خاص الاجتهاد: قال الأستاذ فاضل اللنكراني حول تفاصيل سفره إلى النجف: سألت المرجع الديني آية الله السيستاني «دام ظله» حول هذا العدول، وهل يوجد سند عليه؟ فأجاب: لم أسمع بهذا الشيء، ولكن قال فيما بعد: لدي جميع وثائق النائيني ولا يوجد هذا الأمر فيها، ومن العجيب أنّ البعض في الفضاء الافتراضي يريد أن يقول أنّ المرحوم النائيني عدلَ عن نظريته في “تنبيه الأمة”.
وفقا لتقرير “شبكه اجتهاد” التقى رئيس مركز الأئمة الأطهار(ع) الفقهي وعضو جامعة المدرسين في حوزة قم العلمية الأستاذ محمد جواد فاضل اللنكراني في سفره الأخير للعتبات المقدسة في العراق بالمرجع الديني آية الله السيد علي السيستاني “دام ظله”، وأجرى حوار علميا مع سماحته، وفيما يلي نقدم تقريرا حول جزء من ذلك اللقاء وحول لقاءات أخرى.
آية الله العظمى السيستاني “دام ظله” ركن أساس من أركان المرجعية الشيعية في العالم، وقد وفقني الباري عزّ وجلّ لزيارة ولقاء آية الله السيستاني في النجف الأشرف، والحمد لله سررت جدا لرؤيته وهو في أتم الصحة والعافية، وندعو الباري سبحانه أن يديم ظله الوارف على المسلمين والشيعة والحوزات العلمية الشيعية.
كنت قد صنّفت سابقا كتاباً في موضوع “إرث الزوجة” وقد زرت سماحته قبل حوالي ثماني سنوات، وحينها أخبرني بأنه قرأ الكتاب من أوله إلى آخره، وفي لقائي به في هذا السفر كان أول حديثه أن أبلغني بأنه اطلع على مؤلفاتي، ودعا لنا، وذكر المرحوم والدنا (آية الله الشيخ محمد فاضل اللنكراني “ره”) بعبارات المحبة واللطف.
وقلت لسماحته أنّه ينبغي على الحوزات الشيعية أن تولي موضوع “مقاصد الشريعة” اهتماما خاصا، فبعد “الشاطبي” بقيت مسألة مقاصد الشريعة راكدة ومتروكة عند أهل السنة لمدة 500 عام تقريبا، ولكن في العصر الراهن ظهر الكثير من العلماء من أهل السنة ممن يهتمون بهذه المسألة ومنهم رشيد رضا ومحمد عبده، فأثّرت مسألة مقاصد الشريعة بقوة على مباحثهم الفقهية والتفسيرية، ونحن نعتقد أنّ في تناولهم لهذا الموضوع الكثير من الإشكالات العلمية، وكما نفهم من كتبهم فإن بحث “مقاصد الشريعة” بات حاكما عندهم على جميع النصوص؛ وحتى على القرآن الكريم.
فالقدماء منهم كانوا يقولون عندما نفقد النص نتوجه للاستعانة بمقاصد الشريعة، ولكنّ المتأخرين والمعاصرين منهم يعتقدون بحكومة مقاصد الشريعة على القرآن الكريم والسنة الشريفة، وهم يصرحون أنّه إذا كان هناك موضوع يتناسب مع مقصد ما في زمان ما واليوم لم يعد هذا الموضوع مناسبا لذلك المقصد فإنّ الحكم يتغير.
وانطلاقا من مقاصد الشريعة وضعوا قاعدتين هما “قاعدة الكرامة” و”قاعدة العدالة”، ونحن في فقه أهل البيت (ع) لا يوجد لدينا مثل هذه القواعد، والمقصود من قاعدة الكرامة وجود تطابق بين الحكم الشرعي وبين الكرامة الإنسانية، فإذا لم يتطابق الحكم الشرعي في زمان ما مع الكرامة الإنسانية يجب تغيير هذا الحكم، وقد رأيت في بعض كتبهم أنهم قالوا أنّ الحجاب لم يكن سابقا منافيا لكرامة المرأة، ولكنّه صار في زماننا منافيا لكرامتها، ولذلك يقولون أنّه لا مانع من إظهار المرأة لشعرها ورقبتها في الدول الغربية مثلا.
وهذا الموضوع يتطلب الكثير من البحث العلمي، وهنا أريد أن أشير إلى النقطة التالية، نجد في أكثر نصوص زيارات الأئمة(ع) عبارة “وحللت حلاله وحرمت حرامه”، أي أنّ النبي الأكرم(ص) والأئمة الأطهار لم يحرموا ما أحلّ الباري سبحانه، ولم يحللوا ما حرّمه، وهذا الأمر غير مرتبط بالبشر حتى نقول أنّه في زمان ما أمر الباري تعالى بالحجاب، وفي زمان آخر يمكن أن نغير هذا الحكم، وهناك مسائل أخرى عرضت بعضا منها على سماحة آية الله السيستاني، وقد أثارت هذه المسائل دهشته واستغرابه.
وفي حديثنا لم يقل آية الله السيستاني سوى أنّ لديه كتاب “موافقات الشاطبي” ولكنّه لم يتحدث بشيء حول موضوع مقاصد الشريعة في العصر الراهن وحول الأمور التي غيروها في هذا البحث، ولكني رجوته وقلت هناك مئات الكتب المصنفة في موضوع مقاصد الشريعة، ومن غير الجيد أنّ الحوزات العلمية في النجف وقم لم تصدر حتى الآن حتى كتابا واحدا في الردّ عليها، ومن المستحسن أن تصدروا امرا للعمل على هذا الموضوع.
كنت قد سمعت شيئا حول المرحوم النائيني وهو أنّه عدل عن مبانيه التي ذكرها في كتابه “تنبيه الأمّة”، وقد سألت سماحة السيد السيستاني إذا كان قد سمع بهذا العدول، وهل يوجد سند لهذا الأمر؟ فأجاب بأنه لم يسمع بهذا الأمر، ومن ثم قال: لدي جميع وثائق النائيني وهذا الأمر غير موجود فيها. نعم من العجيب أن يتحدث البعض في الفضاء الافتراضي ويقولوا أنّ المرحوم النائيني قد عدل عن نظريته التي ذكرها في كتاب تنبيه الأمة.
كما تحدث سماحته في مواضيع أخرى، وروى واقعة تاريخية، هذه أهم المسائل التي تحدثنا حوله في هذا اللقاء الذي استمر حوالي 25 دقيقة، وكان لقاء رائعا بحق، لقد أدهشني تواضعه، فعندما دخلنا عليه وقف لاستقبالنا وهو المرجع الكبير وفي هذا السن، طبعا نحن لم نكن نريد أن يفعل ذلك، وعندما أردنا المغادرة وقف مجددا لوداعنا، بحق يجب أن ندعو الباري تعالى بإخلاص ليديم ظله الوارف، ويحفظ السيد قائد الثورة وجميع المراجع الكرام؛ فكلّ واحد منهم ركن من أركان التشيع والإسلام.
ومن الأماكن التي دعيت إليها في هذا السفر مؤسسة آل البيت(ع) في النجف، والتي يديرها أخونا الكريم سماحة السيد الشهرستاني وممثله فضيلة الشيخ إحسان الجواهري، وهي مؤسسة ناجحة بامتياز، وتعتني بإحياء التراث الشيعي، ويتعاون معها عدد كبير من الباحثين.
أكثر مكوثنا في النجف كان في ضيافة بيت آية الله حسن الجواهري، وأنا سعيد للغاية لأن أرى في بيت آية الله الجواهري الدرس والبحث العلمي والتحقيق، وأنّ هذا البيت محط اهتمام العلماء والأفاضل، وقد حضر آية الله حسن الجواهري لقاءنا بآية الله السيستاني، وكان لقاء مثمرا ومفيدا للغاية.
كما التقيت في هذا السفر بفضيلة السيد علي الخميني، ومن دواعي سروري أنّه يدرّس هنا بنجاح وقد بات ملجأً للطلاب الإيرانيين في هذه المدينة، وهو يبذل جهود طيبة في تسهيل حضور الطلاب الإيرانيين الذين يسعون بجد وإخلاص في تحصيل العلم، يجب أن يكون هناك تواصل وارتباط عميق بين الحوزتين العلميتين في النجف وقم، يجب أن يذهب طلاب العلوم الدينية إلى النجف طلبا لمزيد من التحصيل والبحث العلمي العميق، وكذلك ينبغي على أساتذة الحوزة العلمية في قم الذهاب إلى هناك، أي أنّه يجب تعزيز العلاقات العلمية وترسيخها بين حوزتي قم والنجف.
وقد أبلغني أحد الأفاضل أن جماعة المدرسين في حوزة قم العلمية قد شكلت مجموعة عمل لتدرس كيفية وأسلوب الارتباط والتواصل الأنسب بين حوزتي النجف وقم.
لصون وتقوية التشيع في عالم اليوم يجب أن يكون هناك ارتباط بين الحوزات الشيعية وينبغي أن يكون هناك تبادل علمي وتبادل للأفكار والكتب؛ فمثلا من الصعب إيجاد كتب حوزة قم في النجف وكثير من العلماء والأساتذة هناك لا يعرفون الكثير عما تنتجه حوزة قم من كتب وأبحاث، وهذه نقطة ضعف.
على أساتذة الحوزات العلمية في قم والنجف التواصل مع بعضهم البعض، وتبادل الكتب بين الحوزتين، ويجب أن يكونوا على دراية كاملة بآراء بعضهم البعض الفقهية والمبنائية والتفسيرية والتاريخية والحديثية، وهكذا تتكون روابط قوية؛ نأمل أن تحدث في أقرب وقت ممكن.
ومن الأمور التي وقعت في هذا السفر أنّ بعض طلاب العلوم الدينية الإيرانيين أصروا على عقد لقاء بيني وبين طلبة العلوم الدينية الإيرانيين الدارسين في النجف، ربما يبلغ عددهم 500 شخص، ولكن للأسف رغم كلّ المحاولات لم ينجح تنظيم هذا اللقاء، وعندما التقيت مع سماحة السيد علي الخميني أخبرني أنّ بعض أساتذة قم متواجدون في النجف، وأنّهم أقاموا دروسا خلال فترة سفرهم وزيارتهم؛ وعدد أسماء بعض هؤلاء الأفاضل ومنهم فضيلة الشيخ شب زنده دار والسيد جواد الشبيري،
السيد علي الخميني لديه أفكار ممتازة في هذا الإطار ويعتقد أنّ علماء قم عندما يزورون النجف يجب أن يقيموا بعض الدروس لطلبة العلوم الدينية الإيرانيين، وأنا وافقته في ذلك وقبلت اقتراحه وقلت أنّها فكرة ممتازة للغاية.
المصدر: شبكة الاجتهاد باللغة الفارسية