الاجتهاد: بما أنّ للحج مکانةً کبيرةً في الإسلام، ويجب علی کلّ مستطيع أن يأتي به فوراً في أول عام الاستطاعة، وأنّ لکلّ حاجّ وظايف حول ذلك الواجب، کما أنّ لأمير الحاج وظايف أيضاً،
فلذلك بدأنا کتابة هذا الموضوع علی ضوء الفقه المقارن، و ختمنا البحث بإراءة وظايف أمير الحاج الأخلاقية، وعلی الله التوکل إنه خير ناصر و معين.
إنّ الفقه الإسلامي بحر طويل مواج في كلّ الأعصار، لاسيما في الحج وأبوابه المفتوحة بعد القرون و مسائله الكثيرة المتفرقة.
ذكر الإمام جعفر بن محمد الصادق في حديث: محمد بن علي بن الحسين بن بابويه بإسناده عن بكير بن أعين ، عن أخيه زرارة قال : قلت لأبي عبد الله: جعلني الله فداك ، أسألك في الحج منذ أربعين عاماً فتُفتيني ، فقال: «يا زرارة ، بيتٌ حُج إليه قبل آدم بألفي عام تريد أن تُفتى [تُفنَى] مسائلُه في أربعين عاماً؟».[1]
فوظايف أمير الحاج (وإن كانت لأمير الحاج فقط) ، ولكن نتيجتها تكون من المسائل المهمة التي يحتاجها الحجاج في كلّ موسم ؛ وقد رتبتها على ضوء الفقه المقارن، فإليك هذه الدراسة المتواضعة ، عسى أن تكون خطوة قصيرة في سبيل التقريب ، وإحياء التراث.
إنّ رسول الله نفسه کان أميراً للحاج في حجّة الوداع ، وعلّم المسلمين أحکام ومناسك الحجّ في تلك السنة.[2]
کما تعلّم (صلي الله عليه وآله وسلم) المناسك من جبرئيل (عليه السلام) ، مثل آدم (عليه السلام) وإبراهيم (عليه السلام) . وفي الخبر: «لما فرغ إبراهيم (عليه السلام) من بناء البيت ، أتاه جبرئيل (عليه السلام) وعلمه مناسك الحج ومعالمه وأركانه، وعلّمه حدود الحرم …».[3]
والإمام علي أميرالمؤمنين (عليه السلام) في خلافته سنة: 36 ـ 3 (عليه السلام) هـ .ق. جعل عبدالله بن عباس عامله بمکة، وقثم بن عباس، أميراً للحجاج.[4]
في نهج البلاغة ما يستفاد منه إنّ قثم بن العبّاس كان عامل علي (عليه السلام) على مكة شرفها الله تعالى وكتب (عليه السلام) له كتاباً ، منه: «فأقم للنّاس الحج و ذكّرهم بأيّام الله و اجلس لهم العصـرين ، فأفت المستفتي».[5]
و في سنة:140هـ، کان الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حاضراً في موسم الحج.
قال صاحب کتاب الحدائق الناضرة1: والمراد بالإمام هنا هو من يجعله الخليفة والياً على الموسم لا الإمام حقيقة. [6]
إنّ الإمام الخميني قد نصب ممثِّلًا لحجاج الإيرانيين بعد انتصار الثورة الإسلامية في إيران و أصدر أحکاماً و وظايف لممثِّليه في الحج طيلة حياته.
الشيعة الإمامية: «الروايات»
1 ـ محمد بن يعقوب ، عن عدة من أصحابنا ، عن سهل بن زياد ، عن منصور بن العباس ، عن الحسن بن علي بن يقطين ، عن حفص المؤذن قال : حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومئة ، فسقط أبو عبد الله (عليه السلام) عن بغلته ، فوقف عليه إسماعيل ، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : «سِر فإنّ الإمامَ لا يقف».
2 ـ وعن الحسين بن محمد ، عن معلى بن محمد ، عن الحسن بن علي الوشاء ، عن حماد بن عثمان ، عن عمر بن يزيد ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : «لا يلي الموسمَ مَكـّيٌ».
3 ـ عبد الله بن جعفر الحميري في (قرب الإسناد) عن محمد بن عيسي ، عن حفص أبي محمد مؤذن علي بن يقطين قال : رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد حج فوقف الموقف ، فلما دفع الناس منصـرفين سقط أبو عبد الله (عليه السلام) عن بغلة كان عليها ، فعرفه الوالي الذي وقف بالناس تلك السنة وهي سنة أربعين ومئة ، فوقف علی أبي عبد الله ، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : «لا تقف فإنّ الإمام إذا دفع بالناس لم يكن له أن يقف» ، وكان الذي وقف بالناس تلك السنة إسماعيل بن علي بن عبد الله بن عباس .
4 ـ وعنه ، عن حفص بن عمر مؤذن علي بن يقطين ـ في حديث الوقوف بعرفة ـ قال : فلما أمسينا قال إسماعيل بن علي لأبي عبد الله (عليه السلام) : ما تقول يا أبا عبد الله ، سقط القرص؟ فدفع أبوعبدالله (عليه السلام) بغلته وقال: نعم ، ودفع إسماعيل بن علي دابته على أثره ، فساراً غير بعيد حتى سقط أبوعبد الله (عليه السلام) عن بغلة أو بغلته ، فوقف إسماعيل بن علي عليه حتى ركب ، فقال : له أبو عبد الله (عليه السلام) ـ و رفع رأسه عليه ـ فقال: «إنّ الإمام إذا دفع لم يكن له أن يقف إلا بالمزدلفة»، فلم يزل إسماعيل يقتصد حتى ركب أبوعبدالله (عليه السلام) ولحق به.[ (عليه السلام) ]
روى الكشّي في عمرو بن أبي المِقْدام ، بإسنادٍ متّصل إلى أبي العَرَندِس عن رجل من قريش: أنّ الصادق (عليه السلام) قال عنه: «هذا أمير الحاجّ».[8]
وروى جميل بن دراج في الصحيح كالشيخ والكليني في الحسن كالصحيح، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «على الإمام ، أي أمير الحاج الذي نصبه الإمام أن يصلي الظهر يوم التروية (بمنى) ويذهب إليها قبل الناس بخلافهم ، فإنه يستحب لهم أن يصلوا الظهر بمكة ويحرموا بالحج عقيبها ، ثمَّ يتوجهوا إلى منى «ثمَّ يبيت ، (إلى قوله) إلى عرفات؛ بخلاف الناس فإنه يستحب لهم الإفاضة منها بعد طلوع الفجر والصلاة ، ولكن لا يجاوزون وادي محسر حتى تطلع الشمس.[ (صلي الله عليه وآله وسلم) ]
وسقط الإمام الصادق (عليه السلام) عن بغلة كان عليها ، فعرفه الوالي الذي وقف بالناس، فوقف. فقال له (عليه السلام) : «لا تقف فإنّ الإمام إذا دفع بالناس لم يكن له أن يقف» ، وكان الذي وقف بالناس تلك السنة إسماعيل بن علي بن عبد الله بن العبّاس.[10]
وفي خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لو عطّل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج».
وفي خبر آخر عنه (عليه السلام) : «لو أنّ الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده. ولو تركوا زيارة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك و على المقام عنده. فإن لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين».
* * *
الشيعة الإمامية: «أقوال الفقهاء»
قال الشهيد الأول= في الدروس:
وظيفة الإمام في موسم الحجّ :
ينبغي للإمام الأعظم إذا لم يشهد الموسم نصب إمام عليه في كلّ عام ، كما فعل النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) من تولية علي (عليه السلام) سنة تسع على الموسم و أمره بقراءة براءة ، و كان قد ولَّى غيره فعزله عن أمر الله تعالى ، و ولي علي (عليه السلام) على الحجّ أيّام ولايته الظاهرة. و روى ابن بابويه عن العمري أنّ المهديّ (عليه السلام) يحضر الموسم في كلّ سنة ، يرى الناس و يرونه و يعرفهم و لا يعرفونه.
و يشترط في الوالي: العدالة و الفقه في الحجّ ، و ينبغي أن يكون شجاعاً مطاعاً ذا رأي و هداية و كفاية.
و عليه في مسيره أمور خمسة عشر: جمع الناس في سيرهم و نزولهم حذراً من المتلصّصة، و ترتيبهم في السير و النزول، و إعطاء كلّ طائفة مقاداً في السير، و موضعاً من النزول، ليهتدي ضالـهم إليهم، و أن يرتاد لهم المياه و المراعي، و أن يسلك بهم أوضح الطرق و أخصبها و أسهلها مع الاختيار.
و أن يحرسهم في سيرهم و نزولهم، و يكفّ عنهم من يصدّهم عن المسير ببذل مال أو قتال مع إمكانه، و لو احتاج إلى خفارة بذل لها أجرة، فإن كان هناك بيت مال أو تبرّع به الإمام أو غيره فلا بحث، و إن طلب من الحجيج فقد مرّ حكمه، و أن يرفق بهم في السير على سير أضعفهم، و أن يحمل المنقطع منهم من بيت المال أو من الوقف على الحاجّ إن كان، و إلَّا فهو من فروض الكفاية.
و أن يراعي في خروجه الأوقات المعتادة، فلا يتقدّم بحيث يؤدّي إلى فناء الزاد، ولا يتأخّر فيؤدّي إلى النصب أو فوات الحجّ، و أن يؤدّب الجناة حدّاً أو تعزيراً إذا فوّض إليه ذلك، و أن يحكم بينهم إن كان أهلاً، و إلَّا رفعهم إلى الأهل.
و أن يمهلهم عند الوصول إلى الميقات ريثما يتهيّؤا له بفروضه و سننه، و يمهلهم بعد النفر لقضاء حوائجهم من المناسك المتخلَّفة و غيرها، و أن يقيم على الحائض والنفساء كي ما تطهرا، روي نصّ (وسائل الشيعة ب 36 من أبواب آداب السفر إلى الحج ح 1، 8 : 305)، و أن يسير بهم إلى زيارة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) و الأئمة:، و يمهلهم بالمدينة بقدر أداء مناسك الزيارات و التوديع و قضاء حاجاتهم.
و عليه في إقامة المناسك أمور: الإعلام بوقت الإحرام و مكانه و كيفيّته، و كذا في كلّ فعل و منسك، و الخطب الأربع تتضمّن أكثر ذلك، و لتكن الأولى بعد صلاة الظهر من اليوم السابع من ذي الحجّة و بعد إحرامه لمكان تقدّمه إلى منى، و الثانية يوم عرفة قبل صلاة الظهر، و الثالثة يوم النحر، و الرابعة في النفر الأوّل.
و كلّها مفردة إلَّا خطبة عرفة فإنّها اثنتان، و يعرّفهم في الأولى كيفيّة الوقوف و آدابه و وقت الإفاضة و مبيت مزدلفة و وقت الإفاضة منها، و يحضّهم على الدعاء و الأذكار، ثمّ يجلس جلسة خفيفة كالأولى، و يقوم إلى الثانية فيأتي بها مخفّفة، بحيث يفرغ منها بفراغ المؤذّن من الأذان و الإقامة، و صرّح الشيخ في الخلاف بأنّ الخطبة قبل الأذان، قال ابن الجنيد: و روي عن الصادق (عليه السلام) ، أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) خطب بعرفة بعد الصلاة، و أنّه خطب الرابعة في غد يوم النحر.
و تقدّمه في الخروج إلى منى ليصلَّي بها الظهرين، و تخلَّفه فيها حتّى تطلع الشمس، و كذا يتخلَّف بجمع حتّى تطلع و لا يلبث بعد طلوعها، و تقدّمه يوم النحر في الإفاضة إلى مكَّة، ثمّ يعود ليومه ليصلَّي الظهرين بالحجيج في منى، و تأخّر بمنى إلى النفر الثاني، ثمّ يتقدّم لصلاة الظهرين بمكَّة، و أمر أهل مكَّة بالتشبّه بالمحرمين أيّام الموسم، و إمامة الحجيج في الصلوات و خصوصاً الصلوات التي معها الخطب.
و على الناس طاعته في ما يأمر به، و يستحبّ لهم التأمين على دعائه، و يكره التقدّم بين يديه في ما ينبغي التأخّر عنه و بالعكس، و لو نهى حرم.
و عليه الأمر بالمعروف و النهي عن المنكر، و خصوصاً في ما يتعلَّق بالمناسك و الكفّارات، و لو كان الحكم مختلفاً فيه بين علماء الشيعة فليس له أن يأمرهم باتّباع مذهبه إذا لم يكن الإمام الأعظم أو من أخذ عنه، إلَّا أن يكون الخطأ ظاهراً فيه لندور القول ، فله ردّ معتقده.
و يجوز أن يتولَّى الإمام الواحد وظائف السفر و تأدية المناسك و أن يفوّضا إلى إمامين، و لو كان إمام التأدية و التعليم حلالاً جاز، و الظاهر أنّه مكروه لما فيه من تغيير سنّة السلف، و لو أمر الإمام منادياً أن ينادي أيّام منى كما أمر رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بديل بن ورقا ألّا تصوموا، فإنّها أيّام أكل و شرب و بعال كان حسناً.[11]
قال المحقق الحلي في كتابه الشرائع: والإمام يستحب له الإقامة فيها إلي طلوع الشمس.[12] (وكذا الإمام يستحب له أن يصلي الظهرين بمنى) لما عرفت، وفي التهذيب: إنه لا يجوز له غير ذلك. وهو ظاهر النهاية والمبسوط. وما مر من حسن معاوية وصحيحه.
والإمام أمير الحاج، ـ كما قيل ـ فإنه الذي ينبغي أن يتقدمهم في أول السفر إلی المنزل ليتبعوه ويجتمعوا إليه ويتأخر عنهم في الرحيل من المنازل. وورد بمعناه في خبر حفص المؤذن قال: حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومئة، فسقط أبو عبد الله (عليه السلام) من بغلته فوقف عليه إسماعيل، فقال له أبوعبد الله (عليه السلام) : «سر فإن الإمام لا يقف». (و) لذا يستحب له (الإقامة بها إلی طلوع الشمس) كما في صحيح ابن مسلم، عن أحدهما8 قال: «لاينبغي للإمام أن يصلي الظهر يوم التروية إلّا بمنى، ويبيت بها، ويصبح حتى تطلع الشمس، ثم يخرج». (ويكره الخروج منها) للإمام وغيره (قبل الفجر لغير عذر) كما في السرائر والنافع والشرائع، فإنه يكره مجاوزة وادي محسر قبل طلوع الشمس، وهو حد منى.[13]
والمراد بالإمام أمير الحاج كما صرّح به غير واحد ، فإنه الذي ينبغي أن يتقدمهم إلى المنزل فيتبعوه ويجتمعوا إليه ويتأخر عنهم في الرحيل منه.[14]
… فالمراد من الإمام هنا هو أمير الحاج للبناء علی تعيين من يملك زمامهم في تلك الأعصار حتى يقتدی به في الصلاة وغيرها ويأتمرون بأمره وينتهون بنهيه… وتظهر الثمرة في أنه إذا تحقق هذا العنوان، أي الامارة للحاج لأحد، يترتب عليه ما سيتلی عليك من وجوب إيقاعه فريضة الظهرين بمنى، والمشهور هو الاستحباب ولم ينقل الوجوب إلّا عن التهذيب، حيث قال: إنّ الخروج بعد الصلاة مختص بمن عدا الإمام ، فأما الإمام نفسه فلا يجوز له أن يصلي الظهر والعصر يوم التروية إلّا بمنى. وفي المنتهى أن مراد الشيخ بعدم الجواز شدة الاستحباب ، ولكن لا وجه لهذا الحمل كما أنه إذا دل الدليل على الوجوب لا وجه لحمله على شدة الندب.
أقول: قد تقدم شطر من المقال فيما يرتبط بالمميز بين أمير الحاج و غيره من الأفراد المتعارفة. و أما هنا فالذي يدلّ على استحباب الإفاضة من المشعر قبل طلوع الشمس لمن عدا الإمام ما رواه إسحاق بن عمار قال: سألت أبا إبراهيم (عليه السلام) أي ساعة أحب إليك أن أفيض من جمع؟ قال (عليه السلام) : «قبل أن تطلع الشمس بقليل فهو أحبّ الساعات إلي، قلت: فإن مكثنا حتى تطلع الشمس؟ قال (عليه السلام) : لا بأس». و دلالتها على الاستحباب بالنسبة إلى القليل واضحة مع التصريح بالجواز بعد الطلوع.
و أما حكم الإمام فيدلّ عليه ما رواه جميل بن دراج عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «ينبغي للإمام أن يقف بجمع حتى تطلع الشمس و سائر الناس إن شاؤوا عجّلوا و إن شاؤوا أخّروا». و تقريب ظهورها غني عن البيان.
و أما حكم عدم تجاوز وادي مُحَسَّر لمن أفاض قبل الطلوع و هو من عدا أمير الحاج فيدلّ عليه ما عن هشام بن الحكم عن أبي عبدالله (عليه السلام) قال: «لا تجاوز وادي محسر حتى تطلع الشمس». و لكن لا خفاء في أنها مبهمة الارتباط بالمقام، إذ لا رابط يربط النهي عن التجاوز عن وادي محسر بمن أفاض من المشعر قبل الطلوع إذ لا تعرض فيها للمشعر و لا اتضاح فيها أنّ المخاطب هل هو خصوص أمير الحاج أو غيره من آحاد الناس أو مطلق.[15]
نعم يجوز المقام لغير الإمام في منى إلى الزوال. وأما الإمام ـ والمراد به أمير الحاج ـ فعن التهذيب والنهاية والمبسوط والمهذب البارع والسرائر والغنية والاصباح أن على الإمام أن يصلي الظهر بمكة، ويمكن أن يكون مراد هم بذلك الاستحباب. لحسنة معاوية بن عمار عن أبي عبد الله عليه السلام قال: يصلي الإمام الظهر يوم النفر بمكة.[16]
وفي خبر عبد الله بن سنان، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال: «لو عطّل الناس الحج لوجب على الإمام أن يجبرهم على الحج».
وفي خبر آخر عنه (عليه السلام) : «لو أن الناس تركوا الحج لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده. ولو تركوا زيارة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) لكان على الوالي أن يجبرهم على ذلك وعلى المقام عنده. فان لم يكن لهم أموال أنفق عليهم من بيت مال المسلمين».
ولا يخفى أن الإجبار لا يتحقق إِلّا من ناحية الإمام المبسوط اليد الذي له ولاية فعلية. كما أن بيت مال المسلمين أيضاً لا يكون إِلّا في تصرفه. والإمام الصادق (عليه السلام) بنفسه لم يكن كذلك وكذلك آباؤه وأبناؤه غير أميرالمؤمنين (عليه السلام) . فهل هو ـ عليه السلام ـ في هذه الأخبار ونحوها في مقام تعيين الوظيفة للقائم (عليه السلام) فقط، أو لكل وال مسلم وجد شرائط الولاية وانتخبه المسلمون حاكماً عليهم؟
وفي خبر حفص، قال: حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومئة، فسقط أبو عبدالله (عليه السلام) عن بغلته، فوقف عليه إسماعيل، فقال له أبو عبدالله (عليه السلام) : «سِرْ ، فإن الإمام لا يقف».
وفي خبر آخر له، قال: «رأيت أبا عبد الله (عليه السلام) وقد حجّ فوقف الموقف، فلما دفع الناس منصرفين سقط أبو عبدالله (عليه السلام) عن بغلة كان عليها، فعرفه الوالي الذي وقف بالناس تلك السنة ـ وهي سنة أربعين ومئة ـ فوقف علی أبي عبد الله (عليه السلام) فقال له أبوعبد الله (عليه السلام) : «لا تقف ، فإن الإمام إذا دفع بالناس لم يكن له أن يقف». الحديث.
… ويظهر من الخبرين و بعض الأخبار الآتية تعارف تعيين أمير الحاج في تلك الأعصار و كون أداء الأعمال من الوقوف و الإفاضة و نحوهما تحت نظره، و لا محالة كان الأئمة: و أصحابهم أيضاً يتابعونه.
و لو فرض تخلفهم عنه مرّة أو مرّات لبانَ و ظهر و ضبطه التاريخ. و بذلك يظهر كفاية الأعمال المأتية بحكم حاكمهم.
نعم، كفايتها في صورة العلم بالخلاف مشكل، و لكن الغالب هو الشك لا العلم بالخلاف.
و كيف كان فإنه يعلم من الأخبار و التواريخ أنّ إِدارة الحج كانت بيد الحكّام و الولاة، و كانوا يباشرونها أو ينصبون لها أميراً يحجّ بالناس و يراقبهم في جميع مواقف الحج.[1 (عليه السلام) ]
… روی الترمذي بسنده عن أبي هريرة أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «الصوم يوم تصومون والفطر يوم تفطرون، والأضحی يوم تضحّون». قال الترمذي: فسّر بعض أهل العلم هذا الحديث فقال: إنّما معنی هذا: الصوم و الفطر مع الجماعة و عظم الناس. و هذه الروايات و إِن ضعف أكثرها من جهة السند و لكنّ الوثوق و الاطمينان بصدور بعضها مضافاً إِلی صحّة البعض يكفي لإثبات أنّ أمر الهلال لم يكن أمراً فردياً ، بل كان من الأمور العامّة التي كان الحاكم الإسلامي مصدراً لها و أمراً جماعياً كان الحاكم نظاماً له.
و السيرة المستمرّة أيضاً شاهدة علی ذلك فكان الحاكم في جميع الأعصار مرجعاً للناس في صومهم وفطرهم، وكان أمير الحاجّ المنصوب من قبل الإمام يأمر بالوقوف والإفاضة، والناس يتّبعونه.
و قد عدّ الماوردي خمسة تكاليف لأمير الحاجّ فقال: أحدها: إِشعار الناس بوقت إحرامهم و الخروج إلی مشاعرهم ليكونوا له متّبعين و بأفعاله مقتدين. و ذكر مثله أبويعلى.
و كان أئمّتنا المعصومون: و أصحابهم أيضاً في مدّة أكثر من مئتي سنة يحجّون في جماعة الناس، و لم يعهد و لم ينقل تخلّفهم عن الناس في الوقوف و الإفاضة و النحر وسائر الأعمال، و لو كان لبان و نقله المؤرّخون و الأصحاب.
و احتمال اتّفاقهم مع الناس و مع أمير الحاجّ في رؤية الهلال بأنفسهم في جميع هذه السنين بعيد جدّاً.
و بذلك يظهر اجتزاء العمل بحكم الحاكم من أهل الخلاف أيضاً و لا أقلّ في صورة عدم العلم بالخلاف.
و قد مرّ سابقاً أنّ الحجّ لم يكن بدون أمير الحاجّ المنصوب لذلك، المتبوع في جميع المواقف. و قد عقد المسعودي في آخر مروج الذهب باباً لتسمية من حجّ بالناس من سنة ثمان من الهجرة إلی سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمئة، فراجع.[18]
و لعلّ غرضه (عليه السلام) أنّ قائد الجماعة و أميرهم يجب عليه رعاية مصلحة الجماعة، و قد أطلق لفظ الإمام علی أمير الحاج، مع كونه منصوباً من قبل سلطان وقته. و يظهر من الأخبار تعارف تعيين أمير الحاج في تلك الأعصار و كون أداء الأعمال تحت نظره، و لا محالة كان الأئمّة: و أصحابهم أيضاً يتابعونه، و لو فرض تخلّفهم عنه مرّة أو مرّات لبان و ظهر و ضبطه التاريخ.
و بذلك يظهر كفاية الأعمال المأتية بحكم حاكمهم. نعم، كفايتها في صورة العلم بالخلاف مشكل، و لكن الغالب هو الشك لا العلم بالخلاف … و الأئمّة: كانوا يعاملون حكّام الجور معاملة الحاكم الحقّ، حفظاً لمصالح الإسلام و المسلمين، و لذا أنفذوا الخراج و الزكوات و الأخماس المؤداة إليهم، و أخذ الجوائز منهم. و لا ينافي هذا وجوب القيام في قبال سلاطين الجور مع القدرة و وجود العدد و العدّة.[1 (صلي الله عليه وآله وسلم) ]
و المناسب في باب الحجّ تصدّي أمير الحجّاج له و إِن لم يكن نفس الإمام، فيجوز بل يجب تصدّيهما له و لا سيّما إِذا فوّض الإمام إِليهما ذلك بالصراحة.
نعم، في النفس شيء بالنسبة إِلى القضاة و هو أنّ الماوردي و أبا يعلى لم يذكرا ذلك في عداد ما ذكراه من اختيارات القضاة، و لو كان الهلال أمراً مرتبطاً بهم في تلك الأعصار كان المناسب تعرّضهما له كما تعرّضا له في ولاية الحج كما مرّ…[20]
قال العلّامة الطباطبائي في تفسيره: و في الدر المنثور، أخرج الترمذي وحسّنه وابن أبي حاتم و الحاكم و صحّحه و ابن مردويه و البيهقي في الدلائل عن ابن عباس: أنّ رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بعث أبا بكر و أمره أن ينادي بهؤلاء الكلمات ثمَّ أتبعه عليّاً (عليه السلام) و أمره أن ينادي بها فانطلقا فحجّا فقام علي (عليه السلام) في أيام التشـريق فنادی: أنّ الله بريء من المشركين و رسوله فسيحوا في الأرض أربعة أشهر و لا يحجن بعد العام مشـرك، و لا يطوفن بالبيت عريان، و لا يدخل الجنة إلّا مؤمن فكان علي (عليه السلام) ينادي بها.
أقول، والکلام للسيد العلّامة: و الخبر قريب المضمون مما استفدناه من الروايات. و فيه، أخرج عبدالرزاق و ابن المنذر و ابن أبي حاتم من طريق سعيد بن المسيب عن أبي ريرة: أنّ أبا بكر أمره أن يؤذن ببراءة في حجة أبي بكر. قال أبو هريرة: ثم أتبعنا النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عليّاً (عليه السلام) عنه أمره أن يؤذن ببراءة و أبو بكر علی الموسم كما هو أو قال: علی هيئته.
ثمّ يقول العلّامة: و قد ورد في عدة من طرق أهل السنة: أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) استعمل أبا بكر علی الحجّ عامه ذلك فكان هو أمير الحاج و علي (عليه السلام) ينادي ببراءة و قد روت الشيعة أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) استعمل للإمارة عليّاً (عليه السلام) كما أنه حمله تأدية آيات براءة و قد ذكر ذلك الطبرسي في مجمع البيان و رواه العياشي عن زرارة عن أبي جعفر (عليه السلام) ، و ربما تأيد ذلك بما ورد أن عليّاً (عليه السلام) كان يقضي في سفره ذلك و أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) دعا له في ذلك، إذ من المعلوم أنّ مجرد الرسالة بتأدية براءة لا تتضمن الحكم بالقضاء بين الناس، و أوفق ما يكون ذلك في تلك الأيام بالإمارة، و الرواية ما سيأتي: في تفسير العياشي، عن الحسن عن علي (عليه السلام) : أنّ النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) حين بعثه ببراءة قال: يا نبي الله إني لست بلسن،[21] و لا بخطيب. قال (صلي الله عليه وآله وسلم) : يأبی الله ما بي إلّا أن أذهب بها أو تذهب أنت قال: فإن كان لا بدّ فسأذهب أنا قال: فانطلق فإنّ الله يثبت لسانك و يهدي قلبك ثمَّ وضع يده علی فمه فقال: انطلق و اقرأها علی الناس، وقال (صلي الله عليه وآله وسلم) : «الناس سيتقاضون إليك فإذا أتاك الخصمان فلا تقض لواحد حتی تسمع الآخر فإنه أجدر أن تعلم الحق».
و يقول أيضاً: و هذا المعنی مروي من طرق أهل السنة كما في الدر المنثور، عن أبي الشيخ ، عن علي (عليه السلام) قال: «بعثني رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) إلی اليمن ببراءة فقلت: يا رسول الله تبعثني و أنا غلام حديث السنّ و أسأل عن القضاء و لا أدري ما أجيب؟ قال: ما بدّ من أن تذهب بها أو أذهب بها. قلت: إن كان لابدّ أنا أذهب، قال: انطلق فإنّ الله يثبت لسانك و يهدي قلبك ، ثم قال: انطلق و اقرأها علی الناس».
إلّا أنّ اشتمال الرواية علی لفظ اليمن يسيء الظن بها إذ من البيّن من لفظ آيات براءة أنها مقرة علی أهل مكة يوم الحج الأكبر بمكة و أين ذلك من اليمن و أهلها و كان لفظ الرواية كان: «إلی مكة» فوضع موضعه «إلی اليمن» تصحيحاً لما اشتملت عليه من حديث القضاء.[22]
و في سنة 640هـ. توجّه السلطان نور الدين من مكة إلی اليمن. و فيها مات الخليفة المستنصـر و تولی الخلافة بعده ولده المستعصم بالله أبو أحمد. و هو الذي يدعی له سائر المنابر إلی وقتنا هذا من سنة ثمان وتسعين وسبعمئة. و فيها وصل حجاج العراق إلی مكة و كان قد انقطع حاج العراق عن مكة سبع سنين فلما يحجج فيها أحد من العراق من سنة اثنين و ثلاثين إلی سنة أربعين. فلما وصل أمير الحاج العراقي إلی مكة كسي البيت و جعل الذهب و الفضة علی البيت و تصدق بصدقة كبيرة في مكة.[23]
(ويستحب للإمام) أي إمام الحجّ (أن يخطب) لهم (في أربعة أيام: يوم السابع، و عرفة، و النحر بمنى، و النفر الأول لإعلام الناس مناسكهم). كذا في المبسوط.
و روى جابر خطبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الأولين، و أنه خطب بعرفة قبل الأذان.
و جعلها أبو حنيفة بعده، و أنكر أحمد خطبة السابع، و روى ابن عباس أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) خطب الناس يوم النحر بمنى. وعن رافع بن عمرو المزني قال: رأيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى على بغلة شهباء وعلي (عليه السلام) يعبر عنه و الناس بين قائم و قاعد. و عن عبد الرحمن بن معاذ: خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) و نحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنّا نسمع و نحن في منازلها فطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار.
و في الخلاف: أنّ هذه الخطبة بعد الزوال، و أنكرها مالك، و عن جماعة أنهم رؤوا يخطب أوسط أيام التشريق. و في المنتهى و التذكرة بعد الظهر، و أنكر أبو حنيفة هذه الخطبة و قال: إنه يخطب أول أيام التشريق. قال الشيخ: فانفرد به، و لم يقل به فقيه، و لا نقل فيه أثر. و زيد في النزهة الخطبة يوم التروية.[24]
روى جابر خطبة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) في الأولين و أنه خطب بعرفة قبل الأذان وجعلها أبوحنيفة بعده وأنكر أحمد خطبة السابع وروى ابن عباس أنه (صلي الله عليه وآله وسلم) خطب الناس يوم النحر بمنى وعن رافع بن عمر والمزني بن عمر والمزني قال رأيت النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) يخطب الناس بمنى حين ارتفع الضحى عليه على بغلة شهباء وعلي (عليه السلام) يعبر عنه والناس بين قائم وقاعد وعن عبد الرحمن بن معاذ خطبنا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ونحن بمنى ففتحنا أسماعنا حتى كنا نسمع ونحن في منازلها نطفق يعلمهم مناسكهم حتى بلغ الجمار وفى الخلاف ان هذه الخطبة بعد الزوال وأنكرها مالك. وعن جماعة أنهم رؤوا يخطب أوسط أيام التشريق وفي المنتهى والتذكرة بعد الظهر، وأنكر أبو حنيفة هذه الخطبة وقال إنه يخطب أول أيام التشريق. قال الشيخ: فانفرد به ولم يقل به فقيه ولا نقل فيه أثر و زيد في النزهة الخطبة يوم التروية. قال الشهيد إنّ في استحباب هذه الخطبة دقيقة هي أنه لا يشترط في صحة الاحرام العلم بجميع الأفعال و إلّا لم يكن لإعلام الإمام غاية مهمة. قال: ويشكل في النايب.[25] * * *
«أمير الحاج» عند أهل السُّنة:
الحنابلة :
الأحكام السلطانية، للقاضي أبي يعلی الفراء الحنبلي:
فصل: في ولاية الحج ، و هذه الولاية ضَرْبَانِ :
أحدُهُما: أن تَكُون علی تسْيير الْحجيج.
و الثَّاني: علی إقامة الْحجِّ. فأمّا تسْييرُ الْحجيج فهو ولاية سياسية ، و زعامة تدبير. والشُّروط المعتبرة في المولی أن يكون مُطاعًا ، ذا رأي ، و شجاعةٍ و هيبةٍ و هدايةٍ و الذي عليه من حقوق هذه الولاية عشرة أشياء:
أحدها: جمع النَّاس في مَسِيرِهِمْ وَنُزُولِهِمْ حَتَّی لا يتفرقوا، فيخاف عليهم النَّوَي وَالتَّغْرِيرَ.
وَالثَّانِي: تَرْتِيبُهُمْ فِي الْمسِيرِ وَالنُّزُولِ، بِإِعْطَاءِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مُقَادًا حَتَّي يعْرِفَ كل قوم مِنْهُمْ مُقَادَهُ إذَا سَارَ، وَيأْلَفَ مَكَانَهُ إذَا نَزَلَ، فَلَا يتَنَازَعُونَ فِيهِ وَلَا يضِلُّونَ عَنْهُ.
الثالث: أن يرفق بهم في المسير حَتَّی لَا يعْجِزَ عَنْهُ ضَعِيفُهُمْ، وَلَا يضِلَّ عنه منقطعهم. رُوِي عَنْ النَّبِي (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال: «المضعف أمير الرفقة» يريد مَنْ ضَعُفَتْ دَابَّتُهُ كَانَ عَلَی الْقَوْمِ أَنْ يسِيرُوا بِسَيرِهِ.
الرَّابِعُ: أنْ يسْلُكَ بِهِمْ أوْضَحَ الطرق وأخصبها، و يتجنب أوعرها و أجدبها.
الخامس: أنْ يرْتَادَ لَهُمْ الْمِياهَ إذَا انْقَطَعَتْ ، و الْمرَاعِي إذا قلّت.
السادس: أنْ يحْرُسَهُمْ إذَا نَزَلُوا، و يحُوطَهُمْ إذَا رَحَلُوا، حتی لا يتخطفهم داغل و لا يطمع فيهم متلصص.
السابع: أنْ يمْنَعَ عَنْهُمْ مَنْ يصُدُّهُمْ عَنْ الْمسِيرِ، وَ يدْفَعَ عَنْهُمْ مَنْ يحْصُرُهُمْ عَنْ الْحَجِّ بِقِتَالٍ، إن قدر عليه، وببذل مَالٍ إنْ أَجَابَ الْحَجِيجُ إلَيهِ. وَلَا يسَعُهُ أَنْ يجْبِرَ أَحَدًا عَلَی بَذْلِ الْخَفَارَةِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهَا حَتَّی يكُونَ بَاذِلًا لَهَا عَفْوًا، ومحيبا إلَيهَا طَوْعًا، فَإِنْ بَذَلَ الْمالَ عَلَی التَّمْكِينِ من الحج لا يجب.
الثامن: أَنْ يصْلِحَ بَينَ المُتَشَاجِرِينَ، وَيتَوَسَّطَ بَينَ الْمتَنَازِعِينَ، وَلَا يتَعَرَّضَ لِلْحُكْمِ بَينَهُمْ إجْبَارًا، إلَّا أَنْ يفوض إليه الحكم، فَيعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يكُونَ مِنْ أَهْلِهِ. فَيجُوزُ له حينئذ أن يحكم بَينَهُمْ، فَإِنْ دَخَلُوا بَلَدًا فِيهِ حَاكِمٌ جَازَ له ولحاكم البلد أن يحك بَينَهُمْ، فَأَيهُمَا حَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ التنازع بين أحد الحجيج وأهل البلد لم يحكم بينهما إلَّا حاكم البلد.
التاسع: أن يقوم زائغهم، ويؤدب جانبهم، ولا يتجاوز التعزير إلی حد، إلَّا أَنْ يؤْذَنَ لَهُ فِيهِ فَيسْتَوْفِيه إذَا كان من أهل الاجتهاد، فَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِيهِ مَنْ يتَوَلَّی إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَي أَهْلِهِ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ مَا أَتَاهُ الْمحْدُودُ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ، فَوَالِي الْحَجِيجِ أَوْلَی بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيهِ مِنْ وَالِي الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَتَاهُ الْمحْدُودُ فِي الْبَلَدِ، فَوَالِي الْبَلَدِ أَوْلَی بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيهِ مِنْ والي الحجيج.
العاشر: أنْ يرَاعِي اتِّسَاعَ الْوَقْتِ حَتَّی يؤْمَنَ الْفَوَاتَ، وَلَا يلْجِئَهُمْ ضِيقُهُ إلَی الْحَثِّ فِي السَّيرِ. فَإِذَا وَصَلَ إلَی الْمِيقَاتِ أَمْهَلَهُمْ لِلْإِحْرَامِ وَإِقَامَةِ سُنَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا عَدَلَ بِهِمْ إلَی مَكَّةَ لِيخْرُجُوا مَعَ أَهْلِهَا إلَی الْموَاقِفِ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيقًا عَدَلَ بِهِمْ عَنْ مَكَّةَ إلَی عَرَفَةَ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا فَيفُوتَ الْحَجُّ بِهَا، فَإِنَّ زَمَانَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَا بَينَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يوْمِ عَرَفَةَ إلَی طلوع الفجر مِنْ يوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِهَا فِي شَيءٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ، مِنْ لَيلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَا حَتَّی طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يوْمِ النحر فقد فاته الحج ويتحلل بعمرة. وقيل: يصير إحرامه بالفوات عمرة، جبرة بدم، وقضاة في العالم المقبل إن أمكن، وفيما بعد إن تعذر عليه.
وإذا وصل الْحَجِيجَ إلَی مَكَّةَ، فَمَنْ لَمْ يكُنْ عَلَی العود منهم فقد زال عنه ولاية الوالي علي الحجيج فلم يكن له عليه يد، ومن كان منه عَلَی الْعَوْدِ فَهُوَ تَحْتَ وِلَايتِهِ، وَمُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ طاعته. وإذا قَضَی النَّاسُ حَجَّهُمْ أَمْهَلَهُمْ الْأَيامَ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ فِي إنْجَازِ عَلَائِقِهِمْ، وَلَا يرْهِقُهُمْ فِي الْخُرُوجِ، فَيضُرَّ بِهِمْ.
فَإِذَا عَادَ بِهِمْ سار علی طَرِيقَ الْمدِينَةِ لِزِيارَةِ قَبْرِ رَسُولِ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، رِعَايةً لِحُرْمَتِهِ، وَقِيامًا بِحُقُوقِ طاعته. وإن لَمْ يكُنْ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ فَهُوَ من مندوبات الشرع المستحبة، وعادات الحجيج المستحسنة. روی عمر أنَّ النَّبِي (صلي الله عليه وآله وسلم) قال: «من زار قبري وجبت له شفاعتي». ثمّ يكون في عوده بهم ملتزم فيهم من الحقوق ما التزمه في صدري حتی يصل بهم البلد فتنقطع ولايته عنهم بالعود إليه. و إن كان الْوِلَايةُ عَلَی إقَامَةِ الْحَجِّ فَهُوَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الإمام في إقامة الصلاة.
فمن شروط الولاية عليها، مع شروط الْمعْتَبَرَةِ فِي أَئِمَّةِ الصَّلَوَاتِ. أَنْ يكُونَ عَالِمًا بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَحْكَامِهِ، عَارِفًا بِمَوَاقِيتِهِ وَأَيامِهِ. وَتَكُونُ مُدَّةُ وِلَايتِهِ مُقَدَّرَةً بِسَبْعَةِ أَيامٍ. أَوَّلُهَا: مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْيوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الحجة.
وآخرها: يوم النفر الثاني: وهو الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا أَحَدُ الرَّعَايا، وَلَيسَ مِنْ الْوُلَاةِ. فإذا كَانَ مُطْلَقَ الْوِلَايةِ عَلَی إقَامَةِ الْحَجِّ، فَلَهُ إقَامَتُهُ فِي كُلِّ عَامٍ، مَا لَمْ يصْرَفْ عَنْهُ. وَإِنْ عُقِدَتْ لَهُ خَاصَّةً عَلَی عَامٍ لم يتعداه إلَی غَيرِهِ إلَّا عَنْ وِلَايةٍ. وَاَلَّذِي يخْتَصُّ بولايته ويكون نظره نظره عليه مقصورا خَمْسَةُ أَحْكَامٍ مُتَّفَقٍ عَلَيهَا، وَسَادِسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
أحَدُهَا: إشْعَارُ النَّاسِ بِوَقْتِ إحْرَامِهِمْ، وَالْخُرُوجُ إلَی مشاعرهم ليكونوا له متبعين، وبأفعاله مقتدين.
الثاني: ترتيبه لِلْمَنَاسِكِ عَلَی مَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيهِ، لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فِيهَا فَلَا يقَدِّمُ مُؤَخَّرًا وَلَا يؤَخِّرُ مُقَدَّمًا، سَوَاءٌ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَقًّا أَوْ مُسْتَحَبًّا.
الثالث: تقدر المواقيت بمقامه فيها، ومسيره عنها كما تتقدم صلاة المأمومين بصلاة الإمام.
الرابع: اتباعه علی الأذكار الْمشْرُوعَةِ فِيهَا، وَالتَّأْمِينُ علی أدْعِيتِهِ بِهَا لِيتَّبِعُوهُ فِي الْقَوْلِ كَمَا اتَّبَعُوهُ فِي الْعَمَلِ، وَلِيكُونَ اجتماع أدعيتهم أفتح لأبواب الإجابة.
الخامس: إمامتهم في الصلوات التي شرعت خطب الحج فيها ويجتمع الحجيج عليها وهي خطبتان: يوم عرفة، و يوم النفر الأول، علی ما نشرحه.
و يستحب له في اليوم الثامن: أن يخرج من مكة فينزل بمنی، بخيف بني كِنَانَةَ حَيثُ نَزَلَ رَسُولُ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) و يبيت بها ، و يسير بهم من عنده، ـ وهو اليوم التاسع ـ مع طلوع الشمس إلی يوم عَرَفَةَ علی طريقِ ضَبٍّ ، و يعُودُ عَلَی طَرِيقِ الْمأْزِمَينِ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، و ليكون عائداً في غير طريق التي صدر منها. فَإِذَا أشْرَفَ علی عَرَفَةَ نَزَلَ بِبَطْنِ عَرَفَةَ و أقام بها حتی نزول الشمس، ثمّ سار منها إلی مسجد إبراهيم (عليه السلام) بوادي عرفة ، فخظب الخطبة الأولة من خطب الحج قبل الصلاة الجمعة و جميع الْخُطَبِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَينِ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ ، وَ خُطْبَةُ عَرَفَةَ، فَإِذَا خَطَبَهَا ذَكَّرَ النَّاسَ فِيهَا مَا يلْزَمُهُمْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ، وَمَا يحْرُمُ عَلَيهِمْ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، ثُمَّ يصَلِّي بِهِمْ بَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، جَامِعًا بينهما في وقت الظهر، ويقصرها الْمسَافِرُونَ ، وَيتِمُّهَا المُقِيمُونَ. اقْتِدَاءً بِرَسُولِ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) في جَمْعِهِ و قَصْرِهِ ، ثُمَّ يسِيرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ منها إلی عرفة. و هي الموقف المفروض. و حدّ عرفة ما جاوز وادي عرنة الَّذِي فِيهِ المسْجِدُ.
ولَيسَ المسْجِدُ و لَا وَادِي عرنة مِنْ عَرَفَةَ إلی الْجِبَالِ الْمقَابِلَةِ علی عَرَفَةَ كلها. فيقف منها عند الأجبل الثلاثة: النبعة ، و النبيعة، و النابت. فقد وقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عند النابت و جعل بطن ناقته إلی الْمِحْرَابِ، فَهَذَا أحَبُّ الْموَاقِفِ أنْ يقِفَ فيه الإمام. و اين وَقَفَ مِنْ عَرَفَةَ و النَّاسُ أَجْزَأَهُمْ. و وُقُوفُهُ علی رَاحِلَتِهِ لِيقْتَدِي بِهِ النَّاسُ أوْلی.
ثُمَّ يسِيرُ بعد غروب الشمس إلی مزدلفة، فيؤخر صَلَاةَ الْمغْرِبِ حَتَّی يجْمَعَ بَينَهَا و بَينَ الْعِشَاءِ الآخرة بمزدلفة ، و يؤم الناس فيها ، و يبيت بمزدلفة. و حدّها من حيث يفضي مِنْ مَأْزِمَي عَرَفَةَ ، و لَيسَ الْمأْزِمَانِ مِنْهَا إلی أنْ يأْتِي إلی قَرْنِ مُحَسِّرٍ، و لَيسَ الْقَرْنُ منها، و يلتقط و الناس منها حصی الجمار لعدد الأيام ، مثل حصی الخذف، و يسِيرُ مِنْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ. و لَوْ سَارَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيلِ أجْزَأ، و لَيسَ الْمبِيتُ بِهَا ركن ، و يجبر بدم إن تركه.
ثمّ يتوجه إذا سار منها إلی المشعر الحرام، فيقف فيه بِقُزَحَ دَاعِياً ، و لَيسَ الْوُقُوفُ بِهِ فَرْضاً. ثُمَّ يسِيرُ إلی مِنًی، فَيبْدَأُ بِرَمْي جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قبل الزوال بسبع حصيات ، ثمّ ينحر هو و من ساق هَدْياً مِنْ الْحَجِيجِ ، ثُمَّ يحْلِقُ أوْ يقَصِّرُ ، يفْعَلُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ ، و الْحَلْقُ أفْضَلُ. ثُمَّ يتَوَجَّهُ إلی مَكَّةَ، فَيطُوفُ بِهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، و يسْعَي بَعْدَ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يسْعَ قَبْلَ عرفة ، و يجزيه سعيه قبل عرفة، و لا يجزيه طَوَافُهُ قَبْلَهَا. ثُمَّ يعُودُ إلی مِنًی، فَيصَلِّي بالناس الظهر، و ليس فيه خطبة مسنونة بعد الصلاة ، لأن الإمام يعلمهم في خطبة يوم عرفة ما يحتاجون إليه في يوم عرفة ما يبقی عليهم من مناسكهم فلا حاجة به إلی ذلك، و يبيت بمنی ليلة ليرمي من غدها ـ وهو يوم النفر الْحَادِي عَشَرَ ـ بَعْدَ الزَّوَالِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ ، بِإِحْدَي و عشـرين حصاة ، كل جمرة بسبع ، و يبِيتُ بِهَا لَيلَتَهُ الثَّانِيةَ ، و يرْمِي مِنْ غَدِهَا ـ و هُوَ يوْمُ النَّفْرِ ـ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ ، ثُمَّ يخْطُبُ بعد صلاة الظهر الخطبة الثانية ، و هِي آخِرُ الْخُطَبِ الْمَشْرُوعَةِ فِي الْحَجِّ. و يعْلِمُ الناس أن لهم في الحج نفرين ، خيرهم الله تعالی فيهما بقوله: (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يوْمَينِ فَلَا إثْمَ عَلَيهِ وَ مَن تَأخَّر فَلا إثمَ عَلَيهِ). وَيعْلِمُهُمْ أنَّ مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنَی قَبْلَ غروب الشمس فقط سقط عنه المبيت بها ورمي الجمار مِنْ غَدِهِ ، و مَنْ أقَامَ بِهَا حَتَّی غَرَبَتْ الشمس لزمه المبيت بها والرمي من غده. وليس في اليوم السابع من العشر خطبة، لأنه يوم لم يشرع في نسك من مناسك الحج، فلم يشرع فيه خطبة كليلة اليوم الأخير من أيام التشريق، ولا يلزمه عليه يوم عرفة ويوم النفر الأول لأنه شرع فيه النسك. ولا في يوم النحر خطبة، لأن الإمام يعلمهم في خطبة يوم عرفة ما يحتاجون إليه في الغد وهو النفر الثاني، لم يحتج إلی إعادة الخطبة فيه. وليس لهذا الإمام يحكم وِلَايتِهِ أَنْ ينْفِرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَيقِيمَ بمنی لِيبِيتَ بِهَا، وَينْفِرُ فِي النَّفْرِ الثَّانِي مِنْ غده من يوم الحلاق، وهو الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ رَمْي الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ متبوع، فلا ينْفِرْ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْمنَاسِكِ.
فَإذَا اسْتَقَرَّ حكم النفر الثاني انقضت ولايته وأدی مَا لَزِمَهُ. فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمُتَعَلِّقَةُ بِوِلَايتِهِ. فأما السَّادِسُ الْمُخْتَلَفُ فِيهِ فَثَلَاثَةُ أشْياءَ:
أحَدُهَا: إنْ فعل أحد الحجيج ما يقتضي تعزيره أو يوجب حداً، فينظر، فإن كان مما لا تعلق له بِالْحَجِّ لَمْ يكُنْ لَهُ تَعْزِيرُهُ وَلَا حَدُّهُ ، و إن كان مما يتعلق بالحج مثل أن… فله تعزيره زجراً وتأديباً، وأما الحد فليس له إقامته، لأنه خارج عن أفعال الحج، وقد قيل له ذلك لأنه من أحكام الحج.
الثاني: أنه لا يجوز له أن يحكم بين الحجيج فيما يتنازعونه من غير أحكام الحج، فأما حكمه بينهم فيما يتنازعونه مِنْ أَحْكَامِ الْحَجِّ، كَالزَّوْجَينِ إذَا تَنَازَعَا فِي إيجاب الكفارة للوطء ومؤنة القضاء، فعلی ما ذكرنا من الاحتمال.
الثالث: أن يأتي أحد الحجيج بما يوجب الفدية فله أن يخبره بموجبها ويأمره بإخراجها، وهل يستحق إلزامه له ويصير خصما له في المطالبة؟ عل ما ذكرنا من الاحتمال في إقامة الحد. ويجوز لوالي الحجيج أَنْ يفْتِي مَنْ اسْتَفْتَاهُ إذَا كَانَ فَقِيهًا وإن لم يجز له أَنْ يحْكُمَ، وَلَيسَ لَهُ أَنْ ينْكِرَ عَلَيهِمْ ما يسوغ فعله، إلا ما يخاف أن يجعله الجاهل قدرة فيه، فقد أنكر عمر على طلحة لُبْسَ الْمضَرَّجِ فِي الْحَجِّ، وَقَالَ: أَخَافُ أَنْ يقْتَدِي بِكَ الْجَاهِلُ. وَلَيسَ لَهُ أَنْ يحْمِلَ النَّاسَ فِي الْمنَاسِكِ عَلَی مَذْهَبِهِ. وَلَوْ أَقَامَ للناس الحج ـ وهو حلال غَيرُ مُحْرِمٍ ـ كُرِهَ لَهُ ذَلِكَ، وَصَحَّ الْحَجُّ معه بِخِلَافِ الصَّلَاةِ الَّتِي لَا يصِحُّ أَنْ يؤُمَّهُمْ فِيهَا وَهُوَ غَيرُ مُصَلٍّ لَهَا. و لَوْ قَصَدَ النَّاسُ فِي الْحَجِّ التَّقَدُّمَ علی إمامتهم فيه أو التأخر فيه جَازَ و إنْ كَانَتْ مُخَالَفَةُ الْمتْبُوعِ مَكْرُوهَةً ، و لَوْ قصدوا مخالفته في الصلاة فسدت عليهم، لِارْتِبَاطِ صَلَاةِ الْمأْمُومِ بِصَلَاةِ الْإِمَامِ، وانْفِصَالِ حَجِّ الناس عن حج الإمام.[26]
وقالت طائفة ، منهم ابن تيمية و غيره: الذي يرجح أنه إنما صلّى بمنى وجوه:
أحدها: أنه لو صلى الظهر بمكة لأناب عنه في إمامة الناس بمنى إماماً يصلي بهم الظهر بمنى نائب له ولا ينقله أحد . فقد نقل الناس نيابة عبد الرحمن بن عوف لما صلّى بهم الفجر في السفر ، و نيابة الصديق لما خرج رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) يصلح بين بني عمرو بن عوف ، و نيابته في مرضه ، و لا يحتاج إلى ذكر من صلى بهم بمكة ، لأن إمامهم الراتب الذي كان مستمراً على الصلاة قبل ذلك و بعده هو الذي كان يصلي بهم.
الثاني: أنه لو صلّى بهم في مكة لكان أهل مكة مقيمين فكان يتعين عليهم الإتمام، و لم يقل لهم النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) : «أتموا صلاتكم فإنا قوم سفر». كما قاله في غزوة الفتح.
الثالث: أنه يمكن اشتباه الظهر المقصورة بركعتي الطواف، ولا سيما والناس يصلونهما معه ويقتدون به فيهما فظنهما الرائي الظهر، وأما صلاته بمنى و الناس خلفه فهذه لا يمكن اشتباهها بغيرها أصلاً، لا سيما و هو (صلي الله عليه وآله وسلم) كان إمام الحاج الذي لا يصلي لهم سواه، فكيف يدعهم بلا إمام يصلون أفراداً ولا يقيم لهم من يصلي بهم هذا في غاية البعد.
و ذكر أحمد: أنه يأتي الحطيم وهو تحت الميزاب فيدعو، و ذكر شيخنا ثم يشرب من ماء زمزم و يستلم الحجر الأسود.[2 (عليه السلام) ] قال الشوکاني في کتابه «نيل الأوطار»: أمير الحاج يلزمه أن يؤخّر الرحيل لأجل من تحيض ممّن لم تطف للإفاضة.[28]
الشافعية :
قال الشافعي في کتاب الأم: … و إن كان يريد إذا قضى نسكه مقام أربع بمكة أتم بمنى وعرفة ومكة حتى يخرج من مكة مسافراً فيقصر وإذا ولى مسافر مكة بالحج قصر حتى ينتهي إلى مكة ثم أتم بها وبعرفة وبمنى لأنه انتهى إلى البلد الذي بها مقامه ما لم يعزل وكذلك مكة وسواء في ذلك أمير الحاج والسوقة لا يختلفون وهكذا لو عزل أمير مكة فأراد السفر أتم حتى يخرج من مكة وكان كرجل أراد سفراً و لم يسافر.29]
قال الشافعي أيضاً: لا تجب الجمعة بعرفة إلّا أن يكون فيها من أهلها أربعون رجلاً فيجوز حينئذ أن يصلي بهم الإمام الجمعة يعني إن كان من أهلها أو كان مكياً.[30]
الأحكام السلطانية، الماوردي الشافعي: وهذه الولاية ضَرْبَانِ:
أحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ عَلَى تَسْيِيرِ الْحَجِيجِ.
و الثَّانِي : عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ. فَأَمَّا تَسْيِيرُ الْحَجِيجِ فهو ولاية سياسية، وزعامة تدبير. وَالشُّرُوطُ الْمُعْتَبَرَةُ فِي الْمُوَلَّى أَنْ يَكُونَ مُطَاعًا، ذَا رَأْيٍ، وَشَجَاعَةٍ وَهَيْبَةٍ وَهِدَايَةٍ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ من حُقُوقِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ:
أحَدُهَا : جَمْعُ النَّاسِ فِي مَسِيرِهِمْ وَنُزُولِهِمْ حَتَّى لا يتفرقوا، فيخاف عليهم النَّوَى وَالتَّغْرِيرَ.
و الثَّانِي : تَرْتِيبُهُمْ فِي الْمَسِيرِ وَالنُّزُولِ، بِإِعْطَاءِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ مُقَادًا حَتَّى يَعْرِفَ كل قوم مِنْهُمْ مُقَادَهُ إذَا سَارَ، و يَأْلَفَ مَكَانَهُ إذَا نَزَلَ، فَلَا يَتَنَازَعُونَ فِيهِ و لَا يَضِلُّونَ عَنْهُ.
الثالث : أن يرفق بهم في المسير حَتَّى لَا يَعْجِزَ عَنْهُ ضَعِيفُهُمْ، و لَا يَضِلَّ عنه منقطعهم. رُوِيَ عَنْ النَّبِيِّ (صلي الله عليه وآله وسلم) أنه قال«المضعف أمير الرفقة»، يريد مَنْ ضَعُفَتْ دَابَّتُهُ كَانَ عَلَى الْقَوْمِ أنْ يَسِيرُوا بِسَيْرِهِ.
الرَّابِعُ : أنْ يَسْلُكَ بِهِمْ أوْضَحَ الطرق وأخصبها، ويتجنب أوعرها وأجدبها.
الخامس : أنْ يَرْتَادَ لَهُمْ الْمِيَاهَ إذَا انْقَطَعَتْ ، و الْمرَاعِيَ إذا قلّت.
السادس : أنْ يَحْرُسَهُمْ إذَا نَزَلُوا، و يَحُوطَهُمْ إذَا رَحَلُوا ، حتى لا يتخطفهم داغل ولايطمع فيهم متلصص.
السابع : أنْ يَمْنَعَ عَنْهُمْ مَنْ يَصُدُّهُمْ عَنْ الْمسِيرِ ، و يَدْفَعَ عَنْهُمْ مَنْ يَحْصُرُهُمْ عَنْ الْحَجِّ بِقِتَالٍ، إن قدر عليه، وببذل مَالٍ إنْ أَجَابَ الْحَجِيجُ إلَيْهِ. وَلَا يَسَعُهُ أَنْ يُجْبِرَ أَحَدًا عَلَى بَذْلِ الْخَفَارَةِ إنْ امْتَنَعَ مِنْهَا حَتَّى يَكُونَ بَاذِلًا لَهَا عَفْوًا، ومحيباً إلَيْهَا طَوْعًا، فَإِنْ بَذَلَ الْمالَ عَلَى التَّمْكِينِ من الحج لا يجب.
الثامن : أَنْ يُصْلِحَ بَيْنَ المُتَشَاجِرِينَ، وَيُتَوَسَّطَ بَيْنَ المُتَنَازِعِينَ، وَلَا يَتَعَرَّضَ لِلْحُكْمِ بَيْنَهُمْ إجْبَارًا، إلَّا أَنْ يفوض إليه الحكم، فَيُعْتَبَرُ فِيهِ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِهِ. فَيَجُوزُ له حينئذ أن يحكم بَيْنَهُمْ، فَإِنْ دَخَلُوا بَلَدًا فِيهِ حَاكِمٌ جَازَ له ولحاكم البلد أن يحك بَيْنَهُمْ، فَأَيُّهُمَا حَكَمَ نَفَذَ حُكْمُهُ، وَلَوْ كَانَ التنازع بين أحد الحجيج وأهل البلد لم يحكم بينهما إلّا حاكم البلد.
التاسع : أن يقوم زائغهم، ويؤدب جانبهم، ولا يتجاوز التعزير إلى حد، إلَّا أَنْ يُؤْذَنَ لَهُ فِيهِ فَيَسْتَوْفِيَهُ إذَا كان من أهل الاجتهاد، فَإِنْ دَخَلَ بَلَدًا فِيهِ مَنْ يَتَوَلَّى إقَامَةَ الْحُدُودِ عَلَى أَهْلِهِ نَظَرَ، فَإِنْ كَانَ مَا أَتَاهُ الْمحْدُودُ قَبْلَ دُخُولِ الْبَلَدِ، فَوَالِي الْحَجِيجِ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْ وَالِي الْبَلَدِ، وَإِنْ كَانَ مَا أَتَاهُ الْمحْدُودُ فِي الْبَلَدِ، فَوَالِي الْبَلَدِ أَوْلَى بِإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَيْهِ مِنْ والي الحجيج.
العاشر : أنْ يُرَاعِيَ اتِّسَاعَ الْوَقْتِ حَتَّى يُؤْمَنَ الْفَوَاتَ، وَلَا يُلْجِئَهُمْ ضِيقُهُ إلَى الْحَثِّ فِي السَّيْرِ. فَإِذَا وَصَلَ إلَى الْمِيقَاتِ أَمْهَلَهُمْ لِلْإِحْرَامِ وَإِقَامَةِ سُنَنِهِ، فَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ مُتَّسِعًا عَدَلَ بِهِمْ إلَى مَكَّةَ لِيَخْرُجُوا مَعَ أَهْلِهَا إلَى المَوَاقِفِ، وَإِنْ كَانَ الْوَقْتُ ضَيِّقًا عَدَلَ بِهِمْ عَنْ مَكَّةَ إلَى عَرَفَةَ خَوْفًا مِنْ فَوَاتِهَا فَيَفُوتَ الْحَجُّ بِهَا، فَإِنَّ زَمَانَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ مَا بَيْنَ زَوَالِ الشَّمْسِ مِنْ يَوْمِ عَرَفَةَ إلَى طلوع الفجر مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ، فَمَنْ أَدْرَكَ الْوُقُوفَ بِهَا فِي شَيْءٍ مِنْ هَذَا الزَّمَانِ، مِنْ لَيْلٍ أَوْ نَهَارٍ فَقَدْ أَدْرَكَ الْحَجَّ، وَإِنْ فَاتَهُ الْوُقُوفُ بِهَا حَتَّى طَلَعَ الْفَجْرُ مِنْ يَوْمِ النحر فقد فاته الحج ويتحلل بعمرة. و قيل: يصير إحرامه بالفوات عمرة، جبرة بدم، وقضاه في العام المقبل إن أمكن، وفيما بعد إن تعذر عليه.
وإذا وصل الْحَجِيجَ إلَى مَكَّةَ، فَمَنْ لَمْ يَكُنْ عَلَى العود منهم فقد زال عنه ولاية الوالي على الحجيج فلم يكن له عليه يد، ومن كان منه عَلَى الْعَوْدِ فَهُوَ تَحْتَ وِلَايَتِهِ، وَمُلْتَزِمٌ أَحْكَامَ طاعته. وإذا قَضَى النَّاسُ حَجَّهُمْ أَمْهَلَهُمْ الْأَيَّامَ الَّتِي جَرَتْ بِهَا الْعَادَةُ فِي إنْجَازِ عَلَائِقِهِمْ، وَلَا يُرْهِقُهُمْ فِي الْخُرُوجِ، فَيَضُرَّ بِهِمْ.
فَإِذَا عَادَ بِهِمْ سار على طَرِيقَ الْمدِينَةِ لِزِيَارَةِ قَبْرِ رَسُولِ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، رِعَايَةً لِحُرْمَتِهِ، وَقِيَامًا بِحُقُوقِ طاعته. وإن لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مِنْ فُرُوضِ الْحَجِّ فَهُوَ من مندوبات الشـرع المستحبة، وعادات الحجيج المستحسنة. روى عمر أَنَّ النَّبِيَّ (صلي الله عليه وآله وسلم) قَالَ:«من زار قبري وجبت له شفاعتي». ثم يكون في عوده بهم ملتزم فيهم من الحقوق ما التزمه في صدري حتى يصل بهم البلد فتنقطع ولايته عنهم بالعود إليه. وإن كان الْوِلَايَةُ عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ فَهُوَ فِيهِ بِمَنْزِلَةِ الإمام في إقامة الصلاة.
فمن شروط الولاية عليها، مع شروط المْعْتَبَرَةِ فِي أَئِمَّةِ الصَّلَوَاتِ. أَنْ يَكُونَ عَالِمًا بِمَنَاسِكِ الْحَجِّ وَأَحْكَامِهِ، عَارِفًا بِمَوَاقِيتِهِ وَأَيَّامِهِ. وَتَكُونُ مُدَّةُ وِلَايَتِهِ مُقَدَّرَةً بِسَبْعَةِ أَيَّامٍ. أوَّلُهَا: مِنْ صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ مِنْ ذِي الحجة. و آخرها: يوم النفر الثاني: وهو الثَّالِثَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ، وَهُوَ فِيمَا قَبْلَهَا وَبَعْدَهَا أَحَدُ الرَّعَايَا، وَلَيْسَ مِنْ الْوُلَاةِ. فإذا كَانَ مُطْلَقَ الْوِلَايَةِ عَلَى إقَامَةِ الْحَجِّ، فَلَهُ إقَامَتُهُ فِي كُلِّ عَامٍ، مَا لَمْ يُصْرَفْ عَنْهُ. وَإِنْ عُقِدَتْ لَهُ خَاصَّةً عَلَى عَامٍ لم يتعداه إلَى غَيْرِهِ إلَّا عَنْ وِلَايَةٍ.
وَاَلَّذِي يَخْتَصُّ بولايته ويكون نظره عليه مقصوراً خَمْسَةُ أَحْكَامٍ مُتَّفَقٍ عَلَيْهَا، وَسَادِسٌ مُخْتَلَفٌ فِيهِ.
أحَدُهَا : إشْعَارُ النَّاسِ بِوَقْتِ إحْرَامِهِمْ، وَالْخُرُوجُ إلَى مشاعرهم ليكونوا له متبعين، وبأفعاله مقتدين.
الثاني : ترتيبه لِلْمَنَاسِكِ عَلَى مَا اسْتَقَرَّ الشَّرْعُ عَلَيْهِ، لِأَنَّهُ مَتْبُوعٌ فِيهَا فَلَا يُقَدِّمُ مُؤَخَّرًاً وَلَا يُؤَخِّرُ مُقَدَّماً، سَوَاءٌ كَانَ التَّرْتِيبُ مُسْتَحَقًّا أوْ مُسْتَحَبًّا.
الثالث : تقدر المواقيت بمقامه فيها، ومسيره عنها كما تتقدم صلاة المأمومين بصلاة الإمام.
الرابع : اتباعه على الأذكار الْمشْرُوعَةِ فِيهَا، وَالتَّأْمِينُ عَلَى أَدْعِيَتِهِ بِهَا لِيَتَّبِعُوهُ فِي الْقَوْلِ كَمَا اتَّبَعُوهُ فِي الْعَمَلِ، وَلِيَكُونَ اجتماع أدعيتهم أفتح لأبواب الإجابة.
الخامس : إمامتهم في الصلوات التي شرعت خطب الحج فيها ويجتمع الحجيج عليها وهي خطبتان: يوم عرفة، ويوم النفر الأول، على ما نشرحه.
ويستحب له في اليوم الثامن، أن يخرج من مكة فينزل بمنى، بخيف بني كِنَانَةَ حَيْثُ نَزَلَ رَسُولُ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ويبيت بها، ويسير بهم من عنده، ـ وهو اليوم التاسع ـ مع طلوع الشمس إلى يوم عَرَفَةَ عَلَى طَرِيقِ ضَبٍّ، وَيَعُودُ عَلَى طَرِيقِ الْمأْزِمَيْنِ، اقْتِدَاءً بِرَسُولِ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ، وليكون عائداً في غير طريق التي صدر منها. فَإِذَا أَشْرَفَ عَلَى عَرَفَةَ نَزَلَ بِبَطْنِ عَرَفَةَ وأقام بها حتى نزول الشمس، ثم سار منها إلى مسجد إبراهيم (عليه السلام) بوادي عرفة، فخظب الخطبة الأولة من خطب الحج قبل الصلاة الجمعة وجميع الْخُطَبِ مَشْرُوعَةٌ بَعْدَ الصَّلَاةِ إلَّا خُطْبَتَيْنِ: خُطْبَةُ الْجُمُعَةِ، وَخُطْبَةُ عَرَفَةَ، فَإِذَا خَطَبَهَا ذَكَّرَ النَّاسَ فِيهَا مَا يَلْزَمُهُمْ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ وَمَنَاسِكِهِ، وَمَا يَحْرُمُ عَلَيْهِمْ مِنْ مَحْظُورَاتِهِ، ثُمَّ يُصَلِّي بِهِمْ بَعْدَ الْخُطْبَةِ صَلَاةَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، جَامِعًا بينهما في وقت الظهر، ويقصرها المْسَافِرُونَ وَيُتِمُّهَا المْقِيمُونَ. اقْتِدَاءً بِرَسُولِ الله (صلي الله عليه وآله وسلم) فِي جَمْعِهِ وَقَصْرِهِ، ثُمَّ يَسِيرُ بَعْدَ فَرَاغِهِ منها إلى عرفة. وهي الموقف المفروض.
وحد عرفة ما جاوز وادي عرنة الَّذِي فِيهِ الْمسْجِدُ. وَلَيْسَ الْمسْجِدُ وَلَا وَادِي عرنة مِنْ عَرَفَةَ إلَى الْجِبَالِ الْمقَابِلَةِ عَلَى عَرَفَةَ كلها. فيقف منها عند الأجبل الثلاثة: النبعة، والنبيعة، والنابت. فقد وقف النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) عند النابت وجعل بطن ناقته إلَى الْمِحْرَابِ، فَهَذَا أحَبُّ الْموَاقِفِ أَنْ يَقِفَ فيه الإمام. وأين وَقَفَ مِنْ عَرَفَةَ وَالنَّاسُ أَجْزَأَهُمْ. وَوُقُوفُهُ عَلَى رَاحِلَتِهِ لِيَقْتَدِيَ بِهِ النَّاسُ أَوْلَى. ثُمَّ يَسِيرُ بعد غروب الشمس إلى مزدلفة، فيؤخر صَلَاةَ الْمغْرِبِ حَتَّى يَجْمَعَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ الْعِشَاءِ الآخرة بمزدلفة، ويؤم الناس فيها، ويبيت بمزدلفة وحدها من حيث يفضي مِنْ مَأْزِمَيْ عَرَفَةَ، وَلَيْسَ الْمأْزِمَانِ مِنْهَا إلَى أَنْ يَأْتِيَ إلَى قَرْنِ مُحَسِّرٍ، وَلَيْسَ الْقَرْنُ منها، ويلتقط والناس منها حصى الجمار لعدد الأيام، مثل حصى الخذف، وَيَسِيرُ مِنْهَا بَعْدَ الْفَجْرِ. وَلَوْ سَارَ قَبْلَهُ وَبَعْدَ نِصْفِ اللَّيْلِ أَجْزَأَ، وَلَيْسَ الْمبِيتُ بِهَا ركن، ويجبر بدم إن تركه.
ثم يتوجه إذا سار منها إلى المشعر الحرام، فيقف فيه بِقُزَحَ دَاعِيًا، وَلَيْسَ الْوُقُوفُ بِهِ فَرْضًا. ثُمَّ يَسِيرُ إلَى مِنًى، فَيَبْدَأُ بِرَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قبل الزوال بسبع حصيات، ثم ينحر هو ومن ساق هَدْيًا مِنْ الْحَجِيجِ، ثُمَّ يَحْلِقُ أَوْ يُقَصِّرُ، يَفْعَلُ مِنْهُمَا مَا شَاءَ، وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ. ثُمَّ يَتَوَجَّهُ إلَى مَكَّةَ، فَيَطُوفُ بِهَا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ، وَيَسْعَى بَعْدَ طَوَافِهِ إنْ لَمْ يَسْعَ قَبْلَ عرفة، ويجزيه سعيه قبل عرفة، ولا يجزيه طَوَافُهُ قَبْلَهَا. ثُمَّ يَعُودُ إلَى مِنًى، فَيُصَلِّي بالناس الظهر، وليس فيه خطبة مسنونة بعد الصلاة، لأن الإمام يعلمهم في خطبة يوم عرفة ما يحتاجون إليه في يوم عرفة ما يبقى عليهم من مناسكهم فلا حاجة به إلى ذلك، ويبيت بمنى ليلة ليرمي من غدها ـ وهو يوم النفر الْحَادِيَ عَشَرَ ـ بَعْدَ الزَّوَالِ الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، بِإِحْدَى وعشرين حصاة، كل جمرة بسبع، وَيَبِيتُ بِهَا لَيْلَتَهُ الثَّانِيَةَ، وَيَرْمِي مِنْ غَدِهَا – وَهُوَ يَوْمُ النَّفْرِ – الْجِمَارَ الثَّلَاثَ، ثُمَّ يَخْطُبُ بعد صلاة الظهر الخطبة الثانية، (فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ فَلَا إثْمَ عَلَيْهِ وَمَن تَأَخَّرَ فَلَا إِثمَ عَلَيه)، وَيُعْلِمُهُمْ أنَّ مَنْ نَفَرَ مِنْ مِنَى قَبْلَ غروب الشمس فقط سقط عنه المبيت بها ورمى الجمار مِنْ غَدِهِ، وَمَنْ أَقَامَ بِهَا حَتَّى غَرَبَتْ الشمس لزمه المبيت بها والرمي من غده. وليس في اليوم السابع من العشر خطبة، لأنه يوم لم يشرع في نسك من مناسك الحج، فلم يشرع فيه خطبة كليلة اليوم الأخير من أيام التشريق، ولا يلزمه عليه يوم عرفة ويوم النفر الأول لأنه شرع فيه النسك. ولا في يوم النحر خطبة، لأن الإمام يعلمهم في خطبة يوم عرفة ما يحتاجون إليه في الغد وهو النفر الثاني، لم يحتج إلى إعادة الخطبة فيه. وليس لهذا الإمام يحكم وِلَايَتِهِ أَنْ يَنْفِرَ فِي النَّفْرِ الْأَوَّلِ، وَيُقِيمَ بمنى لِيَبِيتَ بِهَا، وَيَنْفِرُ فِي النَّفْرِ الثَّانِي مِنْ غده من يوم الحلاق، وهو الثَّالِثَ عَشَرَ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ الثَّلَاثِ، لِأَنَّهُ متبوع، فلا يَنْفِرْ إلَّا بَعْدَ اسْتِكْمَالِ الْمنَاسِكِ.
فَإِذَا اسْتَقَرَّ حكم النفر الثاني انقضت ولايته وأدى مَا لَزِمَهُ.
فَهَذِهِ الْأَحْكَامُ الْخَمْسَةُ الْمتَعَلِّقَةُ بِوِلَايَتِهِ.
الحنفية :
قال ابن عابدين في حاشية ردّ المحتار: قلت: لعلّ السبب أنّ من له ولاية إقامتها يكون حاجّاً في منى.
قوله: (لا تجوز لأمير الموسم)، هو المسمّى أمير الحاج كما في مجمع الأنهر.
أقول: كانت عادة سلاطين بني عثمان ، أنهم يرسلون أمير يولونه أمور الحاج فقط غير أمير الشام، و الآن جعلوا أمير الشام و الحاج واحداً ، فعلى هذا لا فرق بين أمير الموسم و أمير العراق ،لأنّ كلّاً منهما له ولاية عامّة ، فإذا كان من عموم ولايته إقامة الجمعة في بلده بقيمها في منى أيضاً ، بخلاف من كان أميراً على الحاج فقط ، و يوضح ما ذكرناه قول الشارح تبعاً لغيره لقصور ولايته…، فافهم.[31]
(ويعتبر في ولاية تسيير الحاج)، أي في أمير الحاج (كونه مطاعاً ذا رأي ، وشجاعة، وهداية. وعليه جمعهم و ترتيبهم ، و حراستهم في المسير و النزول ، و الرفق بهم ، والنصح) لهم (و يلزمهم طاعته في ذلك. و يصلح بين الخصمين ، و لا يحكم إلّا أن يفوض إليه) الحكم (فيعتبر كونه من أهله).
و قال الآجري: يلزمه علم خطب الحج و العمل بها. قال الشيخ تقي الدين: ومن جرد معهم و جمع له من الجند المنقطعين ما يعينه على كلفة الطريق ، أبيح له ، و لا ينقص أجره. و له أجرة الحج و الجهاد.[32] … على أنّ أمير الحاج يلزمه أن يؤخر الرحيل لأجل من تحيض ممن لم تطف للإفاضة.[33] …قال أبو حنيفة و أبو يوسف: إذا كان الإمام أمير الحاج ممن لا يقضي الصلاة بمنى و لا بعرفة فعليه أن يصلي بهم الجمعة بمنى و بعرفة في يوم الجمعة.[34]
المالکية :
قال مالك: في إمام الحاج إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة أو يوم النحر أو بعض أيام التشريق إنه لا يجمع في شيء من تلك الأيام. قال أبو عمر: أجمعوا على أنه لا يجهر الإمام بالقراءة في الصلاة بعرفة يوم عرفة. وأجمعوا على أنّ الإمام لو صلّى بعرفة يوم عرفة بغير خطبة أن صلاته جائزة. و اختلفوا في وجوب الجمعة بعرفة و منى. فقال مالك: لا تجب الجمعة بعرفة و لا بمنى أيام الحج لا على أهل مكة و لا على غيرهم إلّا أن يكون الإمام من أهل عرفة فيجمع بعرفة.[35]
* * *
قال ابن عربي: اختلف العلماء في وجوب الجمعة و متی تجب؟ فقيل: لا تجب الجمعة بعرفة. و قال آخرون ممن قال بهذا القول: إنه اشترط في وجوب الجمعة أن يكون هنالك من أهل عرفة أربعون رجلاً. و من قائل: إذا كان أمير الحاج ممن لا يفارق الصلاة بمنی ولا بعرفة صلّی بهم فيهما الجمعة إذا صادفها. و قال قوم: إذا كان (أمير الحاج) والي مكة يجمع بهم. و الذي أقول به إنه يجمع بهم سواء كان (أميرالحاج) مسافراً أو مقيماً و كثيرين أو قليلين …[36]
* * *
وأمّا بالنسبة إلى شروط أمير الحاجّ فالشيعة الإمامية تقول :
و يشترط في الوالي ـ کما ذکرنا أعلاه ـ: العدالة و الفقه في الحجّ، و ينبغي أن يكون شجاعاً مطاعاً ذا رأي و هداية و كفاية. و عليه في مسيره أمور خمسة عشر: جمع الناس في سيرهم و نزولهم حذراً من المتلصّصة ، و ترتيبهم في السير و النزول ، و إعطاء كلّ طائفة مقاداً في السير ، و موضعاً من النزول ، ليهتدي ضالَّهم إليهم ، و أن يرتاد لهم المياه و المراعي ، و أن يسلك بهم أوضح الطرق و أخصبها و أسهلها مع الاختيار.
و أن يحرسهم في سيرهم و نزولهم ، و يكفّ عنهم من يصدّهم عن المسير ببذل مال أو قتال مع إمكانه ، و لو احتاج إلى خفارة بذل لها أجرة ، فإن كان هناك بيت مال أو تبرّع به الإمام أو غيره فلا بحث ، و إن طلب من الحجيج فقد مرّ حكمه ، و أن يرفق بهم في السير على سير أضعفهم ، و أن يحمل المنقطع منهم من بيت المال أو من الوقف على الحاجّ إن كان ، و إلَّا فهو من فروض الكفاية.
و أن يراعي في خروجه الأوقات المعتادة ، فلا يتقدّم بحيث يؤدّي إلى فناء الزاد ، و لا يتأخّر فيؤدّي إلى النصب أو فوات الحجّ ، و أن يؤدّب الجناة حدّاً أو تعزيراً إذا فوّض إليه ذلك ، و أن يحكم بينهم إن كان أهلاً ، و إلَّا رفعهم إلى الأهل. و أن يمهلهم عند الوصول إلى الميقات ريثما يتهيّؤا له بفروضه و سننه ، و يمهلهم بعد النفر لقضاء حوائجهم من المناسك المتخلَّفة و غيرها ، و أن يقيم على الحائض و النفساء كي ما تطهرا، روي نصّ ، و أن يسير بهم إلى زيارة النبي (صلي الله عليه وآله وسلم) و الأئمة: ، و يمهلهم بالمدينة بقدر أداء مناسك الزيارات و التوديع و قضاء حاجاتهم. و عليه في إقامة المناسك أمور: الإعلام بوقت الإحرام ومكانه وكيفيّته، و كذا في كلّ فعل و منسك، وعلى الناس طاعته في ما يأمر به.[3 (عليه السلام) ]
و الحنابلة :
ولاية الحج ، أحدُهُما: أن تَكُون علی تسْيير الْحجيج. و الثَّاني: إقامة الْحجِّ. حقوق هذه الولاية عشـرة أشياء: أحدها: جمع الناس في مسيرهم ونزولهم. الثاني: ترتيبهم في المسير والنزول. الثالث: أن يرفق بهم في المسير. الرابِع: أن يسْلك بهم أوضح الطرق وأخصبها. الخامس: أن يرتاد لهم المياه إذا انقطعت، والمراعي إذا قلّتْ. السادس: أن يحرسهم إذا نزلوا، ويحوطهم إذا رحلوا، حتی لا يتخطفهم داغل و لا يطمع فيهم متلصص. السابع: أن يمنع عنهم من يصدهم عن المسير. الثامن: أن يصلح بين المتشاجرين. التاسع: أن يقوم زائغهم، ويؤدب جانبهم. العاشر: أن يراعي اتساع الوقت حتی يؤْمن الفوات.
و الشافعية :
ولاية الحجيج ضربان: أحَدُهُمَا: أن تكون على تسيير الحجيج. و الثَّانِي: إقامة الحجِّ. فَأَمَّا تَسْيِيرُ الْحجِيجِ فهو ولاية سياسية، وزعامة تدبير. وَالشّـُرُوطُ الْمعْتَبَرَةُ فِي الْـمُوَلَّى أَنْ يَكُونَ مُطَاعًا، ذَا رَأْيٍ، وَشَجَاعَةٍ وَهَيْبَةٍ وَهِدَايَةٍ وَاَلَّذِي عَلَيْهِ من حُقُوقِ هَذِهِ الْوِلَايَةِ عَشَرَةُ أَشْيَاءَ: أحَدُهَا: جَمْعُ النَّاسِ فِي مَسِيرِهِمْ وَنُزُولِهِمْ. و الثَّانِي: تَرْتِيبُهُمْ فِي الْمسِيرِ وَالنُّزُولِ. الثالث: أن يرفق بهم في المسير حتى لا يعجز عنه ضعيفهم. الرَّابِعُ: أن يسلك بهم أوضح الطرق وأخصبها. الخامس: أن يرتاد لهم المياه إذا انقطعت. السادس: أن يحرسهم. السابع: أن يمنع عنهم من يصدهم عن المسير. الثامن: أن يُصْلِح بين المتشاجرين. التاسع: أن يقوم زائغهم، ويؤدب جانبهم. العاشر: أن يراعي اتساع الوقت. فمن شروط الولاية مع شروط المعتبرة في أئمة الصلوات، أن يكون عالماً بمناسك الحج وأحكامه، عارفاً بمواقيته وأيامه.
والذي يختص بولايته ويكون نظره عليه مقصوراً خمسة أحكام متفق عليها، وسادس مختلف فيه. أحدها: إشعار الناس بوقت إحرامهم، والخروج إلى مشاعرهم ليكونوا له متبعين، وبأفعاله مقتدين. الثاني: ترتيبه للمناسك على ما استقر الشرع عليه. الثالث: تقدر المواقيت بمقامه فيها. الرابع: اتباعه على الأذكار المشروعة فيها. الخامس: إمامتهم في الصلوات. فهذه الْأحكام الخمسة المتعلقة بولايته.
و الحنفية :
ويعتبر في أمير الحاج كونه مطاعاً ذا رأي، وشجاعة، وهداية. وعليه جمعهم و ترتيبهم، وحراستهم في المسير والنزول، والرفق بهم، والنصح لهم ويلزمهم طاعته في ذلك، ويصلح بين الخصمين، ولا يحكم إلّا أن يفوض إليه الحكم فيعتبر كونه من أهله.
و المالکية :
قال مالك: في إمام الحاج إذا وافق يوم الجمعة يوم عرفة أو يوم النحر أو بعض أيام التشريق إنه لا يجمع في شيء من تلك الأيام. واختلفوا في وجوب الجمعة بعرفة و منى. فقال مالك: لا تجب الجمعة بعرفة و لا بمنى أيام الحج لا على أهل مكة و لا على غيرهم إلّا أن يكون الإمام من أهل عرفة فيجمع بعرفة. وأمير الحاج يكون في العادة وصياً للخليفة فكان علي (عليه السلام) أميراً للحاجّ.
* * *
وظايف أمير الحاج الأخلاقية
الشيعة الإمامية :
إنّ الشريف الرضي= مؤلف کتاب «نهج البلاغة»، کان أميراً للحج عدّة سنوات، فقبول إمارة الحج لم يکن إلّا لخدمة الحُجاج والناس، ألا فأخلاقه الجيّدة، وتولية المناصب الکثيرة، وقصائده الحجازيات و… کلّها شاهدة علی أنه= ذات شخصية فذة.
قال السيد محسن الأمين= في أعيان الشيعة: فى الواقع كان للشريف الرضي منصبه المرموق فقد شغل منصب نقابة الطالبيين، ونظر في المظالم، وحجّ بالناس مراراً، وأنه تسلّم هذه الأعمال في أوقات مختلفة نائباً عن والده أبي أحمد الموسوي أو مستقلاً بالمنصب.[38]
… أما إمارة الحج فكانت هي الأخری من المناصب التي تدل علی نفوذ الشريف الرضي وقوة شخصيته، فقد كانت تحتاج إلي رجل يفرض زعامته وهيبته واحترامه علی جمهور المسلمين، ويستطيع حمايتهم في صحراء واسعة يبتعدون فيها عن مركز السلطة، ويتعرضون لمخاطر الغزو والسلب، وقد حج الشريف بالناس مراراً، وخالط البدو، وعاش حياة الصحراء، وعانی متاعبها ومخاطرها، فأثرت فى نفسه، وحمل منها ذكريات.[39) ]
وقدم المختارات من عبقرية علي بن أبي طالب ممثلة فى الكتاب النادر: «نهج البلاغة» إضافة إلی العديد من المؤلفات والرسائل التي تفصح، أيما إفصاح، عن توقد الذهن، وغنی التجربة، واتساع الأفق عند الشريف الرضي.
وكان الجانب العلمي ـ الدراسي ـ من حياة الشريف الرضي مناسباً لمكانته الدينية، ومسؤوليته في إمارة الحج، بعكسه الشعر الذي كان يثير حفيظة الخصوم، ويؤلم المريدين الذين راهنوا علي السياسة فقط.
لكن الشخصية الفذة، شخصية الشريف الرضي، سارت مشتملة بكل جوانب الإبداع فى الشعر وفي علوم الأدب والفقه والشرع، مثلما سارت مشتملة برداء الرئاسة الذي اكتساه بفضل تاريخه العربى الأشم وإمكاناته النادرة، وعلوّ محتدة.
غير أن ما من ضرورة تجعل تفرد شخصية الشريف الرضي نوعاً من التغرب المثير لولا الجانب المهم في حياته، فقد شاءت الدنيا، دنياه، و دنيا منطقته العربية و دائرته الاجتماعية، أن يكون أميراً في العشق، مثلما هو أمير في موسم الحج، وفى السياسة.
وكثيرة هي الفعاليات النظرية التي قد لا ترتبط بفعاليات عملية، لأنها مجرد أفكار وتصورات، وأخيلة، وقد يتخيل الإنسان ما شاء له الخيال، في الشعر، وفي السياسة؛ لكن العشق هو واقع كالخيال، صلة بين عاشق ومعشوق ضمن مناخ اجتماعي و طبيعی. فهي حسية رغم كلّ جوانبها اللاحسية، وهي مفضوحة، رغم كلّ السرّية، وهي أبدية رغم (الآنية).[40]
إن أعمال الشريف الرضي= الأخلاقية فى سنوات الإمارة صارت أسوة لکلّ أمراء الحجّ حتي ظهور الحجة (عليه السلام) ، فعليهم أن یخطو مثل خطواته في الحج.
قال في الجواهر: والمراد بالإمام أمير الحاج كما صرح به غير واحد، فإنه الذي ينبغي أن يتقدمهم إلى المنزل فيتبعوه ويجتمعوا إليه ويتأخر عنهم في الرحيل منه، وفي خبر حفص المؤذن قال: حج إسماعيل بن علي بالناس سنة أربعين ومئة فسقط أبو عبدلله (عليه السلام) عن بغلته، فقال له أبو عبد الله (عليه السلام) : «سِر فإنَّ الإمامَ لا يقف»…[41]
قال العلامة المجلسي في ذيل رواية «سِر فإنَّ الإمامَ لايقف»: … و يدل على أنه لا ينبغي أن يقف إمام الحاج لحاجة تتعلق بآحادهم.[42]
فأمور الحج مثلاً كانت مفوّضة إِلى أمير الحاجّ المنصوب من قبل الخلفاء لذلك، و ربّما كانوا هم بأنفسهم يتصدّون لها والناس كانوا متابعين لهم، ولم يعهد أن يتخلّف مسلم عن أمير الحاجّ أو يسأل المسلمون حاكماً عن مستند حكمه، وأنّه البيّنة أو العلم الشخصيّ مثلاً، وقد تحقّق في محلّه جواز حكم الحاكم بعلمه.[43]
أطلق لفظ الإمام على أمير الحاج، مع كونه منصوباً من قبل سلطان وقته. ويظهر من الأخبار تعارف تعيين أمير الحاج في تلك الأعصار و كون أداء الأعمال تحت نظره، و لا محالة كان الأئمّة: و أصحابهم أيضاً يتابعونه، و لو فرض تخلّفهم عنه مرّة أو مرّات لبان وظهر وضبطه التاريخ. و بذلك يظهر كفاية الأعمال المأتية بحكم حاكمهم.
نعم، كفايتها في صورة العلم بالخلاف مشكل، و لكن الغالب هو الشك لا العلم بالخلاف. و قد ذكر المسعودي في آخر «مروج الذهب» أسامي أمراء الحج من حين فتح مكة، أعني سنة ثمان من الهجرة، إلى سنة خمس و ثلاثين و ثلاثمئة…[44]
قال الشيخ محمد جواد مغنية: (وحجّ البيت…)، تكلم كثيرون عن منافع الحج وحكمته، و وضع البعض فيها رسالة خاصة، و أكثر ما قيل كلام مكرور و معاد لفظاً و محتوى، و على أية حال نعطف على أقوالهم هذا الخاطر الذي لاح لنا الآن: أن للحج فوائد منها أنه يقول لأعداء الإسلام لا تحسبوا أن شمسه قد غربت، و أضواءه قد خبت، فها هم المسلمون يعلنون عن وجود الإسلام بالهرولة في المسعى، و تبديل الملابس بالأكفان أو ما يشبهها، و بالطواف بالأقدام، و التجاذب حول الحجر الأسود، و النشيد والهتاف بالأفواه: « لبيك اللهم لبيك ، لبيك…».
و لكن هل نغيظ العدو بهذه المظاهرة، و هو يحتل من أرضنا ما أحب و أراد، و يشعل النيران في المسجد الأقصى، و يحرّف كتاب الله عن معناه و على هواه، و يقتل الفلسطينيين بيد الرجعية و الخيانة، و يذلّ كلّ عربي و مسلم في شرق الأرض و غربها. و أيضاً هل نغيظ العدو بالمؤتمرات «الاسلامية و الأدبية و الشعرية»، و بالاجتماعات الكبرى على مستوى الملوك و الرؤساء، أو وزراء الخارجية، و بالخطب و القصائد… حُجُّوا أيها المسلمون، و صلَّوا و صوموا فإن اللّه لا يتقبل منكم و لن يتقبل ما دمتم أذلاء صاغرين أمام عدوه و عدوكم.[45]
کلمات جيّدة لميرزا جواد الملکي التبريزي، لاستنزال رحمة الله تعالی، و استجلاب عطوفته، و استمطار سحائب جوده و رأفته؛ في هذا السَّفر العظيم سفر الحجّ.
قال الميرزا جواد الملکي التبريزي : … و إذا فقه الحاجّ معنی الحجّ و اشتاق إليه، وعرف عدّته الظاهرة و الباطنة فليقصد عند إتيان كلّ ما يفعله في حجّه من اللَّوازم العادية و العبادية ما يناسبه من أحوال حجّه الحقيقي الواقعي و ليراقب في صحّة أفعال حجّه الظاهري.
مثلاً إذا قصد إلی مهاجرة الأهل و الأولاد و الأوطان قصد بذلك مهاجرة الشهوات و المعاصي، و كلّ ما كره الله، بل كلّ ما يشغله عن الله، و يعامل فيما خلَّفه برضا الله، و يقدّر في نفسه أنّ الله تعالی سيسأله عمّا خلَّف، كيف خلَّف؟ و أنّه لا يعود إليهم و لا يلاقيهم إلّا يوم القيامة، و أن يسترضي و يستحلّ عن كلّ من يعرفه.
و ليتذكَّر بسفره هذا سفر آخرته، و إذا قصد حمل الزّاد أوجب علی نفسه حمل زاد سفر الآخرة و هو التقوی، و يداقّ في حلّ زاده، و يستكثر من الزادين للسفرين، قصد باتّخاذ الراحلة أنّه يحتاج في سفر الآخرة أيضاً إلی الراحلة، و أنّ مطية سفر الآخرة بدنه، و يجب مراعاته و تعاهده كما يتعاهد المطايا في السفر، علفه بما يلزمه من التقوية، و يمنعه عمّا يزيد علی ذلك، و لا يبعثه علی الجموح و يسوقه بما يتقوّی عليه، و يحمل عليه ما يحتمله، و يراعي حقوق كلتا المطيتين ما استرعاه الله.
و أمّا قطع البوادي، و السير في الفيافي، و نزول العقبات، فيتذكَّر بذلك عقبات سفر الآخرة من حين الموت إلی حين نزول دار الثواب، فإنّ فيها عقبات كؤودة لا يجوزها إلّا البكَّاؤن في الدّنيا من مخافة الله، و أيسرها الموت، و ما بعد الموت أعظم و أدهی.
و أمّا لبس ثوبي الإحرام فليقصد بخروجه عن أثوابه خروجه عمّا يخالف إرادة الله، بلبس ثوبي الإحرام لبس لباس التقوی، و لباس التقوی هو خير، و يتذكَّر به كفنه الَّذي يشبهه و أنّه سيلف به.
و أمّا نفس الإحرام و التلبية فهو بمنزلة إجابة الله حيث دعاه بلسان خليله علی نبينا و آله و عليه السّلام، فليكن علی خشية و رجاء من الردّ و القبول.
و ليتذكَّر ما روي عن سيد الساجدين (عليه السلام) أنّه غشي عليه حين أحرم و لبّي، و لم يفق حتّی قضی حجّه و سئل عن ذلك قال: «خشيت أن يقال: لا لبّيك و لا سعديك.
و روي أنّ من حجّ من غير حلَّه ثمّ لبّی قال الله عزّوجلّ: لا لبّيك و لا سعديك، حتّی تردّ ما في يديك.
و ليكن علی ذكر من نداء الله الخلائق للحشر بنفخ الصور و ازدحامهم علی العرصات.
و أمّا دخول الحرم، فليقوّ رجاءه علی كرم الله و فضله عنده، ليأمن من سخط الله و غضبه مع خوف مّا عن الرّدّ و الاستدراج، فلا يأمن مكر الله، و لكن يكون رجاؤه أغلب لأنّ شرف البيت عظيم، و ربّ البيت أكرم و أرحم، و حقّ الزّائر مرعي و ذمام المستجير عليه غير مضيع، و الكريم يسامح مع الوافدين ما لا يتسامح مع غيرهم، ليكن عليه سمة العبودية و الخشوع و الذلّ كما ورد في الأخبار من أخذ إحدی نعليه بيده.
و بالجملة كلّ ما قدر عليه من الجدّ في إظهار الخشوع و التذلَّل فليأت به، و يكون مثل حاله مثل ما يروي من أحوال العصاة يوم القيامة إذا ظهر سلطان الله، و أشير إليه في القرآن الكريم بقوله: (وَ يَنْظُرُونَ مِن طَرفٍ خَفِي)، و لكن مختلطاً بسكر الحبّ، و هيجان الشوق، و ليكن نظره إلی أرض الحرم و سكك مكَّة، و دورها لا سيما إلی البيت نظر هيبة و محبّة و ليكن يقوّي جهة المحبّة.
و يكثر من قول: «سبحان الله و الحمد لله و لا إله إلّا الله و اللهُ أكبر» و إن ساعده التوفيق أن يتجلَّی له عند التسبيح سبحات الجلال، و عند الحمد أنوار الجمال، و عند التهليل صفة التوحيد، و يلقي عند التكبير جبل الأنانية، و يكبّر علی ما سوی الله فقد فاز و نال.
و أمّا الطواف فهو من وظائف عين الزيارة بعد الوصول، كما شبّهه رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالصلاة، و صلاة الزيارة كما فسّر خليفته و وصيه أميرالمؤمنين علي (عليه السلام) «قد قامت الصلاة» بقوله: «أي حان وقت الزيارة».
و أمّا الاستلام فيقصد به البيعة لله بالطاعة و نفي الاختيار، و يقصد بالتعلَّق بالأستار و الالتزام، الالتجاء للقبول و العصمة و التبرّك بالمماسّة.
و أمّا السعي فمثله كمثل من يتردّد بين الخوف و الرجاء بعد الوفود علی السلطان، لمنتظر لاستعلام آثار القبول المتردّد في فناء بابه.
و أمّا الوقوف بعرفة فتشمّر بجدّك أن تنال فيه بكمال المعرفة.
واعلم أنّ اجتماع الحجّاج في الدعاء في صعيد واحد لا سيما بلحاظ حضور الصلحاء و أهل الباطن من الأبدال و الأوتاد، أو غيرهم من الكاملين الَّذين لا يخلو الحجّاج من بعضهم لا محالة، مع اجتماع القلوب و الهمم، لاستنزال الرحمة، استمطار سحائب الجود و الكرم ، بمدّ الأعناق، و شخوص الأبصار، و التضـرّع و البكاء، والابتهال، كاد أن يكون علَّة تامّة للإجابة، فإنّ لاجتماع القلوب و الهمم تأثيراً خاصّاً في نجح المقاصد، و الوصول إلی المطالب، و لذا قيل: «إنّ من أعظم الذنوب أن يحضر أحد عرفات، و يظنّ أنّ الله تعالی لم يغفر له».
و أمّا الوقوف بمنی فيقصد به المصافاة و التأمين بعباد الله من المضادّة و الخلاف في طريق الوداد، و بالتقاط الحصی رفع كلّ خلاف و معصية لله عزّوجلّ، و إثبات كلّ علم و عمل، و برمي الجمار البلوغ للمقصود، و قضاء الحوائج، و بالذّبح [قطع] الطمع عن غير الله، و الاقتداء بخليل الله، و بالرجوع إلی مكَّة، و طواف الإفاضة، الإفاضة برحمة الله و الرجوع إلی قرب الله.
و أمّا آداب الزيارة للنبي (صلي الله عليه وآله وسلم) و أهل بيته المعصومين:
ففيها أمور مهمّة نشير إلی إجمالها :
أوّلها: معرفة حرمة المزور، و معرفة حقّه عليك، فنقول في ذلك: إنّ الَّذي عليه عقيدة أهل الإسلام كافّة أنّ نبينا صلوات الله و سلامه عليه و آله أشرف خلق الله، و أنّه سيد خلق الله، و أنّه حبيب الله، و ورد في المعتبرة عنه (صلي الله عليه وآله وسلم) أنّه أوّل خلق الله، و أنّه دنا في معراجه من ربّه مقاماً لم يقدر جبرئيل أن يصاحبه، و أنّه: (دَنَي فَتَدَلَّي * فكانَ قَابَ قَوْسَينِ أو أدنيَ * دنوّاً و اقتراباً من العلي الأعلي)، و أنّه اسم الله الأعظم، و أنّه صاحب الوسيلة و الحوض، و الشفاعة الكبری، و أنّه المثل الأعلی و أنّه واسطة بين الله تعالی و جميع الممكنات، و أنّه الحجاب الأقرب، و طرف الممكن.
و بالجملة يعرف أنّه من الله تعالی بمكانة يغبطه بها الأوّلون و الآخرون، من الأنبياء و المرسلين، و الملائكة المقرّبين، و أنّه لا يمكننا أن نصل إلی كنه معرفته، وأمّا معرفة حقّه فيكفي في ذلك حديث لولاك، و أنّه علَّة غائية لجميع الخليقة، و أنّه رحمة للعالمين، هذا بالنسبة إلی عامّة الممكنات، و أمّا خصوص أمّته فيزداد لهم حقوق هدايته الخاصّة، و تحمّل ما وصل إليه من الأذی في ذلك، حتّی نطق بقوله (صلي الله عليه وآله وسلم) : «ما أوذي نبي مثلي».
و هو ما ينطق عن الهوی بتصديق الله جلّ جلاله في كتابه.
و إذا عرفت جلالته و حقّه و علمت أنّه حي عند ربّه ينظر إلی زوّاره و يسمع سلامهم، و يعرف ضميرهم، و يستغفر لذنوبهم، و يشفع في حوائجهم، فعند ذلك تزوره كأنّه حي يراك و يشافهك، و لا يشغلك شيء عن التوجّه إليه، و تتوجّه بشراشر وجودك إلی حضرته، مع هيبة و محبّة، و تملَّق و حياء، و تراقب أدب حضوره، و لا تسأم عن طول مناجاته، و عرض حوائجك عليه، و لا تكلَّم أحداً في حرمه، بل ولاتنظر إلی شيء يشغلك عن مراقبتك علمه بك، و نظره إليك، تستعلج لجميع أمراضك و حوائجك باستجلاب عطوفته، و استمطار سحائب جوده و رأفته (صلي الله عليه وآله وسلم) .
واعلم علماً يقيناً أنّه (صلي الله عليه وآله وسلم) أكرم جميع الخلائق، و أجود من كلّ جواد كريم جواد عطوف، شفيق رفيق، ودود رؤوف، و قد وصفه الله عزّوجلّ في كتابه العزيز بخُلُق عظيم، و لا تسامح في الاسترحام و السؤال، و التضرّع و الابتهال، فإنّ الكريم لا يضيع حرمة الوافدين، و يتسامح في تقصيراتهم و زلاتهم و يصفح عن عمدهم و خطائهم.
و تذكَّر معاملته مع قاتل عمّه حمزة (عليه السلام) حيث قبل توبته، و تفكَّر فيما ناله منك من الجفاء و الإيذاء حيث يعرض عليه أعمالك، و يرى معاصيك و ذنوبك، و يتأذّى بذلك، و كم من أذّية و مكروه قد أوصلت إلى قلبه الشريف بسوء عملك، أوجعت صدره العزيز بقبيح أعمالك.
و ليكن عليك سمة الحياء عند زيارتك، و اعتذر إلی كريم فنائه و جنابه لا محالة عن ذلك، و لا تضنّ عن الاعتذار بقدر جنايتك، فإنّ لكلّ جناية اعتذاراً يليق بها و يناسبها، و تلطَّف في الشكر و الثناء بقدر نعمه عليك.
و لعمري إنّك لا تؤدّي حقّ اعتذار جناياتك، و لو نطقت بجميع جوارحك طول عمرك بالاعتذار، و لا تأتي بحقّ شكره و لو شكرته مدی الأعمار و الأعصار، لأنّ الجناية الحقيرة تعظم مع عظمة المجني عليه، و مع لحاظ إحسانه إلی الجاني، فإذا جاوز العظمة عن الحدّ، و كثر الإحسان فوق حدّ الإحصاء، قصرت الألسن عن أداء حقّه، و الأعمار عن بلوغ غايته.
و هكذا حقّ الشكر إنّما يتزايد بزيادة جلالة المنعم، و كثرة النعم و جزالتها و ليس لحقّ نعمة الوجود و لا الهداية غاية، و لا لجلالة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) منتهی، حتّی يقدر أحد من أمّته علی أداء حقّ شكره، فيجب بحكم قاعدة الميسور أن يبذل طاقته في أداء الإعتذار، و يجتهد بكلّ قدرته في الشكر، و يعترف بقصوره عن أداء حقّهما.
و إذ قد سمعت هذه الأمور فعليك أن تجتهد بكلّ جهدك و مقدورك في زيارته (صلي الله عليه وآله وسلم) فإنّك إن أحكمت مباني معرفته، و معرفة حقوقه، و فوائده و مراحمه، و كنت علی يقين من ذلك فلا بدّ أن تبعث هذه المعرفة في قلبك شوقاً إلی زيارته لا سيما بلحاظ ما ورد في فضل زيارته، و المشتاق لا يحتاج إلی تعليم مراسم الوداد، و لا يمتنع عن الجهد والاجتهاد، في الوصول إلی مشوقه و رضاه، و عرض الشوق و الملق و الاستكانة بما لا يخطر علی ضمير غيره، بل يسير في طريق زيارته برأسه، لا برحله كما حكي عن البسطامي، و الرابعة العدوية أنّهما صلَّيا في طريق مكَّة المشرّفة في كلّ قدمين ركعتين، فلا بدّ للزائر المشتاق أن يعامل في طريق زيارته مع كلّ ما يتعلَّق بهذا الطريق؛ و مع كلّ من يتعلَّق معاملة المحبّ فيرفق بالزوّار و الأكرة و الخدّام و الدوابّ و يتحمّل أذاهم و يخدمهم، بل و لا يری إيذاءهم أذية، و ينفق عليهم و يكرمهم حتّی يقرب من بلد المزور، فيزداد شوقه و يجدّ في السير يخاطب الطريق و يسلَّم علی الديار، و يحنّ إلی رؤية سواد البلد، و آثار المشهد.
و إذا شرّف برؤيته يخرّ ساجداً لله، و يقوم مسلَّماً و باكياً بإظهار الشوق و الملق، و يقدّر في نفسه زمن حياته (صلي الله عليه وآله وسلم) كان يتوطَّن في هذه البلدة، و يمشي في سككها، و يسكن في دورها، و أنّ هذه المحالّ مواضع أقدامه الشريفة، و مواطن جسده المبارك.
و يتبرّك بدخول البلد، و يتثاقل عن المشي فيها بالأقدام، لا سيما مع النعل و يقبّل جدرانها و ترابها، و يمسّ وجهه بأرضها محبّة و يقول:
أمرّ علی الديار ديار ليلی
أقبّل ذا الجدار و لا الجدارا
و ما حبّ الديار شغفن قلبي
و لكن حبّ مَن سكن الديارا
و يهاب من دخوله و يدعو الله عنده بالتوفيق و الإذن، و يستأذن من حضـرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) و يعرض إلی جنابه شوقه إلی زيارة وجهه المبارك، و يشتكي من فراقه و غيبته، …
ثمّ يغتسل و يلبس أنظف ثيابه، و يتطيب بما يقدر عليه، و يقصد حرمه علی سكينة و وقار، و يمشي إليه و يقرّب بين خطاه، مسبحّاً، حامداً، مهلَّلاً مكبّراً مصلَّياً، و يقدّر أنّه بمرأی منه صلوات الله عليه وآله، يراه و ينظر إلی حركاته، و خطرات ضميره، و يشاهد مراتب أشواقه، و حسرات قلبه و أحزانه.
و يتوجّه بكلَّه إليه و يهتمّ أن لا يخطر غيره (صلي الله عليه وآله وسلم) بقلبه، و لا ينظر في طريق زيارته إلی أحد بل إلی شيء من الأشياء ليشغله عن حضور قلبه.
و إذا وصلت إلی باب الحرم فاعلم أنّك قصدت ملكاً عظيماً لا يطأ بساطه إلّا المطهّرون، و لا يؤذن لزيارته إلّا الصدّيقون، و أنّك أردت حرماً لا يدخله الأنبياء و المرسلون، و الملائكة المقرّبون بغير إذن، فاستأذن بقلبك و لسانك الله جلّ جلاله، ثمّ استأذن حضرة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ثمّ خلفاءه و أوصياءه لا سيما باب مدينة علمه، و البقية من خلفائه، ثمّ استأذن ملائكة الله الموكَّلين بحرمه الشريف، و هب القدوم إلی بساط خدمته، و حضور مجلسه، فإنّك علی خطر عظيم إن غفلت.
واعلم أنّه قادر بالله جلّ جلاله علی ما يشاء من العدل و الفضل معك و بك، فإن عطف عليك بكرمه و فضله، و قبلك و قبل زيارتك، و أجاب سلامك، و استمع إلی كلامك، طوبی لك ، ثمّ طوبی لك، فإنّك فزت لزيارة الله جلّ جلاله، شاركت في ذلك الملائكة المقرّبين، و الأنبياء والمرسلين، و حسن أولئك رفيقاً.
و إن طالبك باستحقاقه ما يجب عليك من الصدق و الخلوص، و الإخلاص و الوفاء، و الأدب و الصفاء، و حجبك و ردّك فويل لك، ثمّ ويل لك، و قد خسـرت خسراناً مبيناً.
و اعترف بعجزك و تقصيرك، و انكسارك و فقرك، بين يديه، فإنّك قد توجّهت لزيارته و مؤانسته، فأعرض حالك و سرّك عليه، و اطلب الهمّة منه بالتوسّل إليه، و الالتجاء إلی باب فضله و كرمه، و الاستشفاع بعترته و ذرّيته، فإنّه يعلم بإعلام الله و إخباره كلّ ما سنح بخاطرك، و خطر ببالك في ذلك، و كن كأدون عبيده ببابه، انظر من أي ديوان يخرج اسمك.
فإن رقّ قلبك، و درّت عيناك، و هاج شوقك، و وجدت في قلبك حلاوة مناجاته، و لذّة مخاطبته، و شربت بكأس كرامته، من حسن إقباله عليك و قبوله، فادخل فلك الإذن و الأمان، و اللَّطف و الإحسان، و إلّا فقف وقوف من انقطع منه الحيل، و قصر عنه الأمل، و التجئ إلی الله جلّ جلاله التجاء المضطرّين في استعطاف قلبه الشريف، و استدرار لطفه المنيف.
فإن علم الله من قلبك صحّة الاضطرار، و صدق الالتجاء إليه، نظر إليك بعين الرحمة و الرأفة، و عطف عليك قلب حبيبه بالكرامة و العطوفة، و وفّقك لما تحبّ و ترضی، فإنّه كريم يحبّ الكرامة لعباده المضطرّين إليه، المحترقين علی بابه لطلب رضاه، و قد أنزل في كتابه: (أ مَّن يجِيبُ المُضْطَرَّ إذا دَعَاه و يكشِفُ السُّوء).
و قبّل عتبته الشريفة، و ادخل قائلاً: «بسم الله و بالله، و في سبيل الله، و علی ملَّة رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) الحمد لله الَّذي هدانا لهذا و ما كنّا لنهتدي لو لا أن هدانا الله»؛ ثمّ امش بسكينة و خشوع و ذكر حتّی تقف قبال الضريح المقدّس و قبّله وسلَّم عليه بحقيقة السّلام و علی آله و آبائه و عترته علی التفصيل و الترتيب، و بالغ في عرض التسليم و التصلية.
واعلم أنّ السّلام من أسماء الله تعالی أودعه خلقه، ليستعملوا معناه في معاملاتهم فمن لم يقدر علی أن يستعمل معنی السّلام مع نبيه، فهو لا يقدر أن يستعمله مع أحد من الناس، و استعماله مع رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) أن يعامله معاملة لا تؤذيه و لا تسيئه لا محالة، و هل تری أن يری رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مع ما فيه من الشفقة علی أمّته، معاصيك الكبيرة و لا يسيئه ذلك، و لا يتألَّم منها، فأين السّلام؟ و بالجملة فلك أن تقدّر حضوره ـ صلوات الله عليه ـ بين يديك، و هو متوجه إليك، مقبل عليك، يری و يسمع كلّ ما تفعله في ظاهرك و باطنك، و هو مطَّلع علی سرائرك، و خفايا أمورك و أعمالك.
إذاً كيف يكون حالك لو كنت متلبّساً فعلاً بما نهي عنه من لباس بدنك أو حرّمه من تملَّك مال غيرك، أو عدم ردّ حقوق عترته، و ذرّيته، أو الفقراء من أمّته، أو شيء من حقوق الله جلّ جلاله و أنت قائل في زيارته: «أنا محلَّل حلالك، محرّم حرامك» أو قائل: « زرتك يا رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) مستبصراً بضلالة من خالفك»، ألست أنت هذا المخالف الضالّ؟ أو تستثني نفسك من المخالفين.
أو ما تقول في زيارته: «بأبي أنت و أمّي و نفسي و مالي و ولدي»، و كيف تفديه بذلك كلّه و أنت تخالف أمره و نهيه في مقدار قليل من المال؟ و لو قال لك: «يا كاذب أ تخدعني!»، ما ذا جوابك؟ و احذر أن تكذب في دعواك بحضـرته، و هو قد حرّم الكذب، و اعلم أنّ الكذب مع من يعلم الكاذب أنّه يعلم كذبه، قد يكون استهزاء، العياذ بالله من هذا الأخطار.
و بالجملة زيارته (صلي الله عليه وآله وسلم) أمر عظيم، و قد روي في ذلك أنه يزور زائره مرّتين، و لكن خطره أيضاً عظيم جدّاً، فاحذر أن تقع فيه بجدّك، و لا تحسبه هيناً و هو عند الله عظيم.
و الأهمّ أن تستحكم معرفته و عظمته و علمه بحالك و سرائرك، و أن تعرف آفات قولك و عملك، و حقائق دعواك، فإذا إن لم تقدر علی إصلاح قلبك و عملك، فلا محالة من أن تعترف بتقصيرك، و يكون عليك حياء المقصّرين، مع خوف و خضوع و تذلَّل بقدر جنايتك ، فإذا لا تری حيلة إلّا التوسّل إليه، و الالتجاء إلی باب كرمه و صفحه، مع اضطراب القلب، من الأخذ بالجناية و الردّ و اللَّعن، و الخسـران المبين و الهلاك الدائم، أو الصفح و العفو، و الكرم و الفضل، أن يشغلك خطر هذه الأحوال لا محالة من دالَّة المطيعين.
و لو كان قلبك متأثّراً من هذه الأحوال، فلا محالة من أن تظهر بعض أثراتها في ظاهرك، فإنّ الخائف من الردّ و الأخذ، ترتعد جوارحه، و يتغير لونه، أ ما سمعت أنّ الإمام السجّاد (عليه السلام) مع عظمته و عبادته، كيف تغيّر لونه عند قوله: «لبّيك اللَّهمّ لبيك»، و غشي عليه و سئل عن ذلك و قال: ـ بنفسـي هو و روحي و أرواح جميع العابدين المراقبين ـ: «خشيت أن يقال في جوابي لا لبّيك»…
… و بالجملة يجب علی الزائر بحكم العدل أن لا يحضر هذا المحضر العظيم إلّا بعد توبة صادقة مطهّرة له لا محالة من المخالفة الفعلية، حتّی يأمن من الردّ و ينجو من ورطة العتاب ، فإن لم يوفّق لذلك ، فله أن يدخل من غيرها من الأبواب الَّتي دخل منه غيره من المقيدين في أسر الهوی، و المكبّلين المنهمكين في الرّدي فظفروا بالتجاوز و الصفح الجميل، و الفضل النبيل، من أبواب الاعتراف، و الاعتذار و الحياء، و التوسّل و الاستغفار، و الالتجاء و الاضطرار، فإن لم يسمح نفسه العوّاد بالإهمال، باحتمال لوازم هذه الأبواب، فلا محالة من أن يدخل من باب عدم القنوط من الإجابة.
و تدعو الله جلّ جلاله بالرجاء في استعطاف قلب رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) عليك، فإنّ إبليس دخل من هذا الباب و ظفر بالمراد، و لتقل في دعائك: «اللَّهمّ يا من أجاب لأبغض خلقه إبليس، حيث استنظره، فاستجب لي كما استجبت له ، فإنّه دعاك و هو عاص، و أنا أدعوك و أنا عاص، فكما أنّ إجابتك شملته حيث دعاك و لم يقنط من رحمتك، فلتشملني و أنا أدعوك و أرجو إجابتك».
و إذا دخلت من هذا الباب لا يقنّطك ربّك، و هو عند حسن ظنّ عبده به، كيف و هو الَّذي أنزل في كتابه: .(وَ إذا سَألكَ عِبادِي عَنِّي فإنِّي قَريبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إذا دعانِ فَلْيستَجِيبُوا لِي وَلْيؤمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُون). (وَاسْألُوا اللهَ مِن فَضْلِهِ إنَّ اللهَ كانَ بِكُمْ رَحِيماً).
و إذا رغب الله جلّ جلاله في عطوفته عليك، يقبل عليك رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) بالقبول و الإجابة، و العطف و الرحمة، و يضمّك إلی كنف رأفته و حنانه، و يكون عليك كالأب العطوف، و الأمّ الرؤوف، يلبّيك بالجواب، و يجيبك عن الخطاب، فتظفر بالمراد و فوق المراد، و تفلح أبد الآباد.
و إذا راقبت هذه الخصال و أتيت بهذه الأحوال، و تمثّلت بين يديه للزيارة و علمت إقباله عليك، فلك أن تناجيه بلطيف مناجاتك، و تبثّ في حضرته حوائجك، و تشكو لديه ما نالك من هجره و فراقه، …
… و بالجملة تناجيه (صلي الله عليه وآله وسلم) ، و تبثّ لديه أشواقك إلی زمن حضوره، و إشراق نوره، و تشتكي إليه من هجره و ممّا نالك من البلايا العامّة و الخاصّة، ثمّ تقرّ عنده بإسرافك علی نفسك، و تقصيرك في عبادة ربّك، و تسأله أن يستغفر لك الله، و أن يعالج داءك بدوائه، و يكمّل عقلك، و يتمّ نورك بدعائه، و يلحقك بأوليائه، و يقبلك لجواره، فإنّه أكرم الخلائق لا يردّ وافده و زائره و ضيفه إلّا بقضاء حوائجه، و مزيد فضله.
و اعلم يقيناً أنّه (صلي الله عليه وآله وسلم) رحمة الله للعالمين، فإن حرمتَ من فيضه الأقدس، و من نوره الأزهر، فذلك لمانع من جهتك، و لا يمنع من ذلك الذنوب ـ و إن كثرت ـ حتّی يوجد خلل من جهة الإيمان، فجدّد إيمانك، و استعذ بالله من الكفر و الشرك الجلي.
و لكن قد يكون ظلمة المعاصي مانعة من درك فيوضات زيارته الشاملة لك، و تعمي من مشاهدة أنواره الواصلة إليك، فإن كان لك قلب و فطنة، لا بدّ من درك ذلك، و العلم ببعض آثاره لا محالة، فإنّ شفقته (صلي الله عليه وآله وسلم) لأمّته المؤمنين الموالين لعترته معلومة، و إن كانوا عصاة، كيف و شفاعته للعصاة، و للزائر الوافد المسلّم عليه المناجي معه، و المشتكي استكانته لديه، حقوق زائدة لا تضيع لديه، يعرف ذلك كلّ من أخبر عن أخلاقه الكريمة في حال حياته، و معاملته مع عموم المسلمين، و خصوص الوافدين، و الرافعين إليه حوائجهم، و حال وفاته أولی بذلك من حال الحياة لزيادة القرب من منبع الفيض و النور، و هل يظنّ أحد من أمّته أن يقصده مسلم مؤمن من مسافة بعيدة، و يأتيه من شقّة بعيدة، شوقاً إلی زيارته، و راجياً قبوله و نواله، متقرّباً إلی الله جلّ جلاله بولايته و ولاية عترته، رجع خائباً من نواله، و محروماً من جوده و كرمه، و لا يظنّ ذلك لأعراب البوادي، كيف لأكرم الخلائق كلَّهم، و مظهر رحمة الله، و المتخلَّق بأخلاق الله.
و كيف كان يجب علی زوّاره ـ صلوات الله عليه و آله ـ أن يظنّوا بفضله و كرمه و إفاضته كلّ الظنّ، و يستمدّوا من فيض زيارته، و أنوار إقباله، و يستضيئوا من إشراق إقبال وجهه، فانّه يضيئ كلّ ظلمة، و يفيض لكلّ الخليقة، و يكفي للعالمين، لأنّه نور الله الأنور، و ضيائه الأزهر، و فيضه الأقدس.
و أطل الوقوف بحضرته، و لا تملّ منه لأنّ العاقل لا يملّ من الانتفاع، و زر في ضريحه المقدّس قبر سيدة النساء3، و اعمل في زيارتها مثل ما مرّ في زيارته، إنّها بضعة منه، كريمته و حبيبته.
و اقصد بعد زيارتهما زيارة أئمّة البقيع: نحو ما قصدت زيارته، و زرهم كما مضی في زيارته، فإنّهم بمنزلة نفسه، من أطاعهم فقد أطاعه، و من أحبّهم فقد أحبّه، من خضع لهم فقد خضع له، لا فرق بينهم و بينه، فإنّهم خلفاؤه و ذرّيته، و كلَّهم نور واحد…
… و استقص أيام وقوفك بالمدينة المشرّفة زيارة المواضع الشـريفة الَّتي روي وقوفه بها، ودخوله عليها، و مشاهد أهل بيته:.
و إذا كان أوان وداعك، حصّل في قلبك و روحك و عقلك وكلَّك حالاً يصلح لوداعه، و لتكن في وداعك قبره كمن يودّع روحه و حياته …
… و ودّع سيدة النساء3 و أئمّة البقيع: كما تودّعه، و ودّع المدينة المشـرّفة، و هكذا تزور كلّ واحد من الأئمّة:، و تناجي مع كلّ واحد منهم بما يناسبه…
هذا، و لتفصيل أسرار زيارتهم: محلّ آخر لا يسعه هذا المختصـر، و لعلّ الله يوفّقني بعد ذلك بإظهار تفاصيلها.[46] * * *
أهل السنّـة :
قال البهوتي الحنبلي: (ويعتبر، في ولاية تسيير الحاج) أي في أميرالحاج (كونه مطاعاً ذا رأي، وشجاعة ، وهداية، وعليه جمعهم وترتيبهم، حراستهم في المسير والنزول، والرفق بهم، والنصح) لهم (ويلزمهم طاعته في ذلك. ويصلح بين الخصمين، ولا يحكم إلّا أن يفوض إليه) الحكم، (فيعتبر كونه من أهله). وقال الآجري: يلزمه علم خطب الحج والعمل بها. قال الشيخ تقي الدين: ومن جرد معهم وجمع له من الجند المنقطعين ما يعينه على كلفة الطريق، أبيح له، ولا ينقص أجره. وله أجرة الحج والجهاد.[4 (عليه السلام) ] * * *
نتيجة البحث :
لا خلاف بين المذاهب الخمسة: (الشيعة الإمامية، الحنابلة، الحنفية، الشافعية، المالکية)، في کلّ هذه الموارد:
يشترط في أمير الحاج العدالة و الفقه في الحجّ، و ينبغي أن يكون شجاعاً مطاعاً ذا رأي و هداية و كفاية.
أن يكون همّه تسيير الحجيج و إقامة الحج بسهولة.
عليه حقوق ولاية الحج بشروطه المعلومة.
الخليفة ينصب أمير الحاج، فكان علي (عليه السلام) أميراً للحاجّ کما قال المالکية، وفي هذا الزمان علی الإمام والحاکم.
على الحـُجّاج طاعته فيما يأمر به.
و لکن بالنسبة لصلاة الجمعة، فأهل السنة اختلفوا في وجوب الجمعة بعرفة ومنى، فقال مالك: لا تجب الجمعة بعرفة ولا بمنى أيام الحج لا على أهل مكة ولا على غيرهم إلّا أن يكون الإمام من أهل عرفة فيجمع بعرفة. وقال الشافعي: لا تجب الجمعة بعرفة إلّا أن يكون فيها من أهلها أربعون رجلاً فيجوز حينئذ أن يصلي بهم الإمام الجمعة يعني إن كان من أهلها أو كان مكيًّا. وقال أبو حنيفة: إذا كان الإمام أمير الحاج ممن لا يقضي الصلاة بمنى ولا بعرفة فعليه أن يصلي بهم الجمعة بمنى وبعرفة في يوم الجمعة. وقال أحمد بن حنبل: إذا كان والي مكة بمكة جمع بها.[48]
وأمّا الشيعة الإمامية فتقول هکذا: … فلا خلاف بين الأمة في وجوب الجمعة على كلّ أحد، وإنما يخرج بعضهم بدليل، مثل العليل، والمسافر، والمرأة ومن أشبههم. وكذلك من تجب عليه تنعقد به إلّا من أخرجه الدليل.[49) ]
المصادر :
ـ القرآن المجيد .
ـ في ظلال نهج البلاغة، محمد جواد مغنية.
ـ الحرّ العاملي ، وسائل الشيعة (مؤسسة آل البيت) .
ـ الشهيد الثاني، رسائل الشهيد الثاني .
ـ محمدتقي المجلسي ، روضة المتقين.
ـ الحرّ العاملي ، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة .
ـ الشهيد الأول ، الدروس الشرعية في فقه الإمامية .
ـ الشيخ الطوسي، الخلاف.
ـ المحقق الثاني ، شرايع الإسلام .
ـ الفاضل الهندي ، كشف اللثام .
ـ الشيخ محمد حسن ، جواهر الكلام .
ـ العلّامة المجلسي، مرآة العقول.
ـ آية الله جوادي آملي ، كتاب الحج، تقرير بحث آية الله المحقق الداماد .
ـ محمد هادي المقدس النجفي، تقريرات بحث الحجّ السيد الگپايگاني .
ـ الشيخ المنتظري ، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية .
ـ الشيخ الجناتي، كتاب الحج السيد محمود الشاهرودي، تقرير الشيخ الجناتي، الهامش .
ـ الشيخ المنتظري ، نظام الحكم في الإسلام .
ـ العلّامة الطباطبايي ، تفسير الميزان .
ـ علي بن الحسين الخزرجي ، العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية .
ـ القاضي أبو يعلی الفراء الحنبلي، الأحكام السلطانية،
ـ الماوردي الشافعي، الأحكام السلطانية.
ـ البهوتي الحنبلي،کشاف القناع.
ـ فتاوی ابن تيمية .
ـ الشوکاني ، نيل الأوطار .
ـ ابن العربي المالكي، الفتوحات المكية.
ـ ابن العربي المالكي، أحکام القرآن.
ـ کتاب الأم ، الشافعي .
ـ ابن عبد البر ، الاستذکار .
ـ ابن عبد البر ، الاستيعاب بهامش الإصابة .
ـ ابن عساکر ، مختصر تاريخ دمشق .
ـ ابن عابدين ، ردّ المحتار .
ـ محسن الأمین، أعیان الشیعة.
ـ ميرزا جواد الملكي التبريزي ، المراقبات (أعمال السَّنَـة) .
* * *
[1]1. الحرّ العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت) 11 : 12 .
[2]. أبوبکر الکاشاني، بدائع الصنائع 2 : 310 ؛ المغازي، للواقدي 3 : 1088: في ذي القعدة سنة عشر من مهاجره أجمع الخروج وآذن الناس بالحج وقدم المدينة بشر كثير كلهم يريد أن يأتم برسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ويعمل بعمله ؛ السيرة النبوية، لابن هشام 3 : 1020 قال ابن إسحاق: فلما دخل على رسول الله (صلي الله عليه وآله وسلم) ذو القعدة ، تجهز للحج ، وأمر الناس بالجهاز له .
[3]. ميرزا حسين النوري الطبرسي، مستدرك الوسائل (9) : 36 (عليه السلام) .
[4]. نهج البلاغه، الصحيفة رقم: 6 (عليه السلام) ؛ فقه القرآن1: 32 (عليه السلام) .
[5]. محمدباقر الوحيد البهبهاني، تعليقة علی منهج المقال : 285 .
[6]. المحقّق البحراني، الحدائق الناضرة 16 : 354 .
[ (عليه السلام) ]. الحرّ العاملي، وسائل الشيعة (آل البيت) 11 : 3 (9) 8 .
[8]. الشهيد الثاني، رسائل الشهيد الثاني 2 : 103 (عليه السلام) .
[ (9) ]. محمد تقي المجلسي، روضة المتقين 5 :9(عليه السلام) .
[10]. الحرّ العاملي، هداية الأمة إلى أحكام الأئمة 5 : 93 .
[11]. الشهيد الأول، الدروس الشرعية في فقه الإمامية 1 : 4 9 8 .
[12]. المحقّق الحلّي، شرايع الإسلام 1 : 188 .
[13]. الفاضل الهندي، كشف اللثام 6 : 61 .
[14]. الشيخ محمدحسن، جواهر الكلام 19: (عليه السلام) .
[15]. آية الله جوادي آملي، كتاب الحج، تقرير بحث آية الله المحقق الداماد 3 : 9 ، 103 .
[16]. محمد هادي المقدس النجفي، تقريرات بحث الحجّ السيد الگپايگاني 2 : 233 .
[1 (عليه السلام) ]. الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه وفقه الدولة الإسلامية 1 : 110 .
[18]. المصدر نفسه 2 : 60 (عليه السلام) .
[1 9 ]. الشيخ المنتظري، نظام الحكم في الإسلام : 5 (عليه السلام) .
[20]. الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه… 2 : 608 .
[21]. اللسن : الخطيب البليغ .
[22]. العلّامة الطباطبائي، تفسير الميزان 9 : 92 .
[23]. علي بن الحسين الخزرجي، العقود اللؤلؤية في تاريخ الدولة الرسولية 1 : 28 .
[24]. الفاضل الهندي، كشف اللثام 6 : (عليه السلام) 8 .
[25]. المصدر نفسه 1: 356 .
[26]. القاضي أبو يعلی الفراء الحنبلي، الأحكام السلطانية، 1 : 10 9 – 115 .
[2 (عليه السلام) ]. ابن تيمية، فتاوی ابن تيمية 3 : 1 9 6.
[28]. الشوکاني، نيل الأوطار 5 : 1 (عليه السلام) 2 .
29]. الشافعي، کتاب الأم 1 : 214 .
[30]. ابن عبد البر، الاستذکار 4 : 328 .
[31]. ابن عابدين، ردّ المحتار 2 : 156 .
[32]. المصدر نفسه 2 : 605 .
[33] . المصدر نفسه 5 : 1 (عليه السلام) 2 .
[34]. ابن عبد البر، الاستذکار 4 :328 .
[35]. المصدر نفسه، 4 :328 .
[36]. ابن عربي، الفتوحات المكية 1 : (عليه السلام) 14 و 10 : 3 90 .
[3 (عليه السلام) ]. الشهید الأول، الدروس الشرعیة في فقه الإمامیة 4 9 8:1.
[38] . محسن الأمين، أعيان الشيعة 9 : 220 .
39] . محسن الأمين، أعيان الشيعة 2 : 258 .
[40] . م . ن 2 : 26 9 .
[41]. الشيخ محمد حسن، جواهر الکلام، 91 : (عليه السلام) .
[42] . العلّامة المجلسي، مرآة العقول، 18 : 246 .
[43]. الشيخ المنتظري، دراسات في ولاية الفقيه… 2 : 5 99 .
[44]. الشيخ المنتظري، نظام الحکم في الاسلام : 5 (عليه السلام) .
[45]. محمدجواد مغنية، في ظلال نهج البلاغة 2 : 161 .
[46]. ميرزا جواد الملكي التبريزي، المراقبات (أعمال السَّنَـة) : 343 .
[4 (عليه السلام) ] . کشاف القناع، البهوتي الحنبلي 2 : 606 .
[48]. ابن عبد البر، الإستذکار 4 : 328 .
49 ]. الشيخ الطوسي، الخلاف 1 : 5 9 3 .
المصدر: مجلة ميقات الحج: المجلد 29، العدد 57 – الرقم المسلسل للعدد 57