشكلات إلى بيته في أيّ وقت حتّى في منتصف الليل، ولذلك عيّن كثير من الممثّلين له في مناطق مختلفة للنظر في مشكلات الناس والعمل على حلّها.
4ـ نفوذ كلامه: لم يكن السيّد اللّاري يأمر الناس بشيء إلّا وقد طبّقه على نفسه، لذلك نجد أنصاره وأتباعه كانوا يتّخذونه قدوة لهم ويطيعونه، ويتّبعون مواقفه ضدّ الشاه وأعوانه.
5ـ عشقه لأهل البيت(عليهم السلام): كان كثير التعلّق بأهل البيت(عليهم السلام)، وبالخصوص للإمام المهدي(عليه السلام)، وقد أشار في كتابه المعارف السلمانية إلى كثير من الشواهد على حبّه وتعلّقه بهم(عليهم السلام)، ونظم في ديوانه بعض القصائد الشعرية باللّغة العربية التي تناولت ذكر مناقبهم ومصائبهم(عليهم السلام).
6ـ شجاعته: كان شجاعاً منذ الشباب، وقد شهدت له تقارير وزارة الخارجية البريطانية بذلك، والفضل ما شهدت به الأعداء.
7ـ إقامته للحدود الشرعية: أقام الحدود الشرعية الإسلامية في مدينة لار كمظهر من مظاهر العدالة الاجتماعية في الحكومة الإسلامية على جميع أفراد المجتمع، لا فرق في ذلك بين القريب والبعيد.
من أقوال العلماء فيه
1ـ قال السيّد الشيرازي الكبير(قدس سره): «السيّد السند والحَبر المعتمد، الفاضل الكامل الأوحد، والورع التقي المهذّب الممجّد، المنزّه من كلّ شَين، سيّدنا عبد الحسين، بذل عمدة عمره في تهذيب الأخلاق وتكميل النفس وتحصيل العلوم».
2ـ قال الشيخ آقا بزرك الطهراني(قدس سره): «كان السيّد عبد الحسين عالماً كبيراً، ومجاهداً فاضلاً، وورعاً متّقياً».
من مؤلّفاته
التعليقة على المكاسب (مجلّدان)، المعارف السلمانية في كيفية علم الإمام وكمّيته، تقريرات درس السيّد الشيرازي الكبير في الأُصول، كتاب في علم أُصول الفقه، قانون المشروطة المشروعة، شرح حول القرعة والخيرة، حاشية على كتاب الرسائل، التعليقة على رياض المسائل، حاشية على كتاب القوانين، آيات الظالمين، طريق النجاة.
وفاته
تُوفّي(قدس سره) في اليوم الرابع من شوال 1342ﻫ، ودُفن بمدينة جهرم جنوب إيران، وقبره معروف يُزار.
ـــــــــــــــــــــ
1ـ التعليقة على رياض المسائل: 10.
هذا وأقيمت أمس الثلاثاء مراسم إحياء الذكرى المئوية لرحيل العالم الجليل آية الله السيد عبد الحسين اللاري في قاعة جامعة آزاد الإسلامية بمدينة لارستان.