الاجتهاد: رغم مرور 44 عامًا على اختفاء رجل الدين الشيعي اللبناني موسى الصدر، لم يتمّ التوصل إلى نتيجة قطعية حول مصيره، ومع ذلك فإن جمهوره ما زال ينتظره، علمًا بأنه كان في الخمسين من عمره يوم اختفائه.
السيد موسى صدر الدين الصدر، هو مؤسس حركة “أمل” اللبنانية عام 1974 تحت اسم “حركة المحرومين”.
ولد في مدينة قم الإيرانية عام 1928 وتلقى فيها دروسه الدينية الأولى قبل أن يغادر إلى مدينة النجف العراقية لإكمال دراساته الدينية العليا، ومن ثم عاد إلى إيران بعد حركة يوليو/تموز 1958 التي أطاحت الحكم الملكي في العراق.
44 عامًا من المصير المجهول
آخر ظهور للإمام موسى الصدر كان في ليبيا، التي زارها مع اثنين من مساعديه في 25 أغسطس/آب 1978، لعقد اجتماع مع زعيمها معمر القذافي.
وشوهد اللبنانيون الثلاثة للمرة الأخيرة يوم 31 من الشهر ذاته، قبل أن يختفوا تمامًا بشكل غامض، ليبقى مصيرهم مجهولاً حتى اليوم.
مضت أكثر من 4 عقود، والشيعة في لبنان وإيران يتهمون ليبيا بالمسؤولية عن اختفاء الصدر ورفيقيه، لكن نظام القذافي نفى دومًا اختفاءهم أثناء وجودهم على أراضيه، وأكد أنهم غادروا إلى إيطاليا قبل الاختفاء، إلا أن السلطات الإيطالية أكدت أن الثلاثة لم يدخلوا البلاد لأنهم لم يخرجوا من ليبيا أصلاً.
ومنذ سقوط نظام القذافي عام 2011، تطالب حركة “أمل” بإلحاح السلطات الليبية بتوضيح مصير الصدر ورفيقيه، وتقول إن “مدير الاستخبارات الليبية السابق عبد الله السنوسي يعلم كلّ شيء حول اختفاء موسى الصدر”، وهو الذي ختم “زورًا” جوازات سفرهم إلى روما.
ومنذ عام 2012، يقبع السنوسي (73 عامًا) في سجن معيتيقة وهو أكبر سجن غربي البلاد، حيث يتم معاملته ”مثل كبار الشخصيات ويتم فحصه بانتظام من قبل أطبائه الخاصين“، وفق ما أكده أحد حراس السجن في وقت سابق.
وبعد مرور أكثر من 4 عقود، لا تزال قضية اختفاء الإمام الصدر دون نهاية، رغم الجهود التي بذلت بعد سقوط نظام القذافي بالتنسيق مع لبنان.
إلا أن حالة الفوضى العارمة والانقسام والتقاتل التي تشهدها ليبيا، تعيق على ما يبدو أي محاولة للكشف عن ملابسات اختفاء الصدر بشكل تام وبأدلة قطعية.
غيّب لأنه إمام الوحدة!
“الأناضول” التقت عددًا من محبّي الإمام الصدر في لبنان، وعزا معظمهم “إخفاءه”، بعد نحو 3 سنوات على اندلاع الحرب الأهلية (1975-1991) إلى دعوته أبناء الوطن على اختلاف طوائفهم إلى الوحدة ووقف الاقتتال.
وقال يوسف ضاهر (60 عامًا)، إن من أبرز الشعارات التي أطلقها الصدر في المرحلة التي سبقت اختفاءه، أن “لبنان لا يقوم إلا بجناحيه، المسلم والمسيحي” وأن “الطائفة نعمة، أما الطائفية فنقمة”.
وذكر ضاهر أن الإمام الصدر اعتصم عام 1975 ضد الانقسام الطائفي في البلد، بعدما هدّدت بعض الأحزاب بشنّ هجوم على القرى المسيحية في البقاع الشمالي (شرق لبنان).
وعما إذا كان الإمام الصدر “غائبًا” أم “مقتولاً”، قال ضاهر إن الأخير كان يقول دائمًا: “سوف أغيب عنكم فترة طويلة.. وسأعود”.
وأضاف: “نحن (الشيعة) مؤمنون بعودته، وهذا إيمان ربّاني راسخ لدى معظمنا”، موضحًا أن مسألة “الغياب والرجوع تعدّ من المسلّمات والمبادئ عند الطائفة الشيعية في لبنان”.
ولفت إلى أنه “في حال عاد الإمام الصدر من غيابه.. سيعمل على توحيد اللبنانيين بعد الفرقة التي ضربت أبناء الشعب الواحد”.
من جهته، قال الحاج حبيب أحمد الرز (82 عامًا)، وهو موظف حكومي سابق وأحد مريدي الإمام الصدر، إن الأخير “كان صاحب رأي واستشارة من معظم رجال السياسة والدين في لبنان، على اختلاف طوائفهم، حول الأحداث التي أصابت البلاد بسبب الحرب الأهلية”.
وأشار إلى أنه “عندما اختفى الصدر في ليبيا، ثار الشعب اللبناني بكل أطيافه من أجل الكشف عن مصيره، ورفعوا شعارات عدة منها: نريد الإمام يا عرب”.
وعن غيابه طوال هذه الفترة، قال الرز: “مصيره عند الله وحده، إذ ما من معلومات دقيقة حول القضية، وهناك كذب من الجانبين الإيطالي والليبي”.
واستذكر الرز الإمام الصدر عندما ذهب بسيارته لوقف الاقتتال بين القرى المسلمة والمسيحية في البقاع الشمالي، وقال: “من يعتدي على مسيحيّ كأنه يعتدي على عمامتي”.
إمام عابر للطوائف
بدوره، قال الأستاذ الجامعي عباس فارس بعلبكي (68 عامًا) إن الإمام الصدر “شخصية فذّة أتت إلى لبنان في ستينات القرن الماضي، فقلبت المعادلة اللبنانية، إذ كان بعض اللبنانيين يظنّون أنهم سيحكمون البلد منفردين دون مشاركة بقية الطوائف”.
وأردف: “كان السيد الصدر يدعو إلى المساواة في الحقوق السياسية والاجتماعية بين أبناء الوطن، دون تمييز بين طائفة وأخرى. وكانت شعبيته عابرة للطوائف، إذ كان يخطب في الكنائس، والحسينيات (أماكن لممارسة الشعائر الدينية لدى الشيعة) على السواء”.
ورأى بعلبكي أن ذلك كلّه جعل من الإمام الصدر “شخصية مهمة جامعة تلتفّ حولها شرائح اجتماعية كثيرة، ولا سيّما المحتاجون”.
“سيعود”
من جانبه، قال هيثم كلوت (47 عامًا)، وهو مسؤول إعلامي في حركة “أمل”، إن “الإمام الصدر من كبار الأئمة المجدّدين الذين نزلوا إلى أرض الواقع، ولم يكتفوا بالخطابات أو الكلام لمجرد الكلام لمعالجة أمور الناس وحاجاتها ومساعدتهم”.
وأضاف: “كان (الصدر) مقتنعًا بأن الحل في لبنان آنذاك لن يكون إلا جامعًا، وأن الحلّ سيكون مشتركًا بين الدول العربية مجتمعة”.
وأوضح أنه “من أجل ذلك، قام الصدر بجولة عربية ومن بينها كانت زيارته إلى ليبيا بناءً على دعوة من معمر القذافي، وعندما ذهب اختفى هناك، ونُسجت الروايات المختلفة حول قضية اختفائه”.
وشدّد كلوت على أن شيعة لبنان عمومًا، وحركة “أمل” خصوصًا، “على اقتناع تامّ بأن الإمام الصدر لا يزال على قيد الحياة في ليبيا، ولكن مكانه أو مصيره ليس معروفًا”.
وأردف: “في ظل الظروف التي يمر بها لبنان حاليًا، نحن في أمسّ الحاجة إلى شخصية مثل موسى الصدر العابرة للطوائف ليقول كلمة واحدة للجميع”.
ولفت إلى أن رسالة الصدر تتلخّص بأن هناك “كلمة سواء بين المسلمين والمسلمين، وبين المسلمين والمسيحيين”.
وأكد أن معظم الشيعة يؤمنون بعودة الإمام الصدر ولن يسلّموا بأنه قُتل، و”أنه ما زال مختطفًا وعلى قيد الحياة، ونأمل برجوعه في القريب العاجل مهما طال الزمن، ونحن ننتظره”.
وكالة الأناضول