محمد مهدي الخالصي

آية الله الشيخ الخالصي يحذر من التعامل الربوي في الاسواق، ويبين طرق علاجها بالمعاملات الشرعية

ذكر بيان صحفي للمكتب الاعلامي للخالصي، ان مجموعة من التجار والكسبة تقدموا باستفتاء حول “تفـشي ظاهرة التعامل بالربا في أسواق المسلمين، وبعناوين مختلفة، نرجو من سماحتكم التفضل ببيان حكم الشارع الحكيم في هذه المعضلة، وفتوى سماحتكم في معالجتها، وتجنب آثامها والإرشاد إلى المعاملات الشـرعية المغنية عنها”.

الاجتهاد: حذر الفقية المجاهد آية الله الشيخ محمد مهدي الخالصي، اليوم الاربعاء، من التعامل الربوي المنتشر في الاسواق المحلية، مبينا كيفية التعامل مع هذا الامر بما يتوافق من الشريعة الاسلامية.
واوضح الخالصي، بحسب البيان، ان “البديل عن القروض الربوية في المصارف والمعاملات، هو ان تتفق مع (الممول) على ان يشتري لك بيتاً أو سيارةً ويبيعها لك بالأقساط بالسعر الذي تتفقان عليه، فهذه معاملة شرعية وليست حيلة كما يظن البعض، وبهذه الطريقة الشـرعية يتحوّل الممول سواء كان شخصاً أو مصرفاً إلى مؤسسة انتاجية”.

واشار الى ان “هنالك معاملة المضاربة أو القراض الشرعية وخلاصتها ان يكون المال من جهة أو شخص والعمل من الطرف الآخر، والربح بينهما حسب النسبة التي يتفقان عليها، من ربح المشروع ان حصل ربحٌ، اما الخسارة يتحملها الممول وحده وليس العامل، وفي هذا مندوحة عن القرض الربوي لإقامة مشروع إنتاجي استثماري”.

وفيما يلي نص الاستفتاء والإجابة عليه:

بسم الله الرحمن الرحيم
إلى/ مولانا المجاهد سماحة آية الله العظمى الشيخ محمد مهدي الخالصي حفظه الله تعالى
م/ استفتاء
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:
فإن مما يحز في النفس هذه الأيام وينذر بغضب الله ونزول البلاء، ما نرى من تفـشي ظاهرة التعامل بالربا والعياذ بالله في أسواق المسلمين، وبعناوين مختلفة، نرجو من سماحتكم التفضل ببيان حكم الشارع الحكيم في هذه المعضلة، وفتوى سماحتكم في معالجتها، وتجنب آثامها والإرشاد إلى المعاملات الشـرعية المغنية عنها.
أدام الله توفيقكم ومتّعنا والمسلمين جميعاً بأنوار علومكم.
جمعٌ من التجار والكسبة
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
باسمه تعالى
وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، ان أمر الربا والتحريم القطعي بالتعامل فيه مما لا يخفى، وقد وردت فيه من الآيات القرآنية والأحاديث المسندة مما لا يترك أدنى تردد في انه من أخبث المكاسب وأكبر الكبائر، وأسوء المعاصي عاقبةً، وقد دعا سبحانه وتعالى في قرآنه إلى تركه، ونهى عن العود فيه،

فقال عز أسمه (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ * فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ)(البقرة:278-279)، وقال تعالى عن العائد فيه بعد تركه: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا فَمَن جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِّن رَّبِّهِ فَانتَهَىٰ فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ وَمَنْ عَادَ فَأُولَٰئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ* يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ كُلَّ كَفَّارٍ أَثِيمٍ) (البقرة:275-276).

أما الأحاديث المُسندة، فقد استقبحت هذا الأثم وحذرت منه في العديد من الأحاديث في عبارات غاية في الانكار، حتى جعلت درهماً من الربا أشد واقبح من سبعين زنية بذات محرم في بيت الله الحرام، يكفي مثلاً على ذلك ما أورده صاحب وسائل الشيعة وغيره ضمن أحاديث أخرى في باب تحريم الربا:

“عن النبي (ص) في وصيته لعلي (ع) قال: يا علي الربا سبعون جزءً، فأيسرها مثل ان ينكح الرجل امه في بيت الله الحرام، يا علي درهم ربا، اعظم عند الله من سبعين زنية كلها بذات محرم في بيت الله الحرام”، هذا في مرتكبه، اما مستحله بأي عنوان كان ففي (الوسائل) (باب ثبوت القتل والكفر بإستحلال الربا)، وفيه ايضاً عن علي (ع) قال: لعن رسول الله في الربا خمسة: آكله، وموكلّه، وشاهديه، وكاتبه)، هل بعد هذا التغليظ في التحريم وشدة الوعيد في العقوبة انسان عنده ذره من إيمان يجرأ على التعامل بالربا؟.

