خاص الاجتهاد: الوضع الحالي للفروع التخصصية في الحوزة العلمية هو أن أولئك الذين أتقنوا أصول الفقه بشكل تخصصي يميلون إلى تبرير ما وراء الوضع الحالي؛ حيث يقولون أننا لم نمضِ عمرنا عبثاً، ولم نقرأ الزوائد وأنفقنا فترة شبابنا في تعلّم أفضل وأهمّ علم يمكن أن نتعلّمه.
وفقا للاجتهاد قدم الأستاذ حجة الإسلام الشيخ مجتبى إلهي الخراساني؛ أستاذ البحث الخارج في حوزة مشهد العلمية ورئيس قسم تطوير العلوم الإسلامية وتمكينها في مكتب الإعلام الإسلامي قبل فترة في الدورة الثانية من سلسلة ورش تعليمية وبحثية تخصصية بعنوان فلسفة علم الأصول التي عقدت بإشراف لجنة الفقه التطبيقي لمعهد الإسلام الحضاري وبالتعاون من مركز الآخوند الخراساني للدراسات العليا، قدم بحثا بعنوان: ” أصول الفقه أم الأصول العامة للاجتهاد؟ ”
وفي ما يلي نقدم ما تفضل به الأستاذ إلهي في هذه الورشة:
بسم الله الرحمن الرحيم.
السؤال الأساسي في هذه المناقشة هو: أصول الفقه أم الأصول العامة للاجتهاد؟ ربما حظي هذا السؤال في الماضي اهتماماً غير مكتوب، ولكن نظرًا لأن النقاشات المنهجية قد تم النظر فيها على نطاق واسع في العقدين الأخيرين، فإن هذا السؤال أكثر رسمية وأكثر وضوحاً.
بعض الأسئلة تخضع لهواجس علمية وتُطرح في مدار وأجواء تلك الهواجس. في الوقت نفسه، بعض الأسئلة لها أسباب ثقافية واجتماعية في نفس الوقت. ربما يكون لهذا السؤال إلى جانب وجود خلفية علمية، أسباب ثقافية واجتماعية.
في الواقع، يتم ترجمة هذا السؤال في نظرة تعليمية بهذا الشكل: «هل يجب أن تدرس أصول الفقه فقط لتحقيق الاجتهاد الفقهي أو أن الوصول إلى درجة الاستنباط والتخصص في جميع العلوم الإسلامية تتطلب أصول الفقه؟».
في الواقع، يسأل الطلاب هذا السؤال لمعرفة النسبة التي يجب مراعاتها لهذا العلم في بنيتهم التعليمية؟
بالنسبة للمعلمين والقائمين على التعليم، من المهم أيضًا معرفة ما إذا كان أصول الفقه سهماً مشتركًا في جميع العلوم الإسلامية الحوزوية أو أنه مجرد سهم الفقه، وأن العلوم الأخرى تحتاج إلى أصول اجتهاد أخرى؟
من جهة ثالثة فإن علماء أصول الفقه أيضاً لديهم هذا القلق ليتضح حد أصول الفقه لهم وللآخرين الذين هم في تعامل علمي معهم.
توجد نظرية في الوقت الحالي تقول أنّ علم الأصول له أبواب ومباحث زائدة وعديمة الجدوى ويجب إزالتها من هذا العلم. هناك وجهة نظر أخرى مفادها أنه بما أن أصول الفقه ليست مجرد أصول الاستنباط الفقهي وأصول الاجتهاد بمعناها المطلق، لذلك يجب تطوير مناقشات أخرى وتوسيعها..
الوضع الحالي للفروع التخصصية في الحوزة العلمية هو أن أولئك الذين أتقنوا أصول الفقه بشكل تخصصي يميلون إلى تبرير ما وراء الوضع الحالي؛ حيث يقولون أننا لم نمضِ عمرنا عبثاً، ولم نقرأ الزوائد وأنفقنا فترة شبابنا في تعلّم أفضل وأهمّ علم يمكن أن نتعلّمه.
من ناحية أخرى، فإنّ المخزون الأصولي الضعيف لدى البعض (والذي بالطبع قبل أن يحيق بباحثي الفقه قد حاق ببقية التخصصات الأخرى) أيضاً يحتاج إلى تبرير نفسي حيث يقولون على هذا الأساس أنّ أصول الفقه ليس هاماً للغاية،
ويمكن استخدامه في فرع واحد فقط ولا علاقة له بفرعنا، وهذا العلم يزعج بقية العلوم وقد أصبح قديماً. وآمل أن تتأثر متابعة هذا البحث العلمي في الأوساط العلمية أقل بهذين العاملين غير العلميين.
الإجتهاد لا يقتصر على المعارف الفقهية
فيما يلي يجب أن نتابع محورين للإجابة على هذا السؤال؛ الأول تجزئة السؤال والثاني الاجوبة المحتملة أو أجزاء البحث التي تساعدنا في الوصول إلى الجواب.
الأول تجزئة السؤال؛ يعني تحليل هذا السؤال بأنه أصول الفقه أم الاصول العامة للإجتهاد؟ في هذه المرحلة نحتاج إلى توضيح تعريفنا للفقه واجتهاد الأبعد من الفقه. هذا السؤال يتضمن أننا نعترف بشكل رسمي بعلم اسمه الفقه، ويتولى قسم من المعارف الاسلامية وليس جميعها. تم تصميم هذا السؤال مع هذه الفرضية المسبقة.
لذلك فإن معنى ذلك أنّ مجالات العلوم الإسلامية أوسع من الشيء الذي يتولى الفقه استنباطه وشرحه والدفاع عنه، ويشمل مجالات مثل الأخلاق والمعتقدات ومعرفة مصادر العلوم الإسلامية.
ثانياً لدينا اجتهاد غير الاجتهاد الفقهي أيضاً. هناك فكرة عامة وهي أنه في مجال الاستنباط، إذا أردنا استخدام تفسير الإجتهاد في جميع المعارف الإسلامية، فإنّ بإمكاننا إقامة علاقة بين هذا المفهوم وأي مجال من مجالات العلوم الاسلامية؛ يعني نقول أنّ الإجتهاد في الأحكام والعقائد والأخلاق موجود أيضاً.
بمعنى أنّ الإجتهاد مستوى من الفهم والإدارك والإستكشاف العلمي الذي يمكن تحقيقه في كشف المعارف الإسلامية الأخرى أيضاً، ولا يقتصر على الفهم الاستدلالي المحدد بالأدلة التفصيلية مع ذلك الشكل التخصصي الموجود في الفقه، ويمكن تحصيله في جميع المعارف الاسلامية أيضاً.
هذا الموضوع ناتج عن أنّ البعض لا يقول بهذه المسألة اساساً بل يقولون: المستوى العلمي للعلوم الاسلامية الأخرى في معرفة المعارف الاسلامية، لم يرقى بعد إلى المستوى الإجتهادي، مثل بعض التخصصات الجامعية التي لا تمتلك جميعها مرحلة الدكتوراه. أي أن المعرفة الإحتياطية المتعلقة بهذه التخصصات لا تمتلك إلى الآن إنتاج علمي متراكم، ليمكن من خلاله إطلاق مرحلة الدكتوراه.
فالإجتهاد سيكون مثل الدكتوراه أو أعلى من ذلك. لذلك في مجالات أخرى غير الفقه، فإن هذه العلوم لم تصل إلى حد يجعل من الممكن تعريف الاجتهاد بها. هناك مؤيدون كثر لهذه الفكرة.
الرأي المعاكس هو أنه يوجد مثل هذا المستوى الآن بشكل فعلي أو محتمل بحيث يمكننا الحصول عليه. على الأقل إذا قلنا سنمتلكها فإن هذا السؤال معقول وفي محله.
يعني هل نحن بحاجة إلى علم أصول الفقه أم لا من أجل هذا المستوى الإجتهادي الذي نريد إطلاقه في العلوم الأخرى؟ لكن إذا كان هناك شخص منكر وقال أنه ليس لدينا مثل هذا المستوى في هذه العلوم ولا يمكن تحقيقه في المستقبل القريب، فإن هذا السؤال سيكون لا يكون في محله.
طرح هذا السؤال معناه أننا نعتبر هذا المستوى جزء من الواقع الحالي أو على الأقل وشيك الوقوع.
نقطة أخرى حول هذا السؤال هي ماذا نعني بالمباديء العامة للاجتهاد؟ هل المقصود الوصول إلى اجتهاد واسع أو اجتهاد نعبّر عنه الاجتهاد المكاني أو المنطقه اي حيث الاجتهاد في مجال محدد؟
إذا قال شخص أنّ الإجتهاد لا يقبل التجزئة، فهذه خاصية لا يمكن أن تكون قابلة للقسمة وبسيطة، لذلك فهل الشخص الذي حقق قوة اجتهاد في جميع مجالات الإستنباط مجتهد أم غير مجتهد. عدم تجزئة الفقه هذه لا تأخذ بتلابيب الفقه، بل تأخذ بتلابيب جميع العلوم، ولذلك فإن تقسيم الإجتهاد إلى اجتهاد فقهي وغير فقهي سيكون غير ممكن من الأساس.
إذا قلنا أنّ ملكة الإجتهاد من حيث المكان ومن حيث إعمال الملكة، والنقاط الاخرى المقدّمة رداً على إشكالات الإجتهاد، قابلة للتجزئة، ولذلك يمكن أن نمتلك نوعين من الإجتهاد، عندها سنواجه هذا السؤال أيضاً؛
على سبيل المثال: يمكن للمرء أن يكون مجتهد أخلاق، ولكن ليس مجتهد في الفقه. بل في داخل الفقه هذه التجزئة ممكنة أيضاً، يعني يمكن لشخص أن يكون مجتهدا في الأبواب العبادية، ولكنه غير مجتهد في الأبواب الإقتصادية.
بالطبع معنى هذه التجزئة لا يعني أن الإجتهاد ليس له جانب مشترك في هذه المجالات، بل إضافة إلى الجانب المشترك فإن له جوانب تخصصية ومختلفة بحيث أن الإجتهاد الفردي في تلك الحالات لا يصل إلى الفعلية أو الإكتمال.
مثلاً لنفرض أنّ هناك شخص لا يستذكر الأدلة على الأقل من حيث الفعلية في جميع أبواب الفقه. فهو مجتهد في الأبواب التي تنقدح له، وغير مجتهد في الأبواب التي لا تنقدح له.
وفقاً لمبدأ الملكة صحيح أيضاً أنه إذا حصل شخص على المناشيء الكاملة من البنود اللازمة لملكة الإجتهاد في الفقه، أو حصل عليها في جزء من الفقه فإنه مجتهد في نفس المقدار. جزء من هذه المناشيء مشتركة مع مناشيء الإجتهاد في الأبواب المشتركة الأخرى؛ مثلاً المستندات، مهارات التعامل، تكييف القواعد، حيازة القواعد الفقهية وهذه هي المصادر المشتركة للإجتهاد.
في قسم تملك القواعد يجب تملّك تلك القواعد للإجتهاد في ذلك القسم الخاص، لأن جميع القواعد غير قابلة للإستخدام في جميع الأقسام؛ مثلاً قاعدة لا تعاد لا يمكن تطبيقها في البيع. لذلك فإن قسم من هذه المناشيء مشتركة مع مناشيء الاجتهاد في أبواب العلوم الاخرى، وقسم آخر خاص بأبواب خاصة. بسبب المناشيء التخصصية فإن الإجتهاد يقبل التجزئة.
دور أصول الفقه في اجتهاد العلوم الإسلامية لزوم أم كفاية؟
مجال آخر من هذا السؤال وهو هل الحديث في هذا السؤال عن اللزوم أم الكفاية؟ يعني علم أصول الفقه لازم فقط للاستنباط الفقهي، أم أنه ضروري للاستنباط والإجتهاد في جميع العلوم؟ هل أصول الفقه مجرد منطق كافي للفقه، أم أنه يستخدم لجميع العلوم الاسلامية بعنوان منطق كافي؟
عندما نتحدث عن اللزوم فهذا معناه أنّ هناك علوماً أخرى ضرورية إلى جانبه، لكنّ هذا العلم لابُدّ منه. فمثلاً إذا أراد شخص أن يصبح مجتهداً فإننا نقول أنّ أهم مقدمات الوصول إلى الإجتهاد هو أصول الفقه، وبالطبع إلى جانب ذلك هناك حاجة لهذا المقدار من الإلمام بالأدب العربي وغيره. إذا كان الحديث عن اللزوم فإن الأمر هكذا في الإجتهاد الذي يتعدى الفقه،
يعني على الرغم أننا بحاجة هناك إلى الفلسفة أو فلسفة العلم أو …، إلّا أنّ أصول الفقه ضروري أيضاً. لكن إذا قيل أنّ أصول الفقه كافي من أجل منطق الفهم الإجتهادي في الفقه، في مثل هذه الشروط هل أصول الفقه كافي للفهم الإجتهادي في العلوم الاخرى ولا نحتاج إلى منطق فهم آخر؟
القسم الآخر لهذا السؤال والذي ينبغي تجزئته هو هل المراد من هذا الكلام بأن علم الأصول، أصول الفقه أو العلوم العامة للاجتهاد، يقصد علم أصول الفقه جميعه أم جزء منها؟ وبالطبع سؤال الكفاية قابل للفرض فقط مع هذا الفرض وهو أن المراد علم الأصول كله، لكن عندما يكون الحديث عن ضرورة علم أصول الفقه فإن هذا اللزوم قابل للتجزئة،
ويمكن اعتبار جزء من علم أصول الفقه لازم وجزء غير لازم؛ بعبارة أخرى إذا لم نقل أنّ جميع علم أصول الفقه لازم من أجل الاجتهاد الفقهي، فعلى الأقل جزء منه لازم وضروري بالتأكيد.
الآن يُطرح السؤال هكذا وهو: هل يمكن القول ان أقساماً من علم الأصول لازمة وضروري من اجل الاجتهاد العام في جميع العلوم الأخرى أم لا؟
بالنسبة للإجتهاد، نحتاج إلى الفهم المنطقي المنهجي العقلاني والموثّق للدين.
هذه التجزئة للسؤال تقودنا بنفسها إلى قسم من الجواب. ولتوضيح الإجابة نحن بحاجة إلى منطق ومعيار. ما هو معيار الحاجة إلى علم؟ ما هو العامل المحدد لتدخّل علم في العلوم الأخرى؟ ما هي العلاقة بين أصول الفقه الذي يُعبّر عنه بمنطق الإجتهاد، مع نفس العلم الأصلي الذي هو الفقه؟ ليتم الدراسة فيما بعد ما إذا كان يمكن توسيع هذه النسبة إلى العلوم الأخرى أم لا.
فرضيتنا المسبقة هي أننا نحتاج إلى الفهم المنطقي المنهجي العقلاني والموثّق للدين حتى نستطيع الاجتهاد. لذلك ومن أجل الاجتهاد في العلوم الأخرى فإننا بحاجة إلى هذا الفهم بجميع قيوده.
والسؤال الآن هو ما إذا كنا بحاجة إلى أصول الفقه في هذا الطريق؟
في الواقع معرفتنا بأصول الفقه تحدد أن هذا العلم، ما عدا الفقه، مفيد لبقية الاجتهادات الأخرى أم لا. من هذا الجهد المستند إلى العلم نستطيع إيجاد طريقة للإجابة على هذا السؤال، لأنه عندما نريد أن نقوم بهذا الجهد المستند إلى العلم، فإن أصول الفقه ستُعرف، ويتعين الموضوع، والغرض، وطبيعة القضايا وهيكلها وشبكة المواضيع وكشف أنّه هل يمكن التواصل مع العلوم الأخرى أم لا.
من هذا الجهد المستند إلى العلم ، هناك طريقة للإجابة على هذا السؤال ، لأنه عندما نريد أن نفعل هذا الجهد القائم على أساس علمي، فإن مبادئ الفقه معروفة عملياً ، أي الموضوع ، والغرض، وطبيعة القضايا وهيكل القضايا وشبكة المواضيع ، وكشف أن هل يمكن التواصل مع العلوم الأخرى أيضًا.
في الواقع نحن نطرح السؤال بهذه الطريقة وهي كما أنّ أصول الفقه هو منطق الفهم لعلم الفقه، فهل هو منطق الفهم للعلوم الإسلامية الأخرى أم لا؟
لذلك يجب مناقشة العلاقة بين العلوم، وبما أننا نطرح هذه المناقشة لا يمكننا ببساطة دراسة العلوم على المستوى الحالي، ولكن يجب علينا الإجابة على هذا السؤال مرتين، الأولى في المستوى الموجود والأخرى في المستوى المطلوب. كما ينبغي تفسير طرفي هذه العلاقة؛
مثلاً هل علم أصول الفقه الموجود مفيد لعلم الاخلاق الموجود؟ هل يمكن توفير الحد الأدنى لبعض أخلاقيات الإسلام في علم الأخلاق الإسلامي أم لا؟
يجب طرح السؤال نفسه في مطلوب الطرفين. يمكن أن يكون الجواب إيجابياً في الوضع الموجود، ولكن في الوضع المثالي لن يكون الجواب إيجابياً أو بالعكس. على هذا الأساس، الفروع التي يجب أن نتناولها تُظهر نفسها نوعاً ما. وبسبب ضيق الوقت هنا سنقوم بدراسة حالة أو حالتين من كل فرع، وسنقوم بتسليم الباقي للأصدقاء لدراسته والبحث فيه.
۱- أحد المجالات هي مجال معرفة الموضوع، يعني هل المواضيع التي يتولاها أصول الفقه هي المواضيع التي تمتد إلى مجال علم الكلام والأخلاق والعلوم الإسلامية الأخرى أم لا؟ حتى نقول أن مبادئ الفقه ستطبق عليها.
۲- الثاني، هيكل وشبكة القضايا.هل يوجد في بنية علم الأصول وشبكة مواضيعه شيء من العناصر المطلوبة للعلوم الإسلامية الأخرى أم لا؟
۳- الثالث تصنيف مسائل علم الأصول. هل جنس مسائل الاصول له استعمال في العلوم الاخرى أم لا؟ مثلاً إذا قلنا علم أصول الفقه علم اعتباري، فهل لمثل هذا العلم الاعتباري مكان أم لا في العلم الذي عمله معرفة الحقيقة ولا مكان فيه للإعتباريات؟
إذا أردنا المناقشة في مجال الغرض يصبح الإختلاف على المبنى ويعتمد على أي أساس سنتخذه. إذا اعتبرنا الغرض عنصر قابل للتغيير بواسطة العقلاء، فإن هذا المجال غير قابل للإستفادة في جواب مسئلتنا، لكن إذا اعتبرنا أن الغرض أمر انتزاعي مستمد من الأغراض المترتبة على كل علم وليس قابلاً للتغيير بواسطة العقلاء، في مثل هذه الحالة يمكن الإستفادة منه في الإجابة على سؤالنا.
بطبيعة الحال توصل الآخوند الخراساني في الكفاية إلى طريق يؤدي إلى حقيقة أنّ الغرض غير قابل للتغيير بواسطة العقلاء، ما لم نقم بتغيير مسائل العلم. فإذا قدّمنا مثل هذا التعريف للغرض، عندها يمكن الإستفادة منه في الإجابة على سؤالنا. لأنه في هذه الحالة يتغيّر الغرض عندما تتغير مسائل العلم.
بطبيعة الحال يخضع هذا التفسير لفهم خاطيء حول العلاقة بين غرض وقضايا العلم، ويُعتقد أنّ هذه العلاقة هي علاقة علة ومعلول، وقضايا العلّة هي الغرض.
حول موضوع علم الأصول أيضاً يوجد عدة تعابير على الأقل. موضوع علم الأصول هو الأدلّة الأربعة. فهل العلوم الاخرى خارجة عن هذا الموضوع؟ بالطبع ليست خارجة عن هذه الموارد الأربعة. يبدو أنّ بداية هذا الميل إلى النزعة العامة في علم الأصول تعود إلى تحليل الموضوع وإحالته إلى الأدلة الأربعة؛ على سبيل المثال،
عندما تقوم بالبحث حول حجية الخبر الواحد، فهل هذا البحث مختص بعلم الأصول ولا يُبحث عنه في العلوم الاخرى مثل الأخلاق؟ أو عندما تناقش القياس في علم الأصول، هل يعني ذلك استخدام القياس في علم الأصول؟ بالتأكيد التخطئة أو عدم التخطئة بالنسبة لموضوع، ليس معناه أنّ هذا البحث لا مكان له في ذلك العلم.
لذلك كل هذه المناقشات ليست أصول فقهية، لكنها أصول الاجتهاد العام. خاصة إذا ذهبنا أبعد من ذلك ونعتبر موضوع علم الأصول دليل بما هو دليل، وليس مجرد الأدلة الأربعة، وفي هذه الحالة يصبح المجال اكثر انفتاحاً. أو إذا قلت إن موضوع علم الأصول هو مطلق العناصر المشتركة.
السؤال الذي يطرح نفسه هنا ما إذا كان أولئك الذين قدموا هذه التعريفات لا يقيدون الموضوع بهذه القيود في التعريف؟ بالتأكيد يفعلون. إذا تحدثنا عن العناصر المشتركة في موضوع العلم، فإن المقصود هو العناصر المشتركة في الإستنباط الفقهي وليس غير الفقهي.
لذلك في مجال الموضوع، على الرغم من أن أصول الفقه تبدو وكأنها تعمل في جميع العلوم، ولكن بدقة قليلة نرى أن الأمر ليس كذلك. بطبيعة الحال البحث هنا ليس بهذه السهولة، ويحتاج إلى بحث أكثر وأدق من قبل الفضلاء المحترمين.
المجال الثاني هو هيكل قضايا علم الأصول. للوهلة الأولى نقول أن هيكل علم الأصول يتكون من الأدلة والأصول والتعارض، وهذا جيد. نحن بحاجة إلى الأدلة التي تحرز لنا المعرفة الدينية. ثم نحتاج أدلة تبيّن لنا رأي الإسلام في حال عدم إحراز المعرفة الدينية، وكذلك لدينا مجموعة ثالثة من الأدلة لحل التعارض. نحن نحتاج إلى أنواع الأدلة الثلاثة في جميع العلوم الأخرى.
نحن بحاجة إلى الأدلة التي تحدد أنطولوجيا الإسلام بالنسبة لنا. الآن إذا لم نفهم رأي الإسلام وكان رأي الإسلام مشكوك أو مظنون أو محتمل الوجهين بالنسبة لنا، في هذه الحالة نحن بحاجة إلى مباديء أصولية توضح واجبنا في حالات الشك. والتعارض أيضاً قابل للفرض في جميع المجالات. جميع المجالات الأصولية وغيرها أيضاً.
السؤال الذي يطرح نفسه الآن هو: هل هيكل أصول الفقه هو هذا أو هناك شيء آخر؟ فعندما نحرز الحديث عن الأدلة فما هو المقصود من أدلة الإحراز؟ هذه الأدلة ليست أدلة استشهاد بالشارع، بل هي أدلة إحراز الحكم.
هناك فرق دقيق بين الاثنين. من أي طريق يُحرز الحكم فهو يكفي. نحن نسعى لإحراز الحكم لا أن ننسبه إلى قول أو تقرير الشارع. فالحديث ليس عمّا قاله الشارع أو لم يقله، بل الحديث هل هذا الحكم مقرر أم لا؟
عندما نتحدث عن الأدلة العقلية فهذا لا يعني أي دليل عقلي، بل الأدلة العقلية التي توضح المتطلبات السلوكية لك.
الأصول العملية يعني حالة العمل عند الشك وليس أية حيرة ولا الاحكام المطلقة. لذلك يحاول الشيخ الانصاري في الرسائل أن يقول هل نستطيع أن نعمم حجية الخبر أو حجية الظن إلى حجية الظن في الإعتقاديات أم لا.
ومن ثم يقول لا نستطيع تعميم حجية الخبر الواحد إلى نفس الإعتقاد والوجود، لأن حجية الخبر الواحد تعني حجية الخبر الواحد في مجال الأوامر وليس في نطاق ما هو موجود.
بطبيعة الحال هو يقترح طريقاً تم التعبير عنه قبله، فيقول: نستطيع أن نحوّل بعض تلك الأمور الموجودة إلى ضروريات. على سبيل المثال، إذا كان هذا ( الوجود أو الموجود) في عالم النبوة فأنا بحاجة إلى الاعتقاد، يعني أقوم بصنع عمل جوانحي بمعنى التزام عقائدي، وأصنع مشكلة. بطبيعة الحال لا يمكن إثارة مثل هذا الإلتزام في جميع المعتقدات.
لذلك عندما يمضي الشيخ في هذا الطريق الفني، فهذا يعني أن مجال وجود علم الكلام أو مجال المحتمل وغير المحتمل في علم الأخلاق، لا يبلغ فهم القضايا الأصولية. وفي النتيجة لا يجد اتصالاً مع علم الوجود وينسحب الأمر إلى القسم الثالث يعني تصنيف المسائل.
إذا كان هناك شخص مثلنا يعتقد أنّ موضوع العلم ليس موضوعاً مقابل المحمول، بل الموضوع علم واحد، وهو عمود ومحور مشترك في جميع مسائل ذلك العلم، حيث يمكن أن يكون غرض أو موضوع أو محمول منطقي.
إذا قلنا مثل آيات البروجردي والسيستاني بأن موضوع علم الأصول هو الحجية، فالسؤال هو هل هذه الحجية لها استخدام في العلوم الأخرى أم لا؟ أصول الفقه تريد توفير الحجية. للوهلة الأولى، يبدو الأمر جيدًا ونحن نبحث عن الحجية في جميع العلوم الإسلامية.
لكن وكما أشار الأصوليون فإن هذا السؤال يُثار وهو ما معنى هذه الحجية؟ هل هي بمعنى الكشف؟ في جميع هذه الحالات لدينا ثلاثة عناصر للبحث؛ الكاشفية، المحركية، المنجزية والمعذرية. الكاشفية والمحركية لا علاقة لها بنا، والشيء الوحيد المتعلق بأصول الفقه هو قسم المنجزية والمعذرية.
النتيجة هي أنه إذا اعتبرنا المحمول مشترك في مسائل علم الأصول بمعنى الحجية والمعذرية، فليس لدينا طريقة لتعميم أصول الفقه على العلوم الإسلامية الأخرى. جميع المباحث أبعد من المنجزية والمعذرية يمكن أن تكون أدلة للعام وليس مسائل علم الأصول.
النقطة الثانية أنه من الممكن أن يقول شخص أن مسائل علم الأصول اعتبارية. بطبيعة الحال تم نقد هذا البحث في مكانه. إذا قلنا بأن قضايا علم الأصول اعتبارية، فلذلك لا يمكن أن تكون مفيدة في علوم الأنطولوجيا، ففي ذا المسألة جدل قد يطرح ولا يوجد مجال للحديث حوله ويحتاج إلى مناقشة أخرى.
إلى هنا إذا أردنا تلخيص البحث إلى هنا، يبدو أن تعميم أصول الفقه الموجود إلى غير علم الفقه الموجود، ناهيك عن الفقه المطلوب، ليس ممكناً. ولكن ما إذا كانت أصول الفقه هذه تتمتع بصلاحية لتعميمها، فهي مسألة أخرى تحتاج إلى بحثها بالتفصيل.
والسلام علیکم و رحمهالله
بحث رائع و راق!