الموسوي الخلخالي

الردّ علی القول بجواز الربا التوليدي .. آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي

الردّ علی القول بجواز الربا التوليدي .. رسالة في جواب نظرية بعض المعاصرين في الربا الاستثماري. آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي دام ظله ؛ استاذ البحث الخارج في حوزه مشهد العلمية.

الاجتهاد: بعد السلام و التحية؛ قد لاحظنا ما حرّرتموه في الرسالة الربوية وحاولتم التحليل الربا الاستثماري أي الإنتاجي الذي يتعاطاه التّجار للاسترباح – بأشدّ محاولة في قبال القسم الآخر من الربا الاستهلاكي الذي يتعاطاه الفقراء والمحتاجون، فيحرم هذا ويحلّ ذلک وأظنّه تقسیماً ضيزا.

يرد عليكم أوّلاً:

ما هو المقسم في تقسيم الربا بالاستهلاکی والإنتاجي؟ هل هو:

المقترض: فيقسّم بالفقير و التاجر، و یحرم أخذ الربا من الأول دون الثانی.

العنوان: فيقسّم بعنوان الحاجة وعنوان التجارة و ان لم يصرفاه في مأخوذه له من العنوان.

القصد: فيحرم إذا قصد الاقتراض للحاجة ويحلّ إذا قصد الاقتراض للتجارة و إن لم يصرف هذا في الحاجة و ذاك في التجارة.

الصرف: أي إذا صرفه المقترض في الحاجة فيحرم أخذ الربا منه وإن صرفه التاجر في التجارة، فيحلّ ولو على نحو الشرط المتأخر.

الضرر و الربح: بمعنى أنه لو تضرّر المقترض بدفع الربا يحرم الأخذ منه و إذا ربح التاجر من الإقتراض يجوز أخذ الربا منه على نحو الشرط المتأخّر أيضاً.
هذه احتمالات خمسة ليس لديكم أيّ دليل على إثبات أحدها، فما هو المقسم بين الحرام و الحلال و ما هو الدليل الشرعي على ذلك؟ هذا أوّلاً.

و ثانيا:

إن المستفاد من قوله تعالى: وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لاتَظْلِمُونَ وَلا تُظْلَمُونَ](1) أن علّة أخذ الربا هو الظلم.
و قولكم «إن أخذه من التاجر أو صاحب المصنع و نحو ذلك ممن يستفيد من الاقتراض من البنك و نحوه لا يكون ظلما، بل هو عدل لحصول الربح للآخذ والمعطي، فهما ينتفعان من هذا الاقتراض، البنك بأخذ الربا و التاجر بالاسترباح، فأيّ ظلم في ذلک في حين إقامة الأسواق التجارية بذلک.

جوابه: أن الاقتراض من البنك أيضا يكون في معرض الظلم؛ لأنّ التاجر ونحوه ممّن يصرف المال في سبيل الاسترباح قد یخسر خسارة كادحة، بل قد يفني جميع رأس ماله و يبقى مديوناً للبنك، فعليه خسارتان: خسارة التجارة وخسارة الربا، أي يتضرّر بضررین: ضرر التجارة و ضرر الربا، فأين الاسترباح المجوّز للريا؟

و قد لا يربح و لا يخسر لكن عليه دفع الربا إلى البنك، فليس الاقتراض من البنک رابحاً دائماً، بل هو في خطر الضرر المضاعف: ضرر التجارة و ضرر الربا و هذا ظلم مضاعف، فما هو المخلص الشرعي؟

إذن لابدّ وأن يحدّد الحلّية بالانتفاع، بمعنى أنّه إذا انتفع التاجر من الاقتراض من البنك فيحلّ أخذ الربا منه و إلّا فلا.
هذا و لكنه يبقى سؤال و هو أنه ما هو ملاك الربح؟ وبأي مقدار يربح کی لا یكون ظلماً و نحوه من الأسئلة المطروحة أمام هذا الاجتهاد الاستحساني غير المستند إلى دلیل فقهي.

نعم، هناك طريقة لحلّ هذه المشكلة نسبياً و هي المضاربة مع البنك، فإنّ ضریب احتمالات الضرر فيها اقل من ضریب احتمالات الاقتراض الربوي، فإنّ التاجر إذا لم يربح ولم يخسر فليس عليه شي،، بخلاف المقترض، فإنّ عليه إعطاء الربا للبنك على كل تقدير، سواء ربح أو خسر أو بقى حاله لم يربح و لم يخسر.

