خاص الاجتهاد: تحدث رئيس معهد المعارف الفكرية في لبنان شفيق جرادي ضمن ندوة علمية للتحليل السياسي- الاجتماعي للأوضاع السائدة في العراق ولبنان، والتي أقيمت في معهد أبحاث العلوم والثقافة الإسلامية، فقال: في البداية يجب الإشارة إلى عدة نقاط، وهي أنّ حكومات دكتاتورية ظهرت في المنطقة العربية أدت إلى تشكيل أحزاب على أساس الماركسية والليبرالية، وبالتزامن معها أو بعدها بقليل تشكلت الأحزاب الإسلامية واستعدت لمواجهة تلك الحركات، وبشكل طبيعي بدا الاحتكاك والمواجهة بين الأحزاب.
بدأت الحركات الإسلامية بشعارات إسلامية، وبالطبع تلك الشعارات والحركات لم تخلو من تشكيل بعض تلك الأحزاب. حاولت تلك الأحزاب الإسلامية الوصول إلى السلطة وإقامة الحكم على أساس الإسلام.
وتابع شفيق جرادي موضحاً: بعد احتلال فلسطين اتخذت الحكومات سياسة تجاه الدول العربية، هي في الواقع ترفع علم محاربة الكيان الإسرائيلي، لكن لها علاقات مع ذلك الكيان من وراء الكواليس. في الحقيقة ذلك الشكل الظاهري الذي نراه في الدول العربية هو مواجهة الكيان الإسرائيلي.
بعد انطلاق الصحوة الإسلامية وجدت الأحزاب الإسلامية مكان لنفسها، وشعرت بعد أن تعبت الشعوب من ظلم الحكومات أن باستطاعتها تولي دفّة الحكم، وأنها بديل مناسب لتلك الحكومات.
وأظهر مدير معهد المعارف الحكميّة في لبنان: أحد تلك الدول التي كانت تعاني من الحكومات الظالمة هي العراق، و كانت الأحزاب الإسلامية مثل حزب الدعوة تشعر أن بإمكانها الحلول مكان حزب البعث، لذلك جاؤوا وطرحوا أنفسهم. بعد أن قام صدام باستبعاد الكثير من علماء العراق، قامت إيران باستقبالهم.
بعد ذلك سكن الكثير من العلماء إيران وتحولوا إلى قوة لمواجهة الحكومة العراقية مثل فيلق بدر الذي تشكل في العراق. بعد الحرب العراقية المفروضة ضد إيران ومن ثم مهاجمة العراق للكويت، أصبح هناك ذريعة لمهاجمة أمريكا للعراق.
في تلك الفترة عاد أولئك الذين أبعدوا من إيران إلى العراق، وبسبب علاقتهم القوية بإيران استطاعوا تولي مسؤوليات خلال الإنتخابات التي جرت في العراق، وتشكلت نظرة لدى الشعب العراقي تجاه أولئك الأشخاص، حيث كانوا يعلمون أن الأحزاب التي تعمل في الحكومة مثل حزب بدر وحتى الحركة الصدرية لديهم ارتباط مباشر بإيران.
وتابع جرادي: بعد أن دخلت داعش العراق، نرى دور إيران البارز المتمثل بتشكيل مجموعات تدعم العراق وتحارب تنظيم داعش.
كان العراقيون يعتبرون أن الحرب مع داعش يقف وراءها ثلاثة عوامل هي فتوى آية الله العظمى السيستاني، التعبئة الشعبية العراقية والجمهورية الإسلامية الإيرانية، لذلك كان لديهم هذا الإعتقاد وهو أنّ إيران كانت من الأسباب الهامة التي استطاعت في إطار الجنرال سليماني القيام بحرب داعش، لكن بعد داعش ابتلى العراق بظروف اقتصادية ومعيشية صعبة، وللأسف اعتبر الشعب العراقي أنّ هذه الأحزاب السياسية المرتبطة بإيران هي سبب الوضع الإقتصادي السيئة وعدم ازدهار العراق.
وضع المنطقة بعد انتصار داعش على العراق و وجود محور المقاومة في العراق ولبنان و إيران، الوضع الإقتصادي الصعب وعدم إعمار العراق كان السبب في أن تستغل أمريكا واسرائيل الظروف التي طرأت، و اتّبعوا سياسة لإسقاط إيران في العراق، وهذه السياسة معناها القضاء على محور المقاومة.
وأشار إلى دور المرجعية العراقية الإيجابي والمؤثر في العراق وقال: أصدر آية الله السيستاني في تلك الظروف بياناً تشير إلى أمور؛ الأول أن الحكومة العراقية يجب أن تبقى، وهذا ما ينمّ عن حكمة وبصيرة آية الله العظمى السيستاني، وهذا في الحقيقة بمثابة ماء صبّ على نار الفتنة الأمريكية.
والأمر الثاني في بيان آية الله العظمى السيستاني هو أن الشعب العراقي يجب أن يبقى في الشوارع ويصرّ على مطالبه من الحكومة، و هذا معناه عدم معارضة مطالب الشعب العراقي، والثالث أنه يجب تجنّب تدخل الأجانب والدخلاء.
وأوضح أن أمريكا تحاول تحريف بيان آية الله السيستاني وتفسّرها بعدم تدخل إيران في الشأن العراقي، وقال: أصدر آية الله السيستاني بياناً ثانياً و صرّح فيه أن قصدنا هو أولئك الذين يستغلون تلك الظروف ضد الشعب العراقي، ففهم الشعب العراقي أن المقصود من البيان الأول لآية الله السيستاني حفظه الله ليس إيران.
وأوضح مدير معهد المعارف الحكميّة أن المستقبل غير واضح ولا يمكن القول إلى أين ستؤول الأمور، وأضاف: الإختلاف الموجود في العراق الآن لن يؤدي أبداً إلى حرب بين إيران والعراق، لكنّ العالم الافتراضي له تأثير كبير على الرأي العام الإيراني والعراقي، لذلك فإن مقاطع الفيديو التي تبث على مواقع التواصل الإجتماعي، مثل أن إيراني موجود في العراق ويتعرض للضرب من قبل شخص عراقي هو ناقوس خطر، ويجب على الحكومة الإيرانية إجراءات تقطع دابر هذه الفتن.
وحول لبنان أيضاً قال: هذا البلد مكون من 19 قومية، وأحد الطوائف هم موارنة ومسيحيون وسنّة. لذلك ومع إلقاء نظرة على وضع الشيعة في لبنان قبل انتصار الثورة الإسلامية، يجب القول أن عدد الشيعة في لبنان كان قليلاً، وكانوا يمتلكون أقل الإمكانيات، لكن بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران أصبح لديهم ثقة بالنفس وشعور بالكرامة.
وبعد حركة العراق تقدّمت حركة الشيعة في لبنان إلى الأمام إلى درجة أنه تحول إلى حزب قوي. بعد أن انتصر حزب الله على تنظيم داعش في سورية وانتصار المقاومة على اسرائيل، شاهد الشعب اللبناني هذه المعادلة في بلدانهم، وقالوا أنّ لبنان يقوم على ثلاثة محاور هي المقاومة و الجيش و الشعب، لذلك استطاع حزب الله أن يقيم علاقات قوية مع مختلف المذاهب الأخرى،
وقد اعترفت كل من اسرائيل وأمريكا أننا لا نستطيع دخول حرب مع حزب الله. بعد أن اعترفت أمريكا بالعجز أمام حزب الله قاموت بالتخطيط لمحاصرة لبنان اقتصادياً، بمعنى أن يضعوا الشعب اللبناني في وضع اقتصادي صعب وفي الخطوة الأولى إغراء قائد الجيش اللبناني، لذلك نزل الشعب اللبناني إلى الشوارع فاستغلوا تلك الحالة. ونظراً للطوائف المتعددة في لبنان، حاول الأمريكيون وضع رؤساء الطوائف في مواجهة بعضهم لخلق حرب أهلية.
واستنتج مدير معهد المعارف الحكميّة اللبناني: إن لبنان لن تسقط نتيجة لهذه الفتن. ففي كلام السيد حسن نصر الله والإيمان بقيادة إيران والتمسك بولاية الفقيه فإنني أعتقد أننا في عصر المقاومة ولن يحدث أي انقلاب في لبنان. يقول السيد حسن نصر الله لأمريكا إذا أردتم محاصرة لبنان من عدة جوانب، فهذا ليس معناه أن حزب الله لن يحاصر، لأن حزب الله مدعوم من الشعب اللبناني و إيران.
نحن أقوياء و إننا في وضع قادرون فيه على التغلب على التحديات. ستسير الأمور بحيث تحل الأمور وسيصبح محور المقاومة أقوى يوماً بعد يوم، ونظراً لموضوع وحدة محور المقاومة والقيادة الحكيمة لآية الله الخامنئي فإن هذا المحور سينتصر.