الاجتهاد: ولد سماحة آية الله العلامة الشيخ عفيف النابلسي في بلدة البيسارية من قرى جبل عامل بالقرب من مدينة صيدا في العام 1941 . هو الأصغر بين أخوين أكبر منه. أمضى طفولته في القرية ودرس على الطريقة التقليدية حافظاً للقرآن الكريم.
كان شغوفاً بالمطالعة وقضى أوقاتاً طويلة في صغره في قراءة الكتب وحفظها التي كان يستعيرها من بعض المتعلمين في القرية والجوار.
ظهرت لديه موهبة الشعر باكراً، فنظم القصائد في العامية والفصحى. واعتلى المنابر الجنوبية في المناسبات العامة شاعراً وعريفاً وخطيباً. وبدأ يتردد على بيوتات العلماء ليزداد علماً ومعرفة وتفقهاً بعدما تأثر بمجالس العلم والوعظ الديني التي كان يستمع إليها بين الحين والآخر.
كان العلامة الشيخ عفيف النابلسي من أوائل المترددين على الإمام موسى الصدر حينما وصل إلى لبنان وبدأ حركته الفكرية والدينية والاجتماعية للنهوض بالطائفة الشيعية. تأثر سماحته تأثراً شديداً بالإمام الصدر وعزم على طلب العلم فالتحق بمعهد الدراسات الإسلامية الذي أسسه الإمام في مدينة صور الجنوبية, ليحقق أحد أحلامه الكبرى في أن يكون عالماً على هدي العلماء الذين قدموا خدمات جليلة للإسلام.
وعلى الرغم من معارضة والده على طموحات ابنه الأصغر إلا أنه كان مصراً على تحقيق خياره الشخصي بالدخول في أروقة طلاب العلم وأجواء الحوزات العلمية. تدرج سماحته خلال أعوام دراسته في صور في مختلف المراحل واغترف من مختلف المعارف الأدبية والعقلية والفقهية والأصولية ونحوها, فأتم دراسة المقدمات والسطوح على يد أساتذة أكفاء كالإمام نفسه والشيخ موسى عز الدين والسيد هاشم معروف الحسيني .
وكان سماحته معروفاً بجديته وتفانيه في الدراسة وكرس جهوداً كبيرة في تحصيله للاستزادة من العلوم والمعارف الإسلامية. في هذه الفترة أيضاً وخصوصاً في أيام العطل كان يرافق الإمام الصدر في العديد من محطاته التبليغية والتنظيمية والجهادية فاكتسب منه خبرة وافية في العلاقات الاجتماعية والسياسية واستفاد منه في مواقفه وسلوكه الذي كان مثالاً ساطعاً في النبل والإيمان.
بعد مرور سنوات من الدراسة في صور قويت رغبة سماحته لمواصلة الأشواط العلمية العميقة والواسعة في النجف الأشرف على أيدي المراجع العظام والعلماء الكبار.
وكان الإمام الصدر نفسه يقول أمامه نحن نريد علماء يؤسسون لواقع جديد في الأمة فأرسل من اكتملت أهليته التبليغية إلى القرى وبلاد الاغتراب, وبدأ بإيفاد آخرين كان منهم سماحة الشيخ إلى النجف الأشرف ليدخل في غمار الأبحاث العالية والتي تعرف بـ البحث الخارج التي تؤهل الطلاب لبلوغ مرحلة الاجتهاد. وبالفعل وصل سماحته في أواخر ستينات القرن الماضي إلى النجف الأشرف وبالتحديد إلى منزل المرجع والفيلسوف الكبير السيد محمد باقر الصدر بوصية خاصة من الإمام.
فاهتم المرجع السيد محمد باقر بالوافد الجديد أيّما اهتمام وبقي سماحته ملازماً له طيلة الفترة التي عاشها في النجف الأشرف دارساً عليه إلى أن اشتدت الأزمة وبدأ التضييق على الشهيد وعلى طلابه ومنهم سماحة الشيخ الذي كان قد دعا صراحة ومن على منبر مسجد الامام الهادي الذي كان يؤم فيه المصلين في بغداد لاتباع الشهيد الصدر ومناصرته في حركته السياسية والجهادية وعلى إثر ذلك تم سجن سماحته ونفي بعد ذلك إلى لبنان.
