في ما يتعلَّق بخصوص تعريف «الفساد الاقتصادي والمالي» من الزاوية الفقهية والتشريعية ـ وهو السؤال الرئيس والمحوري في هذا المقال ـ يجب القول: إنّ هذه المسألة لم تطرح ـ تحت هذا العنوان ـ إلاّ في عددٍ محدود من الكتب التي تمّ تأليفها من قبل بعض فقهاء أهل السنّة. ولكنْ يمكن ـ بعد ملاحظة أربعة مبانٍ ونقطة هامّة ـ اعتبار المصطلح الفقهي «أكل المال بالباطل» مرادفاً لـ «الفساد الاقتصادي».
موقع الاجتهاد: بالالتفات إلى اتّساع الدائرة المفهومية للفساد الاقتصادي والمالي ـ على ما سيأتي تفصيله وإثباته ـ ليس هناك من شكٍّ في أن هذه الظاهرة قد نشأت منذ باكورة الحياة الاجتماعية لأفراد البشر، حيث أخذت يد البغي والعدوان تطال أموال الناس وممتلكاتهم. إلاّ أن هذه الظاهرة مع ذلك لم تستحوِذْ على انتباه المجتمعات المختلفة بالشكل الذي ساد أوساط العصر الراهن.
ولذلك لم يتمّ التعرُّض في الكتب العلمية القديمة، بما فيها الكتب الفقهية والدساتير العريقة، لهذه الظاهرة بشكلٍ تفصيليّ جامع، ولم يتمّ تناول الأسس والأطر التي تحدِّد التعريف الدقيق لهذه الظاهرة.
هذا في حين نجد العلماء والمفكِّرين المعاصرين في كلّ فرعٍ من الفروع العلمية يعمدون ـ بما يتناسب وأبعاد العلم الذي يبحثون فيه ـ إلى إبداء تعريف «الفساد الاقتصادي»، وبيان ماهيته، وقد تركوا لنا الكثير من المؤلَّفات الهامّة في هذا المجال.
ليس هناك من شكٍّ في أنّ غياب التعريف الصحيح لموضوعٍ ما، وعدم تحديد ماهيّته، سيؤدي إلى الوقوع في الكثير من الأخطاء عند تحديد الأحكام المترتِّبة عليه. هذا في حين نشاهد في بعض الكتابات تصريحاً باعتبار «الاختلاس» مصداقاً من مصاديق «الفساد المالي»، مع أنّ «اختلاس» الأموال هو المصداق البارز لـ «الفساد المالي والاقتصادي».
وفي ما يتعلَّق بخصوص تعريف «الفساد الاقتصادي والمالي» من الزاوية الفقهية والتشريعية ـ وهو السؤال الرئيس والمحوري في هذا المقال ـ يجب القول: إنّ هذه المسألة لم تطرح ـ تحت هذا العنوان ـ إلاّ في عددٍ محدود من الكتب التي تمّ تأليفها من قبل بعض فقهاء أهل السنّة. ولكنْ يمكن ـ بعد ملاحظة أربعة مبانٍ ونقطة هامّة ـ اعتبار المصطلح الفقهي «أكل المال بالباطل» مرادفاً لـ «الفساد الاقتصادي».
كما تجدر الإشارة إلى أنّ الفقهاء والخبراء في مجال القانون قلَّما بادروا إلى تعريف مصطلح «أكل المال بالباطل» بوصفه مرادفاً للفساد الاقتصادي، مكتفين من ذلك بمجرَّد ذكر بعض المصاديق عند بيان الفروع الفقهية، وذلك بما يتناسب مع البحث الماثل بين أيديهم.
ومن الجدير بالذكر أنّ الإمام الرضا ع قد اعتبر «الربا» مصداقاً من مصاديق «الفساد المالي»؛ إذ يقول: «فحرَّم الله عزَّ وجلَّ على العباد الربا؛ لعلّة فساد الأموال…»
نستعرض في ما يلي تعاريف بعض الفقهاء أو علماء الاقتصاد من غير المسلمين أو المسلمين ـ الذين أخذوا تعريفاتهم من مصادر الفقه الإسلامي ـ حول الفساد الاقتصادي؛ لنقوم بدراستها وانتقادها. وسوف نبادر بعد ذلك إلى تقديم تعريفٍ جامع ومانع للفساد الاقتصادي، بحيث يشمل معنى عامّاً يحتوي على جميع مصاديقه. وعليه نقول:
1ـ عمد البنك العالمي إلى تعريف الفساد المالي على النحو التالي: «إساءة استغلال السلطة والإمكانات الحكوميّة من أجل تحقيق المصالح الشخصيّة»
2ـ جاء في تعريف (المنظمة العالميّة للشفافية) في تعريف الفساد الاقتصادي قولها: «إنّ المراد من الفساد المالي هو استغلال السلطة والقدرة من أجل الحصول على المصلحة الخاصّة»
3ـ عمد قانون الارتقاء والسلامة في النظام الإداري، ومكافحة الفساد، المصادق عليه بتاريخ: 29/2/1387هـ.ش، والإعلان عنه بتاريخ: 7/8/1390هـ.ش، في الفقرة (أ) من المادّة الأولى من الفصل الأوّل (التعاريف ومصاديقها من الأشخاص)، عند بيان التعريف إلى الخلط بين الفساد والفساد الإداري من جهةٍ والفساد المالي من جهةٍ أخرى، حيث جاء فيه: «إنّ الفساد في هذا القانون يشمل كلّ فعلٍ أو ترك فعلي يقوم به شخصٌ أو جهة بشكلٍ فردي أو جماعي، أو منظّمة تهدف عن قصد إلى الحصول على منفعةٍ أو امتياز مباشر أو غير مباشر، لنفسه أو غيره، من خلال نقض القوانين والقرارات المصادَق عليها في البلاد، أو الإضرار بالأموال والمصالح والمصادر، أو السلامة العامّة والأمن العامّ، أو ضد جماعة من الناس، من قبيل: إعطاء الرشوة والارتشاء والاختلاس والتواطؤ وسوء الاستغلال للمناصب أو المكانة الإداريّة والسياسيّة والإمكانات والمعلومات، أو التدول بشأن المصالح العامّة بشكلٍ غير قانوني، وحيازة هذه المصالح إلى أنواع التخصُّصات غير المشروعة، والقيام بأعمال التزوير والتشويه أو إخفاء الوثائق والمستندات والسوابق الإداريّة والماليّة».
4ـ عرّف المجلس التشريعي الفلسطيني الفساد المالي عام 1997م قائلاً: «إنّه خروجٌ عن أحكام القانون أو الأنظمة الصادرة بموجبه، أو مخالفة السياسات العامّة المعتمدة من قبل الموظَّف العامّ؛ بهدف جني مكاسب له أو لآخرين ذوي علاقة، أو استغلال غياب القانون بشكلٍ واعٍ للحصول على هذه المنافع»
5ـ وقد عمد السيد علي الخامنئي، في كلمته التي ألقاها وسط حشد من أهالي قم، بتاريخ: 19/10/1380هـ.ش، إلى بيان «الفساد الاقتصادي» قائلاً: «إنّ الفساد الاقتصادي يعني أن يعمد أشخاص، من خلال التذاكي والالتفاف على القانون أو التمّلق، إلى الاستحواذ على بيت المال، وملء جيوبهم من موارده».
6ـ وقال الدكتور الجابري ـ أستاذ الفقه والاقتصاد الإسلامي في جامعة أمّ القرى بمكّة المكرَّمة ـ في تعريف الفساد الاقتصادي: «هو سوء استخدام الوظيفة أو المنصب عموماً؛ لتحقيق منفعة خاصّة»
7ـ وقال الدكتور محمد عبد الحليم عمر ـ مدير مركز الاقتصاد الإسلامي في جامعة الأزهر ـ في تعريف الفساد الاقتصادي: «الفساد الاقتصادي هو كلُّ تصرّف يمثِّل اعتداءً على الأموال على وجه غير شرعي، بإتلافها أو سوء استخدامها أو كسبها بدون وجه حقّ»
8 ـ وقال الدكتور حسين حسين شحاتة ـ الأستاذ في جامعة الأزهر ـ في بيان ماهيّة الفساد المالي: «الفساد الاقتصادي معناه ضياع الحقوق والمصالح بسبب مخالفة ما أمر به الله ورسوله، وأجمع عليه الفقهاء، أي الاعتداء على حقوق الأفراد والمجتمعات، وعدم الالتزام بما أمرنا الله به ورسوله»
9ـ وأمّا عبّاس حميد التميمي فقد مازج بين الفساد المالي والإداري، وقال في تعريفهما: «الفساد المالي والإداري هو التغيير غير المرغوب فيه في المعاملة بين القطاع العامّ والقطاع الخاصّ، الذي يمثِّل تقويضاً للثقة العامّة، أو خرقاً للقوانين والسياسات والإجراءات التي توضع موضع التنفيذ للصالح العامّ؛ لغرض تحقيق المنافع الشخصية على حساب المجتمع، وذلك بإعطاء أو أخذ الرشاوى أو الامتيازات؛ وذلك بإساءة استعمال السلطة والنفوذ في المؤسَّسات الرسميّة»
….
“الفساد المالي في ضوء الفقه والقوانين الإسلامية ماهيّته، وتعريفه ” مقالة ل:
أ. أحمد مرتاضي/ طالبٌ على مستوى الدكتوراه في الفقه ومباني القوانين الإسلامية في جامعة قم.
د. علي مظهر قراملكي / أستاذٌ مساعد في كلّية الفقه والقوانين الإسلاميّة في جامعة طهران.
د. علي أصغر موسوي ركني/ أستاذٌ مساعد في جامعة قم.
د. محسن ملك أفضلي/ أستاذٌ مساعد في جامعة قم.
ترجمها من الفارسية الى العربية: حسن علي مطر
تحميل المقالة