والعلة في هذا التحريم الشديد للربا لآثاره السيئة المدمرة للأخلاق والتدين والاقتصاد، يقول الإمام الصادق (ع) في ذلك “لكي لا يمتنع الناس من اصطناع المعروف، ولينفروا من الحرام إلى الحلال من التجارات والبيع والشراء”، وفي مجال الاقتصاد ثبت بالاستقراء ان الربا المتعامل به في الاسواق الرأسمالية انه من اهم اسباب الازمات الاقتصادية الدورية التي تحل بالاقتصاد العالمي بين فينة وأخرى.

أما البديل عن القروض الربوية في المصارف والمعاملات ففي الاقتصاد الإسلامي إضافة إلى ما دعا إليه وحسنّه من اصطناع المعروف اي (الاقراض بلا فائدة ربوية) وجعل ثوابه كما في بعض الآثار أكثر حتى من الصدقة، إضافة إلى هذا فإنه فتح باب المعاملات الشرعية التي أساسها (البيع والشراء) (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا)، فمثلاً السلعة التي تحتاجها أنت بيتاً أو سيارةً على سبيل المثال، ولا تملك الثمن نقداً تتفق مع (الممول) ان يشتريها نقداً، ويبيعها لك بالأقساط بالسعر الذي تتفقان عليه، فهذه معاملة شرعية وليست (حيلة) كما يظن البعض بل تحول من الربا المحرّم إلى البيع المباح.

فإذا تعامل الناس بهذه الطريقة الشـرعية تحوّل (الممول) سواء كان شخصاً أو مصرفاً إلى (مؤسسة انتاجية) تُعين على قضاء حوائج الناس وتكسب ربحها الحلال من الفرق بين الشراء بالنقد، والبيع بالتقسيط، إضافة إلى ما فيه من أجر ترك الحرام وثواب التعاون على البر والتقوى وقضاء الحوائج، وهنالك معاملة (المضاربة أو القراض) الشرعية وخلاصتها ان يكون المال من جهة أو شخص والعمل من الطرف الآخر، والربح بينهما حسب النسبة التي يتفقان عليها، من ربح المشروع ان حصل ربحٌ، اما الخسارة يتحملها الممول وحده وليس العامل، وفي هذا مندوحة عن القرض الربوي لإقامة مشروع إنتاجي إستثماري.

وختاماً ننبه إلى أمرين،

الأول:

لا ينبغي الاغترار بمال يجمع من ربا، عن زرارة عن الصادق (ع): قلت له سمعت الله يقول: (يَمْحَقُ اللَّهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ)، وقد أرى من يأكل الربا يربو ماله؟!، فقال الصادق (ع): (أي محق أمحق من درهم ربا يمحق الدين وان تاب منه ذهب ماله وأفتقر).

والثاني:

انه ورغم عظيم الذنب، لا ينبغي ان يقنط المرء من رحمة الله، فمن تاب توبةً نصوحة تاب الله عليه، (قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَىٰ أَنفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِن رَّحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (الزمر:53)، وفي وسائل الشيعة: (عن أبي عبدالله (ع) قال: ان التوبة مطهرّة من دنس الخطيئة، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ* فَإِن لَّمْ تَفْعَلُوا فَأْذَنُوا بِحَرْبٍ مِّنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَإِن تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُءُوسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ) (البقرة:278-279)، فهذا ما دعا الله إليه عباده من التوبة ووعد عليها من ثوابه، فمن خالف ما أمره الله به من التوبة سخط الله عليه، وكانت النار أولى به وأحق). (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ) (البقرة:222)، صدق الله العلي العظيم وصدق رسوله النبي الكريم، وإنّا على ذلك من الشاهدين والشاكرين.
والحمد لله رب العالمين.

الختم الشريف
الراجي عفو ربه
محمد مهدي بن محمد الخالصي

 

الربا

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky