إشكالية المتخيل في التراث الإسلامي

إشكالية المتخيل في التراث الإسلامي / عدنان هاشم الحسيني

الاجتهاد: تعتبر مسألة التعامل مع التراث الإسلاميّ المکتوب ودراسته – من حيث كون مضامینه أمورًا واقعيّةً أم أنّها صرف خيالاتٍ – من المسائل الّتي طرحت في قراءة التراث مؤخّرًا، وأخذ بعضهم بطرح نماذج عدّةٍ لتكون أمثلةً على عدم تاريخيّتها (عدم واقعيّتها)، وهو ما یثبت کون التراث ملیئًا بالمتخيّلات الّتي لا واقع لها، ويعدّ كتاب “جدل التاريخ والمتخيل.. سيرة فاطمة” نموذجًا لهٰذه القراءة.

ولا شكّ أنّ هناك عدّة مناهج للبحث في التراث كالمنهج النصّيّ والمنهج العقليّ والمنهج الاستقرائيّ ومنهج الاستناد إلى النصوص الأدبيّة والمنهج التأويليّ. إلّا أنّه وصف کثیرًا من المفردات التراثيّة بالمتخيل، فهو يسعى لتهديم التراث الإسلاميّ ووصفه بأنّه مسكونٌ بالخيال، وأنّ كثيرًا من المقولات الّتي تراكمت عبر الأجيال ما هي إلّا نتاج خيالٍ خصبٍ لعلمائه. مع أنّ العلماء قد ضبطوا بحوثهم ضمن ضوابط فقهيّةٍ وروائيّةٍ وأنساقٍ لا تتعارض مع العقل.

التمهيد:

هنالك مطبّان واجههما التراث الإسلامي المكتوب: الأول، أن القسم المكتوب منه بشكل رسمي برعاية السلطات الحاكمة عبر عصور الزمن يتّسم بالإقصاء والتهميش والتحريف لكل ما هو معارض لشرعية تلك السلطات وأفرادها.

والآخر، يكمن في أتباع التيّار الحداثي الذين ما فتئوا يفرضون فهمهم الحداثي لمجريات الماضي.

إن قراءة تراث الآخر بقيت محكومة لـ (الأيديولوجي) على حساب المعرفي (الإبستمولوجي)، أو تكريس الإبستمولوجي الحساب الأيديولوجي في غياب واضح لمنهج معرفي مستقل عن الميولات والاتجاهات.

إن التراث الإمامي عاش الانزواء والإقصاء الذّي فرضه عليه التراث الرسمي؛ ولذلك عانى من كثير من المشاكل،

يقول إدريس هاني: إن مشكلة العرب والمسلمين في مجال الكتابة التاريخية، تكمن في كونهم حوّلوا هذه الممارسة الموضوعية إلى وظيفة لتركيز أيديولوجيا ما، أو إثبات الشرعية لكيانات سياسية مختلفة، التاريخ العربي قتلته السياسة؛ لذا جاء مجزّأً وملتبسًا، بناءً على تجزئة الخريطة السياسية والمذهبية التاريخية للعرب والمسلمين.

فالمؤرخ بالدرجة الأولى رجل منخرطٌ – رغما عنه – في الصراع السياسي؛ لأن قطاع المعرفة كله بيد البلاط، ولا حديث حينئذٍ عن استقلال المورّخ! وحينما لا يستقل المورّخ لا يستقل التاريخ. هكذا ورثنا تاريخاً عربياً متناقضًا ومتمذهبًا ومنمّطًا» [هاني محنة التراث الآخر، ص 17].

ولا يخفى أن هناك عملية تأثّر وتأثير بين التاريخ وبين غيره من العلوم، بل إن التاريخ يكاد يكون كيانا رقيقا يتأثر بكل شيء، ولا سيما علم الكلام الذي أثّر أيّما تأثيرٍ في كتابة التاريخ. ([انظر: سلهب، علم الكلام والتاريخ، ص 128].

وكثيرون كتبوا في التراث وأمعنوا فيه تحليلا ونقدًا؛ إذ أصبح للنظر في التراث ارتدادات معرفية أحيانًا، وفي أحيان أخرى أيديولوجية، بل إنّ النظر في التراث قد يبلور موقفًا عقديًّا وسلوكيا متكاملا.

المشكلة التي يطرحها البحث هنا تعالج أمرين: الأول، هو توصيف عام لمناهج بحث التراث وتخصيص لفهم المتخيل بالتفصيل، نقدًا وتحليلا، وتحديد الملاك الصحيح في وصف الشيء بكونه متخيّلاً.

وثانيًا، معالجة نموذج طرحه الكاتب بسام الجمل والمتمثل ببحثه حول شخصية السيدة الزهراء اله، نقدا وتحليلا.

