إن المرأة والأسرة المسلمة تواجهان في عصر العولمة الكثير من التحديات التي تستهدف هدم كيانهما واضمحلال أخلاقهما من أجل تفکیکهما، وان کان هذا الامر لیس حدیثاً، «بل هو قدیم قدم التخطیط الصهيوني لهدم العالم واستعماره، فقد حوت وثائقهم السرية (محاضر جلساتهم السرية «بروتوكولاتهم): سوف ندمر الحياة الأسرية بين الأمميين، ونفسد أهميتها التربوية” . إعداد: الدكتورة نادية محمد السعيد الدمياطي
الاجتهاد: التحديات التي تواجه المرأة المسلمة في ظل العولمة
أولاً: التحديات الاجتماعية.
تعد الأسرة أهم مجال اجتماعي، كونها الأساس الذي ينبني عليه المجتمع، فهي اللبنة الأولى لبنائه، وتُعد المرأة الجانب الأهم الذي يُعوّل عليه في بقاء هذا الصرح شامخاً ومحافظا على تماسكه.
ولذا فإن الأسرة والمرأة المسلمة تواجهان كثيراً من التحديات في عصر العولمة، والتي تستهدف هد مهما و تفتیتهما، حتی لایکون لهما دور في بناء المجتمعات، ولا تقوم لهما قائمة.
ولما كان الأمر بهذا الشكل، كان لابد أن تكون (المرأة والأسرة) محورين مُهمّين وأساسيين من محاور التجمعات والفعاليات الاجتماعية في العالم، من منظمات وجمعيات تتخذ من الحرية والمساواة وحقوق الإنسان شعاراً مميزاً لها.
لقد «أصبح الشغل الشاغل لتلك التجمعات والمنظمات: السعي لعولمة الحضارة الغربية ممثلة في الحياة الاجتماعية لتلك الدول ؛ وذلك من خلال تقنين الإباحية والرذيلة، ومن خلال محاولة تعميم الشذوذ باسم حقوق الإنسان والحرية الشخصية، وتقويض بناء الأسرة، لأنها في زعمهم أكبر عائق من عوائق التقدم والرفاهية، فهي أقدم مؤسسة اجتماعية يدّعون أن الرجل يتسلط من خلالها على المرأة، ويمارس عليها أشكال القهر.
ومن أجل التحرير المزعوم للمرأة فإنهم يرون ضرورة التخلص من شيء اسمه «الأسرة” ولو أدى ذلك إلى التمرد على كل التعاليم الدينية، والمبادى الفطرية، التي أرست دعائم الشعوب والأمم على مر التاريخ البشري “(11).
ولتحقيق مخططهم الذي يسعى إلى تدمير المرأة والأسرة المسلمة اتخذوا عدة مسارات تخدم تلك المخططات البائدة ومنها:
1- التمويل الأجنبي للجمعيات الأهلية النسائية: والهدف منه هو تسخير تلك الجمعيات لخدمة مصالح مُموليها، وتحقيق مراميها، ويعد الكونجرس الأمريكى المُموّل الرئيسى لتلك الجمعيات، وذلك عبر مؤسساته التي تقدم التمويل وفقاً لتقارير تُرفع لتلك المؤسسات.
2- الاتفاقيات الدولية: وهذه الاتفاقيات لا تنظر إلى العادات والتقاليد، بل ولا العقيدة التي تنتمي إليها الشعوب، ولذلك فإن كثيراً من قراراتها، وخاصة في مجالي الأسرة والمرأة تخالف الشريعة الإسلامية.
«تدعو تلك الاتفاقيات بصورة شاملة إلى المساواة المطلقة في الحقوق بين المرأة والرجل في جميع الميادين: السياسية، والاقتصادية، والثقافية، والمدنية بما يقرّبها من درجة التماثل أو التطابق، والتي تقوم على رفض حقيقة وجود تمايز الخصائص والوظائف بين الرجل والمرأة، وتعد تلك الاتفاقيات بعد المصادقة عليها ملزمة قانونياً للدول بتنفيذ بنودها، واتفاقية كاتفاقية السيداو CEDAW تتبنى الفردانية بمعنى النظر للمرأة کفرد ولیس کعضو فی أسرة بیتکامل فیها الزوجان، و تطالب بتعديل الأنماط الاجتماعية والثقافية لسلوك الرجل والمرأة بهدف تحقيق القضاء على التمييز والعادات والأعراف، وتصف هذه الاتفاقية الأمومة بأنها وظيفة اجتماعية يمكن أن يقوم بها أي إنسان آخره”.(12)
ولذا فإن تلك الاتفاقيات التي تدعو إلى القضاء على التمييز ضد المرأة؛ والمساواة بينها وبين الرجل من الخطورة بمكان؛ لأنها تستخدم قضايا المساواة لتمرير الكثير من القضايا التي تنادي جها، وذلك لعولمة النموذج الغربي الاجتماعي للمرأة في جميع مجالات الحياة، ولا شك أن ذلك يمثل أكبر تحد تواجهه المرأة والأسرة المسلمة، وبالذات فيما يتعلق بالأدوار المناطة لكل فرد في الأسرة.
3- المؤتمرات العالمية المعنية بالمرأة: من أخطر وأكبر التحديات التي تواجهها من خلال تلك المؤتمرات تكريس المفهوم الغربي للأسرة؛ والتي قد تتعدد أشكالها.
يقر المجتمع الغربي بالذات شرعية تعدد أشكال الأسرة، ويقر لها بكامل الحقوق، وأن يمنحها مستلزمات الرعاية، وأن يُظلها بالعطاءات الاجتماعية في المسكن والتطبيب والمعاش والتأمين من أعراض الشيخوخة، وأن يدرجها في مواثيق الملكية المشتركة “.(13)
إن أخطر التحديات التي تنعكس على الكيان الأسري وتهدده، هو انتشار العلاقات الإباحية الجنسية بين المراهقين والمراهقات، واعتبار ذلك نوعا من الحرية الشخصية وحقاً من الحقوق التي يجب أن تكفله الأسرة لأفرادها وأبنائها؛ وتكفله الحكومات بإصدار القوانين التي تبيح ذلك، وما يترتب على ذلك من إباحة التخلص من الحمل غير المرغوب فيه بتوفير الوسائل التي تساعد على ذلك.
ومن أبرز التحديات التي تواجه المرأة والأسرة المسلمة في المجال الاجتماعی:
1- التفكك الأسري:
وقد ساعد على ذلك عدة عوامل، منها:
أ- ضعف قوامة الرجل:
حيث أدى الاستقلال الاقتصادي المادي للمرأة أحياناً إلى استغناء المرأة عن الرجل، وعدم حاجتها إليه، مما أدى إلى نشوء نوع من التعالي، بالإضافة إلى تخلي الرجل عن بعض واجباته ومسؤولياته تجاه زوجته وأبنائه، بسبب سيطرة المادیات علی الحیاۃ العامة.
ب – ضعف السلطة الأسرية:
حيث ضعفت السيطرة من قبل كبار السن في الكثير من شؤون الأسرة، كما أن انشغال الآباء بالعمل والسفر وغيره
أدى إلى إحداث فجوة تربوية داخل الأسرة، وبالذات إذا كانت الزوجة تقوم بالرعاية والعناية الكاملة لشؤون الأسرة مع غياب دور الأب، وهذا الغياب التربوي أدى إلى صراع الأجيال، الذي ينتج من عدم وجود جسور ممتدة بين الأجيال السابقة والتالية، كما يؤدي إلى غياب النموذج وضياع القدوة، حيث لم تتوافر في الأسرة جميع شروط العملية التربوية، والتي تكمن في التوريث التربوي بالقدوة والسلوك اليومي.
۲- دعوی تحدید النسل:
وهي دعوى خبيثة ظاهرها الرحمة وباطنها العذاب، حيث إن الحديث حولها كثير، بل وقامت الهيئات والجمعيات، وفتحت المراكز، وخصصت الميزانيات، من أجل إنجاح تلك الدعوى التي وفدت إلينا من الغرب، والتي لاقت نوعاً من القبول لدى المجتمعات العربية، بسبب الحملات التي صاحبت تلك الدعوى، والتي تعمل على تزيين الأمر لدى النساء في العالم العربي والإسلامي رغم الاحتجاجات التي قامت بها المؤسسات الدينية.
لاشك أن تلك الحملات في ظل العولمة، وبالذات الحملات الإعلامية المصاحبة لانعقاد بعض المؤتمرات ساهمت في ذلك النجاح، خاصة وأن من ورائها دعوة استعمارية بحتة غرضها:
أ- إيقاع الضرر بالدول النامية، لاسيما الإسلامية منها، وذلك عن طريق تقليص النسل فيها، وبذلك تقل جيوشها عند الحرب فلا تكون قوية.
ب – إيجاد سوق عريضة تباع فيها منتجات وأجهزة وأدوية الدول الغربية، مما يعود على مصانعها بالمال الوفير، وعلى المستخدمين لها بالأمراض الخطيرة.
ج- استدامة طلب الدواء من الدول الغربية، لأن بعض وسائل منع الحمل تستصحب معها بعض الأمراض كسرطان الرحم وسرطان الثدي وتشويه الأجنة مما غرف بعد ذلك، وفي استدامة طلب الأدوية لهذه الأمراض إنهاك لموارد الدول النامية وثرواتها.
د- إرهاق الأسرة المسلمة، نتيجة حدوث الأمراض للزوجة التي هي أم الأولاد؛ وكذا الأمراض التى تظهر على الأولاد من فعل المستحضرات الطبية التي كانت الأم تناولها، فتكتشف في النهاية أن تحديد النسل أو تنظيمه لم يخدمها؛ خصوصاً إذا كانت موظفة، وإنما جر إليها العذاب والشعور بالذنب في حق نفسها وفي حق أبنائها”.(14)
3- تخلي الوالدين عن بعض الوظائف الأسرية باستخدام الخادمات والمُرئيات: في ضوء المتغيرات التي حدثت في عصر العولمة نتيجة وجود طفرة اقتصادية في بعض المجتمعات وخروج المرأة للعمل ؛ برزت مشكلة وجود الخادمات والمربيات بكثرة، إذ لم يقتصر الأمر على العمل المنزلي، أو القيام بالأعباء المنزلية فقط، فوظيفتهن لم تعد تقتصر على ذلك، فقد أسندت إليهن الكثير من الوظائف والمهمات الأسرية؛ لأن الأم مشغولة بعملها، فلا وقت لديها للأمومة والتربية، وكذلك الأب مشغول بعمله واهتماماته، ووجود هؤلاء الخادمات أزاح عنهم الكثير من الوظائف المنزلية؛ ومهمة التربية الأسرية.
«لم تعد عملية التربية من الالتزامات الوظيفية للزوج والزوجة، بقدر ما هي قد تحولت – وقد يكون بقدر – إلى المُربيات والخادمات الأجنبيات اللاتي باتت أنشطتهن المنزلية تشمل فيما تشمله رعاية الأطفال وتنشئتهم من الناحية الصحية والتعليمية والتربوية، وكذا قد يمتد ذلك ليشمل رعاية الوالدين، وأول نتائج هذا الكم الهائل من الخادمات والمربيات أن الزوج يعتبر نفسه في إجازة دائمة، وفي جل من كل الواجبات والمسؤوليات نحو أسرته، سواء كانت هذه الواجبات عاطفية أو نفسية أو شخصية “.(15)
غير أن الأمر الأدهى أن يتولى تربية الأطفال وتنشئتهم مربيات في أغلب الأحيان أجنبيات وغير مسلمات، وهذا الأمر له آثاره السيئة على الأبناء، فحين يتلقى الأطفال قيمهم وعاداتهم وتقاليدهم من شخص خارج الأسرة، بل وخارج النطاق الاجتماعي لمجتمعهم، فإن ذلك يُلغي وظيفة أساسية من وظائف الأسرة، وتتأثر بذلك عملية التنشئة الاجتماعية، وهذه مقدمة لوهن الارتباط بالأسرة، توهن من الارتباط بالمجتمع، ونتج عن غياب الأم عن بيتها تشرد الأطفال، وجنوح الأحداث (الصّغار)، وانتشار المخدرات بين الأطفال والمراهقين؛ لأنهم فقدوا حنان الأم وتوجيه الأب، وانعدمت القدوة داخل الأسرة فخرج الأطفال يبحثون عن البديل، فوقعوا في تلك الجرائم”.(16)
ثانياً: التحديات الثقافية.
من التحديات الثقافية التي تعكسها أساليب العولمة على المرأة والأسرة المسلمة ما يلي:
1- انتشار الأمية الدينية بين المجتمعات الإسلامية، وبخاصة لدى المرأة المسلمة المعاصرة.
لقد أدى تفشي الجهل بأمور الدين في أغلب المجتمعات الإسلامية بسبب إقصاء الدين عن مجالات الحياة المختلفة، إلى تفشي الأمية الدينية الشرعية في مختلف المجالات، وقد نالت المرأة المسلمة المعاصرة نصيباً كبيراً من تلك الأميّة، فقد عملت قوى الغرب على إقامة مجتمعات علمانية داخل المجتمعات الإسلامية عن طريق ما يُسمى بالغزو الفكري لتلك المجتمعات، والآن جاء دور العولمة الثقافية لتكمل المسيرة، فإقامة مجتمعات بمعزل عن الدين هو عين ما تسعى إليه العولمة.
«إن العولمة تعمّم معطيات ثقافية دنيوية ومادّية بحتة دون أي اهتمام بمدى انسجام تلك المعطيات مع الإيمان بالله واليوم الآخر، فهي -أي العولمة – تتنفس في محيط علماني، وتنشر الفكر العلماني، و تؤسس لارضیات و خلفیات علمانية، ولذا فإن ذلك يُشكل تحدياً من أكبر التحديات لأمة الإسلام”.(17)
لقد تفشت الأمية الدينية، وكان ذلك بسبب انحدار مستوى التربية والتعليم في المدارس، وضعف دور الوعظ والإرشاد في المساجد والمدارس أيضاً، بالإضافة إلى ضعف أو غياب دور الأسرة في التربية الدينية لأبنائها وبناتها، في السابق كانت تُمنع المرأة من التعلم مما تسبب ذلك في جهلها بأمور دينها ودنياها، وفي الوقت المعاصر حرمت المرأة ليس من التعلم، بل من تلقي العلوم الدينية الصحيحة في الكثير من البلدان الإسلامية؛ لأسباب لا مجال لذكرها هنا، فأدى ذلك إلى هضم الكثير من حقوقها، بالإضافة لفقدانها الكثير من المكاسب والامتيازات،
منها:
أ- هبوط مستوى الثقافة الجنسية الصحيحة، إن لم نقل اضمحلالها عند الكثير من النساء، نتيجة لابتعاد المرأة المسلمة المعاصرة عن مصادر التوجيهات الجنسية في كتب التفسير والفقه والحديث، وما تضمه من معلومات قيمة ضرورية.
ب – تسبب ابتعادها عن دراسة الإسلام بجهلها في تربية الأطفال تربية صحیحه. ج- جهل المرأة بدينها جعلها لقمة سائغة سهلة للمغرضين الحاقدين على الإسلام، فجهلها بما أعطاها الإسلام جعلها تصدّق ما يقال عن ظلمه للمرأة واحتقاره لها”.(18)
فقد وقعت المرأة المسلمة المعاصرة فريسة سهلة، بقلة علمها الديني الشرعي، تصدّق كل ما يقال عن دينها من أكاذيب وتشويهات، كل ذلك تمهيداً لإقصاء الدين من حياة المجتمعات الإسلامية عن طريق المرأة المسلمة والأسرة المسلمة، وعندما جاءت العولمة لتكمل تلك المسيرة في تعميم ثقافتها وقيمها على تلك المجتمعات، ولمحاولة فصل المرأة المسلمة المعاصرة عن دينها، ولعولمتها وإقصاء الدين عن حياتها تماماً، أو محاولة تهميشه وجعله مقتصراً في العبادات فقط، فكانت محاولات العولمة لإلغاء الخصوصيات الدينية والثقافية لشعوب العالم عن طريق تنميط الأذواق والأعراف والقيم التي تريدها، وقد استغلت العولمة التطور الهائل في وسائل الإعلام وأساليب الاتصال، وهيمنتها على هذه المؤسسات الدولية ذات النفوذ الواسع في كل بلدان العالم، في فرض ثقافتها المادية الملحدة، وتهميش العقائد التي تؤمن بها الشعوب والأمم الأخرى)”.(19)
إضافة إلى الاتفاقيات الدولية والمؤتمرات، والتي تسعى إلى نبذ الدين أو تهميشه في مقرراتها وبنودها، لتعرض تلك المقررات والبنود، وإجراء التغییرات، و من تلالک التغییرات:
– تغییر نظام التعلیم و تعدیل برامجه، بحیث یکون الترکیز والاهتمام علی ما يعزز مشاركة المرأة في التنمية والعمل، مع إهمال الجانب الديني الشرعي، والأسري والتربوي.
– الهجوم علی الدین، والازدراء لکل ما هو ثابت و متفق علیه في الشریعة الإسلامية، مثل الازدراء بالحجاب الذي يُعد جزءا من الهوية الثقافية الإسلامية، والهجوم على قانون الأحوال الشخصية الذي يُنظم حياة الأسرة، بحجة عدم مراعاته للمساواة بين المرأة والرجل.
وغير ذلك من الأفكار التي تحاول بها العولمة التقليل من سيطرة الدين على حياة الشعوب، عبر اعتماد مبدأ فصل الدين عن الدولة وعن الحياة عامة. فالعمل على تهميش الدين وإقصائه من حياة المجتمعات الإسلامية، لاشك أنه أمر خطير للغاية، خاصة إذا رُبط بالموروثات والتقاليد، وذكر كممارسات من قبيل أنها تراث وأعراف وتقاليد، وقد أدى ذلك إلى تولد نوع من الجهل لدى المجتمعات الإسلامية بأمور دينها، فكان جهلهم بالدين مرده لأمور:
أ- إما لاقتصار الدراسة على العلوم الدنيوية فقط، وترك تعليم الأمور الدينية والشرعية.
ب – أو تدريس المواد الدينية مشوبة بالخرافات والأساطير، أو مختلطة بکثیر من الاسرائیلیات
ج – وقصص السابقين التي لا تثبت.
ولذا نجد أن الكثير من الدارسين لديهم أمية دينية شديدة، والقلة منهم الذين يهتمون بدراسة ومعرفة أمور دينهم، وعندما هبت رياح العولمة الثقافية، عملت على توسيع تلك الفجوة بين أبناء الأمة ودينهم، بنشرها الثقافة المعولمة (العلمانية) التي تدعو إلى نبذ وإقصاء الدين من حياة البشر.
«إن مفهوم الأمية الذي تأخذه معظم الدول الإسلامية في عصر المعلوماتية والإنترنت ما زال قاصرا على المفهوم التقليدي؛ وهو الجهل بالقراءة والكتابة والحساب فقط، أو ما يُعرف بـ(فك الحروف) دون الاهتمام بالأمية العقدية (الدينية) والحضارية، على الرغم من أن الأمية الثانية أخطر من الأمية الأولى، إذ تجعل الإنسان يعجز عن الاضطلاع بدوره كاملاً كفرد في المجتمع”.(20)
فلاشك أن ما تواجهه المجتمعات الإسلامية المعاصرة من تحديات خطيرة للعولمة، وبالذات في المجال الثقافي (الديني) العقدي أمر خطير؛ خاصة مع تفشي الأمية الدينية بين أفراد المجتمعات الإسلامية، فالجهل بأمور الدين الإسلامي يقطع الصلة بين المسلمين ودينهم وإسلامهم، فعُمق الفهم للدين الإسلامي يُولد الوعي لدى المسلمين بكل شؤون حياتهم، لأنه دين الشمولية والكمال.
إن دراسة العلوم الدينية على الطريقة المثلى تشكل في نفوس المسلمين منطقاً ثقافياً واعياً، وتكون لديهم ما يكفي من قوة المحاكمة للأمور، وقوة الحجة، وقوة الجدل والدفاع، وقوة تجلية الحق وإبرازه بالتعبير المؤثر الجذاب، كما أنها تمثل قوة الحماية لعقول المسلمين وقلوبهم، من أن تتسرب إليها الدسائس الفكرية، التي يحاول الأعداء الغزاة إقناعهم بها، وتُمثل أيضاً قوة التوعية الدائمة، والتحذير من مكايد الإسلام والمسلمين على اختلاف اتجاهاتهم وأغراضهم “.(21)
أما الجهل بأمور الدين، فإنه يسهل على أعدائهم الانقضاض عليهم بسهولة، لأن نفوسهم ضعيفة وقلوبهم خاوية من الإيمان القوي.
فعصر العولمة هو عصر الاستعمار الفكري والثقافي، فلن تنفع معه الآلات والمُعدات، وأنجح سلاح نواجهه به هو سلاح الإيمان، والعلم، والثقافة، والوعي، والالتزام، والخلق القويم.
٢- اهتزاز الصورة المضيئة للمرأة المسلمة:
باسم الحرية والتحرر، والتقدم والرقي، والحضارة؛ وباسم المساواة بين الجنسين، أبعدت المرأة عن فطرتها الأصلية، وأخرجت عن حياتها، وعفتها، وطهارتها، وأنوثتها، وأبعدت عن الأهداف الحقيقية والمهام الكبيرة التي يجب أن تتحملها في حياتها، كل ذلك حتى تخرج من حماها المنيع، وأن تنزل من عرشها الرفيع، وتنسلخ من فطرتها الرقيقة إلى ميدانهم الصاخب لتتطبع بطبعهم، وتعمل عملهم، تلهو لهوهم، وتنساق انسياقهم في التلذذ والتهتك والانحلال.
فهي لديهم سلعة ومتعة في كل شيء، في إعلانات السينما، في أدوات الزينة والعطور والمنظفات…إلخ، وعلى أغلفة المجلات والكتب، وفي كل شيء وفي کلی مکان.
و کل ذللک التحطیم عقلها، و مسخ شخصیتها، و فکرها، و صورتها، و اخراجها من دينها وأخلاقها الإسلامية الرفيعة، ولمحو دورها في بناء الأمة، وتحييدها عن المعركة الحياتية الكبرى في التكوين الفكري والتربوي للأجيال القادمة.
فهم يدّعون أنهم يتعاطفون مع المرأة لأنها مهضومة الحقوق، مقهورة من الرجل فجعلوها شغلهم الشاغل «في الصحافة والإذاعات والأندية والمؤتمرات فی العالم کله شرقیه و غربیه، حتی زعموا آن عام ۱۹۷۵م هو عام المرآة، تذکیراً بشأنها، وبحثاً في حقوقها وواجباتها، وسعياً لإنصافها من ظلامها، ولکنهم ئي الحقيقة يهينونها ويزعمون كذباً أنهم يكرمونها”.(22)
يريدونها أن تكون متعة رخيصة تعرض مفاتنها وجسدها في أسواق الجسد (سوق النخاسة العالمي) المعولمة عالمياً في الوقت المعاصر، يريدونها أن تقوم بجميع الأعمال، السهلة منها والشاقة، يريدون أن يشغلوها بآخر الصراعات في كل شيء، في المكياج، واللبس، يريدون منها أن تُغير خلق الله، يريدونها أن تخلع ثياب الحياء والحشمة والأدب، وتدخل في كل المجالات، فتكون عارضة، راقصة، ممثلة، مغنية، مروجة للسلع، وجالبة للمال، فهذا كله تحقير للمرأة، وإهانة وازدراء لها، وحط الكرامتها وقيمتها، وقد دخلت علينا عبر العولمة الفكرية والثقافية مفاهيم صارخة مُدمرة مدروسة دراسة نفيسة، تعلن في مضمونها تدمير المجتمعات الإسلامية عن طريق المرأة”.(23)
إن المرأة العربية المسلمة في عصر العولمة فقدت الكثير من الصور الرائعة، والتي كانت عليها في زمن العزة والكرامة، أيام أمهات المؤمنين، والصحابيات الجليلات رضي الله عنهن ؛ ومن بعدهن من النساء؛ واللاتي تمتّعن بمكانة عظيمة وصور مضيئة أضاءت على من بعدهن بنورهن لما كنّ عليه من عزة المكانة وشرف العمل، والآن تغيرت المفاهيم في ظل العولمة، فلم تعد تلك الصورة الوضاءة تزهو، وإن سعت لتصحو طمست وشوّهت وغيبت، وكأنها عار على مجتمعنا، فأين مكانة المرأة المجاهدة الصابرة، التي تقدم أبناءها الواحد تلو الآخر في سبيل الله؟
وأين المرأة الداعية المحتسبة؟ وأين المعلمة المتفانية في صرح العلم لتعليم النشء الصالح؟ وأين الأم الحنون ومحضن الأجيال ومربيتهم الأولى لخوض معركة الحياة؟ أليست تلك كلها وغيرها صوراً مضيئة للمرأة المسلمة جديرة بأن تعطى ما تستحق من التكريم بدل العمل على طمسها أو تشويهها؟
وكانت المرأة على عهد رسول الله(ص) شقيقة الرجل، كما بين (ص) في قوله: (إنما النساء شقائق الرجال)”،(24)
فكانت شريكة في الإيمان، شريكة في الدعوة، و شریکهٔ في بناء المجتمع الجديد على قيم الإسلام ومبادئه، ولا تقوم هذه الشركة إلا بالممارسة الفعلية لتلك القيم والمبادى، كل ذلك في ثقافة خلق، وطهارة من الدنس، وعفة عن الحرام، والتزام بالحجاب، والتزام بأوامر الله سبحانه وتعالی، التي تُحرّم الخلوة بالأجنبية، وتُحرّم الاختلاط بغیر مورجب ، وتُحرّم السفر بغير محرم، وتحرّم النظرة التي هي سهم من سهام إبليس لعنه الله»'(25).
والآن ماذا حصل؟ هل عادت المجتمعات إلى الجاهلية مرة أخرى وذلك في تعاملها مع المرأة، فكان العلاج لخروجها من ذلك المأزق هو (الدعوة إلى تحرير المرأة) ولكن بطريقة الغرب، الذين أرادوا إخراج المرأة من بيئتها، وكان ذلك هدفاً من أهداف الصليبية والصهيونية يُقصد به تدمير العالم الإسلامي، من خلال هجر المرأة المسلمة لمعتقداتها وقيمها الدينية والخلقية.
3-نشر الفوضى الجنسية والأخلاقية (إشاعة الإباحية الأخلاقية).
ما زالت النظرة الغربية إلى المرأة والأسرة المسلمة على أنهما يمثلان معضلتين أو عائقين يجب التخلص منهما، لكونهما يمثلان القلعة المنيعة والصمود الأقوى في وجه التيارات المعادية للإسلام والساعية لتدميره، ولذا ثمة سعي حثيث للعمل على إفسادها وتدميرها بكل الوسائل والسبل، وعندما أطلت العولمة بوجهها القبيح، كانت الأسرة والمرأة المسلمة هدفين لسهامها المسمومة، فقد تنبه أعداء الإسلام إلى مكانة الأسرة، ولما لها من دور في صناعة الرجال والحضارات.
« وقد اشتد هذا التركيز التدميري على الأسرة المسلمة في عصر العولمة في عدة مجالات، دينية، أو أخلاقية، أو اقتصادية، أو تربوية، بغية تفريغ الأسرة المسلمة من دورها الفريد في تربية الجيل القيادي لأمة الغد، وسعوا جاهدين إلى سحب واقع الأسرة المسلمة لتسير في ركب الأسرة الغربية، وقد حدث وتحقق لهؤلاء البغاة كثير من أحلامهم، حيث ظهرت تشوهات كبيرة في كيان الأسرة المسلمة المعاصرة بفعل مؤامرات كثيرة، لعل أقواها أثراً ثورة التقنيات بشقيها الإعلامي والمعلوماتي التي يسيطر عليها صناع العولمة، فسخروا هذه التقنيات لخدمة أغراضهم الثقافية والعقائدية والتربوية الغربية، مع إبراز وضع الأسرة الغربية وعاداتها وتقاليدها، على أنها النموذج الذي يجب أن تحتذي به الأسرة المسلمة، فهذا الاستلاب الذي تتعرض له الأسرة المسلمة اليوم في كل مجال من مجالاتها يفرض على الأسرة المسلمة شكلاً جديداً وخطيراً من أشكال التحدي الحضاري والاجتماعي، ينبغي على كل فرد من الأسرة المسلمة أن يعيه، وأن يتعامل مع معطيات العولمة بجدية وحزم ليحافظ على هذا الكيان من الذوبان والتلاشي”.(26)
فقد استغلت العولمة قنواتها الثقافية لتعمل على توجيهها على حسب مبتغاها، وذلك لإزالة كل ما يقف في طريقها من حواجز وقيود دينية شرعية أخلاقية قانونية، لتفرض نمطاً جديداً من القيم الثقافية، وهو النمط الغربي الذي يُمجّد الجنس والشهوات والغرائز.
ولذا فإن المرأة والأسرة المسلمة تواجهان في عصر العولمة الكثير من التحديات التي تستهدف هدم كيانهما واضمحلال أخلاقهما من أجل تفکیکهما، وان کان هذا الامر لیس حدیثاً، «بل هو قدیم قدم التخطیط الصهيوني لهدم العالم واستعماره، فقد حوت وثائقهم السرية (محاضر جلساتهم السرية «بروتوكولاتهم)): سوف ندمر الحياة الأسرية بين الأمميين، ونفسد أهميتها التربوية”،(27) حتى لا تكون هناك أهمية وقيمة للأسرة، فتنشأ الفوضى، وينتشر الفساد والعلاقات الجنسية المحرمة، بسبب انعدام الرادع.
الهوامش
(11) فؤاد بن عبدالکریم، مجلة البیان، مرجع سابق، ص ٣٤.
(12) مرسي، أکرم رضا، دارالفکر العربي، بیروت، ۲۰۰۵م، ص ۱۳۵.
(13) المسدی، عبدالسلام، دارالشروقی للنشر، بیروت، ٢٠٠٦ م، ص ۱۹۵.
(14) المرسی، کمال الدین عبدالغنی، الاسرة المسلمة والرد علی مایخالف أحکامها و آدابها، داء احیاء التراث، ۲۰۰۷ م، ص١١٦.
(15) المرجع السابق، ص ١١٦.
(16) الغامدي، محمد بن أحمد بن غرم الله، التحديات الاجتماعية للعولمة وموقف التربية الإسلامية منها، رسالة ماجستير غير منشورة، كلية التربية جامعة أم القرى، مكة المكرمة،١٤٢٣ه ص ۷۱.
(17) بکار، عبدالکریم، التحدیات التي تواجه العالم الإسلامي، دار الشروق للنشر، بيروت، ٢٠٠٦م، ص ٥١.
(18) القیسي، مروان ابراهیم، العالم الإسلامي المعاصر، دار الکتاب العربي اللبنانی، بیروت، ٢٠٠٧ . ص ۲۷-۲۸.
(19) العمرو، صالح سليمان، دور التربية الإسلامية في مواجهة بعض تحديات العولمة في المجال الثقافي، بحث مقدم لمؤتمر المسؤولية الوطنية والإنسانية للمؤسسات التربوية في ضوء تحديات العصر، كلية التربية بمكة المكرمة، جامعة أم القري – ١٤٢٤ هـ ص١٢٧.
(20) اسماعیل، سعید علي، دارالفکر العربي، بیروت، ۲۰۰۱ م، ص : ١٩٤.
(21) المیدانی، عبدالرحمن حسن، غزو في الصمیم، دار احیاء التراث، بیروت، ۰۷ ۲۰ م، ص۱۹۸.
(22)جمال، أحمد محمل ، العولمة الثقافية وتحديات العالم الإسلامي، دار القلم للنشر، بیروت ، ۲۰۰۷ م، ص ۱۹. بتصرف.
( 23 ) المرجع السابق، ص ۲۱.
(24) سنن أبي داود، كتاب الطهارة، باب الرجل يجد البلة في منامه، رقم الحديث (۲۰۴)، سنن الترمذي، کتاب الطهارة، باب ما جاء فی من یستیقظ فیری بللا ولا یذکرا احتلاما، رقم الحدیث (۱۰۵).
(25) قطب، محمد، هلم نخرج من ظلمات التیه، (دارالشروق للنشر، بیروت، ۲۰۰۳ م)، ص ۴۸
(26) الحارثي، صلاح بن ردود بن حامد، دور التربية الإسلامية في مواجهة التحديات الثقافية للعولمة، رسالة ماجستير منشورة، جامعة أم القرى ۱۴۲۲ ص۴۱۳.
27 – صالح، سعد الدين السيد، التربية الإسلامية، دار الفكر العربي، بيروت، ٢٠٠٨م. ص 226.
إعداد: الدكتورة نادية محمد السعيد الدمياطي / كلية التربية بجامعة الإسكندرية – مصر
المصدر: مجلة ” دراسات في الشأن الإسلامي (4) / رابطة العالم الاسلامي الامانة العامة