الكفاية

دراسة حول الكفاية .. نتاجات الكفاية وكتبه ولابدياته

الاجتهادتتمثّل اليوم مدرسة المحقق العراقي قدس سره، في کتاب “مقالات الأصول”، الذي – اشتهر انّه – كتبه بقلمه لکی ينسخ “الكفاية “ويحتلّ مكانتها في المتون الدراسيّة، لكنّها محاولة دون جدوى، حيث لم يوفّق الى ساعتنا هذه، بل أصبح مجهول العنوان لدى أغلبيّة طلبة العلم في هذه المرحلة./ لابد من تحرير الكفاية تحریراً علميّاً دقيقاً وفي نفس الوقت أدبيّاً بلسان عربيّ مبين دون عربيّة بمبي – كما يقال – ليكون إلى جنب “الكفاية” نفسها.

الفصل الثالث: “نتاجات الكِفاية

تولّدت كتابات كثيرة في هذا الفن ببركة هذا الكتاب الشريف واغنت المكتبة الأصوليّة وزادتها ثراءً.

ويمكن تقسيم هذه الكتب الى قسمين رئيسيّين:

القسم الأوّل: ما توخّي تيسير العبارة وتذليل صعابها وفكّ رموزها وحلّ طلاسمها وإرجاع ضمائرها وتوضيحها وتبيينها بشكل يسهل للطالب فهم المتن.

القسم الثاني: ماكتب لأجل النقد والتحليل والتعرض بالكفاية، وتسجيل المناقشة والاعتراضات على المباني المختارة وتقديم الحلول الجديدة وتطوير البحوث الى مستوى أرقی ممّا جاء فيها ولو بزعم المتصدّي للتعليق والتحشية.

ومن القسم الأول شرح الشيخ عبد الحسين الرشتي وهو -ان شاء الله عز وجل- في طريقه الى الطبع في أربع مجلّدات. محققاً باسم “الكافي في شرح الكفاية “.

ومن القسم الثاني حاشية الشيخ علي الإيرواني .

وهناك قسم ثالث جمع بين المرحلتين كحاشية الشيخ أبي الحسن المشكيني.

ونحن نشير إلى جانب من هذه المكتبة الأصوليّة لكي يتطلّع الباحثون على أسماء هذه الكتب ومؤلّفيها على أقلّ التقادير إن لم يتيسّر لهم مراجعتها، ولعلّ فيهم من ينبري لإحياء بعض هذا التراث فأكون معه شريك في الأجر.

