الاجتهاد: سؤال أثاره أحد طلبة السنة الثالثة في كلية الفقه بالنجف الأشرف، فاستمع اليه الشيخ عبد العلي آل سيف فكانت الإجابة عليه بحثا مطولا صدر في كتاب في العام 1988 يتألف من 190 صفحة من القطع المتوسط، اعتمد فيه على العديد من المصادر المعتبرة لدى الفريقين، ليصل إلى نتيجة أن الخمس شعيرة إسلامية لدى الفريقين، اختلفوا فيما بعد في بعض التفاصيل.
يقول المؤلف إن من التشريعات التي اختلف المسلمون حولها هي الخمس، الذي بات لدى المذاهب السنية الأربعة معطلا تقريبا باعتبار انتفاء موضوعه عندهم، في حين انه عند الشيعة تكليف قائم مادام ثمة كسب قائم ويفيض الكسب عن قوت السنة. ص 18
ويضيف بأن تشريع الخمس جاء بعد نزول آية الخمس في السنة الثانية للهجرة، قبل معركة بدر أو بعد انتهائها، حيث اختلف المسلمون فيما غنموه في تلك الواقعة، فالبعض أراده كلّه، ففصل الله تعالى ذلك حيث أوكل أمر الغنيمة إلى الرسول الأكرم ﷺ يخرج منه الخمس ويقسم الباقي.. فكان الرسول ﷺ أول من طبق الخمس،
وما إن انتقل الرسول الأعظم إلى جوار ربه واستلم مقاليد الأمور الخليفة ابوبكر الصديق من بعده وليا على المسلمين حتى استلم الخمس كما يظهر ذلك تاريخيا أرسله له قواد جيشه ويشير لنا بعض المؤرخين أن خالد بن الوليد ارسل بخير نصره وما بقي من الأخماس وبالفيل من قتاله الفرس“ ص28
ويلفت المؤلف إلى ان المؤرخين يشيرون إلى ان عمر بن الخطاب استلم الخمس من الفتوحات التي اتسعت في زمانه وشملت اجزاء واسعة من المعمورة، كما فعل أبوعبيدة بن الجراح حينما افتتح مدينتي حمص وبعلبك حيث أرسل الأخماس مع عبدالله بن مسعود، وبعد وفاة عمر بن الخطاب واستلام ثالث الخلفاء الراشدين عثمان بن عفان الخلافة واستمر الفتوح استلم الأخماس حتى انه وهب خمس افريقيا إلى مروان بن الحكم. ص 29
وأما في عهد الإمام علي بن ابي طالب فقد نفذ الخمس واستلمه من مصادر مختلفة غير غنيمة الحرب، منها الكنز والركاز والمال الحلال المختلط بالحرام.
الشاهد من كل ذلك ان الخمس جاء بعد آية «غنمتم من شيء…» وطبقه الرسول الأعظم والخلفاء من بعده، وأما في عهد ما بعد الخلافة الراشدة ووصول معاوية بن ابي سفيان إلى الحكم ”لا نجد الخمس كتشريع إلا في الفتوح مع تغيير موارده ومصارفه على نحو ما اختلف عليه فقهاء المذاهب الأربعة باعتمادهم على احاديث واحكام سبق الافتاء بها أو روايتها من قبل بعض الصحابة نقلها التابعون بعدهم حتى وصلت إلى أرباب المذاهب وأصحاب الصحاح والمسانيد والسنن.. أما لدى الشيعة فقد استمر تشريعا مع زيادة تفصيل وإيضاح لدى ائمة اهل البيت…..“ ص 36.
ويورد المؤلف عدة مصطلحات ترتبط بالخمس، تؤكد مصادره وموارده، أول تلك المصطلحات هي «الغنيمة» التي نصّت عليها آية الخمس «واعلموا إنما غنمتم من شيء فإن لله خمسه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل….».
والآية حسب مفسري الشيعة والسنة تدل على تشريع الخمس كواحد من التشريعات الإسلامية العبادية، كالصلاة والصوم والزكاة والحج المطلوب الاتيان بها من قبي لجميع المسلمين ص 52
اما المصطلح الثاني المتعلق بالخمس فهو «الفيء» الذي يعني في اللغة هو الظل، بينما هو في المصطلح فهو كل ما أخذ من دار الحرب بغير قتال، سواء جاء بدافع التسليم والمصالحة أو جاء من الضرائب التي تفرض على المشركين، ومال الكفار بدار الاسلام ولا وارث له.
ويأتي مصطلح الفيء بناء على أية «وما أفاء الله على رسوله من اهل القرى لففه وللرسول ولذي القربى واليتامى والمساكين وابن السبيل كي لا يكون دولة بين الأغنياء منكم، وما آتاكم الرسول فخذوه وما نهاكم عنه فانتهوا واتقوا الله إن الله شديد العقاب»
وبناء على ذلك يؤكد المؤلف اتفاق المسلمين على تشريع الخمس بدليل القرآن، ثم بدليل السنة ابرزها ما ورد في صحيحي البخاري ومسلم، وقد اتفق الصحيحان على حديث وفد عبدالقيس إذ قال لهم الرسول ”أمركم بأربع… وأن تؤدوا خمس ما غنمتم“ ص 62
هذا فضلا عن الاحاديث المتكاثرة عن شرعية الخمس لدى الشيعة.
ومع ذلك، نشأ خلاف بين المسلمين حول الخمس وتطبيقه، رغم اتفاقهم على تشريعه، ومنشأ الخلاف يكمن هل يطبق عل غنائم الحرب فقط، أم يمكن توسعته ليشمل مصادر أخرى، وهل يمكن تطبيق هذا التشريع في الزمن الحاضر؟
كما نعلم فإن الغنيمة في اللغة هي الفائدة المكتسبة، وتعنى الفوز بالشيء بلا مشقة، بينما هي في المصطلح ما أخذ من أهل الشرك بالقتال، فهل الغنائم التي ترد على المسلمين بغير القتال تعد من الغنائم فيجب فيها الخمس أم لا؟
بمعنى هل الكنز، أو المعدن وارباح التجارات والصناعات من الغنائم فيجب فيها الخمس أم لا؟
إن الشيعة يرون الخمس في الغنائم بمعناها الأعم الأوسع، وليس حصرا في غنائم الحرب، ويرون تطبيقه في كل ما أفاد الناس من قليل أو كثير، وليس ثمة تعارض بين إطلاق معنى الفائدة على الغنيمة، مع تحديدها في غنيمة الحرب، وذلك ”لأن المورد لا يخصص الوارد والعبرة تكون بعموم اللفظ، وحذف متعلق الشيء يفيد العموم، والغنيمة لغة عامة لكل فائدة مطلقا…….“ ص 39
في المقابل أن غير الشيعة ومعهم عدد من الشيعة ايضا يرون الغنيمة هي كل ما غنمه المسلمون في القتال فقط،
يؤكد المؤلف، اعتمادا على العديد من المصادر ان المسلمين وسعوا نطاق الخمس، وإن المذاهب الأربعة لم يحصروا الخمس في الغنيمة والفيء فقط، بل اضافوا إليها الركاز «الكنز أو المال المدفون»، وما يستخرج من البحر، والعنبر، والمعادن، واستعرض جملة من الفتاوى لدى المذاهب الأربعة.. والحال نفسه لدى الشيعة، الذين اضافوا لها بناء على أدلة شرعية لديهم المال الحلال المختلط بالحرام، والفاضل عن المؤونة، وارض الذمي إذا اشتراها من مسلم أو تملّكها منه بعقد معاوضة.. وأورد لهذا الغرض أدلة تفصيلية لا يتسع المقال لعرضها كلها.
وعن مجالات صرف الخمس، ذكر المؤلف أن المسلمين السنة اتفقوا بما نصت عليه آيتا الغنيمة والفيء، وهي «سهم الله، وسهم الرسول، وسهم ذي القربى، وسهم اليتامى، وسهم المساكين، وسهم ابن السبيل»، لكنهم اختلفوا في التفاصيل،
يرى المذهب الحنفي إن الخمس يقسم على ثلاثة اسهم فقط «لليتامى والمساكين وابن السبيل»، وأما سهم الرسول ﷺ فيسقط بموته، ولا سهم لله وإنما ذكر لفظ الجلالة في الآية الكريمة افتتاح كلام، وكذلك لاسهم لذي القربى ويلحق فقراءهم بغيرهم، وقد اسقط بعض الخلفاء بعد الرسول هذا الحق. ص 135
اما المذهب الشافعي فيرى إن الخمس خمسة اسهم «للرسول، ولذي القربى، واليتامى والمساكين، وابن السبيل»، ولكل سهم، والقربى هم بنو هاشم وبنو المطلب، ينفق على غنيهم وفقيرهم، كبيرهم وصغيرهم، ولا يسقط سهم رسول الله بموته وإنما يصرف في المصالح العامة كسد الثغور وإعداد السلاح والكراع، وإعطاء المسلمين من ذوي الحاجة، وإعطاء المؤلفة قلوبهم، ص 138
ويرى المذهب المالكي إن موضع الخمس هو بيت المال، يصرف في مصارفة، إذا رأى الامام ان يعطي منه اقربا رسول الله فعلى ما يرى ويجتهد ص 139
واما المذهب الحنبلي فإن الخمس يقسم خمسة اسهم «سهم لله وللرسول، وسهم لذوي القربى، وثلاثة اسهم لليتامى والمساكين وابن السبيل»، وسهم رسول الله وسهم ذوي القربى لا يسقطان بموت رسول الله ﷺ.
تلك اهم موارد الخمس وموارد صرفه لدى المذاهب الأربعة، ”الذي بات لديهم معطلا تقريبا باعتبار انتفاء موضوعه عندهم، في حين انه عند الشيعة تكليف قائم مادام ثمة كسب قائم ويفيض الكسب عن قوت السنة“. ص 18
اما بالنسبة لموارد صرف الخمس لدى الشيعة، وهو تشريع قائم كما سبق القول، يقول المؤلف:
الخمس لدى الشيعة الإمامية يقسم إلى ستة أقسام «لله، وللرسول، ولذي القربى، واليتامى والمساكين وابن السبيل»، وهذا التقسيم عام سواء في زمن الرسول ﷺ، أو ما بعده، وتندرج هذه الأسهم في قسمين:
الأول: تنتظم فيه الأسهم الثلاثة «سهم الله، وسهم الرسول، وسهم ذي القربى»، وهي للرسول في حال حياته أو من يقوم مقامه من الأئمة ، وينفق في زماننا الحاضر على الأمور العامة ومصالح المسلمين من قبيل بناء المدارس والمستشفيات والمساجد والمكتبات…. الخ ويتم ذلك وفق شروط إذن وكيل الإمام وهو المرجع جامع الشرائط
الثاني: اسهم الفقراء والمساكين وابن السبيل فهو ينفق لكل منتسب لبني هاشم دون غيرهم لما حرموه من الزكاة
بناء على كذلك اخلص:
لا داعي للحديث عن ابتداع الشيعة للخمس، فهو تشريع إسلامي، اقصى ما نجده أن المذاهب السنية الأربعة أنها عطلت هذا التشريع لانتفاء موضوعه، مثله مثل تشريعات الجهاد والجزية.. بالتالي فلا مجال للقول بأن الشيعة ابتدعوا هذا التشريع
ومن جهة الانفاق فمن الواضح أن المراجع الشيعة لا يرون نقل الخمس إلى بلد آخر في حال وجود المستحق في البلد الأصل، بالتالي فلا داعي للغمز واللمز الذي يورده بعض الطوائفيين في أن أخماس الشيعة في السعودية «مثلا» تذهب إلى العراق وإيران، فقد نص المحقق الحلي: ”لا يحل حمل الخمس إلى غير بلده مع وجود المستحق ولو حمل والحال هذه ضمن ويجوز مع عدمه“، وكذلك ما قاله السيد الخوئي: ”يجوز نقل الخمس من بلده إلى غيره مع عدم وجود المستحق، بل مع وجوده إذا لم يكن النقل تساهلا وتسامحا في أداء الخمس، ويجوز دفعه في البلد إلى وكيل الفقير وإن كان هو في البلد الآخر، كما يجوز دفعه إلى وكيل الحاكم الشرعي، وكذا إذا وكل الحاكم الشرعي المالك فيقبضه بالوكالة عنه ثم ينقله إليه“.. ص 176 178
هذا ما تم رصده من كتاب «فقه الخمس» لمؤلفه الشيخ عبدالعلي آل السيف
معلومات عن الكاتب ( هنا )