الاجتهاد: ان مسألة الاختلاف بين الاديان في منظوماتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها تفرض مجموعة من التحديات خصوصاً في ظل تعايش اتباع هذه الديانات في وطن واحد او اوطان متجاورة او بينهما علاقات متعددة، ومن اجل تجاوز هذه التحديات بما يحقق المصالح المطلوبة للجميع فقد كان للإسلام موقف واضح يتلخص في ضرورة التعايش السلمي بين الجميع على اساس قاعدة (لا تُظلمون ولا تَظلمون).
تعرض الشيخ عبد المهدي الكربلائي في الخطبة الثانية لصلاة الجمعة في كربلاء ١۸/ذو القعدة/١٤۳۸هـ لأهميته التعايش الاجتماعي وفق المنظور الاسلامي وقال: ان مسألة الاختلاف بين الاديان في منظوماتها الفكرية والاجتماعية والاقتصادية والتربوية وغيرها تفرض مجموعة من التحديات خصوصاً في ظل تعايش اتباع هذه الديانات في وطن واحد او اوطان متجاورة او بينهما علاقات متعددة، وهذه التحديات تتجاوز النطاق الديني والثقافي وتشمل مجالات الحياة المهمة المتعددة – ومن اجل تجاوز هذه التحديات بما يحقق المصالح المطلوبة للجميع.
واضاف الشیخ کربلائی: فقد كان للإسلام موقف واضح يعكس ارادة الشرع في التعامل العادل مع اتباع الاديان والثقافات المختلفة يتلخص في ضرورة التعايش السلمي بين الجميع على اساس قاعدة (لا تُظلمون ولا تَظلمون) وهو القواعد المشتركة والمصالح المتبادلة وملاحظة مصلحة البلد والشعب والعمل على اساسها وقد اكدت المصادر الاسلامية على ان التعايش السلمي المبني على رعاية الحقوق واداء الواجبات هو التجسيد لمبدأ العدالة في الدين الاسلامي-…
واشار ممثل المرجعية الدينية العليا في كربلاء إلى مسألة تعايش اتباع الديانات المختلفة في الوطن الواحد والشعب الواحد و قال: اذا لم نحسن التعايش بين اتباع هذه الديانات سيقود الى الكثير من المخاطر في مجالات الحياة المختلفة قد يتصور بعض الناس ان هذا الاختلاف بين اتباع الديانات انما مخاطره تحديات ومشاكله في الجانب الثقافي والعقائدي فقط.. (لا).. اذا لم نحسن التعايش الاجتماعي والثقافي ايضاً فانه ستتولد مخاطر ومشاكل امنية واجتماعية وغير ذلك..
لذلك الاسلام لم يهمل هذه المسألة بالخصوص.. ولنستذكر ان هذا الاختلاف قدر نعيشه الى يوم القيامة لا سبيل الى حل هذا الاختلاف.. والله تعالى قال اتركوا هذا الامر وانا افصل بين العباد يوم القيامة.. لذلك حينما نعيش قدراً في هذا المجتمع او بقية المجتمعات وان هناك اختلاف في مسألة الانتماء الديني وان هذا الامر لا يُحل ولا يمكن حله.. لذلك لابد ان نتعامل مع هذا الامر كأمر واقع..
لذلك الاسلام لم يهمل هذه المسألة ووضع منظومة التعايش الاجتماعي السليم بين اتباع الديانات المختلفة بما يحقق المصالح المشتركة ويدفع الضرر عن الجميع..
وتطرق الأمين العام للعتبة الحسينية المقدسة إلى المنظومة الإسلامية للتعايش بين الديانات وقال: هذه المنظومة التي سنذكرها فيها القبول بالتنوع والاختلاف، يعني أي انا اقبل والاخرون يقبلون ايضاً امام الاجبار والقسر والاكراه للاخرين على ان يعتقدوا بمعتقدي ويؤمنوا بمعتقدي ويتبنوا معتقدي فلا يقود الاّ الى العنف والفتن والدمار للجميع ولا ينتفع احد..
نذكر الان هذه الاسس التي وضعها الاسلام ومن خلال الايات القرانية والاحاديث الشريفة.. يعني كيف نصل الى هذا التعايش الاجتماعي السليم المبني على هذه النظرة:
الاسس المهمة التي ترتكز عليها هذه المنظومة:
الاول: وحدة الاصل الانساني:
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَتَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً (1) – سورة النساء-.
وهذه الاية الكريمة تعطي النظرة الصحيحة للانسان تجاه الاخرين وان اختلفوا بعد الدين والمعتقد، فالكل مخلوق من نفس واحدة أي هنالك وحدة في الاصل الانساني والناس ابناء عائلة انسانية واحدة والله عزوجل هو الذي كرم الانسان دون تمييز وهذا الاختلاف والتنوع والتعدد في اللغات والالوان من آياته للعالمين.. وتحدد الآيات القرآنية معيار التفاضل بالتقوى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ (13)- سورة الحجرات-.
فلابد من التعارف بين الشعوب وهو عهد للتفاهم والتعاون والتعايش والقبول بالاختلاف مع الاخرين ورفض القهر والاكراه فيما يتعلق بالدين والمعتقد.
والاسلام يكرس متطلبات ودعائم التعايش مثل القسط والعدل والانصاف والصفح والعفو واحقاق الحق ونفي الظلم والاعتداء وغيرها..
وقد بين ذلك امير المؤمنين (عليه السلام) في عهده لمالك الاشتر لما ولاه مصر:
(وأشعر قلبك الرحمة للرعية والمحبة لهم واللطف بهم، ولا تكونن عليهم سبعاً ضارياً تغتنم أكلهم، فإنه صنفان إما أخ لك في الدين وإما نظير لك في الخلق).
والتركيز على وحدة الاصل الانساني تهيئة نفسية وتسهيل لسبل التقارب وانتزاع الشعور بالعداء او بالتمييز الذاتي وما يحب ان يستحضره المؤمن هو ان الاخر مهما كان دينه ومذهبه وعقيدته فهو شريك له في هذه الحياة ولابد من التعامل معه على هذا الاساس..
الثاني: حفظ حرمة الدماء والاموال والاعراض:
هنالك الكثير من النصوص التي وضعت محددات بالنسبة للدماء والاموال والاعراض واحتاطت فيها كثيراً وذلك من اجل حفظ الامن والسلام وابعاد المجتمع عن الوان العنف والقتل والخطف والجريمة وهذا لا يقتصر على المسلمين فقط بل يشمل الاخرين ايضاً قال تعالى: (مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ كَتَبْنَا عَلَى بَنِي إِسْرَائِيلَ أَنَّهُ مَنْ قَتَلَ نَفْساً بِغَيْرِ نَفْسٍ أَوْ فَسَادٍ فِي الأَرْضِ فَكَأَنَّمَا قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً وَمَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَا النَّاسَ جَمِيعاً) – سورة المائدة-.
الثالث: اقامة العدل والقسط في الحكم بين جميع الطوائف:
فلا يجوز ان يكون الموقف السلبي للشخص تجاه الاخر لأي سبب كان ولا سيما الاختلاف في الدين والعقيدة موجباً لسلب حقه والاجحاف في الحكم عليه بابطال حق او احقاق باطل قال الله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً (58) – سورة النساء-.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ وَلا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ (8) – سورة المائدة-.
الاساس الرابع: التعامل الاجتماعي الانساني واخلاقيات التعاطي مع الاخرين:
فنجد هنا حرص الاسلام على التعامل مع الاخرين على اساس المحبة والاخوة الانسانية:
أ- الجدال بالتي هي احسن:
(وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلاَّ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلاَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ وَقُولُوا آمَنَّا بِالَّذِي أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَأُنْزِلَ إِلَيْكُمْ وَإِلَهُنَا وَإِلَهُكُمْ وَاحِدٌ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ (46) – سورة العنكبوت-.
ب- صلة الارحام فالاسلام يأمر بصلة الرحم ولو لم يكن مسلما.
ج- مشايعة صاحب الطريق فقد ندب الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) الى مشايعة الصاحب في الطريق ولو كان غير مسلم، وعن امير المؤمنين (عليه السلام) انه صاحب رجلا ً غير مسلم فقال له صاحبه اين تريد يا عبدالله؟ قال اريد الكوفة فلما عدل الطريق بصاحبه عدل معه (عليه السلام) فقال له صاحبه لما عدلت معي فقال له هذا من تمام الصحبة ان يشيع الرجل صاحبه هنيئة اذا فارقه وكذلك امرنا نبينا.
الاساس الخامس: الاعتراف والاقرار بوجود الاخر:
وهذا الامر نريد ان ننبه عليه وهو ان نفرّق بين شيئين: بين كون الاخر في عقيدته ودينه على حق صحيح او لا، وبين حقه في الوجود والعيش بسلام مع الاخرين، تارة له دين ومعتقد حق صحيح او لا هذا شيء، والشيء الاخر ان هذا الانسان الذي يخالفني في المعتقد والدين له الحق في ان يوجد ويعيش معي بسلام وفق قواعد ومبادئ العدالة.. فقدر المجتمعات البشرية الى يوم القيامة ان تعيش مختلفة في دياناتها ومعتقداتها..
ويروض القران الكريم نفوس المؤمنين ليتعايشوا مع واقع الاختلاف في العقيدة والدين فهو قدر البشرية الى يوم القيامة فلا يتوهم احد امكانية الفصل والحسم بين الديانات والعقائد المختلفة، قال تعالى: (ان ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون) – السجدة آية 25-.
فهنا مع هذا الاختلاف في العقيدة والدين الاسلامي امر ان يكون هناك تعايش اجتماعي مبني على قبول الاخر والاعتراف بوجوده ضمن مبادئ اعطاء الحقوق واداء الواجبات، كما انه تعطى لهم الحقوق لابد ان تؤدى الواجبات التي عليهم من اجل ان نضمن لهذا البلد ولهذا الشعب ونحن في العراق الان في ظل وجود اسباب عديدة للنزاع والصراع والاحتقان والتناحر.. احوج الى تطبيق هذه المبادئ والاسس التي وضعها الاسلام لكي نصل الى حالة الامن والاستقرار الذي يؤدي الى تطور البلد وازدهاره وتحقيق الامن الاجتماعي..
خطبة الجمعة للشيخ عبد المهدي الكربلائي بتاريخ 2017/8/11