١- شرح كفاية الأصول: ۴ ج للشيخ عبد الحسين الرشتي (۱۲۹۲ هـ – ۱۳۷۳ هـ).
٢- نهاية الدراية في التعليقة على الكفاية: ۶ج للشيخ محمد حسين الأصفهاني (۱۲۹۶هـ – ۱۳۶۱هـ).
٣- نهاية النهاية في شرح الكفاية: ۲ج للشيخ على الإيرواني (۱۳۰۱ هـ – ۱۳۵۴ هـ)
۴- التعليقة على كفاية الأصول: ۲ج للشيخ على القوچاني (1285 – 1333هـ).
٥- الحاشية على الكفاية: ۲ج للشيخ محمد علي الصفائي القمي (۱۳۸۵ هـ).
٦- حقائق الأصول: ۲ج للسيد محسن الطباطبائي الحكيم (۱۳۰۶ هـ – ۱۳۹۰ هـ) .
٧- حاشية الكفاية: للشيخ مهدي الخالصي الكاظمي (م۱۳۴۳ هـ).
٨- حاشية على كفاية الأصول: ۷ج للشيخ محمد سلطان العلماء الأراكي (م ۱۳۸۲ هـ).
٩- الحاشية على كفاية الأصول: ۵ج للشيخ أبي الحسن المشكيني (۱۳۰۱ هـ – ۱۳۵۸ هـ).
۱۰- حاشية الكفاية: ۲ج للمحقق الشيخ علي ضياء الدين العراقي (۱۳۶۱ هـ).
طبع هذا الكتاب باسم زميله العلّامة السيد محمد النجف آبادي الأصفهاني (۱۳۵۸ هـ) إشتباهاً، وقد قام – أخيراً – الأخ الفاضل الشيخ مصطفى الإسكندري زيدت توفيقاته بتحقيق الكتاب وسيصدر عن قريب إن شاء الله عز و جلّ.
۱۱. نهاية المأمول في شرح كفاية الأصول للسيّد حسن الرضوي القمي (م ۱۳۴۶ هـ)
۱۲- نهاية المأمول في شرح كفاية الأصول: للسيد حسين الحسيني الطهراني (۱۳٢۸ هـ).
١٣. الهداية في شرح الكفاية: للشيخ عبدالحسين آل الشيخ أسد الله التستري الكاظمي(م١٣٣٦هـ).
۱۴- التعليقة على الكفاية: (مخطوط) للشيخ محمد الكبير القمي (م ۱۳۶۹ هـ).
۱۵. حاشية على كفاية الأصول : (مخطوط) للشيخ حسن علي القطيفي (م ۱۳۳۴ هـ).
۱۶- حاشيه الكفاية: (مخطوط) للشيخ أحمد بن محمد کاظم الخراساني.
۱۷. حاشية الكفاية: ۲ج للسيد حسين الطباطبائي البروجردي (1292 – ۱۳۸۰ هـ).
۱۸. حاشية كفاية الأصول: للميرزا مصطفی بن الميرزا حسن المجتهد التبريزي (م ۱۳۳۸ هـ).
۱۹. حاشية الكفاية: للشيخ محمد حسن المظفّر (۱۳۷۵ هـ).
۲۰. حاشية الكفاية: للميرزا أبي الهدى الكلباسي (م ۱۳۵۶ هـ).
۲۱. حاشيه الكفاية للشيخ عبدالكريم الزنجاني (م ۱۳۸۸ هـ).
۲۲. حاشية الكفاية للشيخ حيدر علي جابر الأنصاري (م ۱۳۷۵ هـ).
۲۳. شرح كفاية الأصول للسيد محمد حسن النجفي القوچاني (م ۱۳۶۳ هـ).
۲۴. شرح كفاية الأصول: للشيخ محمد رضا طاهر آل فرج الله.
۲۵. شرح الكفاية للشيخ اسماعيل محمد حسن المعزّي (۱۳۶۳ هـ).
۲۶. نهاية المأمول في شرح كفاية الأصول:(مخطوط) للشيخ عبد النبي النجفي العراقي ۱۳۸۵هـ كتبه في مجلّدين ضخمين كل مجلد منه يعادل صلاة الجواهر (مخطوط).
۲۷. هداية الفحول في شرح كتابة الأصول: (مخطوط) للسيد هادي البجستاني الخراساني الحائري (م ۱۳۶۸ هـ).
۲۸- هداية العقول في شرح كفاية الأصول: ٣ج للميرزا فتاح الشهيدي التبريزي (م ۱۳۷۵ هـ).
۲۹. منتهى الوصول الى غوامض كفاية الأصول: (حاشية على الاستصحاب والتعارض والاجتهاد والتقليد) للشيخ محمد تقي الآملي (۱۳۰۴ – ۱۳۹۱ هـ) تقرير لأبحاث آية الله السيد أبي الحسن الأصفهاني.
۳۰. وقاية المحصول في شرح كفاية الأصول:(1) للسيد هبة الدين الشهرستاني (م ۱۳۸۶ هـ).
۳۱- الوافي في شرح الكفاية للسيد عبد المحسن فضل الله.
۳۲. الوقاية من أخطاء الكفاية: للشيخ محمد الخالصي.
۳۳- نظرات في الكفاية: للسيد عبدالرسول بن السيد الحسين.
۳۴- علم الهداية في شرح الكفاية: لإبراهيم بن الحاج جليل العلومي (م ۱۳۹۸ هـ).
۳۵. صرف العناية في حلّ معضلات الكفاية: للسيد محمد مهدي الخوانساري الكاظمي (م ۱۳۹۱ هـ).
۳۶. الحاشية على كفاية الأصول: للشيخ كاظم التبريزي (م ۱۴۱۶ هـ).
۳۷- الحاشية على كفاية الأصول:للسيد محمدحسين الطباطبائی (م ۱۴۰۲هـ). وقد أنجزت محققةً وطبعت ضمن حديقة الفحول.
۳۸۔ تيسير الوصول في شرح كفاية الأصول: للشيخ قاسم الرجبي الإسلامي الطهراني (م ١٤٠٠ هـ).
۳۹. الهداية في شرح الكفاية: للسيد محمد جعفر بن السيد محمد طاهر الموسوي الشيرازي.
۴۰- نهاية الوصول الى كفاية الأصول: للسيد مصطفی محسن الموسوي.
۴۱- نهاية المأمول في شرح كفاية الأصول: للشيخ محمد علي الإجتهادي.
۴۲- منتهى الدراية في توضيح الكفاية: ۸ج للسيد محمد جعفر الجزائري المروج.
۴۳. عناية الأصول في شرح كفاية الأصول: ۶ج للسيد مرتضى الحسيني الفيروز آبادي (۱۴۱۱ هـ).
۴۴- الوصول إلى كفاية الأصول: ٥ج للسيد محمد الحسيني الشيرازي (۱۴۲۲ هـ).
۴۵- طريق الوصول الى تحقيق كفاية الأصول: ۵ج للشيخ محمد الكرمي الحويزي (۱۴۲۵ هـ).
۴۶- دراسات في أصول الفقه شرح كفاية الأصول للسيد محمد الكلانتر (م ۱۴۲۴ هـ).
۴۷- دروس وحلول في شرح كفاية الأصول: ۲ج للسيد علي بن الحسين العلوي (م ۱۴۰۲ هـ).
۴۸- أنوار الهداية في التعليقة على الكفاية: ۲ج للسيد روح الله الموسوي الخميني.
۴۹- بلوغ الغاية في شرح الكفاية: ٣ج للسيد مسلم الحلّي.
۵۰- منهل الرواية إلى مشرع الكفاية للشيخ أبي الحسن الشعراني (۱۳۹۱ هـ) (مخطوط).
٥١- هداية العقول الى شرح كفاية الأصول: ۵ج (مخطوط) للسيد محمد علي الموسوي الأبطحي الأصفهاني (م ۱۴٢۳ هـ).
۵۲- تحرير الأصول في شرح كفاية الأصول:(فارسي) للسيد محمد جواد الذهني الطهراني(م ۱۴۲۵هـ).
۵۳- خود آموز كفاية: ۲ج للشيخ عبدالکریم بن ابراهيم الخوئيني (م ۱۳۷۲ هـ).
۵۴- شرح فارسي على كفاية الأصول: للشيخ محمد حسین النجفي الدولت آبادي الأصفهاني.(عدّة مجلّدات)
۵۵- شرح الكفاية (فارسي) عدّة مجلدات للشيخ علي المحمدي الخراساني.
۵٦- بداية الوصول الى شرح كفاية الأصول: ٩ج للشيخ محمد طاهر آل راضي (۱۴۰۰ هـ).
٥٧- هداية الأصول الى كفاية الأصول: ۴ج للشيخ حيدر علي البهسودي.
۵۸- سبيكة الذهب في نظم كفاية الأصول، للشيخ محمد صالح الحائري المازندراني (م ۱۳۹۱ هـ) وهي قيد التحقيق.

واشتهرت من بين الشروح والحواشي المذكورة بعض الحواشي اشتهاراً فائقاً وأصبحت متداولة بين طلبة العلم ومقبولة لدى الفضلاء ومنها:

١- نهاية الدراية للمحقق الأصفهاني وقد اشتهرت بين الأعلام فضلاً عن الفضلاء بالدقّة والعمق والاستيعاب.
۲- حقائق الأصول للسيد محسن الحكيم، وفيه فوائد نادرة مع وجازته واختصاره.
٣- تعليقة الشيخ علي القوچاني الذي ربما لانبالغ لو قلنا: انه لسان الآخوند قدس سره.
۴- حاشية الشيخ أبي الحسن المشكيني.
٥- نهاية النهاية للمحقق الشيخ علي الايرواني.
٦- عناية الأصول للسيد مرتضى الفيروز آبادي.
٧- منتهى الدراية للسيّد المروّج الجزائري.

ويعتقد شيخنا آية الله الحاج الشيخ مصطفى الهرندي “دام ظله”: «أن حاشیه سلطان العلماء الأراكي التي مرّت برقم ٨ أفضل الحواشي المعروفة على الإطلاق دقة وعمقاً ومناقشةً لأعلام عصره وأكثرها دفاعاً عن الآخوند و آراءه و مبانیه»،

وهي شهادة قيّمة، ومن يرجع إلى الكتاب ويتمعّن فيه يجد أن الكتاب من أفضل المصادر لمعرفة الكفاية بل ومباني الآخوند خصوصاً وأنّ الرجل كان من تلامذته واستفاد من بعده من الشيخ محمد تقي الشيرازي – الذي هو أحد أعاظم مدرسة السيد المجدّد الشيرازي “قدس سره” – غاية الاستفادة.

وهذا الشرح مفصّل جدّاً أصله في ٧ مجلّدات وله لواحق كثيرة يبلغ معها الى ۱۷ مجلداً.

ومما يؤسف له أنه نادر النسخة جدّاً وطبعته كثيرة الأغلاط بحيث تعسر الإستفادة منه لغير المتمرّس الخبير.

ومثله يستحق العناية ويستأهل أن تبذل له الأعمار كي يخرج الى النور، فلعلّ الله تعالی يقيّض له رجالاً.
ولابدّ من التنبيه على أنه لا ينفع المبتدي، بل ولا المتوسط، ولا يعرف حقّه إلا الأفاضل الذين يبحثون عن النوادر والفوائد المكتنزة، فليغتنم.

ولا يفوتني أن أنوّه ها هنا بشرح الشيخ العلامة الشعراني الذي وضعه في عدّة مجلّدات فإنني وإن كنت لم أشاهد هذا الكتاب الشريف عن كثب، لكن إيماني بعبقريّة المصنّف وتبحّره، مضافاً الى جامعيّته للفنون، وملاحظة مقدّمة هذا الشرح المطبوعة في مؤتمر تکریم الشيخ الأعظم يهديان جميعاً الى أهميّة الكتاب، ولكنه على كلّ حال لا يزال مخطوطاً،

ولا أنسى أني دخلت يوماً على شيخ أهل التحقيق العلامة الحاج السيد محمدرضا الجلالي “دام عزّه” وجرى ذكر الأصول و”الكفاية”، فقال : – ما مضمونه أو قريب منه -: يا حبذا لو بذلت الجهود في سبيل إحياء شرح الشيخ الشعراني على “الكفاية”؛ فانه الذي يستأهل التحقيق والطبع.

الفصل الرابع: كتب حولها

هذه الكتب لها نوع من الإرتباط بشكل وآخر بالكفاية، بل هي من نتاجاتها لكنّنا أفردنا الكلام عنها في هذا الفصل للإشارة العابرة الى میزتها و دورها في الأصول المعاصر.

وهي:
ما يعكس لنا المدارس الأصولية المعاصرة التي طرحت بعد المحقق صاحب “الكفاية”.

مدرسة المحقق النائینی قدس سره

ونافذة الإطلالة عليها:

“فوائد الأصول” للشيخ محمد علي الكاظمي “قدس سره” التي تمثّل تقرير درس النائيني في حاضرة العلم النجف الأشرف.

أما مباحث ألفاظه فهو مشترك مع “الأجود” في كونه تقريراً للدورة الثالثة، وأما مباحث الحجج والأصول العمليّة والتعارض فهي من تقرير الدورة الثانية.

و”أجود التقريرات” الذي كتبه السيّد أبو القاسم الخوئي “قدس سره” والكتاب يعبّر عن الدورة الثالثة والأخيرة التي ألقاها المحقق النائيني وهي بهذا الإعتبار أكثر أهميّة؛ لكونها آخر إفاداته الشريفة.

طبعاً لايمكن حصرها بخصوص هذين الكتابين الشريفين لكثرة من كتب عنه وقرّر له كالشيخ حسين الحلي والشيخ باقر الزنجاني والسيد محمد جواد الطباطبائي العینکی التبريزي(2)… إلى عشرات سواهم.

إلا أن هذين التقريرين يمتازان من حيث أنهما عُرضا على المحقق النائيني في أيّام حياته وقرّظهما وأجاز طباعتهما ولايخفى ما لذلك – في حد ذاته – من قيمة.

وعلى أيّ حال يمتاز النائيني في أصوله: بالدقّة الوافية وقوّة البيان وجودة الإستدلال وعمق الفكرة والنّقد الصائب، وإصابة الرأي، و انسجام المباني والقدرة على التحليل العرفيّ السليم بالإضافة الى الفهم الموهوب.

وقد أنعم الله عز وجل عليه بتلامذة أذكياء، فضلاء، علماء، ملازمین، أهل قلم وتحقيق ودرس وبحث.

ويمتاز «فوائد الأصول» بسلاسة العبارة، ووضوح المعاني، وعذوبة البيان، وتسهيل الفكرة.

كما يمتاز “الأجود” بالدقّة في التعبير، والإيجاز في القول، وعدم خلط أفكار المقرّر بإفادات الأستاذ، وإنما جاءت مفروزة في الهامش، بخلاف “الفوائد” فانه قد يختلط فيه كلام المقرّر بكلام الأستاذ.

وفذلكة الكلام

ان هذه المدرسة أكثر اهتماماً بالجانب العرفي ومن ثمّ التحليل الصحيح لمدرسة الشيخ الأعظم والدفاع عنها كما تكثر النفد لمباني الآخوند الخراساني.

مدرسة المحقق العراقي قدس سره

وتتمثّل اليوم في کتاب “مقالات الأصول”، الذي – اشتهر انّه – كتبه بقلمه لکی ينسخ “الكفاية “ويحتلّ مكانتها في المتون الدراسيّة، لكنّها محاولة دون جدوى، حيث لم يوفّق الى ساعتنا هذه، بل أصبح مجهول العنوان لدى أغلبيّة طلبة العلم في هذه المرحلة.

لكنّه على كل حال يعتبر من خيرة الكتب الموضوعة لهذا الفن بما يشتمل عليه من أفكار معمّقة، وبما يعبّر عن آخر ما توصّل إليه فكر المحقق العراقي فيما يرتبط بأصول الفقه، زيادة على ما فيه من طول باع، ونظم و انسجام وإبداع، واختصار في البحث وإيجاز في التعبير.

ثم كتاب “نهاية الأفكار” الذي قرّره الشيخ محمد تقي البروجردي من دراساته “رضوان الله تعالى عليه”، ورغم أنّ الكثير من أقرانه قرّروا دراسات أستاذهم العراقي كالكلباسي في “منهاج الأصول” وغيره في غيره، إلا أنّهم لم يحضوا بالإقبال التام، كما حظى به الشيخ البروجردي في “نهاية أفكاره”.

وقد يُعدّ کتاب “بدايع الأفكار” لآية الله الميرزا هاشم الآملي قدس سره كمصدر ثالث للتطلّع على آراء المحقق العراقي، إلا أنّ المطبوع منه نادر لا وجود له في الأوساط، مضافاً الى أنه يشتمل على خصوصی مباحث الألفاظ، ولست أدري أكتب تمام البحوث من أستاذه، أم أنه اقتصر في التقرير على المطبوع!!

وقد يضاف الى ما ذكرناه:

“حواشي”، آغا ضیاء بقلمه على الأدلة العقليّة من كتاب “فوائد الأصول”.

إلا أنّه لا ينبغي عدّه مصدراً مستقلاً لآراءه الأصوليّة طالما نجدها في الأعمّ الأغلب مقتبسة حرفيّاً من كتاب نهاية الأفكار وتكراراً لألفاظه ومعانيه.

يقول سیّدنا الأستاذ الرجالي المحقق والفقيه الأصولي البحاثة المتتبع آية الله الحاج السيد أحمد المددي دام ظلّه:

وجدت التطابق الحرفي بين «النهاية» وحواشي “الفوائد” ولم أجد من تنبّه لذلك قبلي، ولم أعرف أنّ أيّاً منهما أخذ من الأخر، وسألت سبطه الشيخ مهدي الآصفي فلم يكن يعلم بذلك” إنتهي.

أقول: الظاهر أنّ تقرير «النهاية» أقدم من حواشي “الفوائد” لأن «النهاية» كتبت قبل طبع “الفوائد” فالشيخ آغا ضياء العراقي هو المقتبس من «النهاية» والله العالم.

وإن صحّ هذا الإستظهار – وهو قويّ جدّاً – فسوف تزداد قيمة “التقريرات”، باعتبار أنّها لیست معروضة على المحقّق العراقي فحسب، بل كانت في متناول يده وكان يرجع إليها في كتابة حواشيه على “فوائد” النائيني، بل ولعلّه كان يستفيد منها في تدريسه الدورة الأخيرة من الأبحاث الأصوليّة.

ولو صحّ ذلك فلم لانجد تقريظاً على الكتاب بقلم الأستاذ ؟!

فلعلّه كتب، ولو كتب لبان، ولعلّه ضاع حينما تصدّى لطبع الكتاب وكان الشيخ قد انتقل الى رحمة الله تعالی.
ولو كان كما يظنّ، فلم لم يؤشّر المقرّر الى كتابة الأستاذ وضياعها!

ولعلّه لو أشّر لم يُقبل منه لرجوعه بشكل و آخر الى تزكيته، وهو أجلّ قدراً و أرفع نفساً من أن يضع نفسه مورداً للإتّهام – ولو من جهة المغرضین – فرأى أن السكوت أولى وأحرى، فالمهم عرض الفكرة وطرح آراء الأستاذ ومبانيه، وجعلها في متناول المجامع العلميّة و أرباب الفن، والرّجل يطير بهمّته.

ولعلّ الأستاذ لم يكتب التقريظ وحال الأجل بينه وبينه كما ليس بالبعيد.

وكيف كان: فاقتباس الأستاذ من تقریرات تلميذه من خيرة الشواهد على ما يتمتع به البروجردي من قبولٍ عند الأستاذ، وإكبار وتبجيل و تجليل، وهل تطلب بيّنة بعد هذا الإستناد؟ وهل من شاهد أقوى من هذا الاعتماد؟ وليس وراء عبادان قرية.

ومهما يكن من أمر: فإن الشيخ محمد تقي البروجردي استطاع – من خلال كتابه “نهاية الأفكار” – أن يثبت جدارته الفائقة على الإحاطة الكاملة بمدرسة أستاذه، وأن ينقلها الى الآخرين في أجمل تصوير وأروع تعبير، وأن يحرّرها بقلم خلّاب وبیان جذّاب في أفضل تحرير.

وكان يقول الأستاذ الفقيه الرّاحل الشيخ الفاضل اللنكراني: المعروف بین مشائخنا أنه لم يكتب تقرير أفضل من هذا التقرير؛ لما يشتمل عليه من سلاسة في التعبير، وسلامة في النقل، مع حفظ للمستوى العالي من الفكر الأصوليّ الرّاقي للمحقّق العراقي قدس سره. إنتهى.

وعلى أيّ حال؛ فإنّ المحقق آغا ضياء اجتهد في المباني الأصوليّة مرّتين – إن صحّ التعبير – ذلك لأنّه حضر على المحقق الخراساني فترة طويلة ولازمه برهة غير قصيرة، واختصّ به حتى عدّ في الطليعة من تلامذته و أتفن آراءه وتضلّع في مدرسته حتی استقلّ بالتدريس من بعده،

ثمّ لمّا برز المحقّق النائينيّ في عصره و تقدّم على مشاهير وقته، وتزعّم المعاهد العلميّة وذاع صيته وانتشرت أفكاره و عرفت آراؤه، وتبيّن انه جعل “الكفاية” عرضة للنقد والأخذ والردّ إنبرى للتعرّف على ما يتبناه النائيني من آراء و نظریّات،

ثمّ قام بالدّفاع عن شيخه الخراساني بكلّ ما أوتي من مواهب في هذا السبيل، وناقشه وفنّد آراءه ودلّل على مواضع الضعف في إستدلالاته، لكنّه أتي من حيث لا يشعر، فأضطرّ إلى قبول الكثير ممّا تبنّاه صاحبه وسلّم له واعترف به وأقرّ له، وأصبح النائينيّ مهيمناً عليه.

مع انه حاول أن يبقى جهد المستطاع مستقلاً ويحتفظ باستقلاليته.

وبالجملة: فقد عرفت مدرسة العراقي بالدقّة العقليّة المفرطة وابتعدت بذلك عن العرف المستقيم وجانبت الذوق السليم فلم تلق قبولاً بين الأصحاب، وأثّر ذلك على فقهه بشكل مباشر حتى قيل: «إنّ فقهه أصول، وأصوله معقول، ومعقوله غير مقبول.

ولكنّ الانصاف: انّ هذا القول – على إطلاقه – خال عن الإنصاف ؛ فإنه لا مجال لإنكار ما كان يتمتع به من الذّهن الوقّاد وسرعة الانتقال وقوّة الانتقاد، مضافاً الى تأمّلات له مفيدة وتنبّهات جديدة، و إبداعات عدیده، و آراء سدیده.

وقد استفاد الكثيرون ممّا شيّدته هذه المدرسة من أفكار و أنظار وفتحت لهم آفافاً تمكّنوا – من خلالها – أن يخطوا خطوات بعيدة.
وأخيراً مدرسة المحقّق الأصفهاني قدس سره

وهو أحد الأفذاذ الذين تعتزّ بهم محافل أهل العلم وروّاد الفضيلة.

حضر على شيخه الخراساني لمدّة ثلاثة عشر عاماً، لم يفته الحضور الا في يوم عاصف کثرت فيه الأمطار واكتظّت الشوارع بالمياه وغلب على ظنّه أنّ الأستاذ سوف لن يتمكّن من الحضور، فتبيّن خلاف ذلك وانه حضر مع جماعة من تلامذته واستمرّ الدرس.

وقيل: أصابه وجع في العين شديد فلم يستطع معه الحضور، وفاته مرة أخرى.

وكان من الملازمين له والمعتقدین به، ومنه أفاد وعلبه تخرّج.

كما كان فيلسوفاً عملاقاً فاغرق نزعاً في الحكمة وبلغ فيها مرتبة يقول عنه تلميذه الشيخ محمد رضا المظفّر: سمعته يوماً يقول: لو علمت أنّ أحداً في الصين يعرف الفلسفة الصدرائية (الأسفار) لرحلت إليه، وكأنه يريد أن يقول: «لا أعرف أحداً أكثر خبرة، ولا أوسع اطلاعاً منّي فيها”.

فقد تبلورت آراؤه ونظريّاته الأصوليّة بصياغة فلسفيّة دقّيّة عقليّة بحتة، ابتعدت عن العرفيّات، وجمعها في كتابه «نهاية الدراية” الذي جعله شرحاً على “كفاية” أستاذه و کتب شطراً منه في ريعان شبابه عندما كان يحضر على شيخه الآخوند وأكمله من بعده، وأودعه أسراراً وكنوزاً، وأبدع فيه غاية الإبداع، وأبدى فيه عقليّة جبّارة وعيناً بالعلم فوّارة، يعرف له بها كلّ نيقد بصیر و مطّلع خبیر، ولايزال ممّن تمدّ إليه الأعناق، ولايشقّ له غبار في سباق، فكيف يباری أو يطاق؟!

ومن هنا لم ينسج على منواله، إلا من أعجب بحاله و مقاله، وهم بطبيعة الحال قليلون.

بهذه الإشارات العابرة ظهر لك: أنّ المدرسة الأصوليّة اليوم نائينيّة أكثر منها عراقية أو أصفهانيّة.

كما تبيّن لك: أنّ هذه الكتب التي عرفنا من خلالها آفاق هذه المدارس جديرة بالاهتمام والإغتنام مذاكرة وبحثاً وتنقيحاً وتعريفاً وإشادة و تکریماً؛ لما فيها من ربط بحلقاتها الماضية ربطاً وثيقاً لا يستغني الباحث عنها مهما بلغ من المستوى الرفيع في هذا العلم،

وأنها لاتقلّ أهميّة عن الكفاية لو لم نقل أنها ممتازة عليها، على أنها تمثّل الخطّ الرّسالي الذي رسمته الكفاية من قبلها.
رحم الله أعلاما الماضين وحفظ الباقين وشكر الله جلّ جلاله سعيهم.

الفصل الخامس: لابدّياّت الكفاية

لا إشكال أنّ المدارس الأكاديميّة والمعاهد العلميّة في العالم لها عناية خاصّة بالمتون الدراسيّة، حيث لها لجان مشرفة على اختيار النصّ الدراسي وتطويره، وأساليب تدريسه ومناهج تعليمه، وتزويد الطالب والأستاذ بكلّ ما يعينه على الفهم الصحيح، والتفهيم الصريح، وسرعة الانتقال، ودسومة المادّة، والتدليل على مراجع البحث ومصادر الفن و جعلها في متناول الجميع هذا.

مضافاً الى بالغ اهتمامهم بنوع الطباعة وكيفيّتها بعد عرض الكتاب على هيئة علميّة أخصّائيّة إذا تمّت جميع المقدمات من ضبط النصّ وتحقيقه وتدقيقه وتنميقه…

فكيف بما إذا كان الكتاب مخطوطاً متعدّد النّسخ، فقد كثر فيه الحذف والإبدال، والزيادة والنقيصة من المصنّف والرّجال الذين تخرّجوا عليه مع اشتمال الكتاب على أفكار علميّة دقيقة، وعبارات صعبة تعمّد المصنّف في طلسمتها وتعقيدها و تلغيزها أحياناً كما في كفايتنا التي قال عنها حرز الدين ( ۱۳۶۵ هـ) – وهو أحد أعلام وقته – :

كتب [الخراسانيّ في الأصول] كتابة ملؤها التحقيق إلا أنّه اختار تعقيد عبارتها، ويراه فنّاً امتاز به… ودراستها أتعبت طلّاب العلوم، خصوصاً إذا كان مدرّسها فارسيّاً(3).

وإذا كان يرى تعقيد العبارة فنّاً امتاز به فهل تغني التمنيّات بليت وليت.
ليتَ وهل ينفع شيئاً ليتُ
ليت الشباب بوع فاشتریتُ

وليته عندما كتب هذه الرسالة قدّمها إلى بعض أدباء تلامذته كالشيخ محمد رضا الأصفهاني لكي يحرّرها له تحريراً أدبيّاً علميّاً أصوليّاً بلسان عربيّ مبين!

وعلى أيّ حال وبعد أن لمسنا واقع الأمر فنحن نشير – وبهذه المناسبة – إلى بعض لابدّيّات الكفاية فعسى أن يقدّم الله سبحانه ما فيه الخير والصلاح {لله الأمر من قبل ومن بعد} (4):

أوّلاً: ضرورة تحقيق الكتاب من جديد بعرضه على نسخة المؤلّف – الأولى – والنسخة المطبوعة التي عليها تصحيحات ولده الشيخ محمد مضافاً الى العناية الكاملة بالتغيير الحاصل في نفس النسخة المطبوعة الأولى بإشرافه وفي أيّام حياته حيث تعتبر تصحيحاً ثانياً

كما تعتبر التصويبات التي كتبها ولده – وفي خلال تدريس والده للكتاب بالطبع – تصحیحاً ثالثاً، وما كتبه أعاظم تلامذته من مجلس درسه، أو ما استظهروه من بعده من خلال تدريسهم المكرّر للكتاب كالمحقق القوچاني والمشكيني والرشتي و آغا ضیاء ونظرائهم.

وتخريج المصادر ومراجع البحث بدقّة كاملة، وتقطيع النصوص و ترقيمها، وإضافة العناوين اللازمة وإن أدّى ذلك إلى تكبير حجم الكتاب ووضعه في أكثر من مجلّد؛ لأن الغرض الأوّل والأساس من وضعه هو التعليم، فلابدّ من التوسّل بكلّ ما يعين على سرعة التفهيم والتعليم.

ثانياً: تعريب الكتاب وتشکيله بعلائم الإعراب.

ثالثاً: تحرير الكتاب تحریراً علميّاً دقيقاً وفي نفس الوقت أدبيّاً بلسان عربيّ مبين دون عربيّة بمبي – كما يقال – ليكون إلى جنب “الكفاية” نفسها.

رابعاً: تلخيص آراء ومباني الآخوند الخراساني وعمدة أدلّته بصورة واضحة وشفّافة وبحيث أنّ من أراد أن يتوصّل إلى معالم هذه المدرسة يمكنه وبكل سهولة أن يمرّ بها ملخّصة بیان سهل و تعبیر جزل.

ولابدّ من التعجيل في ذلك قبل أن يأتي آخرون – وهم في الطريق – فیسبقوننا في توضيح وتبيين تراثنا.

خامساً: البحث في نتاجات “الكفاية ” وعرض أهمّها المشتمل على التوضيح الكافي والتفصيل الوافي، المملوء بالدقة والتحقيق، الطافح بغزارة المادّة وإتقان الدليل وقوّة البيان والقلم الرّصين.
لا سيّما التقريرات الأصوليّة المكتوبة من مجلس درسه وبحثه.

 

مصادر البحث

1- الأمين العاملي، السيّد حسن (۱۴۰۹)، مستدركات الأعيان، بیروت، دار التعارف للمطبوعات.
2- جماعة من الباحثين (۱۳۹۰)، مجموعة مقالات مؤتمر تكريم الاخوند الخراساني.
3- جماعة من المفهرسين، فهرست مخطوطات مكتبة المجلس
4- حرز الدين محمد (۱۳۸۴ هـ) معارف الرجال، مكتبة السيد المرعشي النجفي.
5- الخراساني، الآخوند محمد كاظم (1321هـ) الكفاية.
6- الخراساني، الآخوند محمد كاظم (1324هـ) الكفاية.
7- شبيری زنجانی، السید موسی (۱۳۸۹)، جرعه ای ار دریا، قم، مؤسسه کتاب شناسی شیعه.
8- شرف الدين العاملی، سید عبدالحسین، بغية الرّاغبين في أحوال آل شرف الدین.
9- (بي تا)، طبقات اعلام الشیعه، قم، موسسه اسماعیلیان.
10- الطهراني، الشيخ آقا بزرگ محمد حسن (۱۴۰۳)، الذريعة إلى تصانيف الشيعة، بیروت، دار الأضواء.
11- فهرس مخطوطات مكتبة المجلس
12- الطهراني، الشيخ آقا بزرگ محمد حسن (۱۴۰۳) ، طبقات أعلام الشيعة.

الهوامش
* باحث الحوزة العلمية في قم المقدسة.
(1) وهو تقرير لبحث الآخوند في الدلالة العقلية.
(2) على ماحدثني به المرحوم آية الله السيد محمد رضا الطباطبائي”ره” المتوفى طائفاً بالبيت الحرام في ١٧ذي الحجة ١٤٣٠هـ.
(3) حرز الدين، معارف الرجال ، ج٢، ص٢٣٢.
(4) الروم، ٤.

 

المصدر: مقالة بعنوان ” دراسة حول الكفاية ” للأستاذ المحقق السيد محمد حسن الموسوي العباداني حفظه الله.

تحميل المقالة

بي دي إف

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky