مظفر

البعد الحوزوي والأكاديمي للعلامة المظفر ( 3) / تأسيس كلية الفقه

الاجتهاد: لقد جاء التجديد المؤثر والتحديث للتدريس في الثلاثينيات حين اسهم مجموعة من العلماء منهم العلامة الشيخ محمد رضا المظفر وزملاؤه المعاصرون للشيخ محسن الأمين العاملي بتأسيس جمعية منتدى التي انبثقت عنها كلية الفقه

كان من ثمار المؤسسات التعليمية المنبثقة عن (جمعية منتدى النشر) تأسيس كلية باسم كلية الفقه في العام 1958 أصبحت هذه الكلية تعرف باسم (كلية الفقه) لتكون مؤهلاتها مؤهلة لحضور مجالس دروس كبار المجتهدين، فضلاً عن القيام بواجب الدعوة والتبليغ الإسلاميين .

كان من أهداف كلية الفقه السعي إلى وضع منهاج الدراسة الحوزوية في مرحلتي المقدمات والسطوح على وفق النظام السنوي وإدخال نظام الامتحانات في إجازة الطلبة الدارسين فيها، فضلاً على الأخذ بجانب من المناهج الحديثة في تيسير الكتاب المدرسي الحوزوي، وقد عملت الكلية على التركيز على المواد الفقهية واللغوية كالفقه وأصوله والمنطق والنحو، وتاريخ الأدب العربي.

أما نظام القبول في كلية الفقه مرحلة تأسيسها فكان يقوم على إجراء امتحان قبول الطلبة المتقدمين للدراسة فيها في بعض المواد الدراسية الميسرة فإذا اجتاز الطالب الامتحان، يعلن عن قبوله، حتى وان لم يكن قد حصل على شهادة أو إجازة سابقة، كان الملاك العلمي للكلية من حملة الشهادات العليا المنتدبين من الجامعات العراقية وفي العلوم الدينية، أُذِن في التدريس فيها لمن يحمل درجة الاجتهاد الذين حملوا إجازات المراجع من علماء الحوزة التي نؤيد بلوغهم درجة الاجتهاد، كانت مدة الدراسة في الكلية أربع سنوات …

أمّا مواد كلية الفقه ومصادر تمويلها فكانت الأجور الدراسية التي تستوفيها الكلية من طلابها تشكل الرافد الأول لهذا التمويل، ولقد خرجت كلية الفقه المئات من الطلاب وكان للعديد منهم وليس كلهم دور مشهود في القيام بواجبهم الملقى على عاتقهم سواء من تولّى مهمة التدريس منهم في المدارس المتوسطة والثانوية أم من أكمل منهم دراسته العليا في الجامعات الحوزوية العالية أم من تفرّغ منهم للعمل السياسي الملتزم أم اتجه للخطابة أو للتأليف أم التعليم أم التدريس أم التبليغ … ” وشاهد ” على ذلك تلك المراكز العلمية إلى مؤسسات منتدى النشر الذين صاروا حريصين على نشر الفكرة والدعوة وبث الوعي الديني بين المجتمعات المنتشرة في دول مختلفة.

بناءً على ذلك تكون كلية الفقه ذات مستوى أكاديمي لا يقل عن نظيراتها من الكليات الأكاديمية في العراق من ناحية المناهج الدراسية أو الأساتذة ذوي الكفاية، وعكست جهود جمعية منتدى النشر وجهود الشيخ محمد رضا المظفر بخاصة وزملائه من العلماء العاملين على نهضتها.

كان طلاب الكلية يتكونون من ثلاث فئات قبل دخولهم الكلية، الفئة الأولى طلاب حوزيون ممن رغب بالقيام بمهمة التبليغ والإرشاد من خلال توجيهات الكلية أو من يريد دراسة منهجية مبرمجة، أو ممن يريد الحصول على شهادة لغرض الوظيفة والفئة الثانية هم خريجو الثانويات أو ما يعادلها الذين يجدون مشقة في الالتحاق بجامعة بغداد أو جامعة البصرة ولاسيما أبناء النجف، أما الفئة الثالثة فهم معلمو المدارس الابتدائية الذين وجدوا فرصتهم الذهبية في تحسين أوضاعهم وظيفياً ومادياً، أما الزي الذي يرتديه طلاب الكلية فهو الزي الخاص بطلاب الحوزة الدينية نفسه المتكون من العمامة والجبة، وكانت الكلية تعفو الطالب الذي يرتدي هذا الزي من الأجور الدراسية، ولم تمنع إدارة الكلية الأزياء المدنية الأخرى (المُلكية).

(حرصت كلية الفقه على إعداد خريجيها لحضور أبحاث العلماء الأعلام التي تسمى ” بحوثاً خارجية “، ولاحظ أحد روّاد الكلية الأوائل وهو الشيخ أحمد الوائلي أن الكلية استظلت دائماً برعاية العلماء الأعلام، وكانت جزءاً لا يتجزأ من الحوزة العلمية المقدرة، وبدت الكلية ومنذ التأسيس وهي تعج بطلابها من الجنسيات اللبنانية والإيرانية والخليجية، فضلاً عن الطلبة العراقيين).

جهود المظفر في تطوير طرائق التدريس وأساليبه :

تهتم الدول المتقدمة بعملية الاتصال والتواصل بين المرسل والمستقبل بوساطة وسائط الاتصال المختلفة سواء أكانت سمعية أم مرئية إلكترونية أم غير إلكترونية، فالعصر الحديث هو عصر الاتصالات كالأنترنت والفضائيات والكتب والصحف والمجلات والصور وغيرها، فقد تطورت ثقافة الاتصال في هذا العصر .

النجف الأشرف مدينة علمية – ثقافية تبلور رصيدها العلمي والثقافي منذ ان وطيء الشيخ الطوسي سنة 448هـ أرض النجف فألّف ما ألّف، ومن جاء من بعده من العلماء ذوي الفضل ومن ذلك التاريخ إلى اليوم تشكّلت الحوزة العلمية في النجف الأشرف، وفتحت باب الاجتهاد بحسب التشريع الإسلامي للمذهب الإمامي .

لقد كان نزول جمال الدين الأفغاني في النجف سنة 1849 وهي الرحلة الأولى إليه عاملاً مهماً في تنمية الوعي الديني ولاسيما اذا عرفنا انه كانت تجمعه مع السيد محمد سعيد الحبوبي حلقة فقهية واحدة، فأدخل درس الفلسفة في الحوزة العلمية بعد أن كانت المقولة (من تمنطق فقد تزندق) والحبوبي (تمرد على طريقة التدريس القاتلة، فقد هذّب علمي الأصول والفقه من التطويل والزيادات وجعل الطالب المجد في اربع سنوات أن يحصل على شهادة ما تساوي كل عمره في الدراسة …. بعدما التفَّ حوله لفيف من الطلاب العرب وألزموه بإنتاج طريقة حديثة فاختص بطريقة به، وتخرج على يديه من النوابغ اليوم مراجع دينية في بلدانهم).

فالحبوبي (ناصر الشيخ محمد كاظم الخراساني (1853-1911م) الملقب بالآخوند وهو أستاذ كل من المجاهد محمد سعيد الحبوبي والشيخ محمد طه نجف الذي هو العلاّمة الآخر الذي (عُرف عنه طرائق تدريسية متطورة)، هل هذا الاهتمام بذرة نمت عند علماء آخرين أمثال الشيخ محسن الأمين العاملي ؟ (الذي أدخل العلوم العصرية إلى جانب العلوم الموروثة وشجّع انتساب البنات إلى المدارس، وأسس المدرسة اليوسفية للبنات … بالنسبة له كان أمراً طبيعياً وعادياً أن يدخل منهاجاً عصرياَ يتناسب مع ذلك العصر .

وإن كان منهجنا في أسلوب التعليم يوم انشأ المدرسة العلوية… ومن ثم الحسينية لما ضاق الطلاب بالمدرسة (العلوية) نتيجة عدم عصرنتها، ومن آراء السيد محسن الأمين العاملي توجيه التأليف الحوزوي وجهة عصرية انه قال: إن عشرات المجلّدات الضخمة كتبت في علم الأصول وكان ذلك تعقيداً للعلم وتبعيداً لا تعبيداً، ولو كانوا نقّحوا الكتب وهذّبوها لكان عشرها كافياً. إن الحديث قد يطول على دور علمائنا في تطوير طرائق التدريس وتحسينها في الحوزة العلمية في النجف الأشرف .

تحديث التدريس

لقد جاء التجديد المؤثر والتحديث للتدريس في الثلاثينيات حين اسهم مجموعة من العلماء منهم العلامة الشيخ محمد رضا المظفر وزملاؤه المعاصرون للشيخ محسن الأمين العاملي بتأسيس جمعية منتدى التي انبثقت عنها كلية الفقه -كما ذكرنا سابقاً – فالمظفر (هو أول من التفت إلى وجوب إيجاد حركة تجديدية في طريقة البحث والاستقصاء والتعليق عليها بقالب يتماشى مع العصر، وقد سرّه أن وجد معه مؤيدون، وكان معظمهم أكبر منه سنّاً، وأقدم عهداً بالدرس، كالشيخ عبد الحسين الحلي والسيد علي بحر العلوم والشيخ محمد جواد الحجامي وأخيه الشيخ محمد حسين المظفر)، لكن المظفر (كان يعيب … على بعض المشايخ الذين غالوا في الذهاب صوب الحداثة وتجاوزوا الحدود الحمراء التي تبانى عليها العرف العام بما في ذلك الإصلاحيون المحافظون بحسب ما يمكن الاصطلاح عليه .

وقد كانت الإصلاحية المحافظة بالنسبة للمظفر خياراً يعكس … سمات أساسية توفر عليها الرجل). لقد شخّص المظفر نواقص الدراسة في الحوزة العلمية (إن هذه النواقص كفقدان نظم التربية والتدريس في الامتحانات والمواد العلمية والأوقات والشهادات كانت تهدد المفكرين مما يشل الحركة العلمية ومستقبل الجامعة القريب والبعيد يوم اصطدمت هذه الجامعة القديمة بتيار هذا العصر الجديد).

فالمظفر له القدرة والقابلية على الإلمام بطرائق التدريس وأساليبه الحديثة كالاستناد إلى قابلية الطالب في تأليف كتبه وبحوثه فهو يعرف حاجة كل مرحلة بحسب قابلية الطالب على التحصيل بحسب عمره العقلي والزمني وهو أيضاً ذو خبرة تربوية وتعليمية حديثة في تأليف الكتاب في استناده إلى التسلسل المنطقي في عرض الموضوعات (فمن الجدة في تأليفه لكتاب المنطق مثلاً اتباعه لخطة لبحث الموضوعات المنطقية ومنهجتها أخذ فيها واضعها قدرتها على ان تسلسل الموضوعات تسلسلاً هو الآخر ” منطقياً ” كموضوع الكتاب نفسه،

فالموضوع الثاني ينبني على سابقه بحيث لا يمكن للقارئ أو الدارس المبتدئ فهم الموضوع اللاحق إلاّ بالمرور عبر سابقه، قراءة متعمقة أو دراسة متأنية، فالموضوعات تتسلسل ” منطقياً ” بحيث تسلّم واحدتها للأخرى بسلاسة أسلوبية تتعاضد مع سلاسته المنطقية والمنهجية لتشبع فهم القارئ المعرفي من غير حاجة إلى إحالته إلى مصدر آخر كي يستوضح المعنى المنطقي المقصود بالبحث ولا الطلب إليه بأن يرجع موضوعاً لاحقاً سيأتي بحثه فيما بعد كي يستوضح سابقه وهكذا).

المصدر: الزمان

 

البعد الحوزوي والأكاديمي للشيخ محمد رضا المظفر (1) / سيرة الشيخ

البعد الحوزوي والأكاديمي للشيخ محمد رضا المظفر( 2) / تأسيس جمعية منتدى النشر

 

 

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky