المحقق الكركي

رد فضيلة الشيخ قاسم الطّائي على فضيلة الشيخ محمد الحسون

خاص الاجتهاد: رد الباحث سماحة الشيخ قاسم الطائي على رسالة فضيلة الشيخ محمد الحسون رئيس مركز الأبحاث العقائدية بخصوص طباعة رسالتين للمحقق الكركي.

جواب دعوى فضيلة الشّيخ محمّد الحسّون
بسم الله الرحمن الرحيم
وَقُلِ اعْمَلُوا فَسَيَرَى اللهُ عَمَلَكُمْ وَرَسُولُهُ وَالْمُؤْمِنُونَ وَسَتُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ. صدق الله العليّ العظيم.

اطّلعتُ عن طريق أحد الإخوة الأعزّاء على أنّ فضيلة الشّيخ محمّد الحسّون قد كتب مقالاً نشره في المواقع العامّة، اتّهمني فيه بأخذ ما كتبتُه في مقدّمة تحقيقي لرسالتين للمحقّق الكركيّ (قده) من كتابه (حياة المحقّق الكركيّ وآثاره)، ولم أشر إليه في ذلك. وهذا يعني أنّني صادرتُ جهوده الّتي ادّعى أنّها استمرّت لعشر سنين، يجمع فيها كلّ ما قدر على تحصيله حول المحقّق الكركيّ (قده).

وبعد ما ذكرتُه من الآية الكريمة أعلاه فإنّني لستُ معنيّاً بقول أحدٍ ــ طالما أنّ الله تعالى المطّلع على حقائق الأمور هو الّذي يرى العمل، والرّسول الكريم (ص) والأئمّة (ع) ــ إلّا بمقدار إظهار الحقّ وانتصاف المظلوم، وبيان زخرف القول الّذي يغترّ به صاحبه، ويحسبه ماءً وليس هو إلّا سراباً.

ومن هنا اقتضى الحال كتابة جواب يدفع هذه التّهمة. كما أنّي لستُ معنيّاً بالدّفاع عن مجلّة (دراسات علميّة) من توهينه إيّاها ــ بجميع هيئاتها ــ من أنّها وَليَت أمراً لا تُحسنه، فلو فرض التّقصير في عمل محقّق الرّسائل المذكورة ــ بحسب مدّعى الشّيخ الحسّون ــ أليس المفروض في أمثال المقام توجيه الكلام لمحقّقها، لا للمجلّة الّتي هي الجهة النّاشرة للعمل؟!

أليس من اللّياقة في التّعامل في مثل هكذا حالات أن تتمّ مفاتحة المحقّق نفسه وإبداء الملاحظات على عمله ومعرفة رأيه فيها قبل نشر مقالٍ يشهّر به في المواقع العامّة؟! لعمري هذا ما جرت عليه سيرة أهل الدّين والشّرع الحنيف، بل جرت عليه سيرة عقلاء النّاس قاطبة، حتّى لا يؤخذ الإنسان بشيء لم يفعله، فإنّ التّشهير بسمعة إنسان ممّا يستقبحه العقل والعقلاء فضلاً عن الشّرع، ولا حول ولا قوّة إلّا بالله العليّ العظيم.

ولمّا كانت الملاحظة الثّانية أقسى الملاحظات ارتأيتُ تقديم جوابها على غيرها والله المستعان:

قوله: (وخلال مطالعتي السّريعة لما كتبه محقّقها عن حياة الكركيّ، سجّلتُ عدّة ملاحظات، وهي:
[ــ إلى أن قال ــ: الملاحظة] الثّانية: إنّ أكثر ــ إن لم أقل: كلّ ــ المعلومات الواردة في العشرين صفحة الّتي كتبها الشّيخ الفاضل الطّائيّ واردة في كتابنا، ومن المستبعد جداً أن يتطابق كتابان بالفكرة والمحتوى والنّتائج، بل والمصادر أيضاً).

حاصل دعوى فضيلة الشّيخ الحسّون هو: (تطابق العملين بالفكرة والمحتوى والنّتائج والمصادر).

أقول: إنّ هذه الدّعوى محض افتراء كما سيتّضح بالتّفصيل:

[التّطابق بالفكرة]

أ: أمّا التّطابق بالفكرة فهو غير صحيح قطعاً؛ حيث إنّ فكرتي هي:

كتابة موجز عن حياة المحقّق الكركيّ (قده) في خصوص النّجف الأشرف، وفي خصوص الجانب العلميّ منها، على شكل ما يعرف اليوم بين المؤلّفين باسم (اليوميّات).

وهذا ما صرّحت به في بداية ترجمتي للمحقّق الكركيّ (قده) في ص438 من المجلّة، حيث قلتُ : (إلّا أنّا سنركّز باختصار على بعض الجوانب من حياته الّتي لم يُسلّط عليها الضّوء كما ينبغي، وخصوصاً فترة وجوده في النّجف الأشرف؛ لأنّها الفترة الّتي تمثّل ــ بحسب التّتبّع ــ ذروة عطائه العلميّ (قده)).

بينما فكرة الشّيخ الحسّون هي: كتابة شيء مفصّل عن كلّ ما يتعلّق بحياته (قده)، لا بهذه الخصوصيّة، ولا على هذه الشّاكلة.
وهنا سؤال للمنصفين: أين التّطابق بالفكرة الّذي زعمه الشّيخ الحسّون؟! إلّا إذا كان الشّيخ يرى التّطابق بين العامّ والخاصّ، بل بين المتباينين!

[التّطابق بالمحتوى]

ب: وأمّا التّطابق بالمحتوى فهو غير صحيح أيضاً؛ لأنّ محتوى كلّ بحث لا بُدّ أن يتناسب مع الفكرة الّتي هي موضوع البحث، وإلّا عدّ ذلك خروجاً عن صلب الموضوع، وهو معيب عند أهل العلم.
ومن هنا كان محتوى ما كتبتُه من المقدّمة متناسباً تماماً مع الفكرة الّتي بيّنتها آنفاً، فقد ذكرتُ فترتَي تواجد المحقّق الكركيّ (قده) في النّجف الأشرف، وما قام به في كلّ فترة على شكل (يوميّات).
وعليه فكيف يصحّ القول بتطابق محتوى ما كتبتُه مع محتوى ما كتبه فضيلة الشّيخ الحسّون؟!

[التّطابق بالنّتائج]