إشكالية البحث
انطلاقا من التطرف في التعامل مع الأثر المتقدم للمتخيّلة ظهرت خيوط لاتّجاه فكريّ معيّنٍ منذ سنوات قليلة في بعض الجامعات، ينظر إلى كلّ أمرٍ مذكور في التراث لا يتلاءم مع ذوق الباحث أو العقل الجمعي لفئة ممّن يحملون نمطا ثقافيًا أو أيديولوجيا معينا، ينظر إليه على أنه من وحي الخيال،

وركز هذا الاتجاه على أن ينظر إلى التراث الإسلامي بأنه مسكون بالخيال، وأن المقولات التي تراكمت عبر الأجيال ما هي إلا نتاج خيال خصب استطاع توسيع ما هو واقعي وضيق في إطار حدود معينة، والخروج به إلى فضاءاتٍ رحبة غير منظورة من قبل المصدر، وإما أن يكون ما جاء في التراث عبارة عن اختلاق لا علاقة له أصلا بالواقع؛

ولذلك يقول أحدهم: ونرى أن العلاقة وطيدة بين المتخيّل وصناعة التاريخ الإسلامي؛ إذ الجامع بينهما هو انشدادهما إلى المجتمع بكل قطاعاته وفئاته ، فالمتخيّل هاهنا هو بالأساس متخيّل جمعي ساهمت عدة أجيال إسلامية في تشكله على التدريج، وهو يعبّر عند القدامى عن التاريخ، بل إن المتخيل عندهم هم عين التاريخ { الجمل، مقالة المتخيّل وصناعة التاريخ موقع مؤمنون بلا حدود، الإنترنت.}

ويصرّحون بضرورة أن يفصل الباحث بين التاريخ الحقيقي والتاريخ المزيف (المتخيل)، فالمسألة هاهنا أشبه ما تكون بعملية الحفر الأركيولوجيّ، بمعنى اختراق طبقات مترسّبةٍ من التاريخ الإسلامي المتخيّل بحثا عن نواة الحدث الحاصل فعلا في التاريخ،

ومثل هذا التمشّي المنهجي يحوج إلى أن نطرح ثلاثة أسئلة مدارها جميعًا على ذلك التاريخ الإسلامي المتخيل، وهي على التوالي: ما الذي صنع؟ وكيف صنع؟ ولماذا صنع؟ [المصدر السابق].

وليس من قبيل الجزاف القول إنّهم استعاروا مصطلح المتخيّل الذي يستعمل في الدراسات والبحوث الأدبية التي تتناول الرواية والقصة، وألصقوها بمسألة البحث في التراث الديني والنصوص الدينية (القرآن والروايات)

فإنّ الرواية عادة ما تستمد سردها من خلال التفاعل والتعشّق مع مجالاتٍ قد تكون بعيدةً في نظر من لم يلج هذا المجال، ويشكّل التاريخ منبعا لا ينضب، يستوحي منه كاتب الرواية مواقف إنسانية في عملية تلاقحٍ انفعالية بين ما هو واقعٌ فعليٌ، وبين ما هو منتجٌ خياليٌ في ذهن الروائي.

وعليه، فإن أصحاب مفهوم المتخيل حينما يبحثون في التراث الديني، الذي يمثل التاريخ جزءا من تشكلاته، فإنهم يحاولون تصوير الأحداث أو بعضها الأكثر، على أنها نتيجة تفاعل بين واقع محدّد وخيال متسع ومتجدّد، وابتدأ هذا المنحى في البحث في الجامعات المغربية، وأغرقوا فيها إلى المستوى الذي شوّش المصطلح.

يقول بسام الجمل أحد الناشطين في هذا الاتجاه: ” ولئن كان المتخيل في أبسط تعريفاته ـ يعني مثلما يذهب إلى ذلك كاستورياديس – القدرة على أن ترى في الشيء ما ليس هو، أو على غير ما هو عليه، فإنّ المتخيل الديني حسب تعريفنا له هو جملة المنتجات السيميائية، اللغوية أو غير اللغوية، التي يصطنعها الإنسان الديني في علاقته مع المفارق والمطلق، أو المحايث من أجل أسئلة البدايات والدنيويّات والأخرويات بعضها أو جميعها” { الجمل، المتخيل الإسلامي.. بحث في المرجعيات، موقع مؤمنون بلا حدود، الإنترنت].

واللافت أن جماعة المتخيل لا يعيرون أهمّيّةً لما ينتقدوه، سواءٌ أكان سنيًّا أم شيعيًّا، فهم ينتقدون المنتج الديني العام الإسلامي. [راجع: الجمل، أسباب النزول، ص 430] 

 

يمكنكم قراءة المقال كامله هنا

 pdf إشكاليّة المتخيّل في التراث الإسلاميّ

 

 

المصدر: مؤسّسة الدليل للدراسات والبحوث العقديّة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky