شهد مؤتمر “العمارة في شبه الجزيرة العربية وعلاقتها بالحجاب الديني في عصر الرسول “ص” والذي عُقد في مركز أبحاث المرأة والأسرة بمدينة قم المقدسة، عدّة مناقشات حول الحجاب وعلاقته بالأبنية في زمن النبي عليه الصلاة والسلام. وفي بداية الجلسة تحدث الاستاذ المشارك بجامعة المصطفي العالمية حجّة الإسلام الدكتور محمد عشايري، وتبعه مهران إسماعيلي الدكتور بجامعة الشهيد بهشتي قسم الفلسفة والدين الذي انتقد عدداً من الأبحاث التي أوردها عشايري.
خاص الاجتهاد: في البداية أكد الدكتور عشايري على أنّ قضية الحجاب واللباس الشرعي النسائي بُنيت على أدبيات الدين الإسلامي المتعارفة اليوم، وفي هذه الحالة؛ يمكن رؤية الأمر ونقده من زوايا مختلفة وذلك لارتباطه بعناصر مختلفة.
لكن وبطبيعة الحال؛ كما يقول عشايري؛ لا يمكن تفسير نظرية الحجاب دون الإحاطة بكافة العناصر المرتبطة بالحجاب، والفرضية هي أن حالة العمارة والثقافة التي كانت تحكم تلك العمارة إبّان نزول القرآن لا تتعارض مع الحجاب الشرعي الموجود اليوم، والذي يُعرف باسم “إرث الرسول” فيما يخصّ الحجاب الشرعي للنساء.
أما الفرضية الثانية والمنافسة للأولى فتقوم على افتراضٍ أنّه وضمن البيئة الثقافية والمعمارية السائدة تلك الفترة فإنّ النبي محمد صلى الله عليه وآله وسلم لم يعطِ الأولوية للحجاب الشامل للنساء، إنما كان ميّالاً إلى البحث وعن طريق البراهين والآيات والروايات إلى فرض الحجاب قدر الإمكان، وذلك بهدف الحد من الانهيار الشديد و”الليبرالية الجنسية” الشديدة التي كانت تحكم المرأة في ذلك الزمن، ولم يكن ذلك أولوية بالنسبة للنبي عليه الصلاة والسلام، وذلك وفقاً للظروف التي كانت موجود في ذلك الوقت.
وأكد عشايري أنّه ووفقاً للبيانات المتوفرة لدينا فإنّ الجزيرة العربية كانت تعيش حالة من الأزمة الثقافية، وإنّ النبي صلى الله عليه و آله وسلم كان يريد القضاء على تلك الأزمة الثقافية وتهذيب المجتمع، وهذا في الأساس هو قلب الإسلام، وبناءً على تلك البيانات أيضاً التي تُقدم نظرة عامة ومبالغ فيها عن الوضع في شبه الجزيرة العربية زمن نزول القرآن الكريم، ولا سيما الآيات الخاصة بالحجاب وإصدار التعاليم الخاصة باللباس الشرعي، وهذه كانت المُقدمات لظهور الفرضية المنافسة.
ويشير عشايري إلى أنّه ووفقاً للمعلومات التي وصلتنا؛ يمكن تقسيم أنواع المنازل في الفضاء المعماري والثقافي السائد في شبه الجزيرة إلى ثلاث فئات،
ومن هذا التقسيم يمكن رؤية التأثير على الحجاب في ذلك الوقت:
النوع الأول من المنازل وكان معروفاً باسم “بيت”، والمنازل في هذا النوع كانت عبارة عن غرفة واحدة ذات سقف، وفي منتصف هذه البيت جدار غير مكتمل ولا يصل إلى السقف، وفعيلاً يوجد في هذا البيت غرفتان، كما يمكن أن يُقسم هذا النوع من المنازل بستارة تقسمها إلى قسمين، وهذا ما حدث بعد نزول آية زوجات النبي (ص) وفي بيت النبي تم عمل هذا الشيء.
أما النوع الآخر من المنازل كان يُعرف باسم “دار”، وكان خاصاً بالأثرياء في شبه الجزيرة العربية، وكان يتضمن على غرف عدّة يُقال لكل غرفة “بيت” حيث أنه وكما هو متعارف كان يُقال للغرفة الواحدة بيت.
وبالإضافة للغرف الموجودة؛ كان هناك أيضاً فسحة سماوية غير مسقوفة، وكانت تُسمى بالـ “الفناء”، الذي كانت تتم فيه عملية الطهي بالإضافة لبعض الأعمال الأخرى التي كانت تتم داخل الفناء، وهي ليست كمنازل اليوم لا تُستخدم إلى لاستنشاق الهواء.
والغرف أيضاً كانت وفيرة ومتعددة، وكانت تأتي بثلاثة أشكال، كما كان يوجد منازل من طبقتين قبل وصول النبي (ص) إلى المدينة المنورة، وتقول الروايات أنّه ومع وصول الرسول (ص) إلى المدينة سكن في منزل أبو أيوب الأنصاري، واستقر النبي في الطبقة الأولى من المنزل، وسكن أبو أيوب في الطبقة الثانية منه، وهذا يعني أنّ المنزل كان مكوّن من طبقتين.
بالإضافة لما سبق؛ فإنّ العدد الأكبر من الغرف كان يوجد في الطابق السفلي، غير أنّها لا تشبه الطوابق السلفية في أيامنا هذه، ويقول بعض اللغويين أنها كانت عبارة عن أقبية، غير أنّها لا تُشبه الأقبية الموجودة هذه الأيام، وكانت تسمى الغرف الموجودة في الطوايق السفلى بالـ “مخدعو السهوة”، كمان كانت تُطلق هذه الكلمات على غرف الطوابق الأولى، وعلى أيّ حال فقد كان يوجد طوابق سفلى في تلك الأيام.
مدخل تلك الغرف كان مدخلاً ضيّقاً، ولكن بعد هذا المدخل كانت تتوسع بشكل أكبر، وكان يمكن الاستفادة منها، ويؤكد العديد من المؤرخين أنّ الشواهد تدلُّ على أنّ الطوابق السفليّة كانت توجد فقط في “الدار” ولم تكن توجد في “البيت” الذي يتألف من غرفةٍ واحدة، كما كانت الطوابق السفلية تُستخدم للاختباء، وهذا ما يؤكده اللغويين والمؤرخين، وتدلّ عليه الروايات.
مجموعة من الروايات تحدثت بمُجملها عن وجود منازلاً “لا ستر له وغير مغلق” وهذا يعني أنّ بابه غير مُغلق، ولا يوجد ستارة، الآن إذا نظر أحدهم إلى داخل المنزل، في الوقت الذي لم يقم فيه صاحب المنزل بوضع ستاره ولم يغلق الباب، وهذه الرواية نبوية وتوجد في مراجع أهل السنة بكثرة.
هذان النوعان “الستارة والباب” كانا موجودين في تلك الفترة، وبالطبع يوجد بعض المراجع تُشير إلى الباب فقط والبعض الآخر إلى الستارة، ولكن هذان النوعان “الستارة والباب” موجودان في رواياتٍ عديدة، وهذا يدلُّ وجود “الحرية الشخصية” للناس في ذلك الزمن.
ويؤكد عشايري أنّه جمع شبكة من المفاهيم تدلّ على كلمة “باب” وما يتصل بها من معاني في العصر النبوي (ص)، ومن هذه المفاهيم مفهوم “قرع الباب” و “فتح الباب”، وهذا يدلُّ على وجود شيء يسمى بالباب، ويتلخص إطار الباب بثلاثة عناصر هي: “العضادة، الأسكفة والعتبه” وتدلّ العضادة على على العمودين الخشبيين الموجودين على جانبي الباب، أما المراد من كلمة “عتبة” فهو الجانب الأفقي فوق رأس الشخص الذي يريد الدخول، أما “الأسكفة” فهي الجزء المقابل للعتبة.
وفي الختام أشار عشايري إلى وجود تقارير مُقنعة عن استخدام العرب لظلام الليل كتمويه شخصي وطريقة للاختباء، وذلك في مختلف المجالات كالخصوصية الشخصية أو العسكرية وما إلى هنالك، وفي النهاية يشير عشايري لوجود بعض الإدعاءات في مواجهة هذه النظريات تقول بأن العرب قديما لم يكونوا يعملون بالفصل بين الجنسين على الإطلاق، لكن هذه الادعاءات يمكن الردّ عليها من خلال وجود “المناصع” وهو مكانٌ مخصص للنساء، ومن أجل إبطال هذا الادعاء فقد أوردت كما يقول عشايري الكثير من الروايات التي تؤكد وجود الفصل بين الجنسين حتى في القبائل العربية التي كانت تسكن البادية.
أطروحات الدكتور عشايري لقيت نقداً واسعا من الدكتور مهران إسماعيلي وأتى النقد الأول تحت عنوان البدو العرب لم يكونوا يملكون ذاكرة خارقة، ولا غذاء منظم، حيث أكد اسماعيلي على أنّه وعندما نريد البحث في الفقه يجب أن نبحث أولاً في حياة العرب في الجزيرة العربية قبل الإسلام، ونبحث في العلوم التي كانت موجودة تلك الأيام، حيث تشكل كل هذه المسائل الحياة الثقافية، يجب أن نعرف الثقافة السائدة تلك الأيام وبعدها من الممكن إصدار الأحكام، مشيراً إلى أنّ الثقافة لا تتغير من خلال إصدار الأوامر، ولهذا يجب دراسة الفترة التي سبقت الإسلام لنتمكن من معرفة العمارة والديكور السائدة في تلك الفترة.
أما النقد الثاني الذي قدمه اسماعيلي فأتي تحت عنوان أن التعميم في العلوم الإنسانية عبارة عن فاجعة، وهنا يؤكد اسماعيلي على أن التعميم في العلوم الإنسانية خطأ فادح كأن نقول أنّ العرب كانوا هكذا والإيرانيين هكذا، فهذا خطأ كبير.
والنقد الثالث أتى تحت عنوان المنهجية في المقال لم تكن موفقة، حيث يرى اسماعيلي أنّ المنهجية التي بُنيت عليها مقالة الدكتور عشايري لم تكن صحيحة، فليس أي شيء يقوله اللغويون يتوجب علينا أن نقبله، مشيراً إلى أنّ النقالة تتحدث عن الفترة التي سبقت الإسلام، ومنذ تلك الفترة وحتى اليوم، واليوم نحن نشهد انقراض عدد من اللغات المحلية والأجيال الجديدة لا تتكلم بلغتها الأم، وبهدف حفظ تلك اللغات يقوم اللغويين بكتابة بعض الكتب الخاصة بهذا الشأن، وعلى هذا الأساس يتوجب علينا البحث في كلام اللغويين حتى يُقربونا من تلك الفترة.
اعداد: بهمن دهستاني