ج: وأمّا التّطابق بالنّتائج فكذلك غير صحيح.
فخذ عنّي عزيزي القارئ أحد عشر مورداً ــ من باب المثال ــ اختلفتْ فيه النّتائج:
1 ــ في ص438 ــ 439 من المجلّة اخترتُ تبعاً لغيري أنّ نسب المحقّق الكركيّ هو: (عليّ بن حسين ابن عليّ بن محمّد بن عبد العالي).
في حين اختار الشّيخ الحسّون تبعاً لغيره في (1/26) أنّ نسبه هو: (عليّ بن الحسين بن عبد العالي).
2 ــ في ص440 ــ 441 من المجلّة ترددتُ في كون والد المحقّق الكركيّ من العلماء ــ وقد ذكرتُ الوجه في ذلك ــ .
في حين بنى الشّيخ الحسّون على ذلك في (1/100).
3 ــ في ص441 تأمّلت في كون الشّيخ عبد العالي ــ جدّ المحقّق الكركيّ ــ من العلماء الفقهاء ــ وقد ذكرتُ الوجه في ذلك أيضاً ــ.
في حين اختار الشّيخ الحسّون في (1/102) أنّه من العلماء الفقهاء.
4 ــ في ص443 اخترتُ أنّ مشايخ المحقّق الكركيّ من العامّة والخاصّة تسعة ــ وأقمت الشّواهد على ذلك ــ.
في حين اختار الشّيخ الحسّون في (2/110 وما بعدها) أنّهم سبعة فقط.
5 ــ في ص445 ذكرتُ ثلاثة شواهد على عدم كون الشّيخ جعفر ابن الحسام والشّيخ أحمد ابن الحاج علي من مشايخ المحقّق الكركيّ.
في حين لم يذكر الشّيخ الحسّون في (2/115 ــ 116) إلّا شاهداً واحداً.
6 ــ في ص446 ذكرتُ شاهداً على أنّ المحقّق الكركيّ تواجد في النّجف الأشرف في سنة 920هـ.
وهذا الشّاهد لم يذكره الشّيخ الحسّون في (1/201، 415) عندما تعرّض للموضوع، بل ذكر شاهداً ــ نقلتُه عنه وأشرتُ في الهامش إلى مصدره ــ قابلاً للمناقشة فيه، فقد قال: (آخر تاريخ عثرت عليه يدلّ على وجود الكركيّ في إيران مردّد بين سنتي 918 و919هـ ..) ومن الواضح أنّ مثل هذا لا يدلّ على عدم تواجده (قده) بعد هذه الفترة في إيران، ولذلك تممّت ما ذكره بقولي: (وهذا يؤشّر على عدم تواجده بعد هذا التّاريخ فيها؛ إذ هو شخص معروف، ومؤثّر مهم في أحداث تلك الفترة، فمن البعيد عدم رصد التّاريخ ــ لوكان متواجداً في إيران ــ لحركته في تلك الفترة).
7 ــ في ص449 ذكرتُ على وجه الاحتمال القريب المدعوم ببعض الشّواهد أنّ المحقّق الكركيّ هو مَن طلب من الشّاه إسماعيل الصّفوي الأوّل حفر نهر من الفرات إلى النّجف الأشرف.
ولم يذكر ذلك الشّيخ الحسّون في (1/172) في بحث آثاره في النّجف الأشرف.
8 ــ في ص450 ذكرتُ إقامة المحقّق الكركيّ لصلاة الجمعة في النّجف الأشرف واحتملتُ أنّه شرع فيها سنة 920هـ.
في حين لم يذكر ذلك الشّيخ الحسّون في المرحلة السّادسة وهي المرحلة الثّانية لتواجده (قده) في العراق (1/203 وما بعدها).

9ــ في ص451 ــ 452 أقمتُ شاهداً مؤلّفاً من ثلاث نقاط على أنّ جلّ ــ إن لم نقل كلّ ــ مؤلّفات المحقّق الكركيّ ــ عدا ما عُلم تأليفه في إيران ــ قد ألّفها في النّجف الأشرف.
في حين أنّ الشّيخ الحسّون في (1/203، 2/313 وما بعدها): ادّعى أنّ أغلب أو أكثر مؤلّفات المحقّق الكركيّ كانت في النّجف الأشرف. ولم يقم شاهداً على هذه الدّعوى.
10- في ص452 وما بعدها ذكرتُ (13) إجازة للمحقّق الكركيّ قد منحها في النّجف الأشرف.
في حين لم يذكر الشّيخ الحسّون ــ في (1/203 وما بعدها، 2/180وما بعدها) في باب الإجازات ــ إلّا (10) إجازات منحها في النّجف الأشرف.
11- في ص456 ــ 457 ذكرتُ أنّ مدفن المحقّق الكركيّ كان في النّجف الأشرف ولكنه غير محدّد بالضّبط بنحو يوجب الاطمئنان، إلّا أنّ المتداول بين معمّري النّجف الأشرف أنّ مدفنه في المزار المعروف بمزار بنات الحسن (ع)، وقلت: يعضد ذلك بعض الدّراسات الّتي صدرت مؤخّراً عن مديرية الوقف الشّيعي في النّجف الأشرف.
في حين أنّ الشّيخ الحسّون في (1/271) في باب مدفنه ذكر عبارة: (ودفن في حرم الإمام أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (ع)).
وبذلك يظهر الاختلاف أيضاً.

وبعد كلّ هذا الاختلاف بالنّتائج الواضح وضوح الشّمس، كيف تصحُّ دعواه (دام فضله) بالتّطابق بين التّرجمتين بالنّتائج!!

[التّطابق بالمصادر]

د: وأمّا التّطابق بالمصادر فهذا لعمر أبيك المضحك المبكي، أمّا كونه مضحكاً فلأنّ دعوى الشّيخ الحسّون تؤول إلى نتيجة مفادها: (عدم جواز رجوع من يكتب عن المحقّق الكركيّ (قده) بعد الشّيخ الحسّون إلى نفس المصادر الّتي رجع إليها الشّيخ وإلّا عُدَّ مقتبساً وسارقاً من الشّيخ) وهذا خلاف كونها مصادر يُرجَع إليها، ويَصدُر عنها كلُّ مَن يردها.
وأمّا كونه مبكياً فلما يجده المرء من الأسى والجوى في هذه الأيّام نتيجة لما وصل إليه الحال حيث يَبرُزُ الوهم بصورة العلم.
ولا أدري بعد كلّ هذا هل تصحّ دعوى التّطابق بالمصادر!!
نعم، لا عجب فإنّ النّتيجة الطّبيعيّة للتسرّع ــ بحسب العادة ــ هي كثرة العثرات والزّلّات، أقالنا الله والمؤمنين منها.

وسيأتيك مزيد ما يتعلّق بجواب هذه الدّعوى في الصّفحة اللّاحقة.
قوله: (ولا أتصوّر أن المحقّق الكريم يستطيع أن ينكر اعتماده على عملنا بشكل أساسيّ).
أقول: اتّضح للقارئ الكريم بطلان هذا التّصوّر ممّا مرّ من بطلان دعاوى التطابق، وسيأتي ما يعزّز ذلك أيضاً.

قوله: (نعم، الّذي قام به هو الرّجوع إلى نفس المصادر الّتي استندنا إليها في عملنا..).
أقول: إنّ المصادر الّتي اعتمدتُها ــ وهي ثمانية عشر ــ هي المصادر المشهورة والمعروفة والمتعلّقة بالموضوع الّتي لا غنى عن الرّجوع إليها لكلّ مَن أراد الكتابة في التّراجم ــ كالبحار وأمل الآمل والرّياض والرّوضات والذّريعة وطبقات أعلام الشّيعة وغيرها ــ فهل المطلوب منّي عدم الرّجوع إليها؟!

قوله: (نعم، ذكر كتابنا في مورد واحد فقط في الهامش؛ لأنّا اعتمدنا في هذه المعلومة على مصدر تاريخي فارسيّ وهو (عالم آرا صفوي) ومن المستبعد أنّه رأى هذا الكتاب، فضلاً عن عدم معرفته باللّغة الفارسيّة ظاهراً، لذلك لا يستطيع أن يذكر هذا المصدر الفارسيّ في الهامش..).

أقول:
أوّلاً: إنّ الكتاب المشار إليه متاح على شبكة الأنترنت لكلّ من أراد، فما هو وجه الاستبعاد؟!
ثانياً: إنّ ترجمة مقاطع هذا الكتاب الّتي هي موضع الشّاهد متيسّرة جدّاً، وقد أعانني بعض الإخوة الإيرانيّين من زملاء الدّرس على ترجمة بعض النّصوص الفارسيّة في ترجمة الشّيخ محيي الدّين بن أحمد بن تاج الدّين الميسيّ (قده) الّذي ترجمتُ له في نفس المقدّمة.
هذا، وإنّ المجلّة لديها كادر متخصّص في التّرجمة لعدّة لغات ــ منها الفارسيّة ــ لمن يحتاج إليها من الباحثين.

قوله: (ولو أردتُ أن أشير إلى كلّ الموارد المتطابقة تماماً بين العملين لاحتجت إلى تأليف رسالة مستقلّة).
أقول: شيخنا الفاضل دع عنك الخطابيّات والتّهويل والإيهام، إنّ الأمر في كشف عدم صحة قولك: (لاحتجت إلى تأليف رسالة مستقلّة) ــ مضافاً إلى ما مرّ من بطلان دعوى التّطابق ــ يكون بعملية حسابيّة بسيطة، هي:

إنّ مجموع ما كتبتُه هو (20) صفحة، فلو طرحنا منها موارد الاختلاف في النّتائج الّتي ذكرتُها سابقاً ــ وهي (11) مورداً ــ وجلُّ هذه الموارد احتجتُ لإثبات الواحد منها إلى ما يقرب من صفحة واحدة، فالباقي من التّرجمة بحدود (9) صفحات. فإذا طرحنا منها أيضاً موارد التّشابه بين العملين في المعلومة المنقولة من المصادر، لا يبقى من التّرجمة إلّا صفحة أو صفحتان ــ على أفضل تقدير ــ وهي محلّ النّزاع.

فهل تُؤلِّف الرّسالة المستقلّة من صفحة أو صفحتين هما محلّ النّزاع؟!

قوله: (لكنّي أشير إلى بعضها اختصاراً، وأترك الحكم للإخوة التّراثيّين الّذين يستطيعون أن يقفوا على تطابق العملين بنظرة أوّليّة لهما).
أقول: قد عرفت عزيزي القارئ ما في حديث (التّطابق) المفترى وبطلانه وزيفه ممّا تقدّم عند الجواب عن قوله: (من المستبعد جداً تطابق كتابين بالفكرة والمحتوى والنّتائج بل والمصادر).

قوله: (في ص438 من المقالة، عند ذكر اسم الكركيّ، قال: ((ويعرف اختصاراً بعليّ ابن [كذا، والصّحيح: بن]( ) عبد العالي، كما كان يوقع به في ما منحه من إجازات ..))).
أقول: أساس هذا المورد وما بعده من موارد ذكرها للاستدلال على تطابق العملين هو التّشابه الواقع في العبارات الأربع ــ الّتي ذكرها ــ بين ما كتبتُه وما كتبه.
ومن هنا سوف أجيب بجواب عامّ ينطبق على كلّ الموارد مضافاً إلى الأجوبة الخاصّة.
حاصل الجواب العامّ:
إذا كان الشّيخ الحسّون يرى أنّ تشابه العبارات دليل على أنّي أخذتُ ما كتبتُه منه، فهل يا ترى يطبّق ذلك على ما كتبه هو بنفسه، فيكون بذلك قد صادر جهد الشّيخ جعفر المهاجر الّذي سبقه في تأليف كتاب (الهجرة العامليّة في العصر الصّفويّ) بما يقرب من عشر سنين؛ حيث إنّ هناك تشابهاً بينهما يكاد يكون منقطع النّظير دون الإشارة إلى المصدر.

وإليك عزيزي القارئ الكريم ستّة موارد ــ من باب المثال ــ من موارد التّشابه بين ما كتبه الشّيخ الحسّون في كتابه وما كتبه الشّيخ جعفر المهاجر في الهجرة العامليّة:
1: قال في الهجرة العامليّة ص121: (لسنا نعرف بالتّحديد تاريخ مولده [المحقّق الكركيّ] والغريب أنّه لا يذكر على الإطلاق في كافة المصادر المعنية بسيرته. وهذا شأن الرّجال العصاميّين الّذين يبرزون من بين الغمار، والإشارة الوحيدة الّتي يمكن أن يستفاد منها تاريخ تقريبيّ وردت لدى الحرّ العامليّ حيث يقول إنّ عمر الكركيّ زاد على السّبعين فإذا قارناها بتاريخ وفاته نصل إلى الرّقم التّقريبيّ الّذي أثبتناه أعلاه).

وقد قال الشّيخ الحسّون في كتابه (1/79): (لم أعثر على تاريخ ولادته في المصادر التّاريخيّة وكتب التّراجم والسّير الّتي بين أيدينا. والغريب في الأمر أنّ كافة المصادر الرّئيسيّة المعنيّة بسيرته لم تتعرّض له حتّى على وجه الاحتمالات شأنه في ذلك شأن الكثير من علمائنا الأعلام ورجالاتنا العصاميين الّذين يبرزون من بين الغمار . نعم، يمكن الإشارة إلى تاريخ تقريبيّ لولادته مستفاد من مقارنة بين تاريخ ولادته [كذا، والصّحيح: وفاته] وسني حياته المباركة .. وأقدم مصدر عثرت عليه يحدّد عمره هو (أمل الآمل) للشيخ محمّد حسن [كذا، والصّحيح: محمّد بن الحسن] الحرّ العامليّ حيث قال: وقد زاد عمره على السّبعين).

2: قال في الهجرة العامليّة ص116: (وهكذا توقّف كلّ شيء على مدد يأتي من الخارج، ولن يتوفّى الشّاه إسماعيل .. حتّى يرى تباشير هجرة علماء جبل عامل والبقاع ثمّ انصبّوا على البلاد وانتشروا في أرجائها واضعين في خدمة نهضتها ووحدتها معرفة غنيّة هي ثمرة ازدهار علميّ عجيب عاش معزولاً عشرات السّنين).

وقال الشّيخ الحسّون في كتابه (1/405): (وهكذا توقّف كلّ شيء على مدد يأتي من الخارج فوجّه الشّاه إسماعيل النّداء تلو النّداء لعلماء النّجف الأشرف [لم يذكر الشّيخ الحسّون دليلاً على أنّ الشّاه المذكور وجّه النّداء تلو النّداء لعلماء النّجف الأشرف. ولا أدري من أين أتى بهذا الكلام! يا حبذا لو يزوّدنا بالمصدر لو وجد؛ لأنّه كلام في غاية الأهميّة] للتوجّه إليه.. وبهجرة الكركيّ إلى إيران انفتح باب الهجرة اللّبنانيّة إلى إيران على مصراعيه وبدأ عصر جديد في الدّولة الصّفويّة حيث شهدت مدنها وقراها تواجداً علمائيّاً عربيّاً لبنانيّاً جاء من جبل عامل والبقاع).

3 : قال في الهجرة العامليّة ص 21: (وقطع شوطاً بعيداً في الاتجاه السّياسي، وهو الّذي ميّز أتباعه بالشّعار الذي جعل العثمانيين يطلقون عليهم لقب القزلباش: ((ذوي الرؤوس المحمرة))، وهو عبارة عن قلنسوة حمراء ذات اثنتي عشرة شقّة تلف حولها العمامة رمزاً للأئمّة الاثني عشر).

وقال الشّيخ الحسّون في كتابه (1/351): (ومن هنا خطا حيدر خطوة أخرى في دفع عجلة الطريقة إلى التشيع الاثني عشر، وذلك باتخاذه شعاراً يميز أتباعه من غيرهم على صورة قلنسوة حمراء ذات اثنتي عشرة شقّة تلفّ حول [كذا، والصحيح: حولها] العمامة …مقسّمة من قمّتها إلى أطرافها إلى اثنتي عشرة شقّة تذكّر بعلي وأبنائه الاثني عشر. ومن هنا سُمّيَّ الصوفية من أتباع الصفويين (القزلباش) اتّصالاً بهذا الشّعار الاثني عشري الأحمر).
4: قال في الهجرة العامليّة ص22: (ويسمّى في المصادر الفارسيّة المعاصرة ((خاقان اسكندر شان))).
وقال الشّيخ الحسّون في كتابه (1/353): (ويسمى في المصادر الفارسيّة المعاصرة ((خاقان اسكندر شان))).

5: قال في الهجرة العامليّة ص22: (عاد إسماعيل إلى ((أردبيل)) 905هـ/ 1499م فجمع حوله جيشاً أساسه قبائل التّركمان السّبع التي ظلّت لأمد بعيد أساس القوّة الصفويّة العسكريّة والسّياسيّة).
وقال الشّيخ الحسّون في كتابه (1/354): (وعلى كلّ حال فقد بدأ الشاه إسماعيل تحرّكه … معتمداً على سبع قبائل تركية، هي: … الّتي ظلّت لأمد بعيد أساس القوّة الصفوية العسكريّة والسّياسيّة).

6: قال في الهجرة العامليّة ص 22: ( وفي السّنة 906هـ/1501م بدأ باحتلال (( باكو)) ولم ينس جماعة ((آق قيونلو)) قتلة أبيه من قبل، فحاربهم وأوقع بهم هزيمة حاسمة في السنة 907هـ/ 1502م. وفي السّنة نفسها استولى على ((تبريز)) وجعلها عاصمة له.

وهناك اتّخذ لنفسه لقب ((شاه)) وتهاوى الأمراء المحلّيون أمامه وهكذا، في السّنة 910هـ/ 1505م كان قد ضم إليه ((أصفهان)) و((يزد)) و((كرمان)) وجنوبي((خراسان)). وفي السّنة 914هـ/ 1509م أحتل بغداد وقضى على حكم أسرة ((آق قيونلو)) التركمانية قضاءً نهائياً، وبعد سنتين حطم قوة الأوزبك عند ((طاهر آباد)) قرب ((مرو)) وقتل زعيمها الخان محمّد شيباني… فأصبحت ((مشهد)) الّتي تضمّ ضريح ثامن الأئمّة الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع) تابعة له بالإضافة إلى المشاهد المقدسة في ((سامراء)) و((بغداد)) و((النّجف)) وذلك أمر لا تخفى أهمّيته ومغزاه).

وقال الشّيخ الحسّون في كتابه (1/354): (وفي سنة 906هـ أحتلّ باكو وانتقم من قتلة أبيه في شيروان حكام ((آق قوينلو)) فحاربهم وأوقع بهم هزيمة حاسمة. وفي سنة 907هـ استولى على ((تبريز)) وجعلها عاصمة له، وهناك اتّخذ لنفسه لقب ((الشّاه))، وتهاوى الأمراء المحلّيون أمامه. وفي سنة 910هـ استولى على (أصفهان)) و((يزد)) و((كرمان)) وجنوبي ((خراسان)).

وفي سنة 914هـ … أحتلّ الشّاه إسماعيل بغداد وقضى على حكم أسرة آق قوينلو ((الخروف الأبيض)) التّركمانية قضاءً نهائياً … وبعد سنتين حطّم قوّة الأوزبك عند ((طاهر آباد)) قرب ((مرو)) وقتل زعيمها الخان محمّد الشّيبانيّ … فأصبحت مدينة ((مشهد)) المقدّسة التي تضمّ ضريح ثامن الأئمّة (ع) الإمام عليّ بن موسى الرّضا (ع) تابعة له بالإضافة إلى المشاهد المقدّسة في ((النّجف الأشرف)) و((كربلاء المقدسة)) و((الكاظمية)) و((سامراء)) وذلك أمر لا تخفى أهمّيته ومغزاه).

انظر عزيزي القارئ الكريم إلى مدى التّسانخ والتّشابه الكبير بالألفاظ بين ما كتبه الشّيخ الحسّون في موسوعته وما كتبه الشّيخ جعفر المهاجر في كتابه، مع العلم أنّ الشّيخ الحسّون هنا لم يشر إلى كتاب الشّيخ المهاجر. والمفروض ــ بحسب التّتبّع ــ أنّ كتاب الهجرة العامليّة من مصادر كتابه.

فما هو جواب الشّيخ الحسّون هنا؟! و هل يتقبّل أن نتّهمه بما اتّهمنا به؟!

هذا غيض من فيض ولو أردت الاستيعاب لذكرت أكثر، فمن يا ترى أحقّ بأن تُؤلَّف في حقّ عمله رسالة؟!

وأمّا الجواب الخاصّ بكلّ مورد فهو:
قوله: (((ويعرف اختصاراً بعلي ابن عبد العالي، كما كان يوقّع به في ما منحه من إجازات، وكتبه من مؤلّفات)) وفي ج1 ص26 من كتابنا ورد: ((عليّ بن عبد العالي … حتّى أنّ المحقّق الكركي نفسه وقّع به في أغلب تواقيعه الّتي جعلها في آخر مؤلّفاته وإجازاته))).
أقول: كلامه هذا ينحلّ إلى أمرين: أحدهما أصلٌ في الإشكال، وثانيهما متفرّعٌ على ذلك الأصل.
أمّا الأصل فهو يبتني على معلومةٍ، وهي أنّ المحقّق الكركيّ (قده) كان يُعرف اختصاراً بـ (عليّ ابن عبد العالي) وهذه المعلومة ليست من مبتكرات الشّيخ الحسّون، بل سبقه إليها غيره، وممّن صرّح بها السّيّد محسن الأمين في أعيان الشّيعة: (5/186)، (6/66)، وموسوعة طبقات الفقهاء (1/163). وكلا المصدرين سابق عليه.

والواقع أنّ كلّ من صرَّح بأنّ نسب المحقّق الكركيّ هو: (عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن عبد العالي) كالسّيّد حسن الصّدر (قده) في (تكملة أمل الآمل:291)، والشّيخ آغا بزرك (قده) في طبقات أعلام الشّيعة: (7/160) يلتزم ضمناً بأنّ (عليّ ابن عبد العالي) اسم مختصر للمحقّق الكركيّ.

فهل يقبل الشّيخ الحسّون ــ وفق مبناه ــ في هذه الملاحظات أن نتّهمه بمصادرة جهود من سبقه في هذه المعلومة حيث لم يُشر (دام فضله) في الموضع المذكور إلى مصادرها؟!
وأمّا الفرع فهو دعوى التّشابه بين ما كتبتُه من عبارة، وهي: (كما كان يوقّع به في ما منحه من إجازاتٍ، وكَتبَه من مؤلّفاتٍ، وأجاب عنه من استفتاءاتٍ).

وما كتبه الشّيخ الحسّون، وهو: (حتّى أنّ المحقّق الكركيّ نفسه وقّع به في أغلب تواقيعه الّتي جعلها في آخر مؤلفاته وإجازاته).
أقول: إنّ أصل الكلام ــ وهو ذكر الاسم المختصر في نهاية المؤلّفات والإجازات والاستفتاءات ــ إنّما ذُكر توضيحاً؛ إذ الإتيان به لبيان أنّ المنشأ في هذا الاختصار هو تكرّر استعمال هذا الاسم المختصر من قبله (قده)، وعادةً ما يكون في تلك الموارد الّتي ذكرنا ثلاثة منها، وذكر الشّيخ الحسّون اثنين منها.

ومن هنا يكون كلّ من أطلق على المحقّق الكركيّ (قده) اسم (عليّ ابن عبد العالي) ــ مع اعترافه بأنّ نسب المحقّق الكركيّ هو: (عليّ بن الحسين بن عبد العالي) أو (عليّ بن الحسين بن عليّ بن محمّد بن عبد العالي) ــ ملتفتاً إلى أنّ مصحِّح هذا الاستعمال هو تكرّر استعمال المحقّق الكركيّ لهذا الاسم في الموارد المشار إليها، وإنّما لم يضف عبارة (كما كان يوقع به في مؤلّفات وإجازات واستفتاءات) لوضوحها.

قوله: (ومثل هذا كثير).
أقول: هذا تعبير خطابيّ منه (دام فضله)، وقد اتّضح جوابه ممّا سبق عند قوله: (لاحتجت إلى تأليف رسالة مستقلة) فراجع.

قوله: (انظر: ص439 من المجلّة وج1 ص79 من كتابنا في بحث ولادته).
أقول: ما ذكره في كتابه في الموضع المشار إليه مأخوذ بعينه ــ مع إضافات طفيفة ــ من كتاب (الهجرة العامليّة إلى إيران في العصر الصّفوي) ص 121، ولم يُشر (دام فضله) إلى المصدر، وقد تقدّم تفصيل ذلك في ص7 وما بعدها.

قوله: (وص448 وج1 ص198 في بحث مؤلّفات الكركيّ ونشاطه في إيران).
أقول: ما ذكرتُه في الصّفحة المُشار إليها هو: (في 11 ربيع الآخر 916هـ فرغ من تأليف الرّسالة الرّضاعيّة وذهب فيها إلى أنّ عموم المنزلة لا يفيد نشر الحرمة، في ثلاث عشرة مسألة، ثمّ ذكر المسائل الثّلاث الخلافيّة.

في 21 أو 11 من ربيع الآخر 916 هـ ــ أيضاً ــ فرغ من تأليف قاطعة اللّجاج في تحقيق حلّ الخراج، وقد رتّبها على مقدّمة في أقسام الأرضين وخمس مقالات. ومن المحتمل أن يكون خلال هذه الفترة قد شرع في تدريس بعض المتون الفقهيّة وربّما يكون قد ألّف بعض الكتب غير ما ذكر؛ فهو لم يترك الوطن والأهل ويهاجر إلى النّجف إلّا وقد جعل الهدف الأسمى له وصوله إلى مراتب العلم العليا في هذه المدينة الّتي تزخر بالكثير من العلماء، ومثل هكذا أمر يوجب عليه السّعي الحثيث في البحث العلميّ، والاشتغال بالدّرس والتّدريس خصوصاً وأنّه لم تكن لديه في تلك الفترة شواغل عن طلب العلم).

وما كتبتُه من عبارات إلى قولي: (ومن المحتمل أن يكون خلال هذه الفترة قد شرع في تدريس بعض المتون الفقهيّة…) متقاربة جداً مع عبارات الشّيخ آغا بزرك (قده) في الذّريعة حينما فهرس (الرّضاعيّة) و(قاطعة اللّجاج في حلّ الخراج)، وقد ذكرتُ المصدر في الهامش وهو (الذّريعة).

وأمّا ما كتبه الشّيخ الحسّون في الموضع المشار إليه فهو: (وفي مجال التّأليف فالثّابت أنّه ألّف في هذه الفترة رسالتين: الأولى (الرّضاعيّة) الّتي كتبها سنة 916 في مدينة النّجف الأشرف. والثّانية (الخراجيّة) الّتي انتهى من تأليفها في الحادي عشر من شهر ربيع الآخر سنة 916هـ).

ومن الواضح أنّ ما ذكرتُه لو كان متشابهاً مع ما ذكره فهو لا يعدو أن يكون من تشابه المعلومات المنقولة عن مصادرها، وهو ممّا لا غبار عليه بين المؤلّفين. أفهل يريد منّي الشّيخ الحسّون تغيير المعلومة حتى لا أتّهم بالمصادرة منه أو من غيره؟!

قوله: (وفي ص451 وج1 ص203 في سرد إجازات الكركيّ لتلاميذه).
أقول:
1: لمّا كانت فكرتي في الكتابة إبراز الجانب العلميّ من حياة المحقّق الكركيّ (قده) في النّجف الأشرف
ــ وقد صرّحت بذلك في بداية المقدّمة ــ فمن الطّبيعيّ حينئذ أن أذكر إجازات المحقّق الكركيّ لتلاميذه في تلك الفترة؛ لأنّها المصداق الأبرز لهذا الجانب من حياته (قده)، ولو أغفلتُ ذكرها لكان نقصاً واضحاً في العمل ونقضاً للغرض، ولذا ذكرتُها حسب التّسلسل الزّمنيّ مراعاة لكتابة (اليوميّات).
2: على أنّه يوجد فرق واضح بين ما ذكرتُه من إجازات وما ذكره في الموضع المشار إليه؛ فإنّي أخرجتُ ثلاثة من الإجازات لم يخرجها الشّيخ الحسّون ، وهي:
ــ إجازة تاج الدّين حسن ابن غياث الدّين الّتي عبّر عنها الشّيخ آغا بزرك الطّهراني (قده) (المظنون أنّها في 922هـ).
ــ إجازة ضياء الدّين عبد العليّ ابن نور الدّين علي الأسترآباديّ بتاريخ 8 جمادى الآخرة 929هـ.
ـــ إجازة محمّد بن عبد الرّحيم بن داود الأسترآباديّ بتاريخ 931هـ.
فأين التّطابق في ذلك يا ترى؟!

قوله: ([الملاحظة] الأولى: إنّ محقّق هذه الرّسائل، ترجم للشّهيد الأوّل في نصف صفحة فقط، دون أن يذكر مصادر ترجمته. فمن أين جاء بهذه المعلومات؟ أليس المفروض ــ فنّياً ــ أن يذكر ولو مصدراً واحداً؟!).

أقول: إنّي لم أذكر ترجمةً للشّهيد الأوّل (قده) حتّى أُتّهم بعدم مراعاة قواعد الفنّ لعدم ذكري مصادرها، بل ذكرتُ اسمه ــ كما هو مشهور ومعروف ــ ، وذكرتُ أنّ الشّهيد (قده) في غنى عن التّعريف، واقتصرتُ على التّنبيه على وجود آثار متفرّقة له (قده) لم تُنشر، ودعوتُ للفحص التّامّ عن جميع آثاره مع الإشارة إلى بعض محالّها، وإليك نصّ ما قلتُه بتمامه في ص437 من المجلّة:

(هو شمس الدّين أبو عبد الله محمّد بن مكيّ بن محمّد بن حامد بن أحمد المطّلبي العامليّ الجِزينيّ النّبطيّ الأصل، المعروف بالشّهيد الأوّل (ت 786هـ). وهو بمقامه وشهرته وما كتب عنه من تراجم ودراسات وبحوث في غنى عن التّعريف. إلّا أنّ من المهم التّنبيه على أنّ له (قده) رسائل صغيرة وحواشي وفوائد دوّنها تلاميذه أو المعاصرون له، ونُقلت عنه في النّسخ الخطيّة، وخير دليلٍ على ذلك نسختنا هذه الّتي ضمّت رسالتين: الأولى حاشية له على عبارة من كتاب تحرير الأحكام الشّرعيّة على مذهب الإماميّة للعلّامة الحلّيّ (قده) ، والأخرى رسالة النّعمة، وهذا الأمر يدعو إلى تفحّصٍ تامٍّ يغني الطّالب لآثار الشّهيد الأوّل (قده)، فهناك جملة من تراثه المفقود لم يطبع بعدُ، كما وضمّت مجاميع الشّيخ محمّد بن عليّ الجباعيّ (رحمه الله) جملة من فوائده ومختصراته).

قوله: (بينما نلاحظه يترجم للكركيّ في 20 صفحة مع الإكثار من مصادر كلّ معلومة يذكرها عنه. فما الفرق بين الشّهيد الأوّل والكركيّ؟ فهل هذا ناشئ من أعلميّة الكركيّ وأهميّته وأفضليّته على الشّهيد؟ أم أنّه يعتقد أنّ حياة الكركيّ مجهولة، وحياة الشّهيد مُشبعة بالبحث وواضحة للجميع).

أقول: حاول الشّيخ هنا خلط الأوراق بسؤاله الأوّل (فهل هذا ناشئ من أعلميّة الكركيّ وأهميّته وأفضليته على الشّهيد؟) وإلّا فإنّ ما يهمّه هو السّؤال الثّاني؛ لأنّه يبدو أنّ عملنا قد أثاره، من جهة أنّه قد يُستشكل عليه بعدم تماميّة عمله في موسوعته عن المحقّق الكركيّ (قده)، بدليل كتابتنا ترجمة للمحقّق الكركيّ، وإظهار رسالتين، بينما لم نكتب ترجمة للشّهيد الأوّل (قده).

وهنا نتساءل: هل يكون المعيار للترجمة وعدمها عند التّراثيين هو الأعلمّية والأفضليّة؟!
والجواب: أنّ التّركيز على حياة المحقّق الكركيّ (قده) إنّما هو لإظهار الجانب الأبرز في حياته ألا وهو الجانب العلميّ؛ وذلك لأنّ معظم مَن ترجم له أبرز الجانب السّياسيّ من حياته ومدى علاقته بحكّام وقته، مع أنّه لم يكن جانباً رئيساً في حياته (قده)، فهو لم يُمض فيه إلّا خمس أو ستّ سنوات على أفضل تقدير. وأمّا باقي سنيّ حياته فقد كرّسها للعلم. وعدم إبراز هذا الجانب من حياته بما ينبغي فيه نوع ظلم للمحقّق الكركيّ (قده).
ولمّا كان المقدار المهم من الجانب العلميّ في حياته قد قضاه في النّجف الأشرف ناسب ذلك الحديث عن حياته في خصوص هذه المدينة المباركة. وأمّا تعرّضي لغير ذلك ممّا يتعلّق به (قده) فإنّما هو لإبداء الملاحظات على المعلومات الواردة في كلّ موضع، أو لاقتضاء المناسبات، وقد تقدّم في جواب الملاحظة الثّانية ما ينفع إن شاء الله تعالى.

قوله: (بل إنّي أتصوّر أنّه وجد ترجمة كاملة للكركيّ مدعومة بالمصادر، فانتقى منها ما أراد).
أقول: من أين علم فضيلة الشّيخ الحسّون أنّي أخذت ما كتبته عن المحقّق الكركيّ من كتابه؟! هل كان حاضراً معي أثناء الكتابة؟ أم نقلت له ذلك بيّنة يثق بشهادتها؟ أم حصل له اطمئنان ناشئ من مناشئ عقلائية؟ أم أخبره بذلك شخص موثوق بكلامه؟ هذه هي الأسباب الّتي يعوّل عليها في إثبات الشّيء، وأتحدّاه أن يثبت ما ادّعاه بشيء من هذه الأسباب، وكما يقولون: (دونه خرط القتاد).

ثمّ لو تنزّلنا وفرضنا أنّي أقتبس تراجماً جاهزة، فما هو المرجّح لأخذ التّرجمة من كتابه دون أخذها من غيره ممّن ترجموا للمحقّق الكركيّ؟ لاسيّما وأنّي أعتقد تماماً بوجود أعمال أفضل دقّة وعمقاً. ولا أظنّه ينكر أنّ هناك من كتب في حياة المحقّق الكركيّ (قده).

ثمّ إنّه لو كانت العلّة في ترجمتي للمحقّق الكركيّ كما زعم هي وجود ترجمة متكاملة له (قده) فأنتقي منها ما أريد فلماذا إذاً لم أنتقِ ترجمةً ممّا كُتب عن الشّهيد الأوّل (قده)، وهي متوفّرة كما لا يخفى؟! ولو فعلتُ مثل ذلك لكان عملي أكمل ظاهراً عند النّاظرين فيه، ولدفعتُ ما تُخرِّص به عليّ.

قوله: ([الملاحظة] الثّالثة: في ج2 ص99 ــ 109 من كتابنا ذكرنا ــ في بحث مفصّل ــ سبعة مشايخ للكركيّ، وفي ص442 ــ 443 من المقالة ذكر تسعة مشايخ له، مضيفاً: ابن المؤذّن الجزينيّ، ومحمّد الصّهيونيّ، معتمداً على إجازة عليّ بن عبد العالي لمحمّد الأسترآباديّ الّتي نسبها المجلسيّ ــ اشتباهاً ــ إلى الكركيّ في بحاره 105: 49. وقد فات الشّيخ الطّائي أنّ هذه الإجازة ليست من الكركيّ، بل هي من الميسيّ..).

أقول: على الرّغم من أنّ هذه الملاحظة لا علاقة لها بدعوى المصادرة الّتي اتّهمني بها، وإنّما هي مطلب علميّ بحت، إلّا أنّي سأجيب عنها، ولكن قبل ذلك ألفت عناية القارئ الكريم إلى أنّ هذه الملاحظة لدليلٌ جليٌّ ساقه الله على لسانه لدفع دعوى التّطابق بين العملين، فلو كنتُ قد أخذتُ منه كلّ ما كتبتُه ــ كما يزعم ــ لذكرتُ مثل ما ذكر؟!
وكنتُ قد اطّلعت على هذه الملاحظة بعد طبع المجلّة، ولو علمتُ بها قبل ذلك لناقشتُها كما ناقشتُ ــ في ص445 من المجلّة ــ مَن ذهب إلى أنّ الشّيخ أحمد ابن الحاج عليّ والشّيخ جعفر ابن الحسام العامليّ من مشايخ المحقّق الكركيّ (قدست أسرارهم).

وعلى كلّ حال، مفاد هذه الدّعوى الإشكال منه على ما ذكرتُه من أنّ للمحقّق الكركيّ تسعة مشايخ: أربعة من العامّة وخمسة من الخاصّة؛ لأنّه يرى أنّ المحقّق الكركيّ لا يروي عن الشّيخ ابن المؤذن الجزينيّ، ولا عن الشّيخ محمّد الصّهيونيّ S ، وما ذُكر في البحار من رواية المحقّق الكركيّ عنهما اشتباه من صاحب البحار (قده).

والّذي ساقه مدّعياً دلالته على اشتباه صاحب البحار ممّا يعجب منه المرء، وإليك ما ذكره:
1: (جزم السّيّد محسن الأمين في أعيانه (6/142) بكون هذه الإجازة صادرة من الميسيّ لا الكركي).
أقول: نصّ عبارة السّيّد الأمين(قده) في الموضع المشار إليه من الأعيان، هي: (المولى حسين بن شمس الدّين محمّد الأسترآبادي. عالم فاضل يروي إجازة عن المحقّق الشّيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ بتاريخ 11 شوال سنة 907).

وهي بظاهرها لا تفيد جزم السّيّد الأمين (قده) بما ادّعاه الشّيخ الحسّون؛ فإنّ أكثر ما تفيده أنّ هناك إجازة صدرت بهذا التأريخ من الشّيخ علي بن عبد العالي الميسيّ إلى المولى حسين بن محمّد الأسترآبادي (قدّس سرّهما) وهذا لا ينفي صدور إجازة أخرى له من قبل المحقّق الكركيّ (قده) كما لا يخفى.

ولو كان شيخنا الفاضل قد أتعب نفسه قليلاً وتقدّم أربع صفحات من المصدر نفسه لوجد ما يناقض دعواه تماماً؛ إذ إنّ السّيّد الأمين (قده) في أعيان الشّيعة (6/146) قال ما لفظه: (الشّيخ عزّ الدّين حسين بن شمس الدّين محمّد بن الحسن الأسترآبادي. عالم فاضل يروي إجازة عن المحقّق الشّيخ عليّ بن عبد العالي الكركيّ بتاريخ 11 شوال سنة 907 بعد قراءة قواعد العلّامة عليه كما في إجازات البحار، ولكن في الذّريعة أنّه اشتباه فإنّ هذه الإجازة كتبها له الشّيخ علّي بن عبد العالي الميسيّ، ثمّ ذكر أنّ الميسيّ أجازه بتاريخ 11 شوال سنة 907 وأنّه ذكر فيها شيخه محمّد بن المؤذّن الجزينيّ ومحمّد بن أحمد الصّهيونيّ وأنّ إجازتهما له وإجازته للأسترآبادي كلّها موجودة في إجازات البحار، وكأنّه استفاد أنّ المجيز له هو الميسيّ لا الكركيّ من بعض القرائن الخارجيّة).
وكلام السّيّد الأمين (قده) واضح في أنّه ليس لديه جزم باشتباه البحار، إن لم نقل إنّه اختار صحّة ما فيه من نسبة هذه الإجازة للمحقّق الكركيّ (قده) ؛ لمكان قوله عن صاحب الذّريعة (قده): (وكأنّه استفاد أنّ المجيز له هو الميسيّ لا الكركيّ من بعض القرائن الخارجيّة).

وعليه فأين جزم السّيّد الأمين المدّعى من قبل الشّيخ الحسّون؟!
2: ما ذكره عن رياض العلماء وحياض الفضلاء (5/175): (و يروي عنه الشّيخ عليّ الميسيّ).
أقول: عبارة الرّياض في الموضع المشار إليه كالتّالي: (أقول: ويروي عنه الشّيخ عليّ الميسيّ على ما مرّ، وقد سمعت من بعضهم أنّه[الشّيخ ابن المؤذّن الجزينيّ] الجدّ الأمّي للشّيخ البهائيّ، وكان صاحب مقامات وكرامات، فلاحظ).

وليس من الواضح أنّ الميرزا الأفندي (قده) استفاد رواية الشّيخ عليّ بن عبد العالي الميسي عن الشّيخ ابن المؤذّن الجزينيّ من نفس الإجازة الّتي هي محلّ النّزاع، حتّى يُدّعى أنّ الميرزا الأفندي يرى اشتباه صاحب البحار في نسبة هذه الإجازة للمحقّق الكركيّ دون الشّيخ الميسيّ؛ لأنّ من المحتمل قريباً أنّ الميرزا الأفندي استند في رواية الشّيخ الميسيّ عن الشّيخ الجزينيّ إلى ما نقله العلّامة المجلسيّ في البحار (105/35) من إجازة الشّيخ ابن المؤذّن الجزينيّ للشّيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ، لا إلى الإجازة محلّ النّزاع.

3: ما ذكره عن المحدّث النّوري (قده) في خاتمة المستدرك (3/431) من أنّه (صرّح برواية الميسيّ عن محمّد بن داود) .
أقول: الموجود في الموضع المشار إليه من خاتمة المستدرك هو مشجّر رواية يتبيّن من خلاله: رواية الشّيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ عن كلّ من الشّيخ محمّد بن محمّد بن محمّد بن داود المؤذّن العامليّ الجزينيّ (ابن عمّ الشّهيد الأوّل)، والشّيخ محمّد بن أحمد بن محمّد الصّهيونيّ العامليّ، والشّيخ نور الدّين أبو الحسن عليّ بن الحسين بن عبد العالي العامليّ الكركيّ ( المحقّق الثّاني).

ومن الواضح أنّه ليس من المعلوم أنّ المحدّث النّوريّ (قده) قد استند في عدِّ الشّيخ ابن المؤذّن والشّيخ الصّهيونيّ من مشايخ الشّيخ عليّ بن عبد العالي الميسيّ إلى خصوص الإجازة محلّ النّزاع حتّى يتمّ المدّعى، بل يمكن أن يكون استند في ذلك إلى ما نُقل في البحار من إجازة الشّيخين الجزينيّ والصّهيونيّ للشّيخ الميسيّ، بل لعلّ هذا الاحتمال هو المتعيّن؛ لأنّ المحدّث النّوري نقل الإجازتين في موضعين من الخاتمة، وهما: (2/10) و(2/18) فليُلاحظ.

ولعمري إنّ الاستناد إلى هذه العبارات في الاستدلال على اشتباه صاحب البحار ممّا يضحك الثّكلى؛ إذ إنّ إثبات شيء لشيء لا يعني نفيه عمّا عداه، وغاية ما تفيده العبارات المزبورة أنّ الشّيخ الميسيّ يروي بالإجازة عن الشّيخ ابن المؤذّن وهي لا تنفي أن يكون المحقّق الكركيّ ممّن يروي عن الشّيخين ابن المؤذّن والصّهيونيّ أيضاً بالإجازة، لا سيّما وأنّ المحقّق الكركيّ والشّيخ الميسيّ من طبقة واحدة ومتعاصران ومن بلدين متقاربين، فما هو المانع من رواية المحقّق الكركيّ عن الشّيخين المذكورين؟!

ولو قيل: إنّ المانع هو عدم ذكر المحقّق الكركيّ لشيخه عليّ بن هلال الجزائريّ في هذه الإجازة، مع أنّ المتعارف عنه ذكره لشيخه ابن هلال الجزائري في جميع إجازاته الّتي منحها لتلامذته.

قلتُ: ربّما أمكن الجواب عن ذلك بأنّه إنّما لم يذكره لأنّه لم يكن آنذاك مجازاً منه؛ فإنّ إجازة الشّيخ عليّ ابن هلال الجزائريّ للمحقّق الكركيّ كانت في 909هـ، والإجازة محلّ النّزاع كانت في 907 هـ .
وبعد ذلك كلّه يكون ما ذكره في البحار هو المعوّل عليه، ولا ترفع اليد عنه إلّا بدليل، وليس هناك من دليل كما عرفت.

ومن جميع ما تقدّم اتّضح جليّاً عدم صحّة دعوى الشّيخ محمّد الحسّون (غفر الله له) بمصادرة جهوده، كما اتّضح حال خبرويّة التّراثي الّذي ادّعى الشّيخ الحسّون أنّه أخبره بالمصادرة المزعومة، ولا يفوتني أن أُطمئن جناب الشّيخ بأنّ التّرجمة لم تُنشر إلّا بعد عرضها على مختصّ في التّراث.

هذا، ولم أشأ التّعليق على خطابيّاته وإيحاءاته وأغمضتُ النّظر عن تهكّماته وتبكيتاته، كما تركتُ التّعرّض لتصحيح أغلاط مقاله، بل حاولتُ أن ألتمس له عذراً فلعلّ الذي أوقعه في ذلك تسرّعه

ــ لا سيّما وأنّه تلقّى جواباً لاذعاً في هذه الأيّام لدعوى مماثلة ــ وعدم تقبّله التّنبيه على وجود تراث للمحقّق الكركيّ في غاية الأهميّة( ) ربّما يزيد على ثُلث ما نُشر لا يزال حبيس الخزانات إلى يومنا هذا، على الرّغم من أنّ الشّيخ آغا بزرك الطّهرانيّ (قده) وغيره ذكروه وحدّدوا محلّ وجوده، ومعاذ الله أن نكون قد قصدنا بذلك توهين عمله، بل نعتناه بـ(الجهود الطّيّبة والمشكورة الّتي أخرجت الكثير من مؤلّفات المحقّق الكركيّ إلى الوجود وبصورة بهيّة وأنيقة).

وفي النّهاية أجد من المناسب التّذكير بقوله تعالى: يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ، وقول أمير المؤمنين (ع): ( عُجْبُ الْمَرْءِ بِنَفْسِه أَحَدُ حُسَّادِ عَقْلِه).
والحمد لله ربِّ العالمين والصّلاة والسّلام على خير بريّته محمّد وآله الطّيّبين الطّاهرين.

 

الأقل
قاسم خضيّر الطّائيّ
(عفا الله عنه)
النّجف الأشرف
ليلة 16 جمادى الأولى 1439 هــ

يذكر أنه قبل قليل بعث حجة الاسلام والمسلمين الشيخ محمد الحسون رئيس مركز الأبحاث العقائدية رسالة إلى مجلّة “دراسات علمية:

وفيما يلي نصّ الرسالة: ( المصدر: وكالة أنباء الحوزة العلمية)

بسمه تعالى

كتبَ لي أحدُ الإخوة التراثييّن رسالةً صغيرة، مُشيراً فيها إلى طباعة رسالتين للمحقّق الكركيّ لم يُطبعا سابقاً، مُستظهراً أنّ ما كتبه محقّقها، في ما يتعلّق بحياة الكركيّ، مأخوذ بتمامه من كتابنا حياة المحقّق الكركيّ وآثاره،

لذلك طلبتُ من بعض الإخوة الأعزاء تهيئة العدد الثاني عشر من مجلّة دراسات علميّة التي قامت بنشر هذه الرسائل، فوجدتُ فيها أربعَ رسائل طُبعت لأوّل مرّة: واحدة للشهيد الأوّل، واثنتان للكركيّ، ورابعة للميسيّ، وهو عملٌ جيّد مبارك يُشكر عليه محقّقها وناشرها، وخلال مطالعتي السريعة لما كتبه محقّقها عن حياة الكركيّ، سجّلتُ عدّة ملاحظات،

وهي:

الاُولى: أنّ محقّق هذه الرسائل، ترجم للشيهد الأوّل في نصف صفحة فقط، دون أن يذكر مصادر ترجمته. فمن أينَ جاء بهذه المعلومات؟ أليس المفروض ـ فنّياً ـ أن يذكر ولو مصدراً واحداً؟!. بينما نلاحظه يترجم للكركيّ في 20 صفحة مع الإكثار من مصادر كلّ معلومة يذكرها عنه.

فما الفرق بين الشهيد الأوّل والكركيّ؟ فهل هذا ناشئ من أعلميّة الكركيّ وأهميّته وأفضليّته على الشهيد؟ أم أنّه يعتقد أنّ حياة الكركيّ مجهولة، وحياة الشهيد مُشبعة بالبحث وواضحة للجميع. وقد أبلغني بعض السادة الأعزّاء، أنّه فعل هذا لتسليط الضوء على حياة الكركيّ وجهوده في العراق. وهذا الجواب لم يقنعني أبداً، بل إنّي أتصوّر أنّه وجد ترجمة كاملة للكركيّ مدعومة بالمصادر، فانتقى منها ما أراد.

الثانية: أنّ أكثر ـ إن لم أقل: كلَّ ـ المعلومات الواردة في العشرين صفحة التي كتبها الشيخ الفاضل الطائيّ، واردة في كتابنا. ومن المُستبعد جدّاً أن يتطابق كتابان بالفكرة والمحتوى والنتائج، بل والمصادر أيضاً، ولا أتصوّر أنّ المحقّق الكريم يستطيع أن يُنكر اعتماده على عملنا بشكل أساسيّ.

نعم، الذي قام به هو الرجوع إلى نفس المصادر التي استندنا إليها في عملنا؛ إذ من غير الصحيح أن يذكر كتابنا في كلّ معلومة يوردها. وهذا جواب لمن قال لي: إنّ المحقّق ذكر مصادر معلوماته في الهامش، ولم يعتمد على كتابكم فقط.

نعم، ذكر كتابنا في مورد واحد فقط في الهامش؛ لأنّا اعتمدنا في هذه المعلومة على مصدر تاريخيّ فارسيّ وهو عالم آرا صفوى، ومن المستبعد أنّه رأى هذا الكتاب، فضلاً عن عدم معرفته باللغة الفارسيّة ظاهراً، لذلك لا يستطيع أن يذكر هذا المصدر الفارسيّ في الهامش. انظر: الصفحة 447 من المجلّة.

وقال لي أحد الأحبّة الأعزّاء ـ ممّن أكنّ له احتراماً كبيراً، وهو ليس من المختصّين بالتراث: يكفي أنّ محقّق هذه الرسائل قد ذكر كتابكم ضمن مصادر بحثه، فلا يحتاج أن يصرّح باعتماده على عملكم. وهذا الجواب غير صحيح قطعاً؛ إذ يجب على كلّ محقّق أن يذكر كلّ مصدر استفاد منه ولو مرّة واحدة.

ولو أردتُ أن اُشير إلى كلّ الموارد المتطابقة تماماً بين العملين، لاحتجت إلى تأليف رسالة مستقلّة، لكنّي اُشير إلى بعضها اختصاراً، وأترك الحكم للإخوة التراثييّن، الذين يستطيعون أن يقفوا على تطابق العملين بنظرة أوليّة لهما:

في ص 438 من المقالة، عند ذكر اسم الكركيّ، قال: ويُعرف اختصاراً بعليّ ابن [كذا، والصحيح: بن] عبد العالي، كما كان يوقّع به في ما منحه من إجازات، وكَتَبه من مؤلّفات . وفي ج1 ص 26 من كتابنا ورد: عليّ بن عبد العالي … حتّى أنّ المحقّق الكركيّ نفسه وقّع به في أغلب تواقيعه التي جعلها في آخر مؤلّفاته وإجازاته .

ومثل هذا كثير، انظر: ص 439 من المجلّة وج1 ص 79 من كتابنا في بحث ولادته .

وص 448 ـ وج1 ص 198 في بحث مؤلّفات الكركيّ ونشاطه في إيران.

وص 451 ـ وج1 ص 203 في سرد إجازات الكركيّ لتلاميذه.

الثالثة: في ج2 ص 99 ـ 109 من كتابنا، ذكرنا ـ في بحث مفصّل ـ سبعة مشايخ للكركيّ، وفي ص 442 ـ 443 من المقالة ذكر تسعة مشايخ له، مضيفاً: ابن المؤذّن الجزينيّ، ومحمّد الصهيونيّ. معتمداً على إجازة علي بن عبد العالي لمحمّد الاستراباديّ، التي نسبها المجلسي ـ اشتباهاً ـ إلى الكركيّ في بحاره 105: 49. وقد فات الأخ الشيخ الطائي أنّ هذه الإجازة ليست من الكركيّ، بل هي من الميسيّ المتّحد مع الكركيّ باسمه واسم أبيه، وقد جزم السيّد محسن الأمين في أعيانه 6: 142 بكون هذه الإجازة صادرة من الميسيّ لا الكركيّ.

وقال الميرزا الأفندي الأصفهاني في رياضه 5: 175 ، بعد أن ترجم لابن المؤذّن الجزينيّ: ويروي عنه الشيخ عليّ الميسيّ. وصرّح المحدّث النوري في مستدركه الخاتمة 3: 431 برواية الميسيّ عن محمّد بن داود.

الرابعة: قال الأخ الفاضل الشيخ الطائيّ في ص 438 من مقالته: إلّا أنّا سنركّز باختصار على بعض الجوانب من حياته ـ الكركيّ ـ التي لم يسلّط عليها الضوء كما ينبغي، وخصوصاً فترة وجوده في النجف الأشرف، ولعلّ الله تعالى يوفّق لاحقاً لكتابة شيء مفصّل عن حياته في النجف الأشرف رغم قلّة المصادر التي تعرّضت لذلك .

وأنا أشدّ على يده المباركة، وأكبر فيه هذه العزيمة القويّة، وأتمنّى من الباري عزّ وجلّ أن يوفّقه لبحث جوانب مهمّة مخفيّة من حياة هذا العالم الجليل. ويا حبذا لو يدلّنا ويرشدنا إلى موضوع مهم من حياة الكركيّ لم نُشبع البحثَ فيه مفصّلاً في كتابنا، سواء في حياته الشخصيّة، والعلميّة، والسياسيّة. وأنا
لا أدّعى بأنّني وفّقت كمال التوفيق، للغور في هذا البحر العميق، المترامية أطرافه.

لكنّي اُرشده ـ وكافّة الباحثين، حتى لا يضيّع وقته ـ إلى فقرة بقيت مجهولةً عندي من مراحل حياته ـ التي قسّمتها إلى ثمان مراحل ـ وهي المرحلة الأخيرة من حياته التي قضاها في النجف الأشرف، تبدأ من منتصف سنة 939 هـ ، وتنتهي بوفاته في 18 ذي الحجّة سنة 940 هـ . فلم أعثر له على أيّ نشاط مطلقاً خلالها، رغم تتبعي للمصادر العربية والفارسيّة التي ترجمت له وأرّخته.

وليعلم الأخ الطائيّ حفظه الله، بأنّ عملي الذي طُبع في 6500 صفحة، 12 مجلّداً، كان ثمرةَ جهودٍ استمرّت عشر سنوات من البحث والتنقيب عن آثار الكركيّ وحياته، حتّى استطعتُ أن أكتبَ حياته المباركة في ثلاثة مجلّدات كاملة، وحقّقت 54 أثراً من آثاره، جمعتُ لها 120 نسخة خطيّة من مدن كثيرة. وأهل الفنّ من التراثييّن وحدهم يعلمون ما معنى أن يجمع الباحث هذا الكمّ الهائل من المخطوطات.

ويحزّ في قلبي ويؤلمني ـ كما هو شأن كلّ الباحثين ـ أن يأتي باحثٌ آخر، يعتمد كليّاً على عملي، دون الإشارة إلى ذلك.

وختاماً اُوجّهُ النصيحة لنفسي أوّلاً، ثمّ للأخ الشيخ الطائيّ، أن نكونَ مُنصفين في عملنا، ولا نصادر ـ في عشيّة وضحاها ـ جهودَ وثمرات عملٍ استمر سنوات عدّة. وأتمنّى على مسؤولي مجلّة دراسات علميّة أن يُشركوا في لجنتهم العلميّة أحدَ التراثييّن؛ كي يقوم بمراجعة النصوص المحقّقة التي تروم المجلّة الكريمة نشرها، وأنا على استعدادٍ كامل لقبول ـ وبرحابة صدرٍ كاملة ـ أيّ ردّ علميّ مدعم بالأدلّة الواضحة، لما كتبناه في هذه الأسطر القليلة، فإنّ العلم رائدنا، والوصول إلى الحقّ منهجنا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

محمد الحسون

5 جمادى الأُولى 1439 هـ

قم المقدّسة

البريد الالكتروني: Muhammad@aqaed.com

الصفحة على الإنترنيت: www.alhasun.com

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky