عقلنة الثورة وتأصيل النهضة

عقلنة الثورة وتأصيل النهضة.. محاولة لقراءة الواقعة من زوايا مطلبية معاصرة / إصدار حديث

الاجتهاد:  صدر حديثاً (2021م) عن مؤسسة الإنتشار العربي كتاب عقلنة الثورة وتأصيل النهضة؛ محاولة لقراءة الواقعة من زوايا مطلبية معاصرة للكاتبة والباحثة الكويتية إيمان شمس الدين في 564 صفحة يُطلب من موقعي جملون والنيل والفرات لبيع الكتب على الإنترنت.

العقلنة هي محاولة تخفيف القراءات العاطفية للواقعة، وهي محاولة لترسيخ دور العقل في قراءة النصوص وخاصة التاريخية منها كمصدر معرفي منضما إلى باقي المصادر، والتقليل من مساحة دور الحس والعاطفة بطريقة غير مخلة، لكنه تقليل يحاول تحجيم الدور الذي تم تضخيمه للعاطفة على حساب مصادر المعرفة الأخرى في فهم الواقعة وقراءتها والاستفادة منها، وعقلنة القراءة بما ينفع الواقع المعاش ومتطلبات العصر من جنبة حقوقية، للاستفادة من الواقعة وشخصياتها استفادة مستديمة وحيوية، ومعاشه وقريبة من الواقع، بدل القراءات التي قرأت شخصية الواقعة الرئيسية كشخصية فوق بشرية، وهي قراءات تعطيلية لها ولوظيفتها الهادية والمرشدة والمخرجة من الظلمات إلى النور، ومن الضلال إلي الهداية.

وهنا لا أدعو إلى التطرف في العقلنة التي تعنى عقلنة إقصائية لغيرها، بل هي محاولة لتمكين العقل كأحد مصادر القراءة التاريخية وإنتاج الفكر، في قراءة الواقعة منضماً إلى القراءات الأخرى، تتكامل الرؤية دون إقصاء مصدر وتغليب آخر، وهي محاولة لاستنهاض قدرة العقل على قراءة الواقع وتحسينه، وتطويره وتفعيل الواقعة كحركة عابرة للتاريخ، ومحركة للإنسان بمضامينها وأهدافها التي لا تختص بزمان ولا مكان ولا مذهب أو جماعة بعينها.

والتأصيل وهو في العودة إلى الأصول الموضوعية للواقعة أي هي جامعية بين العقل والنص للتأصيل المنهجي، في فهم الواقعة وأهدافها ونتائجها وأسبابها، كي نُفعّل ديمومة وظيفة الشخصية الرئيسة فيها، ولا تعطلها بزمان ومكان محددين، فهي محاولة للمواكبة التي تتطلب الحفاظ على أصالة الحدث وديمومته وخلوده.

فالتأصيل للنهضة هو تأصيل لديمومتها بل تفعيل قواعدها كلما توافرت الجغرافيا والزمان على ظروف مشابهة، وغايات ومقاصد شبيهة في القياس بينها كواقعة تاريخية في بعدها القيمي والغاني، وبين ظروف الحاضر ومعطياته الاجتماعية والسياسية، وإن اختلفت التمظهرات.

 

مقدمة الكتاب

الوقائع التاريخية عادة ما تكون عرضة للتأويل في القراءة والمعنى، ومع تطور مناهج وأدوات قراءة التاريخ، نكتشف تاريخ الأحداث ومعطياتها بشكل أقرب إلى الواقع منه للتأويل والدس والتزوير، ونمتلك رؤية أعمق تساعدنا في فهم الواقعة التاريخية، لا من حيث الأسر للتاريخ والماضوية، بل لنستفيد منها وفق قاعدة السنن التاريخية كقانون خارج الزمان والمكان، وقد دعانا الله تعالى في كتابه الكريم دوما إلى مائدة التاريخ للاستفادة والعبرة، وأخذ الدروس، لصناعة حاضر ومستقبل خال من شوائب ومعوقات تطور المجتمعات في ذلك التاريخ، وللاستفادة من التجارب البشرية التي قد تتكرر بشخوص مختلفة ولكن بكليات ثابته، محكمة في السلوك الإنساني، حيث خلق الله البشرية من نفس واحدة، إضافة إلى كون التجربة ومنها البشرية مصدرا معرفيا منضما لباقي مصادر المعرفة، التي تنظم أفكار الإنسان وتوثق مصادرها.

فالتاريخ أرض خصبة ولاّد للمفاهيم والأفكار، وفي ذات الوقت هو تجربة خاض فيها البشر في خضم أحداث هذه الدنيا أحداث كثيرة مارسوا فيها خبراتهم، واكتسبوا من خلالها خبرات زادت رصيدهم المغرفي والفكري.

ولا تختلف واقعة كربلاء كواقعة تاريخية عن غيرها من الوقائع التاريخية، من حيث قاعدة قراءة التاريخ وأهدافها، أوالاستفادة منها والمأمول في تحقيقه للحاضر والمستقبل. ولعل ما يميز واقعة كربلاء عن غيرها أنها واقعة نهضوية ثورية تغييرية – مع ملاحظة الجدل الدائر حول اعتبار كربلاء ثورة أو نهضة، لوجود آراء تعتبرها نهضة، وآراء أخرى تعتبرها ثورة – قادتها شخصية لها قدسيتها من حيث الانتماء، ومن حيث الموقعية وفق الرؤية الإلهية.

فالنهضة هي قيام لإصلاح مجتمع تردت حالاته الفكرية والسياسية والسلوكية، وتبدلت معالم هويته وشخصيته، وسقطت منظومته القيمية والأخلاقية ليصبح مجتمع الفتنة الشاملة، فكانت شهادة الإمام الحسين عليه السلام نهضة شاملة للتغيير، والثورة قيام لإصلاح حالة سياسية شاذة، فهو من جهة ثار على حالة سياسية شاذة في عصره، وهي استبالب وعي المجتمع ودورهم في اختيار الحاكم، والنقد والاعتراض، وتحول الخلافة إلى ملك وراثي شمولي، وإعطاء هذه الأمانة لعظمى لشخصية جدلية كيزيد، وهو شخصية اشتهرت بالمجون والفسق والشدة، ومن جهة هي نهضة تغييرية شاملة تواجه أمراض اجتماعية ليست خاصة بذلك العصر، وإنما عامة في حال حدوثها في أي مجتمع يكون علاجها بالطريقة الحسينية النهضوية للتغيير.

فالحسين عليه السلام هو ابن بنت رسول الله محمد ص خاتم الأنبياء، ويراه المسلمون الشيعة بكل انتماءاتهم ومدارسهم الفكرية، أنه خامس أصحاب الكساء، وثالث الأئمة المعصومين. لذلك لحراكه النهضوي وثورته صفة القدسية المتعلقة بوظيفته كإمام معصوم مفترض الطاعة، وكابن بنت نبي الرحمة محمد ص، حيث ينظر له المسلمون السنة بإجلال ومحبة واحترام، فهو من أهل بيت النبي ص، الذين أمر الله في كتابه بمودتهم وكما جاء على لسان نبيه محمد ص.

فالنهضة الحسينية نهضة اشترك فيها العربي والرومي والمولى، والأبيض والأسود، والرجل والمرأة، والوالد والولد، والزوج والزوجة، والكبير والصغير وحتى الرضيع، والصحابي والتابعي، والمجسد للقيم القرآنية كبرير، وللقيم الإنسانية كزهير.

هذا المقام للحسين ع لدى المسلمين وخاصة الشيعة منهم، يجعل من ثورته ونهضته في كربلاء نموذجا تاريخيا مرجعيا يشكل قاعدة فكرية نهضوية وثورية، ومنهج سياسي مؤسس للمعارضة والسياسة الثورية كمرحلة من مراحل المواجهة مع الطغاة والمستبدين والمستعمرين.

وهي مرحلة جدلية بين الفقهاء المسلمين من جهة، وبين المثقفين والمفكرين من جهة أخرى، حيث وقع الجدل في التشخيص وتحديد المصاديق التي تنطبق عليها المعارضة الثورية وفق النهج الحسيني الثائر.

فكان ومازال الجدل يدور حول آليات مواجهة الاستبداد والطغيان وشكل المعارضة التي يمكن أن تشكل معارضة سياسية، ومتى تتحول المعارضة من معارضة سياسية سلمية إلى ثورية حراكية تتمثل المواجهة حتى مستويات عالية، أقصاها هو بذل الدم وتقديم الروح لأجل تحقيق عملية التغيير الشامل، وجدلية التزاحم بين المعارضة الثورية والأمن الاجتماعي من جهة، وبينها وبين الاستبداد وتداعياته من جهة أخرى، في تشخيص المصالح والمفاسد لكل جهة وترجيح كفة على أخرى.

ولا أدعي أنني في هذا الكتاب سأقدم آراء حاسمة لا تخرجنا عن دائرة الجدل، لأن الواقع البشري في بعده التجريبي خاض عملانيا أشكالا معاصرة مختلفة، كان لكل شكل إيجابياته وسلبياته، وكان لكل منهج أهدافه وإنجازاته وإخفاقاته، بل محاولتي ليست للقراءة التاريخية للواقعة، ولا للتحقيق في معطياتها، بقدر ما هي محاولة تحليلية للواقعة من زاوية مطلبية معاصرة وجنبة حقوقية، ونقدية للممارسات الإحيائية التي حرفتها عن مسارها وأهدافها ومنهجها وغاياتها، وانتزاعية للمنهج والقواعد العامة الثابتة الكلية التي يمكننا تطبيقها في كل زمان ومكان، كمنهج للمعارضة والتغيير، وإصلاحية للمسار والطريقة التطبيقية الأصلح للإحياء الفاعل والعملي، في عصر تغرق فيه الشعوب إما تحت خيانة الأنظمة وعمالتها واستبدادها، أو هيمنة القوى العظمى وتوسعها وسرقتها لثرواتنا ومنعها لأي محاولات تغيير حقيقية لتحقيق العدالة، لأن في ذلك ضرب لمصالحها، وكسر لحصارها وهيمنتها على منطقتنا.

إلا أن مما لا شك فيه، أن المنهج الحسيني في النهضة والثورة هو مرحلة من مراحل التغيير اللازمة، وهو ما يتفق عليه الأغلبية على الأرجح، لكن موقع هذه المرحلة بين المراحل، وتشخيص من ينطبق عليه نموذج يزيد هو محل الجدل والخلاف. ” فالقائمون بالثورة الصحيحة هم دائما أصح أجزاء الأمة، وهم الطليعة، وهم النخبة التي لم يأسرها الواقع المعاش وإنما بقيت في مستوى أعلى منه وإن كانت تدركه، وتعيه وترصده، وتنفعل به، وتتعذب بسببه.

تصبح الثورة قدر هذه النخبة ومصيرها المحتوم حين تحقق جميع وسائل الإصلاح الأخرى، وإلا فإن النخبة تفقد مبررات وجودها إذا لم تثر. ولا يمكن أن يقال عنها أنها نخبة، أنها تكون نخبة حين يكون لها دور تاريخي وحين تقوم بهذا الدور.”

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky