خاص الاجتهاد: في حوار مع الأُستاذ بُنيادي: إنّ الرسائل العمليّة الراهنة لا تُواكب المسائل المُستحدثة/ يجب بيان الحكم الشرعي للمسائل السياسية والاجتماعية في الرسائل/ لا بُدَّ من إضافة عناوين وأبواب جديدة/ ينبغي تسريع إمكانيّة الوصول إلى الرسائل العمليّة/ يجب تدوين الرسائل العمليّة بمختلف لغات العالمصرَّح أستاذ البحث الخارج في الحوزة العلمية بقم قائلاً: الكثير من القضايا المطروحة في الأوساط السياسية لها أحكامها الشرعية، غير أن هذه الأحكام لا تُذكَر في الرسائل العمليّة. ونظراً لالتصاق حياة الناس بالثورة والمستجدات السياسية، من الضروري إدراج أحكامها الشرعية.
وفي حديث خاص لوكالة شفقنا، أوضح حجة الإسلام الشيخ حسين بنيادي أن: عصرنا الحالي يتميز بتسارع القضايا المستجدة والموضوعات الطارئة، وهذا التقدم، حتى على الصعيد الاجتماعي والتقني، يُلزم الفقه بالتعاطي معه. وعليه، بينما تقلّ أهمية بعض المسائل التي كانت محلَّ حاجة للناس سابقاً، تظهر قضايا أخرى مثل المصارف، والأسهم، والعملات المشفرة، بل والفقه الطبي، ما يؤكد أن الرسائل العملية المتداولة لا تغطي هذه الجوانب من المسائل.
وأوضح بنيادي أنه: ربما كانت هذه المسائل في زمن ما تُعدّ ضمن المسائل الغريبة والمستحدثة، أما الآن فقد أصبحت من القضايا الرائجة؛ ففي البُعد الطبي، على سبيل المثال، لدينا الكثير من المسائل المتعلقة بـعمليات التجميل التي هي محلُّ ابتلاء المجتمع اليوم. وعندما نُلقي نظرة عابرة وسطحية على هذه المسائل، نجد أن بعض أبواب الرسائل العمليّة خالية منها، ونقصانها مشهود وغير قابل للإنكار. لذا، لا بُدَّ من إعادة نظر في عناوين وفهرس الرسائل العمليّة، وكذلك في كمّ وكيف مسائلها.
أما تفويض هذا الأمر إلى بعض مراكز الإجابة (مراكز الاستفتاء)، فهذا يضاعف العمل وقد لا تكون الفتاوى الصادرة عنها هي فتاوى المراجع أنفسهم. ومن هذا المُنطَلَق، يلزم إجراء مراجعة جادَّة في هيكلية وشكل الرسائل العمليّة.
وعدَّ حجة الإسلام بنيادي “الوضوح” والكفاءة في البيان السمة البارزة للرسائل العمليّة، وقال: الهدف من الرسائل العمليّة هو بيان الأحكام والشؤون الفقهيّة للمسائل بوضوح، لكن في الوقت نفسه، فإن ما يصعب الحديث عنه هو جامعيّة الرسائل العمليّة.
وأكّد أن: نوع الأدبيات والأسلوب المستخدم في الرسائل العمليّة يلقى نقدًا أقل من المجتمع، ولكن فيما يتعلق بتنوّع المسائل والموضوعات، يبرز السؤال: لماذا تخلو الرسائل العمليّة من المسائل والموضوعات الجديدة؟
ينبغي إدراج الأحكام الشرعية للقضايا السياسية والاجتماعية في الرسائل
وقال أستاذ البحث الخارج في حوزة قم العلمية متحدثاً عن فصول الرسائل العملية: إنَّ جملة من الأبواب المدرَجة في الرسائل العملية هي من صميم الفقه، بمعنى أنها أصبحت محلَّ ابتلاء الناس ومحور تساؤلاتهم. وعليه، لا توجد حاجة اليوم إلى إسقاط الأبواب الموجودة في الرسائل العملية القديمة، ولكن لا بُدَّ من زيادة المسائل والموضوعات المستجدّة، كالمسائل السياسية والاجتماعية، إلى هذه الرسائل بمنهجية واضحة.
وقال: الكثير من القضايا التي تُثار في الساحات السياسية ليست مجرَّدة من فتوى شرعية، إلا أنَّ أحكامها الشرعية لا تُفصَّل في الرسائل العملية. وفي ظل التشابك القائم بين حياة الناس والثورة والمناقشات السياسية، يبدو واجباً إظهار الأحكام الشرعية لتلك القضايا. وبتعبير آخر، يجب أن تشتمل الرسائل العملية على هذه الأحكام الشرعية المتعلقة بالمباحث السياسية والاجتماعية.
يجب أن تُصبح الرسائل العمليّة متخصِّصة
وفيما يتعلق بإضافة أبواب مستقلة لـ”الحقوق” و”الأخلاق” إلى الرسائل العمليّة (توضيح المسائل)، بيَّن الاستاذ بنيادي: هذه المسألة مطروحة بين الأعاظم في الحوزة، وهي أن الرسائل العمليّة اليوم ضخمة، وإذا أردنا إضافة مباحث جديدة إليها، فستصبح في عدَّة مجلَّدات. في رأيي، لا إشكال في ذلك؛ وإذا استطعنا أن نتجه بالرسائل العمليّة نحو التخصُّص بناءً على طلب المجتمع، فستكون هذه من الابتكارات الجديدة في المرحلة الراهنة.
وشدَّد على ضرورة اطّلاع الفقيه على قضايا العصر، قائلاً: بإمكان الفقيه الواعي والمُطّلع أن يستنبط الأحكام الشرعية بسهولة. لذا، فإنَّ تطوير أو تكثير الرسائل العمليّة يتطلب مقدّمات يجب أن يكون فقهاؤنا واعين بها. هناك كثير من المسائل الموجودة في المجتمع الإيراني، وفي المقابل، هناك كثير من المسائل الموجودة خارج المجتمع الإيراني. إذا أردنا أن تكون لدينا رسائل عملية مُحدَّثة، فإنَّ شرط ذلك هو الوعي والإحاطة بالموضوعات الجديدة.
يجب عدم سوق الرسائل العملية نحو العَرفَنة والتطبيع العُرفي
أوضح حجة الإسلام بنيادي مُبيِّناً أن الرسائل العمليّة يجب ألا تُساق نحو العَرفَنة والتطبيع العرفي، بقوله: إنَّ لدينا أدلة كافية ومُتقَنة في المباحث الفقهية، سواء في المباحث الاستدلالية أو الرسائل العملية وبيان الأحكام الشرعية. ولذلك، عندما نقول إن المجتمع يطالبنا برسائل جديدة، فالمقصود ليس أن نذهب بالرسائل نحو العَرفَنة، مشيرا إلى أن: النقطة التي يجب الانتباه إليها هي ضرورة إيجاد الدافع اللازم في الحوزات العلمية للإجابة على التساؤلات، بحيث يتم تقديم حدّ أدنى من الإجابات على الأسئلة الشرعية بـاللغات الحية في العالم. وعندما نُحقِّق هذه الشمولية في الأحكام الشرعية، فإنَّ الأرضية لـبيان المسائل الاعتقادية تنشأ تلقائياً. وبعبارة أخرى، لترتيب رجوع الناس إلى المسائل الدينية، علينا أن نرى ما هي احتياجاتهم الأوليَّة. ويُشعَر بأن بيان المسائل الشرعية بصيغة مُحدَّثة ضمن إطار الرسائل العملية، قد أصبح في الأولوية عند تقييم الحاجة الاجتماعية.
وأضاف بنيادي: بعض مسائل الرسائل العملية اليوم ليست محلَّ ابتلاء المجتمع بشكل كبير، ولا توجد ضرورة لوجودها في الرسائل العملية. ولكن في النظرة الإصلاحية للرسائل العملية الموجودة، ينصبّ نظرنا أكثر على الزيادة المنطقية للمسائل دون أن نُصاب بـتضخُّم الرسائل العملية.
وأشار إلى رسالة المرحوم آية الله العظمى البروجردي، قائلاً: لقد كان السيد البروجردي يتمتع بـالدقة الكافية لكي تَرِد المسائل الأصلية ومحلَّ الابتلاء في الرسالة العملية، وتُعالَج المسائل الفرعية عبر الاستفتاءات والرجوع إلى مراكز الإجابة والاستفتاءات.
لا بُدَّ من إدراج أبواب وفصول جديدة في الرسائل العملية
وتابع بنيادي: إنَّ ما نشعر به اليوم كـضرورة إصلاحية وزيادية لإكمال الرسائل العمليّة، هو افتقارها إلى العناوين والفصول المستحدثة التي يجب الالتفات إليها.
وأشار إلى أن أحد ميزات الرسائل المدَوَّنة كانت إمكانية الوصول إليها، قائلاً: في عصرنا الحالي ومع توفّر الوسائل التكنولوجية الحديثة، يجب تحسين سرعة الوصول إلى الرسائل العمليّة، سواء كانت بصيغتها الورقية أو الإلكترونية والرقمية.
وأوضح الأستاذ الحوزوي في قم أن: مهمة الرسائل العمليّة تتعلق ببيان الحلال والحرام، بينما المباحث العقائدية تتطلب طرحاً مُتقَناً ومبرهناً، وهذا مرتبط بـالوعي الإعلامي لدى الأكابر والفقهاء، وهو ما يتمثل في صورة حوارات فكرية، ودراسات دينية، وكتابات، ونقاشات دينية. لكن الرسائل العمليّة لا تضطلع بهذه المهمة.
وأكّد أن: الحوزة العلمية لم تُوفَّق بالكامل في مجال تأليف الرسائل الاجتماعية والأخلاقية لتكون بمثابة دليل إرشادي لحياة المسلمين عالمياً، رغم ما قدمته من أعمال ذات قيمة. ومع ذلك، لا يجوز التغاضي عن عوامل الإيجاز، والجامعية، والجذب في نتاجاتنا الدينية.
الحوزة تحتاج إلى مركز “رصد وإجابة”
وفيما يتعلق بـتدوين رسائل مخصصة للمهتدين الجدد للتشيّع والمستبصرين، قال بنيادي: إنَّ المنهجية في تقديم المسائل الإسلامية تُعدّ مسألة هامة؛ إنَّ “التبيين” و”البلاغ المبين” اللذين أكَّد عليهما قائد الثورة، هما جزء من المحتوى، ولكن يجب ألا نغفل عن المنهج أيضاً. إذا رأينا أن هناك جماعات تتوجه نحو الإسلام، أو أن هناك اهتماماً متزايداً بدراسة الإسلام والتشيّع في المجتمع العالمي، فلا ينبغي أن نكون مجرد مراقبين.
يجب على الحوزات العلمية أن تقدِّم لهذه المجتمعات كتباً مُستحدثة ذات متانة محتوائية ومنطق ديني في الموضوعات الدينية والأخلاقية.
وقال: الحوزة تحتاج إلى مركز “رصد وإجابة”؛ فمثل هذه الحوزة تكون حساسة تجاه قضايا العصر وتقدِّم مقالاتها العلمية، وملخَّص هذه الأعمال الذي يصل إلى الجمهور، هو عبارة عن مجموعة علمية تتوافق مع الفطرة البشرية.
وأكَّد أن: مجموعة المعارف والتعاليم التي وصلتنا تتوافق مع فطرة البشر، ويمكن استخدامها كـدليل لحياة الإنسان؛ وعلى سبيل المثال، يمكن استخراج رسالة عملية سياسية من نهج البلاغة. إنَّ جزءاً من عِزّة التشيُّع يتعلق بالآثار التي وصلتنا من زمن المعصومين.
يجب تدوين الرسائل العمليّة بلغات مختلفة وبما يتناسب مع عقلية المجتمع المستهدف
كما صرَّح أستاذ البحث الخارج في حوزة قم العلمية قائلاً: من الاحتياجات الموجودة في العالم، والتي يطالب بها المستشارون الثقافيون، هي تدوين الرسائل العمليّة بلغات العصر وبما يتناسب مع ذهنية أفراد تلك المجتمعات. خاصة وأن المذاهب المنافسة تعمل في مجال المباحث الدينية والطائفية.
وأضاف: إنَّ التشيُّع مليء بـالمصادر المعرفية الغنية، والتي يجب تحديثها وتقديمها في قالب جذّاب ومناسب للشباب. في هذا العالم الذي يُحارَب فيه الفكر التوحيدي والمدرسة التوحيدية، والذي يسعى لـإحلال مدرسة العلوم الإنسانية المادية محلَّ العلوم الإنسانية الإسلامية، فإنَّ واجبنا هو أن نتعرَّف على الجمهور أولاً، ثم نُثير حساسيته ليخطو خطوة نحو فهم مدرسة التشيُّع.
وأكَّد بنيادي في الختام: الحوزة العلمية في قم والنجف هما مُكمّلتان لبعضهما البعض. وكلما ازداد التواصل بين هاتين الحوزتين يوماً بعد يوم، تمكَّنّا من تقديم آثار فاخرة ومؤثِّرة في العالم، مع الأخذ بعين الاعتبار الرؤى والتوجهات المختلفة الموجودة.