خاص الاجتهاد: عقدت ندوة علمية في مكتب الإعلام الإسلامي في خراسان رضوي بعنوان “دراسة جدوى نشوء مدرسة فقهية من فكر الشيخ المؤسس” (المحقق الحائري) قدمها حجة الإسلام والمسلمين الشيخ علي رحماني؛ عضو الهيئة العلمية في مركز الآخوند الخراساني التخصصي ونقدها حجة الإسلام والمسلمين محمد رسول آهنگران أستاذ كلية الهيات بجامعة طهران.
طرح حجة الإسلام والمسليمن رحماني فرضية البحث قائلاً: “هل يمكن اعتبار المحقق الحائري صاحب مدرسة فقهية في حال تطبيق عناصر تكوين المدرسة على فكره؟ وهل يمكن القول إن مدرسة نشأت من فكره أثرت في ظهور التيارات والمدارس اللاحقة؟ هل تحقق ذلك بالفعل أم لا؟
لذلك، فإن السؤال الرئيسي لهذه الدراسة هو ما إذا كانت عناصر تكوين المدرسة الفقهية تنطبق على الفكر الفقهي للمحقق الحائري أم لا؟
أبتعد عن تفاصيل كتاباتي وأركز على فكرة الكتابة؛ لذلك، سأقوم بمقارنة عناصر تكوين المدرسة الفقهية بالفكر الفقهي للمحقق الحائري.
أول عنصر هو النظام والانسجام. يتم النظر إلى هذا النظام في مرحلتين:
المرحلة الأولى من حيث الارتباط الموضوعي للمكونات والموضوعات،
والمرحلة الثانية من حيث توافق البنية من حيث الخارج.
بالطبع، يتأثر هذان العاملان ببعضهما البعض بشكل متبادل. ولا نتناول أبعاد التأثير والتأثر حالياً.
النقطة الأساسية هي كيف تعاملت أفكار المحقق الحائري مع الموضوعات المستحدثة والعصرية؟
كما تعلمون، في الفقه التقليدي، يتم دراسة الموضوعات المتعارف عليها من قبل الفقهاء، ويتم تصنيف كل من هذه الموضوعات في أبواب محددة. تبدأ المشكلات الرئيسية عندما تنشأ مسائل جديدة.
لم يتم التفكير في كيفية التعامل مع هذه الموضوعات الجديدة والقضايا المستجدة في الفقه التقليدي. لذلك، تم مناقشة هذه الموضوعات بشكل نوعي كملحقات للأبواب.
من الواضح أن الملحقات لاتحل مشكلة الموضوعات المستحدثة في تصنيف الفقه. أحيانًا نرى في هذه المناقشات الفقهية التقليدية أن الموضوعات المستجدة والملحقات تتخطى المسائل الشائعة. على سبيل المثال، عندما نلاحظ الدراسات المتعلقة بالمجال الطبي، لديها مجموعة متنوعة من القضايا في أبواب مختلفة، ولكن الملحقات المتعلقة بالفقه الطبي أصبحت كثيرة لدرجة أنها تتخطى المسائل الفقهية الأصلية.
فما هو موقف المحقق الحائري من هذه المسألة؟ وأحسن ما أعرضه أن من أقران المحقق الحائري وهو المرحوم المسجدشاهي كانت له معاملة مع الموضوعات الجديدة من هذا القبيل، فكتب رسالة وأعطى رد فعل على الموضوعات الجديدة وقام بتحليلها.
فمثلا كتب رسالة في حلية استعمال الجرامفون. فهل للمحقق الحائري معاملة مثل هذه؟ أول ما نشير إليه هو أنه هل كانت في زمن المحقق الحائري موضوعات مستحدثة وجديدة بكثرة أم لا؟ حتى نبحث بعد ذلك عن معاملته.
ويشاهد في المؤلفات والآثار المتعلقة بالمحقق الحائري في مجال الفقه الاستدلالي نفس المنهج الفقهي التقليدي، ولا يرى أي اهتمام بهذه الموضوعات المستحدثة. في حين نجد في استفتاءاته كثيرا من الموضوعات الجديدة التي وجهها الناس إلى المحقق الحائري، مثل استعمال اللباس الموحد، ولبس ربطة العنق، واستعمال الملعقة للتناول، واستعمال أحذية جديدة في مناسك الحج، واستماع الإذاعة، وغير ذلك.
ويعد وجود هذه الموضوعات الجديدة التي طرحت في زمن المحقق الحائري علامة على أن المجتمع الإيراني كان يعيش عصرا جديدا من حيث الثقافة وتطور المفاهيم الجديدة. لذلك كان المحقق الحائري يسأل في هذه الموضوعات بصفته مرجعا. ولكن هل نرى منه رد فعل مثل رد فعل المرحوم المسجدشاهي؟ والجواب على ذلك سلبي.
وقال الشيخ رحماني متابعا: “ومن المهم أن نشير إلى أن أول قانون مدني في إيران كان في عصر المحقق الحائري، وقد وردت أنباء متواترة على أن هذا القانون قد قدم إليه للموافقة عليه. وكانت ردة فعل المحقق الحائري على ذلك أنه قال: هذا القانون هو ترجمة لكتاب الشرائع، وقد استعملتم فيه المادة بدلا من المسألة.
الظاهر أن المحقّق الحائري كان يتوقع مجموعة من المدونات المتفاوتة، ولكن توقعاته لم تتحقق. ويدلل هذا الحدث على أن المجتمع الإيراني كان يمتسح من الفقه التقليدي في الأمور الجارية ويتجه نحو نظام حقوقي جديد. وينبئ ذلك بحاجة الفقه إلى هيكل مختلف.
ولا نرى في هذا للمحقق الحائري رد فعل متفاوتا، بمعنى أنه لم يؤلف رسالة في هذا الموضوع. وحصيلة دراسة تكوين نظام هذه المسألة في فقه المحقّق الحائري هي أنه -وإن كان ممكنا إثبات نحو من الانسجام من حيث المنهج التقليدي- لا نرى رد فعل إيجابيا نسبة للتغيرات والتحولات التي توقع الناس أن يرد عليها الفقه.
تأثير مدرسة سامراء والنجف على المحقّق الحائري
وقال أستاذ حوزة مشهد العلمية متابعا: “العنصر الثاني هو الاتجاه. ويقصد بالاتجاه التأثر الذي تخلفه البيئة والزمن على أفكار الفقيه، فيؤدي ذلك إلى رد فعل منه في حقل العلم.
وقد وقع في أقل التقدير حدثان جدّيان في زمن المحقّق الحائري: أحدهما تأثره بنظام تعليمي مختلف كان موجودا في النجف وسامراء. وفوق ذلك، فقد قال آية الله شبيري الزنجاني: إن مكتب سامراء هو مكتب يبدأ البحث باللعل والشك والريب، بمعنى أن النظرة العقلانية هي المحكمة في مكتب السامراء بشكل كبير. أما مكتب النجف، فيبدأ المباحثة بإنما وبصورة جازمة وقطعية.
لقد تأثر المحقّق الحائري بكلا التيارين. الحدث الثاني؛ المشروطة (الثورة الدستورية). لقد عاش المحقّق الحائري تلك الفترة والأجواء في النجف وإيران.
شهدت الحوزة العلمية ضربات قاسية خلال الصراع الدستوري، حيث قُتل العديد من العلماء في طهران في هذه الأحداث. ووفقًا لبعض التقديرات، قُتل حوالي مائة عالم خلال فترة المشروطة. وأدى هذا الحدث إلى عزوف بعض العلماء، خاصة في إيران، عن الانخراط في الشؤون السياسية. لكن “المحقّق الحائري” لم ينأَ بنفسه عن الأمور الاجتماعية والسياسية، بل واجهها بكلّ حزم، دون أن يتدخل بشكل مباشر رسميًا
وأضاف الاستاذ رحماني: “فيما يتعلق بالمباني الفقهية، نحن لدينا المباني المعروفة والمألوفة في مجال الفقه والتي يقبلها المحقّق الحائري أيضًا.
ولكن إلى جانب هذه المباني، نرى مسائل يستخدمها في فقهه الخاص، ويمكن اعتبارها جزءًا من مبانيه، مثل دلالة الأمر على الوجوب عند الإطلاق، وقبول تداخل الأسباب والمسببات، وتشابه العلل التشريعية مع العلل التكوينية. تشير نتائج الدراسات إلى أن فقهه يستند إلى مجموعة من الافتراضات المسبقة التي تخصه
وقال عضو الهيئة العلمية في مركز الآخوند الخراساني التخصصي في ختام كلمته:
“بصفة عامة، يتبع المحقّق الحائري منهجًا فرديًا تنمويًا، مما يعني أنه يطرح مجموعة متنوعة من الفروع الفقهية. على الرغم من ارتباطه بالأساتذة البارزين في حوزة النجف واستفادته منهم بشكل كبير، وأن مدرسة النجف معروفة بالتزامها بالنظام، إلا أن هذا الوضع لا يُلاحظ بكثرة في كلمات المحقّق الحائري.
عدم مخالفته الآراء المشهورة، ترجيح النصوص ونقد بعض الاستدلالات المختلفة يشير إلى أن المحقّق الحائري فقيه ذو إتجاه تنموي، ويركز على النصوص، ويميل إلى الصناعة الفقهية بشكل عام. وبالنظر إلى عدم إمكانية تطبيق عنصر التناسق والنظام على كامل منظومة الاتجاه الفقهي للمحقق الحائري، لا يمكن اعتبار أفكاره الفقهية مدرسة فقهيًا، على الرغم من وجود قدرة عالية على تحقيق ذلك في فقهه