الجينوم

من المقاربة الفقهية إلى المقاربة الأخلاقية: الاجتهاد المعاصر والجينوم نموذجاً

الاجتهاد: يعالج هذا البحث الفتاوى/القرارات الخاصة بموضوع الجينوم والصادرة عن ثلاث مؤسسات هي: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجمع الفقهي الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ويقدم تحليلاً نقديّاً لها، ثم يقترح منهجية لمقاربة الجينوم يتم من خلالها تطوير التعليل الأخلاقي ليواكب التطورات الحديثة وتعقيداتها. بقلم: معتز الخطيب *

تثير العلاقة بين الفقه والأخلاق— بوصفهما حقلين مستقلين — الكثير من التساؤلات والإشكالات، ومما يزيدها تعقيدًا أن الفقه والأخلاق يتناولان الفعل الإنساني من حيث الحكمُ عليه وتقويمُه، ومصادر هذا الحكم، وتعليلاته.

تتبنى هذه الدراسة مقولةً مُفادها أن الاجتهاد الفقهي لم يَعُد— وحده — كافيًا لتقويم المستجدات الحديثة، وأن ثمة حاجة إلى الانتقال من المقاربة الفقهية إلى المقاربة الأخلاقية للقضايا المستجدة.

وفي سبيل ذلك يعالج هذا البحث الفتاوى/القرارات الخاصة بموضوع الجينوم والصادرة عن ثلاث مؤسسات هي: مجمع الفقه الإسلامي الدولي، والمجمع الفقهي الإسلامي، والمنظمة الإسلامية للعلوم الطبية، ويقدم تحليلاً نقديّاً لها، ثم يقترح منهجية لمقاربة الجينوم يتم من خلالها تطوير التعليل الأخلاقي ليواكب التطورات الحديثة وتعقيداتها.

المقاربة الأخلاقية المقترحة تساعدنا في الإجابة على سؤالين:

ما الممارسة الصالحة أو المسوّغة أخلاقيًّا؟

وكيف نحددها أو نعرفها؟

وهي مقاربة أوسع من فكرة البحث عن “حكم الله” بالمنطق الفقهي، وهي مقاربة متعددة التخصصات تستثمر حقولاً علمية مختلفة لصياغة موقف محدد وتركيبي من القضايا المطروحة يتناسب وتعقيداتها وتأثيراتها المتنوعة، ويتداخل فيها مفهوما الأخلاق والدين على المستوى النظري المتمثل في ما بعد الأخلاق ومفاهيم مركزية أخرى، وعلى المستوى التطبيقي الذي يرصد النقاشات الفعلية لأشكال الممارسة الصالحة أو المعلَّلة أخلاقيًّا.

يبدأ البحث بتمهيد حول التجيين والتدخل الجيني، ثم يقدم خلاصة وافية عن الاجتهاد المعاصر حول الجينوم قراءة تحليلية نقدية لأحكامه وقراراته مع بيان مداخلها المنهجية وتعليلاتها، ثم يقترح مقاربة أخلاقية للجينوم يوضح—من خلالها—كيف يمكن إعادة بناء موقف أخلاقي منه يتوفر على التعليل اللازم له.

وبسبب غموض مفهوم الأخلاق في حقل الدراسات الإسلامية من جهة، ولأنها تشكل الإطار النظري والمفهومي للمنهج المقترح هنا من جهة ثانية، توسع البحث قليلاً في إيضاح المفهوم وأبعاده ليبني عليه بعد ذلك؛ مما يساعد على إدراك بعض جوانب الفرق بين الفقه والأخلاق.

الجينوم هو مجموع المادة الوراثية في الخلية الجسمية الواحدة لجسم الإنسان، وهو مشروع يَعِد بإمكانات كثيرة، منها:

علاج أمراض مستعصية (كالزهايمر والسرطان والسكري) من خلال معالجة الجذور الجينية الخاصة بها، ومنها تقويم عيوب الجينات في فترة ما قبل الولادة، ومنها أن معرفة الخريطة الوراثية تزيد من الإمكانات الوقائية، إذ يمكن—بناء على المعلومات التي توفرها لنا—تقديم نصائح ترتبط بتغيير نمط الحياة؛ مما يقلل من احتمالية الإصابة بأمراض معينة،

كما أن المشروع يعد بإمكانات تحسين أو تطوير أداء أشخاص يتمتعون بجينات سليمة بالفعل ولكن يسعون لتعظيم إمكاناتهم أو الحصول على صفات مرغوبة.

هذه الوعود والإمكانات تثير أسئلة عديدة لا تقف عند حدود تقييم هذه التطبيقات فقط، بل تمتد لتشمل مساءلة مقاصد الطب وغاياته، ومقاصد مشروع الجينوم نفسه (علاج أو تطوير؟)، وتأثير كل ذلك على المسؤولية الأخلاقية والقانونية (تحمل التبعات، المساواة، استحقاق المدح أو الذم على صفة معدلة جينيًّا، …) ومعايير التقييم بين البشر (الطبيعي والمصنّع، عدالة المنافسة، خلق الله والفطرة)، مما دفع إلى ظهور مصطلح الجبرية الجينية ‫(genetic determinism).‬

ويمكن التمييز بين ثلاثة مستويات في الحديث عن مشروع الجينوم: التجيين ‫(geneticization)‬ والتدخل الجيني ‫(genetic intervention)‬ والتحسين الجيني ‫(enhancement).‬ فـالتجيين” هو المفهوم الأشمل والمركزي بين الثلاثة، وينضوي تحته أنواع مختلفة من التدخل الجيني، بعضها علاجي بقصد المداواة، وبعضها تحسيني بقصد التطوير‫.

 

* أستاذ في مركز التشريع الإسلامي والأخلاق بجامعة حمد بن خليفة

محتويات المقالة

مقدمة

التجيين والتدخل الجيني

الاجتهاد الفقهي وموضوع الجينوم

الاهتمام بالجينوم وسياقه

القرارات المجمعية حول الجينوم

الاجتهاد المعاصر حول الجينوم: تقويم نقدي

الجينوم: نحو مقاربة أخلاقية

الأخلاق الإسلامية: المفهوم والإطار النظري

3.2 التجيين والأخلاق الكلامية ‫(Theological Ethics)‬

مفهوم الإنسان والطبيعة الإنسانية

الفعل الإلهي والفعل الإنساني

التجيين والنظر الفقهي المنظومي

التدخل الجيني ومنظومة المفاهيم الفقهية المركز ية

القياس: التغيير العضوي والتغيير الجيني

المصالح والمفاسد

البيولوجيا وسلطة الطب

خاتمة

 

تحميل المقالة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky