الاجتهاد: لا أحد يُنكر دور المنبر الحسيني في التوعية الإسلامية، وعلى مدار العصور والأزمان، لا سيّما بعد النقلة النوعيّة التي حدثت له منتصف القرن الماضي تقريباً، النقلة التي طالت الأُسلوب والمضمون معاً، ممّا أعطى ذلك للمنبر الحسيني أبعاداً واسعة، ومديات مهمّة في العمل التبليغي والنشر الإسلامي،
فلم يعُد الخطيب الحسيني مجرد ذلك الناعي المفجع، الذي لا همّ له إلّا تأجيج العواطف، واستدرار الدموع، عبر الصور والخيالات التي يرسمها ببيانه وحركاته وصوته الحزين عن واقعة الطف وأحداثها الأليمة، بل أصبح واعظاً ومرشداً، وعالماً موجهاً، يتناول مختلف النظريات العلمية، التي يمكن الاستعانة بها في مجال العقيدة والأخلاق وصلاح الناس.
ولذا اتسعت دائرة الخطاب الحسيني، وخرج من حدوده المكانية والفكرية الضيّقة، ليصل إلى المساجد والقاعات العامّة، والجامعات، والكليات، والمعاهد، والمراكز الثقافية، وغيرها من الأماكن العامّة، وفي مختلف مناطق العالم، وليشمل خطابه كلّ المجالات الفكرية والعلمية، فطال السياسة، والاقتصاد، والمجتمع، والعلوم الحديثة، ومختلف التخصصات.
وبسبب هذه السعة والشمولية والقفزة النوعيّة أصبح المنبر الحسيني من أبرز المصادر الفكرية والعلمية التي يعتمدها الناس؛ ليأخذوا منه معلوماتهم الدينية، ومختلف التوجيهات، ولا نبالغ إذا قلنا: إنّه أصبح يشكّل المصدر الوحيد لدى الناس، أو الاوّل بحسب تصنيفهم.
ومن هنا؛ كان من الضروري أن تأخذ المؤسسات الفكرية والثقافية التي تُعنى بالمنبر الحسيني دورها في تطوير الخطاب الحسيني، ومعالجة الأخطاء والإشكاليات التي تقع في طريقه، ولا بدّ من وقفات جادة، ومبادرات حقيقية، لتقويم الخطاب الحسيني، والارتقاء به نحو الأفضل والأكمل.
ومن تلك الوقفات والمشاريع المهمّة (توحيد الخطاب الحسيني) الذي سنتناوله مفصّلاً في هذه الصفحات، حيث نحاول تسليط الأضواء على أهميّة هذا المشروع وفوائده، وكيفية حصوله ووسائله، وسنذكر ـ إن شاء الله ـ بعض المقترحات في هذا الصدد، ولعلّها ستكون منطلقاً لبناء هذا المشروع ونجاحه في المستقبل.
وسنقسّم البحث على قسمين:
سنتناول في القسم الأول أهمية توحيد الخطاب الحسيني والآثار المهمّة المترتبة عليه، بينما في القسم الثاني سنتناول كيفية تحقيق ذلك، وما هي أهمّ المقترحات التي يمكن أن تنفع في هذا المجال.
المصدر: مجلة الإصلاح الحسيني وهي مجلّة فصليّة متخصّصة في النهضة الحسينيّة، تهتمّ بنشر معالم وآفاق الفكر الحسيني، وتسلِّط الضوء على تاريخ النهضة الحسينيّة وتراثها، وكذلك إبراز الجوانب الإنسانيّة والاجتماعيّة والفقهيّة والأدبيّة في تلك النهضة المباركة، وقد قطعت شوطاً كبيراً في مجالها، واحتلّت الصدارة بين المجلّات العلميّة الرصينة في مجالها، وأسهمت في إثراء واقعنا الفكري بالبحوث العلميّة الرصينة
تحميل المقالة بعنوان
سُبل توحيد الخطاب المنبري الحسيني
تحميل العدد الـ26 من مجلة الإصلاح الحسيني