وكان سماحته يُردد دائماً حين يُذكر الصدران أمامه فيقول: (لقد كانا لي أعظم أستاذين) . وهذا يدل على شديد تأثره بهما رضوان الله تعالى عليهما.
وفي الفترة النجفية أيضاً كان سماحته يرى أن كل طموحه مجسداً في شخصية الشهيد الصدر لذلك كان ملازماً له في مختلف دروسه ومواعظه وندواته ومجالسه. وعلى هامش دراسته على الشهيد الصدر حضر سماحته أيضاً أبحاث السيد الخوئي (رض).
إلى جانب الحضور العلمي البارز لسماحته, ظهرت اهتماماته العامة واضحة وذلك في إطار النشاط السياسي الذي بدأه الشهيد الصدر, ولذلك فقد انتدبه ليكون وكيلاً عنه في مدينة بغداد لينقل للناس آراءه وفتاواه وأفكاره (رض) وكان صدى العمل الذي بدأه الشيخ كبيراً وقد سعت السلطات الرسمية لإيقاف نشاطه ولكنها حاذرت في البداية ومع اشتداد الأزمة اعتقلته ونفته إلى خارج البلاد, كما سبقت الاشارة إلى ذلك.
مارس سماحة الشيخ عفيف النابلسي العمل التدريسي في صور والنجف الأشرف وبغداد وبيروت وصيدا التي أسس فيها حوزة علمية أواخر العام تسعين من القرن العشرين.
وكان سماحته يدرس في أصعب الظروف حتى عندما كان الاحتلال الاسرائيلي موجوداً ومتمدداً على الأرض اللبنانية. وقد درَّس سماحته كل كتب المقدمات والسطوح من الأدب والمنطق وعلم الكلام الإسلامي والتفسير والأخلاق وأصول المظفر وحلقات الشهيد الصدر والشرائع واللمعة الدمشقية والكفاية والمكاسب وكتب الدراية والرجال. كما درّس على هامش الدراسات الكلاسيكية في الحوزة كتب الشهيد الصدر اقتصادنا وفلسفتنا والأسس المنطقية للاستقراء, وصولاً إلى الدروس العالية في الفقه التي بدأ بإلقاءها على طلابه منذ العام 1990.
في أثناء مزاولته للتدريس قام سماحته بإلقاء المئات من المحاضرات في موضوعات متنوعة داخل وخارج لبنان.
كما كان العلامة الشيخ عفيف النابلسي من أوائل المواظبين على صلاة الجمعة وداعياً لها فأقامها بعد مجيئه إلى لبنان أولاً في منطقة حارة صيدا في العام 1980-1982. ثم في منطقة الغازية حتى العام 1989, ثم في مدينة صيدا منذ العام 1994 ولا زال مستمراً عليها حتى هذا الوقت.
عاد إلى لبنان أواخر العام 1979 ونشط على المستوى الإرشادي والتوجيهي وكان الوجه الأبرز على صعيد الطائفة الشيعية في جنوب لبنان.
انخرط في صفوف الداعين لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي وكان من أبرز الشخصيات العلمائية التي كان لها دور فاعل وأساسي في بناء المقاومة الاسلامية وتحريك الجماهير نحو الانتفاضة والثورة على العدو الإسرائيلي. أسس هيئة علماء جبل عامل وهي أكبر هيئة علمائية في لبنان وترأسها لأكثر من عقدين.بموزاة ذلك ومع انتصار الثورة الاسلامية في إيران، شارك في دعم الثورة المباركة وكان متفانياً في الدعوة لها والترويج لأفكارها،ملتزماً بعمق مقولة أستاذه الشهيد الصدر:” ذبوا في الإمام الخميني كما ذاب هو في الإسلام”.
فانخرط في معظم الفاعليات والأنشطة المؤيدة لخط الثورة،وكان جندياً مخلصاً من جنودها ومعتقداً بأن الجمهورية الإسلامية الإيرانية هي الممهدة لدولة صاحب العصر والزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء.
وقد برز سماحته في العقد الاول من عمر الثورة الاسلامية، كواحد من أبرز العلماء اللبنانيين المناصرين والمساندين لها.
أسس مجمع السيدة الزهراء في صيدا في العام 1993 وهو أكبر مجمع شيعي في مدينة صيدا يضم حوزة دينية ومسجداً ومرافق أخرى. أسس جمعية الابرار الخيرية التي تُعنى بالفقراء والمساكين.
بنى سماحته خلال تاريخه الطويل من الجهاد العلمي والثقافي والسياسي علاقات وصلات مع مختلف القوى السياسية والنخب الثقافية والاجتماعية والدينية في لبنان وخارجه. كما أن سماحته يتمتع بشخصيته الحوارية المعروفة بانفتاحها وتواصلها مع مختلف المكونات الدينية والسياسية.
كما نذكر بعض المحطات الأساسية في حياة سماحة الشيخ عفيف النابلسي:
– عينه المرجع السيد محمد باقر الصدر وكيلاً عاماً له.
– عمل لسنوات مع الامام الراحل الشيخ محمد شمس الدين وكان من أبرز الشخصيات العلمائية تمثيلاً على الساحة اللبنانية.
– قاد إلى جانب الشيخ راغب حرب الانتفاضات والاعتصامات الشعبية أثناء الاحتلال الاسرائيلي.
– شارك في تأسيس حزب الله وكان له حضور فاعل على المستوى الجهادي بين المقاومين وعلى المستوى السياسي في المحافل العامة.
– سافر إلى بلدان غربية وآسيوية وعربية في إطار جولاته العلمية والتبليغية.
– شارك في العديد من المؤتمرات والندوات داخل وخارج لبنان .
– أصدر أكثر من فتوى كانت مثار جدل واسع في الأوساط الإعلامية والسياسية في لبنان وخارجها.
– له مواقف مهمة فيما يتعلق بالحوار مع الغرب وقضايا حقوق الإنسان والمرأة والعدل والسلام في العالم.
أما على مستوى التأليف فقد صدر من يراعه المبارك العديد من المؤلفات ولا زال الكثير منها مخطوطاً وأهم ما هو مطبوع:
• (الكتب)
– فقه الأئمة ـ عليهم السلام (6 مجلدات)
– فقه أهل البيت (ع) (2 مجلد)
– فقه الجهاد
– القواعد الفقهية.
– الاصول العامة لـ(علم الحديث) و(علم الرجال).
– حوارات عقائدية هادئة.
– المواريث على فقه الامامية
– الإجتهاد والتقليد
– تحديات الوحدة وثقافة الحوار
– على طريق الحياة كلمات في السياسة والدين
– النبي محمد (ص) حاضن أهل الكتاب وحاميهم
– لامام موسى الكاظم (ع) عرض وتحليل
– الامام علي الرضا (ع) عرض وتحليل
– الكلمة الزاهرة في العترة الطاهرة
– بحوث في شخصية الامام الخميني (قده)
– علاقة المسيحيين بأهل بيت النبي (ص)
– صلاة الجمعة في عصر الغيبة
– مشاهدات وتجارب – لقطات من سيرة الامام موسى الصدر
– ظرائف وطرائف
– اشراقات كربلائية
– حاجة المبلغين
– زيد بن حارثة ربيب النبوة
– خفايا واسرار من سيرة الشهيد محمد باقر الصدر
– ومضات مشرقة من تاريخ علماء جبل عامل
– شذرات مضيئة- صفحات من وحي التبليغ وماضي الذكريات.
– نظرات ورؤى في قضايا المرأة
– طريق العروج إلى الملكوت (شرح رواية عنوان البصري)
– أوراق متناثرة (مقالات في الدين والمجتمع والسياسة)
– المسك الفواح لتطييب القلوب والأرواح
– الأربعون حديثاً
• الشعر
– شعر الخلود والهاشميات هديل في ازاهر امير المؤمنين (ع)
– قصائد للمقاومة والشهادة – نفحات عاملية
– خمينيّات
– ملحمة الزهراء (ع)
– إخوانيات
– ملحمة الامام الصدر