الاجتهاد: بعد انتهاء فترة عطلة شهري المحرم الحرام وصفر الخير، التي تم خلالها إحياء ذكرى عاشوراء والزيارة الأربعينية، عادت الحوزة العلمية في النجف الأشرف يوم الأحد إلى نشاطها الدرسي والبحثي المعهود.
واستأنف الحوزة العلمية في النجف الأشرف قبل أمس الأحد؛ الأول من شهر ربيع الأول لعام ١٤٤٥ للهجرة، الموافق 17 أيلول/سبتمبر 2023 ميلادية، الدروس والبحوث العلمية والدينية بعد انقضاء العطلة الصيفية والعاشورائية.
ومن المقرر أن يشمل النشاط الدرسي والبحثي المعتاد للحوزة، إلقاء أساتذة البحوث والسطوح والمقدمات، دروسهم في الفقه والأصول والتفسير والكلام والرجال والحكمة والفلسفة والنحو والصرف والبلاغة والمنطق والأخلاق.
ويلتفت الطلاب في هذه الدروس حول منابر أساتذتهم لنيل الفائدة والفهم، والظفر بنعمة العلم والتعلم.
نشاطات الحوزة العلمية في النجف الأشرف
وخلال الفترة الماضية، واصلت الحوزة العلمية في النجف الأشرف نشاطاتها وفعالياتها المختلفة، حيث رعت ملتقى المشروع التبليغي في إطار تحضيراتها للزيارة أربعينية الغمام الحسين عليه السلام.
وقد انطلقت في مدينة النجف الأشرف، في 24 آب الماضي، أعمال مؤتمر مبلغي زيارة الأربعين السنوي الثاني عشر، وذلك في سياق مشروع المرجعية الدينية العليا لخدمة زائري الأربعين.
وتضمن المؤتمر كلمات خاصة لمراجع الدين العظام كتوصيات للمبلغين في خدمتهم لزوار أربعينية الإمام الحسين عليه السلام. والذي شهد حضور أكثر من (750) مبلّغاً.
تاريخ يمتد لألف عام
وتعد الحوزة العلمية النجفية هي العاصمة العلمية الدينية التاريخية للنظام الاجتماعي الديني الشيعي العالمي، منذ (1000) عامٍ تقريباً؛ فقد أخذت موقعها هذا بعد العام 448ه (1038م) على يد زعيم الشيعة في وقته الشيخ محمد بن الحسن الطوسي المعروف بشيخ الطائفة، وبقيت تمارس دورها العلمي والفكري والديني والتبليغي والإعلامي والأدبي والاجتماعي والسياسي دون توقف حتى اللحظة الراهنة.
وكان اختيار الشيخ الطوسي للنجف، متزامناً مع احتلال السلاجقة الأتراك لبغداد، وإشعال الفتنة الطائفية فيها، والتي تسببت في إحراق بيت الشيخ الطوسي وتدمير الحوزة العلمية الشيعية فيها.
وكان أمام الشيخ الطوسي عدد من الخيارات البديلة؛ لكنه اختار النجف الأشرف لبعدها النسبي عن بغداد، وكونها قصبة شيعية صرفة، وتمتعها بحماية المحيط العشائري الشيعي، ووجود حوزة علمية قائمة فيها، ووجود مرقد الإمام علي بن أبي طالب، ولذلك انتقل إليها مع مئات من تلامذته وأتباعه، وحوّلها إلى مركز دائم لزعامة النظام الاجتماعي الديني الشيعي.
ومما يجدر ذكره أن عملية تلقي العلوم الدينية في النجف قد بدأت منذ القرن الثالث الهجري ووصلت إلى أوج إزدهارها في عهد عضد الدولة أحد الملوك البويهيين، حيث فسح المجال لرجال العلم المقيمين في النجف (1)،
غير أن الدراسات العلمية قد أخذت طابعها المنهجي على يد الشيخ الطوسي الذي – وكما تذكر المصادر – كان أول من فتح باب التدريس على طريقة الاجتهاد المتبعة اليوم في النجف، وهو أول من جمع من علماء النجف بين الحديث والفقه والأصول في مؤلفاته، وأوجد هيئة علمية ذات حلقات ومنذ ذلك الحين اخذت تَفِدُ على مدينة النجف أعداد كبيرة من طلاب العلم، ويذكر الشيخ محمد حسین المظفر إن عدد طلاب مدرسة النجف قبل الإحتلال الانكليزي للعراق يقدر بنحو عشرة آلاف طالباً (2).
ويذهب بعض الباحثين إلى أن حوزة النجف هي إمتداد لمدرسة الكوفة العلمية التي شيّدها الإمام علي “عليه السلام” وبلغت ذروتها في عهد الإمام الصادق “عليه السلام”.
ولم تكتسب الحوزة العلمية مكانتها في تاريخ الفكر الإنساني الشيعي بوصفها جامعة كبرى لتلقي العلوم الدينية وحسب فهي بالإضافة إلى دورها في إعداد وتهيئة الكوادر العلمية المتخصصة في علوم الدين تعتبر مركز الجهاز المرجعي العام الذي به يقود المرجع الأمة.
الحوزة العلمية في ظل العراق المعاصر
وشهدت الحوزة العلمية في النجف الأشرف نهضة نوعية وكمية بعد سقوط النظام البعثي في العام 2003.
ولعل ما وصلت إليه منذ ذلك التاريخ وحتى الآن يُعدّ إنجازاً كبيراً؛ إذ استعادت النجف الأشرف جزءاً أساسياً من عافيتها، بعد حرب شاملة استمرت (35) عاماً، شنّها ضدها نظام البعث، الذي اعتقل وقتل وشرّد واضطهد أغلب منتسبيها.
فقد كان عدد منتسبي حوزة النجف يبلغ في العام 1967 حوالي (16) ألف طالب وأُستاذ، وانخفض هذا العدد إلى (500) فقط في العام 1991.
وقد بلغ عدد منتسبي الحوزة العلمية في النجف الأشرف في العام 2020، حوالي (15) ألف طالب وأُستاذ، يتوزعون على مراحل الدراسة الثلاث: المقدمات، والسطوح، والبحث الخارج، فضلاً عن وجود علماء ومراجع دين متفرغين للشأن العام أو البحث والتحقيق والتأليف والتبليغ.
(۱) الكامل لابن الأثير ج 8 / 334.
(2) الكامل لابن الأثير
المصدر: شفقنا + الاجتهاد