فتحصّل أن إخراج الاقتراض الاستثماري من عموم آدلّة حرمة الربا بهذا الوجه الاستحساني لا يستند إلى دليل فقهی، بل هو استحسان محض لوحظ فيه توجيه عمل البنك الربوية، ارضاء لوجهة نظر الاقتصاد الرائج في السوق التجاري في يومنا الحاضر وهذا يعني خضوع الدين للوضع الموجود.

و ممّا يضحک به الثكلى أنّكم تسندون إلى الفقهاء الغفلة عن هذه المسألة التي هي أبسط ممّا لا يغفل عنه أدني مسلم و لو كان عامیاً، فضلا عن الطلبة العاديين، فإنّ الاستقراض الربوي للانتفاع به في التجاره و نحوها أمر بسيط رائج لا يتصوّر غفلة الفقهاء بل الطلبة منه، إلا أنّهم امتنعوا عن القول بتحليله، نظرا إلى عموم الأدلّة وشمولها لمثل ذلك، فإنّ هذا ممّا لا يخفى على أبسط الأذهان.

و قد تعرّض السيد الطباطبائي “قدس سره” للربا الاستثماري وساواه في المحذور الاقتصادي مع الربا الاستهلاکی، قائلا:
هذا في الربا المتداول بين الأغنياء و أهل العسرة – يعني ما ذكره من المحذور الاقتصادی – و أما الذي بين غيرهم – کالربا التجاري الذي يجري عليه أمر البنوك و غيرها على القرض و الاتّجار به – فأقلّما فيه أنه يوجب انجرار المال تدریجاً إلى المال الموضوع للربا من جانب و يوجب ازدیاد رؤوس أموال التجارة و اقتدارها ممّا هي عليها بحسب الواقع و وقوع التطاول بينها و اكل بعضها بعضا و انهضام بعضها في بعض و فناء كل في ما هو أقوى منه، فلايزال يزيل في عدد المحتاجين بالإعسار، ويجتمع الثروة بانحصارها عند الأقلين و عاد المحذور الذي ذكرناه آنفا(2).

و يقصد من المحذور ما ذكره قبل ذلك بقوله «و هو الهرج و المرج و فساد النظام الذي فيه هلاك الانسانيه وفناء المدينة.(3) ثم يقع الكلام في عموم أدلّة التحريم أو إطلاقها للقرض التجاري ومن المعلوم أنّه لولا الإطلاقات والعمومات لزم تأسیس فقه جديد.

الدليل القرآني و الإطلاق لحرمة مطلق الربا

الآيات الكريمة في تحريم الربا نزلت في ثلاث سورة: النساء و آل عمران و البقرة و لحنها تؤدي إلى أنّها نزّلت تدریجاً و الله العالم.

أما الآية الأولى فهي حكاية تحريمه على اليهود، إشعاراً بأنّها لابدّ وأن تحرم على المسلمين أيضا، لاشتراكهما في النهي عن المفاسد ولا فرق في الأديان الإلهية في المناهي الناشئة من المفاسد وهي قوله تعالى:
[فَبِظُلْمٍ مِنَ الَّذِينَ هادُوا حَرَّمْنا عَلَيْهِمْ طَيِّباتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ وَبِصَدِّهِمْ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ كَثِيراً (*) وَأَخْذِهِمُ الرِّبَوا وَقَدْ نُهُوا عَنْهُ وَأَكْلِهِمْ أَمْوالَ النَّاسِ بِالْباطِلِ وَأَعْتَدْنا لِلْكافِرِينَ مِنْهُمْ عَذاباً أَلِيماً ](4)

المستفاد من هذه الآية أن حرمة الطيّبات على اليهود نشأت من أمور ظلمهم على الناس و منعهم عن الإيمان بالله و أخذهم الربا و أكلهم أموال الناس بغير رضاهم.

و المراد من الربا هو الزيادة في الأموال، بقرينة الأخذ، فلا يعمّ مطلق الزيادة بالمعنی اللغوي، كالزياده في الأكل و نحوه، فكانوا يأخذون الزيادة في الأموال المعاوضية؛ إذ لايصدق الزيادة إلا باتّحاد الزائد والمزيد عليه في الجنس، كالحنطة بالحنطة و الشعير بالشعير و الدرهم بالدرهم، أو الاقتراض بمبلغ و الأداء بالأزيد منه، فلابدّ أن يكون أحد الطرفين أزيد في المقدار من الطرف الآخر.

و الظاهر أن «اللام» في قوله تعالى: [و أخذهم الرباء] للعهد الخارجي و الإشارة إلى ما تعارف عند اليهود وهو الربا القرضى أو الأعمّ من المعاملی، فلا إجمال في الآية و الأخذ بالمتيقّن و هو الربا الاستهلاکی.

الآية الثانية:
قال سبحانه تعالى: [ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا الرِّبَا أَضْعَافًا مُضَاعَفَةً وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ]. (5)

هذه الآية خطاب للمسلمين رأساً و تصريح بتحريم الربا عليهم بعد الإشعار في الآية الأولى من تحريمه على اليهود و الظاهر أنّ المراد من الأكل هو أكل الأموال و الربا هو الزيادة في الأموال، فيعمّ مطلق الربا و لو كان لغرض الانتفاع، فإن الأغراض لاتوجب قيداً في الحكم، فلا إجمال في الآية، لاسيّما إذا كان اللام فيها للعهد أيضا و المعهود هو ما تعارف عليه اليهود من الربا المعاوضى و كان متعارفاً في الجاهلية.

الآية الثالثة: وهي آیات و أطول دليل من الكتاب في تحريم الربا والتشديد عليه بأشدّ ما يكون إلى أن بلغ به الحرب مع اللّه و الرسول.
قال سبحانه و تعالى: [الَّذِينَ يَأْكُلُونَ الرِّبَا لَا يَقُومُونَ إِلَّا كَمَا يَقُومُ الَّذِي يَتَخَبَّطُهُ الشَّيْطَانُ مِنَ الْمَسِّ ۚ ذَٰلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا إِنَّمَا الْبَيْعُ مِثْلُ الرِّبَا ۗ وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا ۚ فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ۖ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (275) يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ (276) إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ لَهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ (277) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ (278) فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ۖ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ (279)] (6)

المستفاد من هذه الآيات الكريمة أنّ المسلمين كأنهم امتنعوا عن طاعة الله في تحريم الرّبا الذي نزلت به الآية الكريمة الثانية و هي قوله تعالي: [ يأيها الذين ءامنوا لا تأكلوا الرّبا أضعفاً مضاعفة].

و كأنّهم اعترضوا على ذلك و قالوا [ إنّما البيع مثل الربا] أي إذا حرم الربا فلابدّ و أن يحرم البيع أيضا، لعدم الفرق بينهما في الانتفاع بهما للبائع و المرابی، فمثّلوا البيع بالربا و شبّهوه به في الحرمة، نظير قولك زيد كالأسد، أي في الشجاعة و لم يقولوا (إنما الرّبا مثل البيع، فإذا حلّ البيع لابدّ وأن يحلّ الربا أيضا) و النكتة في ذلك أن التشريع بحرمة الربا كان ثقيلاً عليهم، فاعترضوا قائلين «إنما البيع مثل الربا»، أي لابدّ وأن يحرم البيع أيضا، فإذا كان كذلك، أي حرّما معا، فلازمه سقوط الأسواق عن الأخذ و العطاء و لزم الحرج الشديد و إفساد المعاش و المعاد، فلابدّ من تحليلهما معا، لقيام الأسواق بهما، فلا مجال للفرق بينهما بالحلّية و الحرمة، فإنّ البيع بأكثر نسية كالقرض الربوي بأكثر، فما هو الفارق؟

وقد أجابتهم تعالى أوّلاً: بأن الله أحلّ البيع و حرّم الرّبا، سواء قلنا بأنّ الجملة حالية أو مستأنفة؛ إذ لا يفرق ذلك فيما هو المقصود من الدلالة على حرمة الربا على أيّ تقدير، فهذا حكم إلهي لابدّ من إطاعته.

و ثانيا: أنّه لم يكتف بذلك، بل علّل تحريم الربا بأنّه ظلم على المأخوذ منه، حيث قال تعالى: [و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون]، أي: إن الأخذ الزائد على رأس المال – و هو الربا – ظلم على المأخوذ منه و هذا بخلاف البيع، فإنّ أخذ الثمن من المشتري إنّما هو في مقابل المثمن – أي المبيع – فليس بظلم، بخلاف أخذ الربا الذي هو زائد على أصل رأس المال، كما في القرض الربوي، فإن رأس المال هو المقدار المأخوذ قرضاً، و الزائد وهو ما يدفعه المقترض إلى المقرض زائداً على أصل القرض، كما إذا أعطاه ألف درهم قرضاً لمدّة شهر فأخذ منه ألف و مأة درهم مثلا، فإنّ هذا ظلم، لعدم ما يقابل المأة الزائدة بشيء، فحاولت الآية الكريمة لبيان عدم مثلية البيع للربا بأنّ البيع عدل و الربا ظلم، إقناعاً للمقرضين.

هذا هو المستفاد من مجموع الآيات الكريمة الواردة في الربا على الترتيب: الأول: التحريم على اليهود المشعر بلزوم التحريم على المسلمين.

الثاني: التحريم على المسلمين رأساً.

الثالث: تأكيد التحريم المشتمل على الجواب عن اعتراضهم على الحرمه و دعواهم عدم الفرق بين البيع و الربا.

والجواب على ذلك أوّلا: بأن الفارق هو حكمه تعالى و ثانیا: هو تحقق الظلم في الربا دون البيع، وليس حكمه تعالى تعبّداً محضاً، بل لحكمة بالغة و هو الحكيم الخبير.

ثم إنّه لا فرق في تحقق الظلم بين الربا الاستهلاكي و الإنتاجي؛ لأنّه من المعلوم أنّ الظلم في الربا هو ظلم مالی بلاعوض و هذا لا يفرق فيه بين الأخذ من الفقير أو الغني و المحتاج أو التاجر، فإنّ الغني إذا أخذ منه مال بلاعوض فهو ظلم في حقه و لو كان أغنى الأغنياء، فإنّ الظلم قد يكون على نفس الإنسان و أخرى في عرضه و ثالثة في ماله و لا يفرق ذلك بين الفقير و الغني و العاطل و التاجر في الأمور الثلاثة.

نعم، ينجبر الظلم على التاجر بما يربحه في تجارته بالقرض الربوی و مثلا يعطى عشرة آلاف درهم للبنک رباء و لكن يربح بالقرض الربوی عشرين ألف درهم مثلا، إلا أنّه ينتقض:

أوّلا: بانجبار الفقير المقترض ربوياً أيضا بعلاج مریضه، کولده العزيز إذا صرف القرض الربوي في علاجه و طاب و هذا الانجبار أعظم بكثير من الانجبار بالربح المالی.

و ثانيا: إنّ شیءاً من ذلك لايرفع الظلم الربوي؛ لأنّه مال مأخوذ لا عوض و الانجبار بأمر خارج لايرفع الظلم الربوي، فإن هذا يشبه أن يأخذ زيد منك ألف درهم ظلماً و يهدیک عمرو ألف درهم إحساناً؛ فإنّ ظلم زيد لايرتفع بإحسان عمرو.
هذا هو المتحصّل من مجموع الآيات الكريمة الواردة في حرمة الربا.

الاستدلال الفقهي

بقى علينا الاستدلال بالآيات الكريمة على حرمة الربا مطلقاً، سواء ما يؤخذ من الفقير المحتاج إلى الاقتراض لمعالجة مريضه أو تعمیر داره أو نحو ذلك ممّا يحتاج إليه في ضرورة معاشه أو ما يؤخذ من التاجر المستريح بما يقترضه من نحو البنك و نحو التاجر أرباب الصنايع و المصانع بل الحكومات و نحوهم من أولى الثروات الطائلة، فإنّ استقراضهم من البنوك يكون للاسترباح و إقامة السوق التجاري في البلد، بل التعامل مع البلدان و الحكومات الأخرى.

لا ينبغي التأمل في إطلاق الآية الكريمة و هي قوله تعالى: [ وأحلّ الل.ه البيع و حرّم الرّبا] و شمولها لمطلق المعاوضات الربوية من دون دخل أغراض المقترضين في ذلک أبداً، فإنّ أغراضهم لاتعدّ ولاتحصى ولاترجع إلى ضابط كلّى، فإنّ الفقير المحتاج قد يقترض بداعي التجارة و الغني قد يقترض بداعي الحاجة الضرورية.

تقریب الاستدلال

لانشكّ أنّ المراد من قوله تعالى [حرم الربا] الربوا المعاوضى في المالیات و ذلک بقرينتين:

الأولى: عطف الربا على البيع؛ إذ لا معنى لتحريم مطلق الزيادات – کالزيادة في الاكل و الشرب ونحو ذلك – على حلّية البيع، فإنّ الربا في اللغة و إن كان بمعنی مطلق الزيادة حتى في مثل الأكل و الشرب و نحوهما، إلا أنّ القرينة المتّصلة تحدّدها في موضوع خاص و هو الزيادات في المعارضات المالية الاقتراض الربوي، ثم إنّه لا يتحقّق مفهوم الزيادة إلا بین شیئين متماثلين و متّحدين في الجنس، کزياده عشرة أمنان من الحنطة على خمسة منها، و زيادة الف و مأة درهم على ألف درهم و عدم صدق الزيادة على ثمن الكتاب على الكتاب؛ فلا يصحّ أن يقال: إنّ ثمن الكتاب كعشرة دراهم أزيد من الكتاب، لعدم اتّحادهما (الكتاب و الدرهم) في الجنس.

نعم، يصحّ أن يقال: إن الثمن المسمّى أكثر من ثمن المثل فيما لو اشترى الكتاب بأغلى من ثمنه السوقي و لكن هذا أيضا في المتجانسين أي الثمئين لا الثمن و المثمن.

و بالجملة، لا إشكال في أن المراد من الربا في الآية الكريمة الزيادة في المعاوضات و مقتضى إطلاقها عدم الفرق بين القرض بداعي الحاجة أو بداعي التجارة، لعدم دخل الدواعي في الأحكام الوضعية و منها فساد المعاملات الربوية و منها القرض الربوی و الحكمة و هي الظلم جارية فيها، كما ذكرنا، فإنّها الزيادة بلاعوض معاملي، كما أنّ الزنا حرام، سواء كان بداعي الشهوة و اللذة أو بداعي إظهار العناد و الغلبة.

و بالجملة، القرينة الأولى هي عطف الربا على البيع.

و القرينة الثانية: ذيل الآية الكريمة قوله تعالى : [و إن تبتم فلكم رؤوس أموالكم]، فإن رأس المال هو المزيد عليه، كما إذا أقرضه ألف درهم، فإنّ هذا هو رأس المال، فإذا اشترط عليه الزيادة لمدّة شهر مثلا مأة درهم يكون هو الربا و قال تعالى [و ذروا ما بقي من الرّبا] أي في مقابل رأس المال، فهذه قرينة على أن المراد من قوله تعالى في الصدر [ حرّم الرّبا] هو الزيادة المالية في المعاوضة و هي القرض الربوي أو المعاملة الربوية، كما في المكيل و الموزون المتجانسين، كما هو المقرّر في محلّه.

فتحصّل أنّه لا مجال للمناقشة في ظهور الآية الكريمة [أحلّ الله البيع و حرّم الربّا] في مطلق المعاوضات الربوية في المكيل و الموزون المتجانسين، كالحنطة بالحنطة و أما الزيادة في المعدودات فقد خرجت بالدليل الخاص و إلا لشملتها الآية الكريمة أيضا، كما هو المقرّر في الفقه في كتاب البيع.

و غرضنا من هذه السطور تعمیم تحريم القرض الربوی لمطلق الأغراض في الاقتراض و إثبات عدم دخل الدواعي في الحرمة.

و السعي في تحليله إذا كان بداعي الاسترباح إنّما هو سعى في إخضاع الدين للوضع الموجود و هذا ممّا يوجب التجرّى على أحكام الله تعالى و اضمحلال الدين المقدس تدریجاً؛ إذ لا تحدید و لا تسديد للأهواء، فإنّ النفس لأمّارة بالسوء و السوء لا يخضع للدين و دائرته واسعة بوسعة حبائل الشيطان و العياذ بالله.

الهوامش

1- البقرة، 278 – 279.
2- السيد محمد حسين الطباطبائي ، الميزان في تفسير القرآن، ج3، ص430.
3- نفس المصدر.
4- النساء، 160 – 161.
5- آل عمران، 130.
6- البقرة، 275 – 279.

 

سيرة آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي رحمه الله

خاص / إنا لله وإنا إليه راجعون، رحيل آية الله السيد محمد مهدي الموسوي الخلخالي / سيرة كاملة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky