خرید فالوور اینستاگرام خرید لایک اینستاگرام قالب صحیفه
الرئيسية / خاص بالموقع / 22 تقرير خبري خاص / في رسالة لمؤتمر تكريم آية الله الميلاني.. المرجع السبحاني يستعرض “مثلث الشخصية” والمنجزات الكبرى للراحل

في رسالة لمؤتمر تكريم آية الله الميلاني.. المرجع السبحاني يستعرض “مثلث الشخصية” والمنجزات الكبرى للراحل

خاص الاجتهاد: تحت رعاية الحوزة العلمية في خراسان وبمشاركة واسعة من كبار العلماء والمفكرين، انطلقت صباح اليوم الخميس أعمال مؤتمر تكريم الذكرى الخمسين لرحيل المرجع الديني الكبير آية الله السيد محمد هادي الميلاني (قدس سره).
وقد شهد الافتتاح رسالة مستفيضة لآية الله الشيخ جعفر السبحاني، سلط فيها الضوء على الأبعاد التأسيسية لشخصية الراحل، واصفاً إياه بـ “الفقيه الجامع” الذي تجاوز بفعله حدود الفرد ليكون “أمة في رجل”.

الميلاني.. أصالة المنبت وعظمة المنهل
في قراءته لشخصية الفقيد، استند المرجع السبحاني إلى ما أسماه “مثلث الشخصية”، موضحاً أن آية الله السيد محمد هادي الميلاني نتاج بيئة علمية علوية خالصة؛ فهو سليل بيت المامقاني والمنتمي لأسرة الميلاني العريقة. وأشار سماحته إلى أن هذا الجانب الوراثي صقله حضور علمي طاغٍ في حوزة النجف الأشرف، حيث نهل من معين أساطين الفكر كالميرزا النائيني والمحقق الكومباني والشيخ الشريعة الأصفهاني، حتى بلغ رتبة “العقل الكامل” في الفقه والأصول والفلسفة والرياضيات.

ثورة في المناهج وانفتاح على العالم
ولم يقف التقرير عند الجانب العلمي الصرف، بل أبرز المرجع السبحاني الدور “المؤسساتي” للراحل في حوزة مشهد المقدسة؛ حيث لم يكتفِ بالتدريس، بل أحدث ثورة في نظم الإدارة المدرسية وبناء المناهج التعليمية الرصينة.

وفي بُعدٍ ميز شخصية السيد الميلاني، أشار السبحاني إلى انفتاحه الدولي؛ إذ جعل من مكتبه في مشهد منارة يقصدها علماء مصر وسوريا واليمن، موظفاً تمكنه من اللغة العربية في مد جسور “التقريب بين المذاهب الإسلامية”، مما جعله مرجعاً عابراً للحدود الجغرافية.

المواقف السياسية: الفقيه في مواجهة الانحراف
وفي قراءة سياسية لافتة، وضع المرجع السبحاني نضال السيد الميلاني في سياق وظيفة “ساسة العباد”، مؤكداً أن تحركاته ضد السلطات الجائرة في إيران ومواقفه المساندة للنهضة الإسلامية لم تكن تحركاً عفوياً، بل هي امتداد لفتوى المجدد الشيرازي ونهج الشيخ فضل الله النوري وصنوٌ لحركة الإمام الخميني. واستشهد سماحته بوثائق “السافاك” التي سجلت قلق النظام الحاكم من التأثير العميق والمدروس للمرجع الميلاني في أوساط الجماهير.

العشق الولائي.. رأسٌ فداءٌ للقدم
واختتم المرجع السبحاني رسالته بلمحة وجدانية، كاشفاً عن الجانب الروحي في حياة الراحل، حيث كان يضع في خلوته لوحة تخاطب الإمام الحجة (عج) ببيتين يختصران كل معاني الفناء والولاء:

“يا صاحب العصر والزمان.. نقشتُ فوق رأسي اسمك الشريف.. إقراراً بأن رأسي فداءٌ لموطئ قدمك”.

ليؤكد سماحته في الختام أن تكريم الميلاني اليوم ليس مجرد استذكار للتاريخ، بل هو استحضار لنموذج “القدوة الحقيقية” التي يحتاجها جيل الشباب المعاصر لربط العلم بالعمل والدين بالمجتمع.

 

وفيما يلي نص رسالة آية الله الشيخ جعفر السبحاني:

بسم الله الرحمن الرحيم ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾

آية الله العظمى الميلاني.. الفقيه الجامع والمرجع الواعي

ليس من السهل الحديث عن شخصية تربعت في مركز دائرة الفضائل، وتساوت بالنسبة إليها جميع خطوط التميز. إن آية الله العظمى الميلاني هو أحد المصاديق البارزة لهذا الوصف؛ وإذا تعذر الإحاطة بشخصيته جامعاً مانعاً، فإن ما لا يُدرك كله لا يُترك جله.

إن تكريم الشخصيات، سواء في حياتهم أو بعد رحيلهم، فعلٌ بنّاء للغاية؛ فهو يجذب الجيل الحاضر نحوهم حين يرى بعينه العلماء والمفكرين يحتفون بعد نصف قرن بعظمة الراحل العلمية وخدماته الاجتماعية، مما يخلق نوعاً من الانجذاب العميق لدى الشباب نحو العلم والعلماء.

مثلث الشخصية
تحليل شخصية أي فرد يعتمد على إيجاز مراحل عمره الثلاث التي صاغت كيانه:

الوراثة: وأثر الوالدين في الطفل.

الأساتذة: الشخصيات التي صقلت نضجه العلمي.

العطاء: الخدمات التي قدمها للمجتمع.

المرحلة الأولى: الوراثة والمنبت الطاهر
يكفي أن نعلم أن والده هو آية الله السيد جعفر الميلاني، الذي هاجر إلى النجف الأشرف لنيل درجة الاجتهاد، وتتلمذ على أساطين الفقه والأصول. كانت صلة والده بأستاذه الأول آية الله الشيخ [محمد حسن] المامقاني وثيقة لدرجة أن الأخير زوّجه ابنته، وبذلك كان والده صهر آية الله المامقاني (الكبير)، وآية الله الشيخ عبد الله المامقاني (صاحب رجال المامقاني) خاله. في هذا البيت المفعم بالتقوى والأدب، ترعرع السيد الميلاني ليكون ثمرة تلك “الشجرة الطيبة”.
توفي والده في الحادي عشر من شهر رجب ١٣٢٩ه‍ ودفن في الكاظمين .

المرحلة الثانية: الأساتذة والمناهل العلمية
بعد طي المقدمات في النجف الأشرف، نهل آية الله الميلاني من فيض كبار أعلام عصره، ومنهم:

في الفقه والأصول: شيخ الشريعة الأصفهاني ١٣٣٩ه‍، الميرزا النائيني١٣٥٥ه‍، وآية الله العظمى الشيخ محمد حسين الأصفهاني١٣٦١ه‍.

في الفلسفة: آية الله السيد حسين البادكوبي ١٣٥٨ه‍،

في الرياضيات: العالم الكبير السيد أبو القاسم الخوانساري.

في الأخلاق: العارف السيد علي الطباطبائي المعروف بـ “القاضي”.

في علم الكلام: الشيخ محمد جواد البلاغي. لذا، فقد بلغ ذروة “العقل النظري والعملي”، واستحق لقب “الفقيه الجامع”.

المرحلة الثالثة: الخدمات العلمية والاجتماعية
أولاً: النتاج العلمي: صدرت له مؤلفات رصينة منها:
١، ٢، ٣. محاضرات في فقه الإمامية في أبواب الزكاة، الخمس، صلاة المسافر، كل منها في مجلد واحد.
٤. كتابه الشهير (قادتنا كيف نعرفهم) في 8 مجلدات.
٥. رسائل في المسائل المستحدثة كالتأمين واليانصيب، ( بالعربية والفارسية)

٦. تعليقته على العروة الوثقى.
٧. محاضرات في فقه الإمامية بيع في مجلد واحد.
هذه جملةٌ من الآثار العلمية التي صنفها سماحته (قدس سره) إبان فترة إقامته في النجف الأشرف ومشهد المقدسة، والتي رأت النور ودخلت حيز الطبع، وله غيرها رسائل ومؤلفات مخطوطة أُتيح ذكر تفاصيلها في الكتب التي استعرضت سيرته الذاتية ومسيرة حياته الحافلة

وكان سماحته، أسوة بأستاذه المحقق الأصفهاني، يمتلك قريحة شعرية وظفها في مدح أهل البيت (عليهم السلام)، ومنها أبياته في وريث العترة (عج):

إلى متى حيرتي وحتى متى ..
يطول النوى وندارى الشجن
فديناك من غائب يُرتجى ..
ومن حاضر في القلوب استكن

ومن الخصائص البارزة لآية الله الميلاني (قدس سره)، ذلك الولاء المفعم بالحب والعشق لآل البيت، وهو أمرٌ كان يتجلى بوضوحٍ في سائر محافله ومجالسه؛ حتى إنه كان يضع في غرفته الخاصة، وتحديداً فوق موضع رأسه، لوحةً نُقشت عليها بيتان بجمالٍ أخاذ، يخاطب فيهما بقية الله الأعظم (عج):

يا صاحب العصر والزمان.. نقشتُ فوق رأسي اسمك الشريف.. إقراراً بأن رأسي فداءٌ لموطئ قدمك.

وعلاوةً على ذلك، فإن قصائده الأدبية باللغتين العربية والفارسية خيرُ شاهدٍ على عظيم ولائه وفنائه فيهم، كما يُعدّ سفره الخالد (قادتنا.. كيف نعرفهم) في مجلداته الثمانية برهاناً ساطعاً على هذا العشق الولائي العميق.

الخدمات الاجتماعية
لقد كان آية الله الميلاني فقيهاً يعيش في قلب المجتمع، وكان خبيراً بتشخيص آلام الأمة وواصفاً لعلاجها؛ ومن هذا المنطلق، قدّم خدمات جليلة تماشياً مع متطلبات عصره، نذكر منها:

أولاً: التدريس في الحوزات العلمية: بادر سماحته إلى التدريس في حوزات النجف الأشرف وكربلاء المقدسة، وأخيراً في مشهد المقدسة. وكان مجلس درسه في “جامع جوهرشاد” مشهوداً، حيث غصّ بمئات الطلبة والمشتغلين، وهو أمرٌ يعلمه جيداً كل من عاصره في حياته.

ثانياً: بناء المدارس في مشهد والمدن الأخرى: على الرغم من كثرة المدارس في مشهد آنذاك، إلا أنها كانت تفتقر إلى المناهج المنتظمة؛ لذا قام آية الله الميلاني بتأسيس مدارس حديثة ووضع لها برامج تعليمية دقيقة ومتقنة ورصينة. ولم يقتصر اهتمامه على حوزة مشهد فحسب، بل امتد أثره لتأسيس حوزات علمية في مختلف مدن إقليم خراسان، جنباً إلى جنب مع عنايته الخاصة بدعم وتأسيس المؤسسات الخيرية.

ثالثاً: الانفتاح الدولي والتقريب: في سيرة حياته فصلٌ حافل تحت عنوان “اللقاء بالشخصيات” الوافدة من داخل البلاد وخارجها؛ ونظراً لتمكنه التام من اللغة العربية، فقد كان يقصده كبار الشخصيات من اليمن ومصر وسوريا، حيث كانت تدور بينهم حوارات قيمة تصبّ جميعها في مجرى “التقريب بين المذاهب الإسلامية”.

المواقف السياسية لآية الله الميلاني
إن السياسة بمعناها القائم على “التدبير السليم لشؤون البلاد الإسلامية” وفق الموازين الشرعية هي من صلب نهج المعصومين (عليهم السلام)، ولذا وُصفوا في الزيارة الجامعة بـ “ساسة العباد”. وفي عصر غيبة ولي الله الأعظم (عج)، تقع هذه المسؤولية على عاتق العلماء والفقهاء ليكونوا عيناً ساهرة على شؤون الأمة، فإذا استشعروا انحرافاً في الإدارة بادروا للنصح والإرشاد، فإن لم يجدِ ذلك نفعاً، وجب القيام والنهضة.

وفي هذا السياق، نجد فتوى المجدد الشيرازي عام 1309هـ بتحريم التنباك التي أدت لفسخ العقد الاستعماري مع بريطانيا. وكذلك نهضة الراحل الشيخ فضل الله النوري حين أدرك أن القائمين على الدولة يريدون “مشروطةً” بلا دين، فصمد حتى نال الشهادة على أعواد المشانق. وكذا فعل أستاذنا العظيم الإمام الخميني (رضوان الله عليه) الذي نهض وتحمل صنوف المعاناة لاجتثاث جذور الفساد.

وآية الله الميلاني هو من هذا الرعيل؛ فنضاله في جميع تلك المنعطفات كان جلياً ومبرهناً، ولمن أراد الوقوف على خدماته (القلمية والبيانية والعملية) مراجعة المصادر التالية:

وثائق الثورة الإسلامية (المجلد الأول).

آية الله العظمى السيد محمد هادي الميلاني في وثائق الساواك.

إن ما سُطر أعلاه ليس إلا نزراً يسيراً من خصائص هذه الشخصية الفذة التي لا يمكن الإحاطة بها: هُوَ البَحْرُ من أيِّ النَّواحي أتَيْتَهُ … فَلُجَّتُهُ المَعروفُ والجودُ ساحِلُهْ

إن رحيله لم يكن غياباً لفرد، بل كان فقداً لشخصية نهضت بمفردها بأعباء أمة ومؤسسة. وحقّ لنا أن نتمثل بقول الشاعر: كأنّي بموتِ فردٍ قلّ عدُّنا .. ولكنْ بفقْدِ العقلِ آلافاً فقدْنا

قم المقدسة – مؤسسة الإمام الصادق (عليه السلام) جعفر السبحاني

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *