الإجتهاد: في سياق عرض الباحث الديني الشيخ حبّ الله لمساهمات بعض العلماء الشيعة في نمطٍ من التفكير المقاصدي، توقّف عند السيد علي السيستاني، مبيّناً رؤيته ذات المضمون المقاصديّ بدرجة معيّنة، والتي تولّدت من وحي معالجته لإشكاليّة التعارض بين الأدلّة؛ حيث حلّل السيد السيستاني في هذا الإطار فلسفة ظهور الديانات الإلهيّة، فرأى أنّ ظهورها عبارة عن ثوراتٍ عارمة على كافّة الأصعدة، هذه الثورات بطبيعتها لا تغيّر حالةً أو حالتين من بيئة ظهورها ومشاكل واقعها، بل يتركّز عملها على قلب الواقع الفاسد وتغيير الكثير من المفاهيم والأساليب والأوضاع والأحوال.
من هذا المنطلق، يترشّح من هذه الثورات ـ بحسب تحليل السيد السيستاني ـ دساتير وأصول أساسيّة كليّة لإدارة الواقع وإصلاحه، وتتشعّب من هذه الأصول القضايا والأحكام الجزئيّة، فمن هذه الأصول الأساسيّة قاعدة العدالة، وهي قوله تعالى: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ..) (النحل: 90)، هذه الآية يعدّها السيد السيستاني إطاراً حاكماً على التشريعات الجزئيّة، وجزءاً من قواعد الاجتهاد التي يمكنها أن تحاكم بعض الفتاوى وتعدّل بعض النتائج الفقهيّة التي تكون ظلماً أو لا تنسجم مع العدل (انظر: السيستاني، مباحث الحجج: 23 ـ 31؛ وتعارض الأخبار واختلاف الحديث: 472 ـ 483؛ وقاعدة لا ضرر ولا ضرار: 325).
هذه الفكرة اعتبرها الشيخ الأستاذ حبّ الله مهمّة جداً في صدورها من مثل السيد السيستاني، رغم أنّها طُرحت في أعمال علماء آخرين في العصر الحديث، مثل الشيخ محمّد مهدي شمس الدين والشيخ يوسف الصانعي والشيخ مرتضى مطهري، ودعا الشيخ حبّ الله طلابَه للعمل في الإجازة الصيفيّة على التحقّق من مديات انعكاس هذه الفكرة عمليّاً على فقه السيّد السيستاني ورؤاه الاجتهاديّة، فأين وظّفها؟ وما هي الفتاوى المختلفة التي نجمت عنها في فقهه؟ وهل ظلّت مجرّد رؤية كليّة وقاعدة اجتهاديّة عامّة أو أنّها دخلت عند سماحته حيّز التنفيذ؟ وأين؟ وكيف؟ وبهذه المناسبة دعاهم لجولة مطالعة نافعة فيما نشر من أعمال وبحوث وتقريرات السيّد السيستاني حفظه الله.