الاجتهاد: صدر حديثاً (2021) عن دار المعارف الحكمية في لبنان كتاب ” الحوزة العلمية، رؤى وتطلّعات ” لآية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي “رحمه الله” ترجمة حسين جعفر، في 300 صفحة.
ما هي فلسفة وجود الحوزة وعلماء الدين في الإسلام؟
ما هو دور العلماء وما هي الوظيفة الملقاة على عاتقهم للارتقاء بالمجتمع؟
ما هي أبرز المشاكل التي يتخللها واقع الدرس الحوزوي اليوم وما هي مقترحات آية الله مصباح اليزدي رحمه الله لتجاوزها؟
ما هي توصياته رضوان الله تعالى عليه لتطوير واقع الدرس الحوزوي من حيث المضمون والآليات والمناهج؟
مقدمة ” مؤسسة الإمام الخميني” قدس سره” للتعليم والبحوث (مؤسسه آموزشي وپژوهشی امام خمینی): تحظى الحوزات العلميّة بمكانة عالية جداً في مجتمعنا الديني، وتلعب هذه الحوزات مع علماء الدين دوراً حساساً وحاسماً في مسار الأمة الإسلامية وحركتها. ونظرا لهذه الحساسية والأهمية الخاصة، فإن العلماء الحاذقين الحريصين على الحوزة – واستنادا إلى شعورهم بالمسؤولية، والوظيفة الملقاة على عاتقهم – لطالما انشغلوا بتسليط الضوء على نقاط القوة والضعف الموجودة في الحوزة، وعملوا على تبیینها بُغية تکثیر الثمار لهذه الشجرة الطيبة، والحد من الآفات والنقائص التي تعتريها بقدر ما يمكن.
منذ أربعين سنة مضت، والعالم الفاضل الحكيم – مؤلف هذا الكتاب – آية الله الشيخ مصباح اليزدي (رحمه الله) يتحسّس باستمرار المسؤولية تجاه الحوزة وقضاياها، ويعمل متى أتاحت الفرصة على إعطاء التوجيهات المناسبة، وتقديم النقد البناء والإضاءة على النقاط المهمة في سبيل تعزيز الحوزات العلمية، بصفتها قاعدة ومنطلقا لنشر المعارف الإلهية في العالم المعاصر
ومن المناسب في بداية هذا الكتاب: أن نلتفت إلى مقتطف من إحدى محاضرات الشيخ (رحمه الله):
في أوائل عمر الشباب، كان ثمة سؤال عند مجموعة من الحوزويين، بأنه هل يجب عليهم البقاء في الحوزة، أم يذهبون إلى الجامعة؟ وقد وجد بعضهم في نفسه استعدادا للاتجاه نحو الجامعة ووجدوا طريقهم إليها، أما أنا، فقد أدركت أنني إذا بقيت في الحوزة وتمكنت من إيجاد تحولات وتغيّرات فيها، فسيكون من شأن ذلك أن يشمل الجامعة ببركاته، في حين: كان صرف الطاقات في خدمة الجامعة فقط سيؤدي إلى بقاء الحوزة على التأخر الذي هي عليه، وستظل الطاقات مهدورة.
إنّ إيجاد التحولات في الحوزة سيؤدي إلى ظهور نظام وجهاز مبدع ومنتج، يكون من شأنه – تدريجياّ – أن يصبح قادرا على تربية وإعداد أجلاء وعظماء، أمثال الشيخ الأنصاري والعلامة الطباطبائي والشهيد مطهري، وهذا الأمر هو ما دعانا إلى البقاء في الحوزة. نعم، من الممكن أن يحضر الطالب في الجامعة أيضا إلى حد ما، ما لم يزاحم حضوره هذا شؤونَه الحوزوية. ولقد كان تأسیس «دفتر همکاري حوزه ودانشکاه»(مكتب التنسيق بين الحوزة والجامعة) في أوائل الثورة، بمساعدة بعض الأصدقاء، نموذجاً عن هذا الحضور، وهو ما أدى إلى التقريب بين الحوزة والجامعة.
بحسب اعتقادي، يُبدي صاحب العصر والزمان “عليه السلام” عناية خاصة بهذه المؤسسة أي: «مؤسسه در راه حق»، لأنها أسست على التقوى والإخلاص، وليست تابعةً لشخص بعينه، وهذا الأمر كان أحد أسباب تطوّر وازدهار هذه المؤسسة.
نحن لا ندعي أنه باستطاعتنا تأمين كافة احتياجات الحوزة العلمية، ولا نقول: إنّ جميع ما أنجز في الحوزة مجانب للصواب، كما أننا لا نتوقع من الحوزة أن تشابهنا في العمل، ولا ندّعي بأنّ برنامجنا هو أفضل البرامج، بل ما نعتقد به هو: أننا بمقدار ما نمتلك من قدرات فكرية وتجربة، وبما تلقياناه من مساعدات فكرية من الآخرين، وبحد الإمكانات الموجودة، لم نقصّر في سبيل تحقيق أهداف الإسلام، وبعون الله، لن نقصّر في المستقبل أيضا، نحن اليوم، ومن خلال الاستفادة من التجارب السابقة، في صدد رفع نقائص عملنا، التي نتجت عن قلةً الإمكانات، أو نقص الطاقات البشرية، أو قلة التجربة، لنتمكّن من خلال ذلك من الاقتراب – يوماً بعد يوم – باتجاه تحقيق أهدافنا».
موقعية الحوزة العلمية
إن فلسفة وجود حوزات العلوم الدينية قد عُرضت بأفضل شكل، وأبلغ بیان، كما جاء في الآية الكريمة:
وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنْفِرُوا كَافَّةً ۚ فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنْذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ ( التوبة – الآية 122)
تُعدّ حوزات العلوم الدينية مصداقا لقوله تعالى: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ ﴿۲۴) تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ(إبراهيم – الآيتان 24 و 25)، ذلك أنها شجرة ثابتة ذات جذور، وقد أعطت على طول تاريخها الذي مضى ثماراً طيبةً وناضجةً، وقدّمت في ميدان العلم والتقوى آثاراً قيّمة جدا، والحوزة – بوصفها مركزاً لنشر المعارف السماوية ومكاناً لتعلم وتعليم العلوم الوحيانية، وملجأ للعلماء الربانيين – يتوجب عليها أن تنظر في نفسها باستمرار، فتعمل على تعويض النقائص الموجودة، وتسعى إلى تعزيز نقاط قوّتها بأفضل الأشكال وأسرعها.
اليوم، مع انتصار الثورة الإسلامية، ومع تشكُّل الدولة الإسلامية، فإن رسالة الحوزة والحوزويين ومسؤولياتهم قد ازدادت كثيرا عما كانت عليه، وقد ظهرت آفاق جديدة في مستقبل علماء الإسلام، وفي سماء ثقافة التشيع، فبات من المناسب أن يعمل المفكرون والمتخصصون في مجال الحوزة على:
* فهم ودراسة القضايا الحوزوية ما أمكن.
* تقديم خطط فعّالة في سبيل نمو الحوزة وازدهارها.
على أمل أن يتم تنفيذ التوجيهات الحكيمة للإمام الخميني “قدس سره” ، وإرشادات سماحة القائد الإمام الخامنئي” دام ظله”، في مسألة الحوزات العلمية، بأسرع وقت وأفضل طريقة، وأن تُضاف صفحة ناصعة إلى السجلّات العظيمة للحوزات العلمية.
هذا الكتاب عبارة عن مجموعة قيّمة وغنية، من محاضرات ومحاورات، مع الأستاذ المفكر آية الله الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي “رحمه الله” حول الحوزة والحوزويّين.
نأمل – إن شاء الله – أن يشكل نشر هذا الكتاب خطوة في مسار نمو الحوزات العلمية والحوزويّين وارتقائهم، وأن يحظي برضا الله عزّ وجلّ، وأن يكون موضعا للقبول عند الأئمة الأطهار “عليهم السلام” ، ومحلاًّ للعناية عند صاحب العصر والزمان عجل الله تعالی فرجه.
غلاف الکتاب
الکتاب: الحوزة العلمية، رؤى وتطلّعات
إسم الكاتب: الشيخ محمد تقي مصباح اليزدي
ترجمة: حسين جعفر
عدد الصفحات: ٢٩٥
تاريخ الطبعة: 2021
الطبعة الأولى
المحتويات