لقد اعترف العديد من خبراء الاقتصاد في العالم بعدالة وتميز منهجنا الاقتصادي الإسلامي ولجأت العديد من البنوك العالمية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى في الغرب إلى الفكر الاقتصادي الإسلامي، خاصة بعد الكوارث والأزمات التي تعرضت لها.. ومع ذلك مازال أذناب وسماسرة المعاملات الربوية في بلادنا العربية والإسلامية يشككون في الاقتصاد الإسلامي.
موقع الاجتهاد: يرى البعض أن إقحام الإسلام في النشاط الاقتصادي هو شكل من أشكال التطفل أو الافتعال، فالإسلام كما يقولون عقيدة وشريعة تتميز بالثبات، وعالم الاقتصاد تحكمه حركة السوق والمتغيرات الاقتصادية.
والواقع أنه لا يمكن التعامل مع الاقتصاد بهذا المنطق النفعي، فالإسلام منهج حياة متكامل يحمل توجيهات اقتصادية وسياسية واجتماعية، إلى جانب العقيدة والعبادة والأخلاق، وكل من تعرف على منهج الاقتصاد الإسلامي يدرك أن توجيهات الإسلام الاقتصادية منارات هادية للمسلمين في ظلام الأنظمة الاقتصادية التي تقدم للمسلمين قيماً مغايرة، وتوجيهات مخالفة، تجعل حياتهم مليئة بالمشكلات التي ما كانت لتصيبهم لو أن توجيهات هذا الدين هي التي تحكم حياتهم، وتوجه سلوكياتهم. وما كانت الإخفاقات المتتالية لتصيبهم لو أنهم يتمثلون هذه القيم، ويطبقون هذه التوجيهات.
فهذه التوجيهات تمثل مقومات التقدم المطرد والنمو الدائم، والرقي المستمر، لكن تجاهل المسلمين لها حرمهم من كل ذلك، ومن ثم أضحت الحياة على مختلف الصعد غير طيبة.
ومن العجيب أن تمنح أمة كل مقومات النهوض وكل أسباب العيش الرغد، فإذا هي تلقي بها وراءها ظهرياً، ثم تجري هنا وهناك لتتسول ما تظنه محققاً لتقدمها، أو مساعداً على خروجها من تخلفها الذي ترزح تحته، وأعجب من ذلك أن الذي يقدمه لها من تتسول منهم، لا يقارن بما لديها ولا يقاربه، فإن قال لها المخلصون: إن ضالتك بين يديك، وإن بغيتك تحت قدميك، أشاحت بوجهها، وولته شطر الشرق أو الغرب، تستورد من أفكاره ما يضرها ولا ينفعها، ويؤخرها ولا يقدمها.
للأسف الشديد هذا هو حال أمتنا اليوم، وهي التي كتبت في تاريخ الحضارة الإنسانية صفحات وضاءة يوم أن كانت تتمثل قيم الإسلام وتطبق توجيهاته.
عدالة وتميز
إن أمتنا الإسلامية لديها من المناهج الاقتصادية أقومها ومن النظم المالية أسلمها، ومن الأدوات أكثرها فعالية ومقدرة على الإنجاز، وتحقيق النهوض والتقدم. ومشكلتنا في عدم الاستفادة من كل هذا العطاء الثري للإسلام. ومن بديهيات التطبيق والالتزام ثم الاستفادة أن نعلم هذا العطاء، وأن ينتشر العلم به بين الكافة (عامة المسلمين وخاصتهم) فهذا العلم وهذه المعرفة مقدمة ضرورية للسير على هذا الهدي الذي جاء به الإسلام،
فلسنا في حاجة إلى استيراد قيم، ولسنا في حاجة إلى نقل سلوكيات من الآخرين، وإنما يكفينا ويدفع بنا إلى الأمام أن نتمثل قيمنا في حياتنا، وأن نضبط سلوكياتنا على ميزان ديننا، وعطاء شريعتنا، خاصة أن عدداً من القيم الإسلامية أدركها غير المسلمين ونقلوها وتمثلوها في حياتهم واستفادوا من عطائها تقدماً، وحياة ذات قدر كبير من الراحة والتنظيم، وكنا الأولى بهذه القيم وتلك التطبيقات من غيرنا، فهي بالنسبة لنا تكاليف دينية، وأوامر إلهية، وسنن نبوية. فهل آن لنا أن ننفض الغبار عن قيمنا الأصيلة وسلوكياتنا الراقية التي يأتي منهج الاقتصاد الإسلامي في مقدمتها؟
لقد اعترف العديد من خبراء الاقتصاد في العالم بعدالة وتميز منهجنا الاقتصادي الإسلامي ولجأت العديد من البنوك العالمية والمؤسسات الاقتصادية الكبرى في الغرب إلى الفكر الاقتصادي الإسلامي، خاصة بعد الكوارث والأزمات التي تعرضت لها.. ومع ذلك مازال أذناب وسماسرة المعاملات الربوية في بلادنا العربية والإسلامية يشككون في الاقتصاد الإسلامي ويثيرون الشبهات حول مؤسساته.. لكن سيخذلهم الله دائماً لأنهم ضد الحق والعدل.
الدكتور يوسف إبراهيم ؛ أستاذ الاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر
المصدر: الخیلج