الاجتهاد: بيان سماحة آية الله السيد محمد تقي المدرسي دام ظله، بمناسبة استشهاد حجة الإسلام السيد حسن نصر الله رحمه الله إثر غارةٍ إسرائيلية في جنوب بيروت:
بسم الله الرحمن الرحيم
﴿وَمَا كَانَ لِنَفْسٍ أَنْ تَمُوتَ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ كِتَابًا مُؤَجَّلًا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الدُّنْيَا نُؤْتِهِ مِنْهَا وَمَنْ يُرِدْ ثَوَابَ الْآخِرَةِ نُؤْتِهِ مِنْهَا وَسَنَجْزِي الشَّاكِرِينَ* وَكَأَيِّنْ مِنْ نَبِيٍّ قَاتَلَ مَعَهُ رِبِّيُّونَ كَثِيرٌ فَمَا وَهَنُوا لِمَا أَصَابَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَمَا ضَعُفُوا وَمَا اسْتَكَانُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الصَّابِرِينَ﴾
إنا لله وإنا إليه راجعون
تلقّينا ببالغ الأسى، نبأ إستشهاد، حجة الإسلام والمسلمين العلّامة السيد حسن نصر الله، بغارةٍ غادرةٍ للكيان الصهيوني على الضاحية الجنوبية ببيروت، بعد عمرٍ قضاه في الجهاد في سبيل الله في مواجهة اعداء الأمة الإسلامية، ولا سيّما بعد تسنّمه قيادة المقاومة الإسلامية في لبنان.
كان الشهيد الراحل بحقٍّ بطلَ لبنان، وفخر المقاومين الأفذاذ، إذ إتسّمت حياته بالعطاء والتفاني في سبيل الله، وقد اختار هذا السبيل بوعيٍ ورضاً وطمأنينة، فكان بحقٍ قدوة الشهداء في المقاومة، لعطائه المستمر وتحدّيه الشجاع لأعداء الإسلام، حتى أكرمه الله سبحانه بمنزلة الشهادة.
إنني إذ أعزّي الشعب اللبناني الأبّي، والمجاهدين الكرام، وأسرة الشهيد السعيد، أقول إن أوّل عزائنا بشهداء أمتنا الإسلامية _ لاسيّما القادة منهم_ أنهم يَقدمون على ربٍ كريمٍ وتستقبلهم الملائكة بروحٍ وريحانٍ، وحديثنا عنهم لا شفقةً عليهم، لأنهم مُكرمون عند بارئهم راضين مرضيين، قد نالوا أعظم أمانيّ حياتهم، بل هو إكرامٌ لهم واداءٌ لواجبنا تجاههم، ودعوةٌ للإقتداء بهم والسير على نهجهم.
لقد قام الإستكبار العالمي بهذه الجريمة النكراء عبر الصهيونية التي تمثّل رأس حربته في المنطقة، إستمراراً لنهجه الدائب في مواجهة الإسلام وإقتفاءً لنهج الطغاة والمستكبرين في التاريخ كبني أمية، ولكنه قد ارتكب خطأً بظنّه أنّ قتل القادة سيُضعف جبهة المؤمنين، ويُفلل عزيمتها، ويزلزل المجاهدين منهم.
بلى؛ إن شهادة قادة الجهاد لأمرٌ محزنٌ وخسارةٌ كبيرةٌ، ولكنَّ في الأمة رجالٌ صدقوا ما عاهدوا الله عليه_كما صدق الشهداء_ وسيحملون ذات الراية، مستلهمينَ من أراوح الشهداء شعاعاً يزيدهم عزماً وحزماً، ينتظرون وعد الله سبحانه دون أن يبدلوا تبديلاً، وكما قال الله سبحانه: ﴿ مِنَ الْمُؤْمِنينَ رِجالٌ صَدَقُوا ما عاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضـى نَحْبَهُ وَ مِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَ ما بَدَّلُوا تَبْديلا﴾ فدم الشهيد الواحد سوف يخلّف آلافاً من الأبطال والمجاهدين، كما أنّ سنّة الله سبحانه، قد اقتضت أنّ خَلَف السَلَف في جبهة الحق، سيحمل راية الجهاد في ظروفه بجدارة.
إنّ هذه الجريمة قد كشفت عن الوجه القبيح للإستكبار العالمي، الذي اعتاد التخفّي خلف الشعارات والإعلام المزيّف، وعلينا أن نعرف حقيقة هذا الإستكبار وحقيقة أفكارهم العلمانية المهترئة من خلال سلوكهم على الأرض، كما كشفت كربلاء حقيقة الأمويين، على الرغم من إعلامهم المأجور والكبير آنذاك، وهكذا تستيقظ الأمة الإسلامية بشهادة ابطالها، فتزداد الجفوة بينها وبين اعدائها، فلا تنطلي عليها أكاذيبهم.
ختاماً؛ إن مسؤولية ابناء الأمة تجاه هذه الحادثة، تتمثّل في مقاطعة الثقافة العلمانية الغربية وفكرهم الفاسد وإعلامهم المخادع للتحرر من نير الشيطان، كما أن على كل واحدٍ من ابناء الأمة، أن يواجه هذه الجريمة بحسب مُكنته، شجباً وتنديداً ورفضاً بالقول والفعل، وبأي شكلٍ من أشكاله بما يقدر عليه، فرادى وجماعات، ليكون بذلك شريكاً في أجر الشهيد، ومتجنبّاً عقاب المجرمين، والله المستعان.
محمد تقي المدرسي
24 ربيع الأول 1446 للهجرة النبوية