التراث الفقهي

منهج البحث في التراث الفقهي العامة.. دراسة في كيفية توثيق المعلومة الفقهية

الاجتهاد: أعطى الباحث الدكتور الناجي لمين في هذه المقالة الضوء للتعرف على مداخل المذاهب الأربعة (الحنفي والشافعي والمالكي والحنبلي) لأنه يعتقد أن الباحث إذا لم يعرف مداخل كل مذهب الذي يعرفه بمصطلحاته، والكتب المعتمدة فيه، قد ينسب قولا إلى إمام المذهب، وهو لم يقل به؛ لأن كثيرا من الآراء الموجودة في كتب الفروع المنسوبة لإمام معين هي مخرجة على أصوله من قبل أتباعه. کما يتطرق في كل مذهب إلى مراتب مسائله وطبقاته من حيث مكانته العلمية وكتب الرواية وأشهر المتون المعتمدة والاصطلاحات وبعض الفقهاء وبعض المصنفات فيه.

إن التراث الفقهي الإسلامي وافر وفرة يصعب معها على طالب العلم أن يستفيد منه استفادة سريعة وسليمة. وتزداد هذه الصعوبة إذا رام الباحث توثيق الآراء الفقهية ونسبتها إلى أصحابها نسبة صحيحة.

ورغبة مني في أن أسهم مع المسهمين في تقريب هذا التراث لطلاب العلم والباحثين، ارتأيت أن أبين المنهج المتبع للتعامل مع هذا التراث. فأقول وبالله التوفيق.

المصنفات في الخلاف العالي: فائدتها وقصورها.

المقصود بمصنفات الخلاف العالي: الكتب التي اختصت بذكر الفروع الفقهية على مذاهب السلف وفقهاء الأمصار. وهي كثيرة في تراثنا الفقهي، منها كتب ابن المنذر الذي يعتبر من الرواد في هذا الفن، ككتاب الأوسط في السنن والإجماع والاختلاف، طبعت منه أجزاء فقط، وهو كتاب مختصر من كتاب أوسع منه للمؤلف.

ومنها كتاب الإشراف على مذاهب أهل العلم، وهو مختصر من الأوسط؛ وصلنا جزء مهم منه؛ وهو مطبوع متداول، له طبعتان: الأولى تبتدئ من كتاب الشفعة إلى آخر أبواب الفقه، والثانية: مضاف إليها كتابا النكاح والطلاق، وما يتعلق بهما.

ومن مصنفات الخلاف العالي: كتاب “التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد” لابن عبد البر، جعله مؤلفه “على حروف المعجم في أسماء شيوخ مالك” الذين روى عنهم ما في الموطأ من الأحاديث، وذكر ما له عن كل شيخ.

وكتاب: “الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار” لابن عبد البر أيضا، وهو دون التمهيد حجما، ومرتب على حسب ترتيب كتب الموطأ. وهو مطبوع متداول.

ومن هذه المؤلفات أيضا: كتاب “المحلى بالآثار” لابن حزم الظاهري، بسط فيه آراء الفقهاء، وبين نظره الظاهري في النصوص. وكتاب “المغني” لابن قدامة الحنبلي، شرح فيه مختصر أبي القاسم عمر بن الحسين بن عبد الله الخرقي الحنبلي.

أما فائدة هذا الضرب من الكتب، فإنها تختصر على الباحث الطريق، بجمع أقوال العلماء في المسألة الواحدة في مكان واحد. وقسم منها يعتني بذكر أدلة كل فريق العقلية والنقلية.

إلا أن اقتصار الباحث عليها يوقعه في مزالق منهجية وعلمية، ذلك أن أصحاب هذه الكتب – بحكم أنهم قصدوا إلى استيعاب آراء فقهاء السلف والخلف في المسألة الفقهية – كثيرا ما يخطئون في العزو، أو يذكرون القول على الإجمال، والمقام يقتضي أن يذكر على التفصيل، أو ينسبون طرفا من القول ويتركون احترازات عليه، أو يكون لأحد الصحابة أو أحد أئمة الفقه قولان أو أكثر في مسألة ما، فيقتصرون فيها على ذكر قول واحد، أو يذكرون المرجوح ويدعون الراجح.. وقد تكون نسبة القول إليه صحيحة، لكن الدليل الذي ينسبونه إليه لم يخطر له على بال.. ويعظم الخطأ عندما ينسبون إلى إمام من الأئمة قولا لم يقله، إنما خرجه أصحابه على أصوله.

وأنا ذاكر لك بعض الأمثلة:

1 – ابن قدامة في المغني يذكر أن مذهب عائشة -رضي الله عنها- اعتبار الولي شرطا في النكاح. وهذا القول صحيح النسبة إليها، لكن يصح عنها قول آخر يخالف القول الأول، ولم يذكره ابن قدامة.

2 – الأحناف ينسبون إلى علي -رضي الله عنه- عدم اعتبار الولي في النكاح، لكن روي عنه ما يخالف ذلك أيضا.

3 – نسب ابن قدامة إلى محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى أن الصبي والمجنون يخرج عنهما وليهما الزكاة. وهذا النقل غير دقيق: فالذي في كتاب اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى لأبي يوسف: “وقال ابن أبي ليلى: …على اليتامى الزكاة في أموالهم، فإن أداها الوصي عنهم فهو ضامن”.

وفسر ذلك السرخسي –وهو من المعتنين بآراء ابن أبي ليلى- في المبسوط فقال: “وكان ابن مسعود-رحمه الله تعالى- يقول: يحصي الولي أعوام اليتيم، فإذا بلغ أخبره. وهو إشارة إلى أنه تجب عليه الزكاة، وليس للولي ولاية الأداء. وهو قول ابن أبي ليلى –رحمه الله- حتى قال: إذا أداه الولي من ماله ضمن”.

4 – نقل ابن المنذر في كتابه “الأوسط” أن مذهب ابن أبي ليلى أن من نزع خفيه بعد المسح عليهما يعيد الوضوء. وهو ما رواه عبد الرزاق عن الثوري عن ابن أبي ليلى، قال: إذا نزعتهما فأعد الوضوء.

وهذا النقل عن ابن أبي ليلى صحيح. لكن له قول آخر صحيح النسبة إليه أيضا، وهو أن من نزع خفيه بعد المسح عليهما فطهارته باقية، دون أن يغسل رجليه حتى يحدث حدثا ينقض الوضوء. هذا معنى ما ذكره أبو يوسف عنه في كتابه “اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى”. وهو الذي نقله عنه ابن عبد البر في الاستذكار.

فثبت أن لابن أبي ليلى قولين في هذه المسألة. وإذا اضطررنا إلى الترجيح رجحنا ما نقله عنه أبو يوسف، لأنه أكثر لزوما له من سفيان الثوري، وأعرف بفقهه منه: فأبو يوسف هو الذي نشر فقه ابن أبي ليلى وفقه أبي حنيفة، ولولاه ما عرفا.

5 – أحيانا تكون نسبة القول إلى إمام من أئمة الفقه صحيحة، لكن التعليل الذي يذكره أتباعه لم يقله، بل المنصوص في بعض مصادر آرائه تعليل آخر.

مثال ذلك أن أبا حنيفة يرى أن المضمضة والاستنشاق واجبان في الغسل من الجنابة، مسنونان في الوضوء. قال عبد الله بن محمود الموصلي الحنفي معللا هذا الرأي: “والفرق بينه وبين الوضوء أنه مأمور بغسل الوجه في الوضوء، والمواجهة لا تقع بباطن الأنف والفم.

وفي الغسل مأمور بتطهير جميع البدن. قال الله تعالى: “وإن كنتم جنبا فاطهروا” فيحب غسل جميع ما يمكن غسله من البدن..”. معنى هذا التعليل الذي ذكره الموصلي أن المضمضة والاستنشاق في حال الغسل يخالفان حال الوضوء في القياس!

لكن محمد بن الحسن الشيباني سأل أبا حنيفة شيخه في كتابه “الأصل” عن الفرق بين الوضوء والغسل “من أين اختلفا؟”، فقال أبو حنيفة: “هما في القياس سواء، إلا أنا ندع القياس للأثر الذي جاء عن ابن عباس”.

أبو حنيفة –إذن– ينص على أنهما في القياس سواء، إلا أنه استحسن؛ والداعي إلى هذا الاستحسان أثر ابن عباس الذي رواه بسنده عنه، وهو قوله: “إذا اغتسل الجنب ونسي المضمضة والاستنشاق فليعد الوضوء بالمضمضة والاستنشاق..”.

هذه بعض الأمثلة، والمقصود من إيرادها التأكيد على أن كتب الخلاف العالي لا يعتمد عليها كثيرا في توثيق الآراء الفقهية توثيقا صحيحا.

وعلى هذا فالباحث إذا أراد توثيق مسألة فقهية أو تحقيقها بعرض آراء الفقهاء فيها، لا بد من أن يرجع إلى المصادر المعتمدة في ذلك.

ففيما يتعلق بآراء الصحابة والتابعين وأتباعهم يرجع إلى كتب المصنفات والآثار التي اعتنت بجمع أقوال السلف مسندة إلى أصحابها، كمصنف ابن أبي شيبة ومصنف عبد الرزاق، وشرح معاني الآثار للطحاوي، والسنن الكبرى للبيهقي، وسنن سعيد بن منصور.. كما تحصل الفائدة في هذا الصدد بالرجوع إلى الموطأ، لأن مؤلفه الإمام مالكا اعتنى فيه بإيراد كثير من أقوال الصحابة ومن أتى بعدهم من فقهاء المدينة وأئمتهم.

أما فقهاء الأمصار الذين اندثرت مذاهبهم، فكل واحد منهم: الأعرف بآرائه أهل بلده. وإذا كان قرينا لإمام من الأئمة المتبوعين وبلديه، فإن أتباع هذا الإمام هم الأدرى بآرائه.

فمثلا: أعلم الناس بآراء ابن أبي ليلى أتباع أبي حنيفة، خاصة أبا يوسف تلميذهما معا: فابن أبي ليلى كان قرينا لأبي حنيفة في الفقه، وكانا يقطنان معا بالكوفة. ولذلك نجد السرخسي في المبسوط يحتفل بذكر آراء ابن أبي ليلى مقرونة غالبا بأدلتها، ويحرص في بعض الأحيان على التنصيص على بعض القواعد الفقهية والأصولية التي اعتمدها ابن أبي ليلى في الاستنباط. بل تراه في المبسوط يلخص كتاب “اختلاف أبي حنيفة وابن أبي ليلى”، لأبي يوسف.

أهمية معرفة مداخل المذاهب الأربعة:

إن الباحث – باعتماده على كتب الخلاف– يكون أبعد عن التحقيق العلمي، إذا تعلق الأمر بالأئمة الأربعة، أبي حنيفة ومالك والشافعي وأحمد، فمن غير اللائق به -مثلا- أن يعتمد في نقل رأي أبي حنيفة أو مالك أو الشافعي على “المغني” لابن قدامة، بل الأجدر به أن ينقل كل رأي من المصادر المعتمدة لدى كل مذهب.

نعم، يمكن له أن يعتمد على المغني في نقل مذهب أحمد بن حنبل، لأن ابن قدامة حنبلي، ويشرح في كتابه “المغني” مختصرا معتمدا عند الحنابلة، وهو مختصر الخرقي.

لا مناص -إذن- للباحث من تحري الصحة في النقل، والأمانة في عزو الأقوال إلى أصحابها؛ وذلك بالرجوع في معرفة رأي كل مذهب إلى مظانه.

ولكن التعامل مع كتب المذاهب ليس بالأمر الهين، لأن ذلك يحتاج إلى معرفة بمداخل كل مذهب. فليس كل فقيه وإن كان طويل الباع في الفقه معتمدا في نقل ما عليه الفتوى في المذهب الذي ينتمي إليه. وليس كل كتاب، وإن كان مؤلفه جليل القدر، يصح أن ينقل منه ما عليه مذهب إمامه.

وهناك أمر بالغ الأهمية في هذا الصدد: وهو أن الباحث إذا لم يعرف مداخل كل مذهب الذي يعرفه بمصطلحاته، والكتب المعتمدة فيه، قد ينسب قولا إلى إمام المذهب، وهو لم يقل به؛ لأن كثيرا من الآراء الموجودة في كتب الفروع المنسوبة لإمام معين هي مخرجة على أصوله من قبل أتباعه. فهي تنسب إليه بهذا الاعتبار، وإن لم يقلها.

وأود أن أعطي هنا إضاءات يسترشد بها الباحث الناشئ للتعرف على هذه المداخل. وبالله التوفيق.

المدخل إلى المذهب الحنفي:

ما كتبه الأحناف بخصوص التعريف بمذهبهم ليس كثيرا، وعادة ما يكون ذلك في مقدمات كتبهم بعنوان “رسم المفتي”:

من ذلك ما كتبه الحسن بن منصور بن محمود الأوجندي المعروف بقاضي خان في مقدمة كتابه “الفتاوى”، وتقي الدين التميمي في أول كتابه “الطبقات السنية في تراجم الحنفية”، وعبد الحي بن محمد اللكنوي في مستهل كتابه “النافع الكبير لمن يطالع الجامع الصغير”، وكتابه ” الفوائد البهية في تراجم الحنفية ” وغيرها…

ولمحمد أمين بن عمر المعروف بابن عابدين منظومة نفيسة نافعة سماها “عقود رسم المفتي”، وشرحها بنفسه في كتاب صغير الحجم بعنوان “شرح عقود رسم المفتي”.
وبالنسبة للبحوث المعاصرة هناك بحث للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي بعنوان “المذهب عند الحنفية”.

إلا أن الدراسة الجامعة الوافية على حد علمي هي التي أعدها الباحث أحمد بن محمد نصير الدين النقيب بعنوان ” المذهب الحنفي”.
ولي مشاركة في هذا الموضوع بعنوان “المدخل لدراسة المذهب الحنفي” بينت فيها ما تمس حاجة الباحثين إليه في دراسة الفقه الحنفي. وأكتفي هنا بتلخيص ما بسطته هناك، وبالله التوفيق.

مراتب مسائل الأحناف:

المسائل الفقهية الموجودة في كتب الأحناف من حيث قيمتها العلمية عندهم ثلاث درجات:

الدرجة الأولى- مسائل الأصول:
وتسمى ظاهر الرواية أيضا، وهي مسائل رويت عن أصحاب المذهب، وهم: أبو حنيفة، وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن، ويقال لهم: الفقهاء الثلاثة. وقد يلحق بهم زفر بن الهذيل، والحسن بن زياد وغيرهما ممن أخذ الفقه عن أبي حنيفة، لكن الغالب الشائع في ظاهر الرواية أن يكون قول الثلاثة أو قول بعضهم.

ثم إن هذه المسائل التي تسمى بظاهر الرواية وتسمى بالأصول: هي ما وجد في كتب محمد بن الحسن التي هي “المبسوط” و”الزيادات” و”الجامع الصغير” و”الجامع الكبير” و”السير الصغير” و”السير الكبير”.

وإنما سميت بظاهر الرواية؛ لأنها رويت عن محمد بن الحسن بروايات الثقات، فهي ثابتة عنه: إما متواترة وإما مشهورة. ولأجل هذه الميزة عدت المصادر الأولى في القضاء والفتوى.

الدرجة الثانية – مسائل النوادر:

أو مسائل غير ظاهر الرواية. وهي مسائل مروية عن أصحاب المذهب المذكورين، لكن لا في الكتب الستة المذكورة، وإنما رويت في كتب أخرى لمحمد غيرها، كـ”الكيسانيات”، و”الهارونيات”، و”الرقيات”، و”الجرجانيات”.
وإنما قيل لها غير ظاهر الرواية، لأنها لم ترو عن محمد بروايات ظاهرة ثابتة صحيحة ككتب ظاهر الرواية.

ومن مسائل النوادر: المسائل الموجودة في غير كتب محمد بن الحسن، مثل كتاب المحرر للحسن بن زياد.. ومنها كتب الأمالي المروية عن أبي يوسف.
ومن النوادر كذلك ما روي بروايات مفردة في مسائل معينة، مثل رواية محمد بن سماعة، ومعلى بن منصور من أصحاب محمد وغيرهما.

الدرجة الثالثة – الفتاوى أو الواقعات:

وهي مسائل استنبطها المجتهدون المتأخرون من الأحناف لما سئلوا عن ذلك ولم يجدوا فيها رواية عن أصحاب المذهب المتقدمين، وهؤلاء هم أصحاب أبي يوسف ومحمد وأصحاب أصحابهما، وهلم جرا….فمن أصحاب أبي يوسف ومحمد: عصام بن يوسف (ت210هـ) وإبراهيم بن رستم (ت211هـ) ومحمد بن سماعة التميمي (ت233هـ) وموسى بن سليمان الجوزجاني، ومن بعدهم، مثل محمد بن سلمة، ومحمد بن مقاتل الرازي (ت242هـ)، ونصير بن يحيى (ت268هـ)، وأبي النصر قاسم بن سلام، وغيرهم كثير…
وقد يتفق لهؤلاء العلماء أن يخالفوا أصحاب المذهب لدلائل وأسباب ظهرت لهم بعدهم.

وأول كتاب جمع في فتاواهم كتاب النوازل لنصر بن محمد بن أحمد أبي الليث السمرقندي (ت373هـ). وكذلك كتاب “العيون” له، فإنه جمع صور فتاوى جماعة من المشايخ ممن أدركهم بقوله:”سئل أبو القاسم في رجل كذا أو كذا فقال: كذا وكذا، سئل محمد بن سلمة عن رجل كذا وكذا فقال: كذا وكذا، وهكذا..”.

طبقات الأحناف من حيث مكانتهم العلمية:

لا يكفي المفتي المقلد أن يفتي في مسألة بقول، بناء على أن فلانا من أصحابه قال بذلك، بل لا بد من أن يعرف مرتبته عند علماء المذهب، ويكون “على بصيرة وافية في التمييز بين القائلين المختلفين وقدرة كافية في الترجيح بين القولين المتعارضين”.

والأحناف من حيث مرتبتهم العلمية حسب تقسيم ابن كمال باشا ست طبقات:

الطبقة الأولى: طبقة المجتهدين في المذهب، كأبي يوسف يعقوب بن إبراهيم (ت182هـ أو 181هـ)، ومحمد بن الحسن الشيباني (ت189هت)، وسائر أصحاب أبي حنيفة، القادرين على استخراج الأحكام من الأدلة على مقتضى القواعد التي قررها أبو حنيفة، فإنهم وإن خالفوه في بعض الأحكام الفروعية، لكنهم يقلدونه في قواعد الأصول.

الطبقة الثانية: طبقة المجتهدين في المسائل التي لا رواية فيها عن أبي حنيفة، كأحمد بن عمرو أبي بكر الخصاف (ت261هـ)، وأحمد بن محمد بن سلامة أبي جعفر الطحاوي المتوفى سنة (321هـ)، وعبيد الله بن الحسين أبي الحسن الكرخي (ت340هـ)، وعبد العزيز بن أحمد شمس الأئمة الحلوائي (ت448 أو449هـ)، ومحمد بن أحمد أبي بكر شمس الأئمة السرخسي (ت483 هـ)، وأبي الحسن على بن محمد فخر الإسلام البزدوي (ت482هـ)، والحسن بن منصور بن محمود فخر الدين قاضي خان (ت592هـ)، وصاحب “الذخيرة” و”المحيط البرهاني”.

الصدر برهان الدين محمود بن أحمد بن عبد العزيز بن مازة البخاري (ت616هـ)، وطاهر بن أحمد بن عبد الرشيد البخاري (ت542هـ)، وأمثالهم، فإنهم لا يقدرون على مخالفة أبي حنيفة لا في الأصول ولا في الفروع، لكنهم يقدرون على الاجتهاد في المسائل التي لا نص فيها عنه، على حسب أصول قررها، ومقتضى قواعد بسطها.

الطبقة الثالثة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كأحمد بن علي أبي بكر الرازي الجصاص (ت370هـ) وأمثاله، فإنهم لا يقدون على الاجتهاد أصلا، لكنهم لإحاطتهم بالأصول وضبطهم للمأخذ يقدرون على تفصيل قول مجمل ذي وجهين، وحكم مبهم محتمل لأمرين، منقول عن صاحب المذهب، أو واحد من أصحابه المجتهدين برأيهم ونظرهم في الأصول، والمقايسة على أمثاله ونظائره من الفروع.وما وقع في بعض المواضع من “الهداية” من قوله: “كذا في تخريج الرازي”: من هذا القبيل.

الطبقة الرابعة: طبقة أصحاب التخريج من المقلدين كأحمد بن محمد أبي الحسين القدوري- بضم القاف- المتوفى سنة (428هـ)، وصاحب كتاب “الهداية” علي بن أبي بكر المرغيناني (ت593هـ)، وأمثالهما، وشأنهم تفضيل بعض الروايات على بعض آخر، بقولهم: “هذا أولى”، و”هذا أصح رواية”، و”أوضح دراية”، و”هذا أوفق للقياس” و”هذا أرفق للناس”.

ومن أهل التخريج من هذه الطبقة كذلك ابن الهمام، كمال الدين محمد بن عبد الواحد، صاحب “فتح القدير” (ت861هـ)، ومحمد بن يحيى بن مهدي أبو عبد الله الجرجاني (ت398هـ).

الطبقة الخامسة: طبقة المقلدين القادرين على التمييز بين الأقوى والقوي، والضعيف، وظاهر الرواية، والرواية النادرة، كأصحاب المتون المعتبرة، كصاحب “كنز الدقائق” عبد الله بن أحمد بن محمود أبي البركات النسفي (ت710هـ)، وصاحب “الوقاية”، وصاحب “مجمع البحرين” أحمد بن على المشهور بابن الساعاتي (ت694هـ)، وصاحب “المختار للفتوى” عبد الله بن محمود بن مودود أبي الفضل الموصلي (ت683هـ). وشأن أصحاب هذه الطبقة أن لا ينقلوا في كتبهم الأقوال المردودة والروايات الضعيفة.

الطبقة السادسة: طبقة المقلدين الذين لا يقدرون على ما ذكر، ولا يفرقون بين الغث والسمين، ولا يميزون الشمال من اليمين، بل يجمعون ما يجدون كحاطب ليل.

هذا هو التقسيم المعروف المشهور عند الأحناف، وهو تقسيم ينقصه بعض الدقة، ولم يوافقه عليه بعض محققي الأحناف؛ لأن كون أبي يوسف ومحمد مثلا يقلدان أبا حنيفة في الأصول فيه نظر، وكذلك الأمر بالنسبة لزفر بن الهذيل والحسن بن زياد. فلكل واحد من هؤلاء أصول خاصة به تفرد بها عن أبي حنيفة. فإنهم وإن انتسبوا إلى مذهبه، “لم يلتزموا قواعده كلها..” .

في هذا التقسيم كذلك نجد أبا جعفر الطحاوي ضمن الطبقة التي لا تقدر على مخالفة أبي حنيفة، لا في الأصول ولا في الفروع. والواقع أنه خالفه، وأنه لا ينزل عن مرتبة أبي يوسف ومحمد.

ومن مخالفة الطحاوي لأبي حنيفة في الفروع أن الفيء باللسان عند العجز عن الوطء في الإيلاء جائز عند أبي حنيفة، وعند الطحاوي: لا يصح الفيء باللسان أصلا.

وفي الاختيار لتعليل المختار: “ولا يجوز للجنب قراءة القرآن، لقوله عليه الصلاة والسلام: “لا يقرأ الجنب ولا الحائض شيئا من القرآن”، وعن الطحاوي: أنه يجوز له بعض آية. والحديث لا يفصل”.

كتب ظاهر الرواية:

سبق الحديث عن أن مسائل الأحناف الموضوعة عندهم في الدرجة الأولى هي المسماة بظاهر الرواية، وهي مسائل رويت عن أبي حنيفة وأبي يوسف ومحمد، وأن هذه المسائل هي ما وجد في كتب محمد، وهي: “المبسوط”، و”الزيادات”، و”الجامع الصغير”، و”الجامع الكبير”، و”السير الصغير”، و”السير الكبير”.

والآن حان الوقت للحديث، بإيجاز، عن هذه الكتب:

أ- المبسوط:
ويسمى “بالأصل”، لأن محمدا صنفه أولا، ثم صنف “الجامع الصغير”، ثم “الكبير”، ثم “الزيادات”، ثم “السير الصغير”، ثم “الكبير”.
وفي تاج التراجم، في ترجمة محمد بن الحسن: “ومن كتب محمد رحمه الله “الأصل”، أملاه على أصحابه، رواه عنه الجوزجاني وغيره”. وفي ترجمة أبي سليمان الجوزجاني:”وأصل محمد بن الحسن الموجود بأيدينا روايته عنه”.

وجاء في الطبقات السنية:”واعلم.. أن نسخ “المبسوط” المروي عن محمد متعددة، وأظهرها مبسوط أبي سليمان الجوزجاني”.

وفي رسائل ابن عابدين:”… وكثيرا ما يقولون: ذكره محمد في الأصل، ويفسره الشراح بالمبسوط، فعلم أن الأصل مفردا هو المبسوط، اشتهر به من بين باقي كتب الأصول”.

وكتاب “المبسوط” مطبوع برواية أبي سليمان الجوزجاني، أوله: “أبو سليمان الجوزجاني عن محمد بن الحسن، قال: قد بينت لكم قول أبي حنيفة، وأبي يوسف، وقولي، وما لم يكن فيه اختلاف فهو قولنا جميعا”.

ب- الجامع الصغير:
صنفه محمد بن الحسن “بعد “الأصل”، فما فيه هو المعول عليه”. رواه عن أبي يوسف عن أبي حنيفة.
وكان أبو يوسف قد طلب من محمد أن يجمع له كتابا، يرويه عنه عن أبي حنيفة، فصنف هذا الكتاب، ثم عرضه عليه فأعجبه.

وكانت لهذا الكتاب قيمة عالية عند الأحناف، حتى عد من يحفظه أحفظ الأحناف، ومن يفهمه أفهمهم، وكان المتقدمون من مشايخهم لا يقلدون أحدا القضاء حتى يمتحنوه به، فإن حفظه قلدوه القضاء وإلا أمروه بحفظه، وذكروا أن أبا يوسف مع جلالة قدره لا يفارقه في سفر ولا حضر.

وكتاب الجامع الصغير مطبوع متداول، تقرأ في مقدمته حسب النسخة المطبوعة مع شرحه “النافع الكبير” للكنوي- ما يلي:”.. وبعد، فإن محمد بن الحسن (رحمه الله) وضع كتابا في الفقه، وسماه “الجامع الصغير”، قد جمع فيه أربعين كتابا من كتب الفقه، ولم يبوب الأبواب لكل كتاب منها، كما بوب كتب “المبسوط”، ثم إن القاضي الإمام أبا طاهر الدباسبوبه ورتبه ليسهل على المتعلمين حفظه ودراسته، ثم إن الفقيه أحمد بن عبد الله بن محمود تلميذه كتبه عنه ببغداد في داره، وقرأه عليه في شهور سنة اثنين (كذا) وعشرين وثلاث مائة. والله أعلم”.
والسند في الكتاب دائما هكذا: “محمد عن يعقوب عن أبي حنيفة..”، تجد ذلك في أول كل باب.

والملاحظ أن محمدا لا يذكر أبا يوسف في هذا الكتاب إلا باسمه “يعقوب”. وينقل الأحناف أن أبا يوسف هو الذي أمره بذلك: أمره أن يذكره باسمه “يعقوب” حيث يذكر أبا حنيفة تأدبا معه، لأن الكنية (أبو يوسف) للتعظيم، فلا يناسب ذكرها مع ذكر أستاذه.

هذا وقد اعتنى الأحناف بالجامع الصغير شرحا وترتيبا ونظما، ذكر أبو الحسنات اللكنوي طائفة من هذه الشروح وعرف بأصحابها، كما ذكر بعضا ممن رتبه أو نظمه، وترجم لهم، وختم بترجمة وافية له باعتباره من شراح الجامع الصغير.

ج – الجامع الكبير:
وصف بأنه أهم مصنفات محمد “وأعمقها وأدقها”. رواه محمد عن أبي حنيفة بلا واسطة. تقرأ في حاشية ابن عابدين: “وكل تأليف لمحمد وصف بالصغير، فهو من روايته عن أبي يوسف عن الإمام، وما وصف بالكبير فروايته عن الإمام بلا واسطة”. بل إن محمدا لم يعرض الجامع الكبير على أبي يوسف. وكذلك لم يعرض عليه أي كتاب وصف بالكبير.

والجامع الكبير مطبوع. في أوله تجد: “باب الصلاة”، وذكرت فيه مسائل قليلة، ثم تجد: “باب المستحاضة” وفيه بعض المسائل، ثم تقرأ: “باب السجدة”، وفيه مسائل أيضا، ويستمر الكتاب على هذا المنوال قليلا إلى أن يصل إلى كتاب الزكاة، فيشرع في التفصيل..

وعليه شروح كثيرة، منها: شرح لفخر الإسلام البزدوي علي بن محمد (ت482هـ). وشرحه أيضا عبد الرحمن بن محمد ركن الدين أبو الفضل الكرماني (ت543هـ). وشرحه كذلك عثمان بن إبراهيم فخر الدين أبو عمرو المعروف بابن التركماني (ت731هـ)، “شرح الجامع الكبير، وأظهر أسراره بالتحرير والتحبير..”.

د – الزيادات:
قد سمي كتاب “الزيادات” بهذا الاسم لأنه زاد فيه مسائل كثيرة عن الجامع الكبير.

ومن خلال نقول السرخسي في أصوله من هذا الكتاب يتضح أن محمد بن الحسن كان يذكر الفروع مع التعليل.
من هذه الفروع: إذا أوصى بخاتم لرجل، ثم أوصى بفصه لآخر بعد ذلك في كلام مقطوع فالحلقة للموصى له بالخاتم، والفص بينهما نصفان، لأن الإيجاب الثاني في عين ما أوجبه للأول: لا يكون رجوعا عن الأول، فيجتمع في الفص وصيتان إحداهما بإيجاب عام، والأخرى بإيجاب خاص، ثم إذا ثبتت المساواة بينهما في الحكم يجعل الفص بينهما نصفين.
ومن النقول عنه كذلك ما ذكره عبد الله الموصلي الحنفي في موجبات الغسل، فيمن أدخل الحشفة في دبر: “وفي الزيادات: يجب على المفعول به احتياطا”.

يوجد كتاب “الزيادات” مخطوطا بآيا صوفيا وغيرها.. وعليه شروح.

هـ- السير الصغير: ذكر السرخسي في أول شرحه على السير الكبير أن السير الصغير وقع بيد عبد الرحمن الأوزاعي، عالم أهل الشام، فقال: لمن هذا الكتاب؟ فقيل له: لمحمد. فقال: “وما لأهل العراق والتصنيف في هذا الباب؟ فإنه لا علم لهم بالسير، ومغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه كانت من جانب الشام والحجاز دون العراق، فإنها محدثة فتحا”. فبلغ ذلك محمدا فغاظه ذلك وفرغ نفسه حتى صنف السير الكبير.
وصلنا السير الصغير في شرح شمس الأئمة محمد بن أحمد السرخسي.

و- السير الكبير:

هو آخر تصنيف لمحمد بن الحسن. وقد ذكرنا عند الحديث عن السير الصغير أن محمدا لما بلغه كلام الأوزاعي تغيظ، وفرغ نفسه حتى صنف السير الكبير. فحكي أنه لما نظر الأوزاعي في السير الكبير قال: لولا ما ضمنه من الأحاديث لقلت: إنه يضع العلم.
وإذا أطلق “السير” من كتب محمد: يراد به السير الكبير.والمقلد ملزم بالإفتاء بما في هذا التصنيف، “إلا أن يختار المشايخ المتأخرون خلافه..”.

وذكر السرخسي في أول شرحه على السير الكبير أن محمدا صنف كتابه هذا “في الفقه”، ولم يذكر فيه أبا يوسف، لأن النفرة قد استحكمت بينهما في هذه الفترة، وبقيت إلى أن مات أبو يوسف. وكلما احتاج إلى رواية حديث منه قال: “حدثني الثقة”، وهو مراده حيث يذكر هذا اللفظ.

لكن هذا الكتاب القيم وصلنا بعد تجريده من الأسانيد، وصلنا في شرح شمس الأئمة السرخسي، وهو كتاب في المغازي، مع ذكر أحكام الحرب والسلم وما يتعلق بذلك. وفي الجرح والتعديل لابن أبي حاتم ما يفيد أن الواقدي من الروافد المهمة في كتاب السير الكبير.

أشهر المتون المعتمدة في المذهب الحنفي:

من الظواهر التي يلاحظها الدارس للمذاهب الفقهية الإسلامية ظاهرة المتون. وقد توخى أصحابها من وضعها بيان القول الصحيح الذي يفتى به في المذهب، وأعرضوا- في غالب عادتهم-عن ذكر الأقوال الأخرى بغرض الاختصار، حتى يسهلوا الحفظ على الطلبة المنتسبين إلى المذهب.
هذه المتون تعد الآن من المظان المهمة بالنسبة للباحثين للتعرف على الرأي المختار في المذهب.

والعادة أن هذه المصنفات هي التي يصبح عليها مدار الدرس فيما بعد، فيعكف عليها العلماء: حفظا، وشرحا، ونظما، وتعقيبا، واستدراكا، بل وتلخيصا في بعض الأحيان!

أما فيما يخص المذهب الحنفي فلقد كان اعتماد متأخري الأحناف على متون خمسة: “الوقاية”، و”مختصر القدوري”، و”كنز الدقائق”، و”المختار”، و”مجمع البحرين”، حتى قالوا: إن العبرة بما فيها عند تعارض ما فيها وما في غيرها، لما عرفوا من جلالة قدر مؤلفيها، والتزامهم إيراد مسائل ظاهر الرواية، والمسائل التي اعتمد عليها المشايخ.

ولا يقدم ما في غيرها على ما فيها إلا إذا صرح بتصحيحه، فيقدم عليها حينئذ، لأنه تصحيح صريح، وما في المتون تصحيح التزامي، والصريح مقدم على الالتزامي.

أ – مختصر القدوري:
هو لأبي الحسين أحمد بن محمد بن جعفر القدوري -بضم القاف- البغدادي، المولود سنة (362هـ) والمتوفى سنة (428هـ)، انتهت إليه رئاسة الحنفية بالعراق.

وإذا أطلق “الكتاب” عند الأحناف فالمراد به مختصر القدوري، لشهرته عندهم وكثرة اعتمادهم عليه. ولم يحظ مختصر من مختصرات الأحناف بمثل ما حظي به هذا المختصر:شرحا ونظما، فممن شرحه عبد الرب بن منصور بن إسماعيل الغزنوي المتوفى في حدود الخمسمائة، وسمى شرحه “ملتمس الإخوان”.

وشرحه كذلك علي بن أحمد بن المكي حسام الدين الرازي المتوفى سنة (593هـ)، وسمى شرحه “خلاصة الدلائل..” ولمحمد بن أحمد بن يوسف أبي المعالي الاسبيجابي شرح نافع سماه “زاد الفقهاء”.

هذه بعض الشروح لمختصر القدوري، وهي غيض من فيض. أما الذين نظموه فنذكر منهم: محمد بن أسعد بن محمد أبا المظفر الحكيمي الواعظ المتوفى سنة (567هـ)، ومحمد بن مصطفى بن زكرياء الدوركي الصلغري المتوفى سنة (713هـ). نظمه “نظما حسنا”.

ومختصر القدوري مطبوع، تقرأ في أوله: كتاب الطهارة:

قال الله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا إذا قمتم إلى الصلاة فاغسلوا وجوهكم وأيديكم إلى المرافق وامسحوا برؤوسكم وأرجلكم إلى الكعبين): (المائدة 6) قدم في أول مختصره الدليل، وليس من عادته، وإنما صنع ذلك تبركا وتيمنا بتلاوته.

ب- المختار للفتوى:

هو لأبي الفضل مجد الدين عبد الله بن محمود بن مودود الموصلي، المولود سنة (599هـ) والمتوفى سنة (683هـ)، وصف بأنه “من أفراد الدهر في الفروع والأصول، حافظا لمسائل مشاهير الفتاوى”.

صنفه في عنفوان شبابه، ثم شرحه في كتاب سماه “الاختيار لتعليل المختار”. يقول أبو الفضل الموصلي في مقدمة المختار: “.. وبعد، فقد رغب إلي من وجب جوابه علي أن أجمع له مختصرا في الفقه على مذهب الإمام الأعظم أبي حنيفة النعمان.. مقتصرا فيه على مذهبه، معتمدا فيه على فتواه، فجمعت له هذا المختصر كما طلبه وتوخاه، وسميته “المختار للفتوى”، لإنه اختاره أكثر الفقهاء وارتضاه”، ثم قال: “ولما حفظه جماعة من الفقهاء واشتهر، وشاع ذكره بينهم وانتشر، طلب مني بعض أولاد بني أخي النجباء أن أرمزه رموزا يعرف بها مذاهب بقية الفقهاء، لتكثر فائدته، وتعم عائدته، فأجبته إلى طلبه وبادرت إلى تحصيل بغيته بعد أن استعنت بالله وتوكلت عليه واستخرته وفوضت أمري إليه، وجعلت لكل اسم من أسماء الفقهاء حرفا يدل عليه من حروف الهجاء، وهي: لأبي يوسف (س)، ولمحمد (م)، ولهما (سم)، ولزفر (ز)، وللشافعي (ف)..”.

وفي مقدمة “الاختيار” يقول أبو الفضل الموصلي “.. وبعد: فكنت جمعت في عنفوان شبابي مختصرا في الفقه لبعض المبتدئين من أصحابي وسميته بـ”المختار للفتوى”، اخترت فيه قول الإمام أبي حنيفة رضي الله عنه، إذ كان هو الأول والأولى. فلما تداولته أيدي العلماء، واشتغل به بعض الفقهاء طلبوا مني أن أشرحه شرحا أشير فيه إلى علل مسائله ومعانيها، وأبين صورها وأنبه على مبانيها، وأذكر فروعا يحتاج إليها، ويعتمد في النقل عليها، وأنقل فيه ما بين أصحابنا من الخلاف، وأعلله متوخيا موجزا فيه الإنصاف…” إلى أن قال: “وسميته: الاختيار لتعليل المختار، وزدت فيه من المسائل ما تعم به البلوى، ومن الروايات ما يحتاج إليه في الفتوى، يفتقر إليها المبتدي، ولا يستغني عنها المنتهي..”.

ج- “الوقاية” أو “وقاية الرواية في مسائل الهداية” لمحمود المحبوبي:

نقل اللكنوي عن كتاب “أعلام الأخيار” للكفوي أن صاحب “الوقاية” هو تاج الشريعة محمود بن صدر الشريعة أحمد بن عبيد الله جمال الدين العبادي المحبوبي البخاري. وأنه انتخبه من “الهداية”، صنفه لأجل ابن ابنه صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود ابن تاج الشريعة.

ثم قال اللكنوي: “وفيه (أي في أعلام الأخيار) أيضا: عبيد الله صدر الشريعة بن مسعود بن محمود تاج الشريعة صاحب “شرح الوقاية”… أخذ ا لعلم عن جده تاج الشريعة محمود. وكان ذا عناية بتقييد نفائس جده، وجمع فوائده، شرح “الوقاية” من تصانيف جده، تاج الشريعة، ثم اختصره، وسماه “النقاية”..

لكن اللكنوي، بعد أن ذكر ما نقله عن “أعلام الأخيار” قال: “والمشهور أن مصنف الوقاية جد فاسد لشارح “الوقاية”، وبه صرح القهستاني في “جامع الرموز”، حيث ذكر: أن شارح “الوقاية” صدر الشريعة عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة عمر بن صدر الشريعة، وأن صاحب “الوقاية” برهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة، أخو تاج الشريعة”.

ثم قال اللكنوي: “وكذا ذكره صاحب “كشف الظنون”: أن “الوقاية” للإمام برهان الشريعة محمود بن صدر الشريعة، صنفه لأجل ابن بنته صدر الشريعة. والله أعلم بحقيقة الحال…” .

ثم إني وجدت اللكنوي، في ترجمة جمال الدين المحبوبي عبيد الله بن أحمد بن عبدالملك المشتهر بأبي حنيفة الثاني المتوفى سنة (630هـ)، يقول: “وممن تفقه عليه ابنه شمس الدين أحمد والد تاج الشريعة صاحب “الوقاية” محمد بن أحمد جد شارح “الوقاية” عبيد الله بن مسعود بن محمود المحبوبي..” .

أما في تاج التراجم فتقرأ: “محمود بن عبيد الله بن إبراهيم تاج الشريعة، المحبوبي..له شرح “الهداية” المسمى بـ”الكفاية”، ومختصر “الهداية” المسمى بـ”الوقاية”.

ولقد اطلعت على “شرح الوقاية”، منسوبا لعبيد الله بن مسعود المشهور بصدر الشريعة على متن الوقاية لجده الإمام الأستاذ الأجل تاج الشريعة. وتقرأ في أوله، بعد الحمدلة: “يقول العبد المتوسل إلى الله تعالى بأقوى الذريعة عبيد الله بن مسعود بن تاج الشريعة، سعد جده، وأنجح جده: هذا حل المواضع المغلقة من “وقاية الرواية في مسائل الهداية”، التي ألفها جدي وأستاذي مولانا الأعظم أستاذ علماء العالم برهان الشريعة… محمود ابن صدر الشريعة”.
كيفما كان الأمر، فإن كتاب “الوقاية” مختصر مشهور، بل هو أحد المتون الثلاثة الأكثر شهرة عند الأحناف.

د – مجمع البحرين وملتقى النهرين:

هو لمظفر الدين أحمد بن علي تغلب المشهور بابن الساعاتي البعلبكي أصلا والبغدادي منشأ (ت694هـ)، نعت بأنه ” بلغ رتبة الكمال، وصار إمام العصر في العلوم الشرعية، كان ثقة حافظا متقنا، أقر له شيوخ زمانه، بأنه فارس جواد في ميدانه”.
ومختصره هذا جمع فيه بين “مختصر القدوري” و”المنطومة”()، مع زوائد. وشرحه في مجلدين.

ومن الذين شرحوه أحمد بن إبراهيم بن أيوب العينتابي الحلبي شهاب الدين أبو العباس المتوفى سنة (767هـ)، وسمى شرحه “المنبع”. وشرحه كذلك محمد بن يوسف بن إلياس، شمس الدين، القونوي، الرومي، المتوفي سنة (788هـ). شرحه “في عشرة أجزاء، وآخر ملخص منه في ستة أجزاء”، وله أيضا “كتاب “درر البحار” جمع فيه “المجمع” وزاد عليه مذهب أحمد، مع بيان وفاق الأئمة لبعضهم بعضا وخلافهم، في نحو خمس كراريس صغار”.

هـ – كنز الدقائق:

هو لأبي البركات عبد الله بن أحمد بن محمود حافظ الدين النسفي المتوفى سنة (710هـ)، نعت بأنه كان “عديم النظير في زمانه، فقيد المثيل في الأصول والفروع”.

أما كنز الدقائق فعليه شروح كثيرة، من أهمها: شرح فخر الدين عثمان بن علي الزيعلي المتوفى سنة (743هـ). شرحه، “فأجاد وأفاد، وحرر وانتقد، وصحح ما اعتمد”. وسماه “تبيين الحقائق”.

إلا أن اهتمام الزيلعي بذكر الخلاف العالي جعله يقصر في حل ألفاظ الكنز بالقدر الكافي، مما حدا بزين الدين المعروف بابن نجيم (975هـ) إلى وضع شرح للكنز سماه: “البحر الرائق”.

يقول في مقدمته: “إن كنز الدقائق للإمام حافظ الدين النسفي أحسن مختصر صنف في فقه الأئمة الحنفية، وقد وضعوا له شروحا وأحسنها “التبيين” للزيلعي، لكنه قد أطال من ذكر الخلافيات، ولم يفصح عن منطوقه ومفهومه. وقد كنت مشتغلا به من ابتداء حالي معتنيا بمفهوماته، فأحببت أن أضع عليه شرحا يفصح عن منطوقه ومفهومه، ويرد فروع الفتاوى والشروح إليهما، مع تفاريع كثيرة، وتحريرات شريعة..”.

غير أن ابن نجيم لم يكمل هذا الشرح، والنسخة المطبوعة، يقف الشرح فيها عند باب “الإجارة الفاسدة”، وهو تمام الجزء السابع، وأكمله محمد بن حسين بن علي المعروف بالطوري، وتكملته هي تمام الجزء الثامن.

كتب أخرى معتمدة أيضا:

من الكتب المعتبرة عند الأحناف كذلك “تبيين الحقائق” لفخر الدين الزيلعي (ت743هـ)، و”البحر الرائق” لزين الدين ابن نجيم (ت970هـ)، وهما شرحان لكنز الدقائق، وقد تقدم الحديث عنهما. ومنها كتاب “الهداية” لعلي بن أبي بكر بن عبد الجليل المرغيناني (ت593هـ)، وهو شرح لمختصر له أيضا يسمى: “بداية المبتدئ وكفاية المنتهي”، جمع المرغيناني في هذا المختصر بين مختصر القدوري، والجامع الصغير.

وكتاب “الهداية” مطبوع، مشهور عند الحنفية وغيرهم، معتمد، وعليه شروح كثيرة، من أهمها الشرح المسمى بـ”فتح القدير” للكمال ابن الهمام: محمد بن عبد الواحد (ت861هـ)، اخترمته المنية قبل إتمامه، وهو مطبوع متداول، وأكمله قاضي زادة (ت988هـ)، وسمى تكملته: “نتائج الأفكار في كشف الرموز والأسرار”.

ومن شروح “الهداية” كذلك كتاب “العناية” لمحمد بن محمد البابرتي (ت789هـ)، مطبوع مع شرح فتح القدير؛ وكتاب “البناية” لمحمود بن أحمد بن موسى المعروف ببدر الدين العيني (ت855هـ). وهو مطبوع.

ومن الكتب المعتمدة “ملتقى الأبحر” لإبراهيم بن محمد الحلبي المتوفى سنة (956هـ)، جمع فيه مسائل “مختصر القدوري”، و”المختار”، و”كنز الدقائق”، و”الوقاية” بعبارة سهلة، وأضاف إليه بعض ما يحتاج إليه من مسائل “مجمع البحرين”، ونبذة من “الهداية”. وهو مطبوع مع شرحه “مجمع الأنهر” للشيخ زاده: عبد الرحمن بن محمد (ت1078هـ).

هذا ومن أنفع الكتب بعد كتب محمد بن الحسن الشيباني كتاب “المبسوط” لشمس الأئمة السرخسي، فهو كتاب “لا يعمل بما يخالفه، ولا يركن إلا إليه، ولا يفتى ولا يعول إلا عليه”.
وللحنفية مبسوطات كثيرة، لكن إذا أطلق المبسوط فالمراد به مبسوط السرخسي.

اصطلاحات في المذهب الحنفي:

من العادات الشائعة في التصنيف المذهبي انفراد كل مذهب باصطلاحات خاصة به، قد تتعلق ببعض فقهاء المذهب المعروفين، أو المصنفات المشتهرة، أو بعض القضايا الأخرى.

وقد سبق الحديث عن بعض هذه المصطلحات، كمسائل ظاهر الرواية، ومسائل النوادر، وغير ذلك، ونذكر في هذه الفقرة مصطلحات أخرى غير قاصدين بذلك الاستقصاء:

بعض الفقهاء:

الحسن: يقصد به في المصنفات الحنفية الحسن بن زياد اللؤلؤي، من أصحاب أبي حنيفة (ت204هـ).
أبو حفص الكبير: يراد به: أحمد بن حفص البخاري، أخذ عن محمد بن الحسن (ت217هـ).
الإسبيجابي: هو القاضي عند الإطلاق، وهو علي بن محمد بن إسماعيل (ت535هـ).
الإسبيجابي: هو أبو المعالي محمد بن أحمد بن يوسف، توفي في أواخر القرن السادس.
الإسبيجابي: أبو نصر أحمد بن منصور، توفى حدود (480هـ).
خُـواهَرْزاده: محمد بن الحسين بن محمد (ت483هـ).

الزيلعي: هو فخر الدين أبو محمد عثمان بن علي (ت743هـ)، صاحب كتاب تبيين الحقائق، شرح كنز الدقائق.
السرخسي: إذا أطلق فالمراد به: شمس الأئمة محمد بن أحمد صاحب “المبسوط” توفي في حدود (500هـ).
شمس الأئمة: لقب بهذا اللقب جماعة من فقهاء الحنفية، منهم شمس الأئمة عبد العزيز بن أحمد الحلوائي (ت456هـ)، وشمس الأئمة السرخسي، وشمس الأئمة محمد بن عبد الستار بن محمد الكـردري (ت642هـ)، وشمس الأئمة بكر بن محمد الزرنجري، وابنه شمس الأئمة عمر بن بكر بن محمد، ومنهم شمس الأئمة البيهقي، وشمس الأئمة محمود بن عبد العزيز الأوزجندي، وكثيرا ما يلقب بشمس الإسلام(). وعند الإطلاق يراد بـ”شمس الأئمة”: السرخسي.

ظهير الدين(): لقب به جماعة: منهم ظهير الدين المرغيناني علي بن عبد العزيز، وابنه الحسن بن علي، ومنهم البخاري صاحب الفتاوى الظهيرية، وأحمد بن إسماعيل شارح الجامع الصغير..

صدر الشريعة: اشتهر به اثنان: أحمد بن عبيد الله المحبوبي، ويعرف بصدر الشريعة الأول أو الأكبر، والثاني: شارح “الوقاية” عبيد الله بن مسعود، ويعرف بصدر الشريعة الأصغر أو الثاني. وقد تقدم الحديث عنه (في الفقرة الخاصة بأشهر المتون المعتمدة).

الإمام الأعظم: أبو حنيفة.
الأئمة الثلاثة: أبو حنيفة وأبو يوسف، ومحمد بن الحسن.
الصاحبان: أبو يوسف ومحمد.
الشيخان: أبو حنيفة وأبو يوسف.
الطرفان: أبو حنيفة ومحمد.
هشام: هو هشام بن عبيد الله الرازي. في منزله مات محمد بن الحسن.

بعض المصنفات:

البزازية: الفتاوى البزازية، وتعرف “بالوجيز”.
التبيين: تبيين الحقائق في شرح كنز الدقائق، ويطلق عليه أيضا: الزيلعي.
التتمة: تتمة الفتاوى.
التجريد: لأحمد بن محمد القدوري، وللحنفية “تجريد” آخر لمحمد بن شجاع الثلجي (ت266هـ).
التصحيح: هو كتاب لقاسم بن قطلوبغا، يسمى: “الترجيح والتصحيح على القدوري”.
الحقائق: حقائق المنظومة؛ شرح لمنظومة النسفي
الخلاصة: خلاصة الدلائل في تنقيح المسائل.
الفتح: فتح القدير لابن الهمام.
الكتاب: مختصر القدوري.
الكنز: كنز الدقائق لحافظ الدين النسفي.
المجمع: مجمع البحرين لابن الساعاتي.
النهر: النهر الفائق شرح كنز الدقائق لابن نجيم.
السلف والخلف، والمتقدمون والمتأخرون:

كثيرا ما تقول الأحناف في كتبهم: هذا قول السلف، وهذا قول الخلف، وهذا قول المتقدمين، وهذا قول المتأخرين، والمقصود بالسلف عندهم: من أبي حنيفة إلى محمد، وبالخلف: من محمد إلى شمس الأئمة الحلوائي، وبالمتأخرين: من الحلوائي إلى حافظ الدين محمد بن البخاري المتوفى سنة 630هـ. قال اللكنوي: “وظني أن هذا بحسب الأكثر لا على الإطلاق”.

الرواية والقول:

قال ابن عابدين: “واعلم أن اختلاف الروايتين ليس من باب اختلاف القولين، لأن القولين نص المجتهد عليهما بخلاف الروايتين، فالاختلاف في القولين من جهة المنقول عنه لا الناقل، والاختلاف في الروايتين بالعكس…” .

خاتمة:

إن المتتبع لتاريخ المذهب الحنفي يخرج بنتيجة مهمة: وهي أن الإنتاج الفقهي الحنفي غزير جدا. مما عسر معه ضبطه ضَبطَ إنتاج المذاهب الأخرى.
والسبب في هذه الغزارة أن المذهب الحنفي انتشر انتشارا واسعا، لاسيما في بلاد العجم. فأغلب المسلمين العجم أحناف.

المدخل إلى دراسة المذهب المالكي

سبق لي أن قررت في الفقرة السابقة التي تحدت فيها عن المذهب الحنفي أن الباحث المعاصر يجد صعوبة في التعامل مع التراث الفقهي المذهبي بسبب أن لكل مذهب من المذاهب الفقهية الإسلامية اصطلاحات خاصة به، وأن ليس كل كتاب ينتمي إلى مذهب معين يحق لنا أن ننقل منه رأي ذلك المذهب. بل لابد، قبل التعامل مع أي تراث مذهبي، من الرجوع إلى الكتب التي تعرف به، وتبين اصطلاحاته، وتحدد مصادره المعتمدة من غير المعتمدة.

ولقد ألف بعض المالكية كتبا في التعريف بمذهبهم، وفريق منهم صنعوا ذلك في مقدمات كتبهم الفقهية.. من هؤلاء العلماء:

ابن فرحون في كتابه «كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب»، وإبراهيم اللقاني في كتابه «منار أصول الفتوى وقواعد الإفتاء بالأقوى»، ومحمد بن محمد الحطاب في مقدمة كتابه«مواهب الجليل لشرح مختصر خليل»، وأحمد بن عبد العزيز الهلالي في أول كتابه «نور البصر شرح المختصر»، ومحمد النابغة الغلاوي الشنقيطي في منظومته المسماة «بو طليحية»..

واهتم بالتعريف بالمذهب المالكي من المحدثين الأستاذ محمد بن الحسن الحجوي في الجزء الثاني من كتابه «الفكر السامي في تاريخ الفقه الإسلامي»، والشيخ محمد الفاضل بن عاشور في كتابيه «أعلام الفكر الإسلامي في تاريخ المغرب العربي» و«ومضات فكر»، والدكتور عمر الجيدي في كتابيه «محاضرات في تاريخ المذهب المالكي في الغرب الإسلامي» و «مباحث في المذهب المالكي بالمغرب»، والدكتور ميكلوش موراني في كتابه «دراسات في مصادر الفقه المالكي»، والدكتور محمد رياض في كتابه «أصول الفتوى والقضاء في المذهب المالكي»، والدكتور محمد إبراهيم أحمد علي في كتابه «اصطلاح المذهب عند المالكية»، والدكتور محمد العلمي في أطروحته «التصنيف الفقهي في المذهب المالكي: تاريخه وقضاياه المنهجية – الخلاف العالي نموذجا…»..

وليس قصدي في هذه الدراسة كقصد هؤلاء العلماء والباحثين وغيرهم ممن رام استقصاء إنتاج المالكية وذكر مصادره المعتمدة بتفصيل.. وإنما هدفي هو بيان ما تمس إليه حاجة الباحثين في المذهب المالكي، وإيضاح المداخل الأساسية لدراسته. وبالله بالتوفيق:

الأمهات والدواوين في المذهب المالكي:

الأمهات والدواوين هي الكتب المحتوية على المسائل التي عليها اعتماد علماء المذهب المالكي.

أما الأمهات فهي:

«المدونة»، و«المستخرجة»، و«الموازية»، و«الواضحة». وأما الدواوين فهي هذه الأمهات الأربعة،و«المبسوط»، و«المجموعة».
– المدونة: هو الكتاب الذي رواه عن عبد الرحمن بن القاسم (ت191هـ) أبو سعيد عبد السلام بن سعيد المشهور بـ سحنون (ت240هـ). وأصله لأبي عبد الله أسد بن الفرات (ت213هـ).. كانت بيده كتب أبي حنيفة، فذهب بها إلى مصر.. ولقي عبد الرحمن بن القاسم، صاحب الإمام مالك، وسأله أن يجيب فيها على مذهب مالك.. فأجاب بما حفظ عن مالك بقوله، وفيما شك قال: أخال وأحسب وأظن.. ومنه ما قال فيه: سمعته يقول في مسألة كذا: كذا، ومسألتك مثله.. ومنه ما قال فيه باجتهاده على أصل قول مالك.

ورجع أسد بهذه الكتب التي سميت بـ«الأسدية» إلى القيروان، وحصلت له بها رئاسة العلم..
ثم لما وصلت هذه الكتب إلى سحنون ارتحل بها إلى ابن القاسم فعرضها عليه، فقال له ابن القاسم: فيها شيء لابد من تغييره. وأجاب عما كان شك فيه، واستدرك منها أشياء كثيرة، لأنه كان أملاها على أسد من حفظه.. وكتب إلى أسد: أن عارض كتبك بكتب سحنون.. فلم يفعل ذلك أسد.. فيروى أن ابن القاسم لما بلغه امتناع أسد، قال: اللهم لا تبارك في الأسدية..

ثم نظر سحنون، بعد رجوعه إلى القيروان في هذه الكتب «نظرا آخر، فهذبها، وبوبها، ودونها، وألحق فيها من خلاف كبار أصحاب مالك ما اختار ذكره، وذيل أبوابها بالحديث والآثار، إلا كتبا منها مفرقة، بقيت على أصل اختلاطها في السماع. فهذه هي كتب سحنون المدونة والمختلطة، وهي أصل المذهب المرجح روايتها على غيرها عند المغاربة، وإياها اختصر مختصروهم، وشرح شارحوه، وبها مناظرتهم ومذاكرتهم. ونسيت الأسدية..».

المستخرجة من الأسمعة: وتسمى أيضا «العتبية» نسبة إلى صاحبها أبي عبد الله محمد بن أحمد بن عبد العزيز العتبي (ت255هـ).

وقد جمع العتبي في المستخرجة الأسمعة التي وصلت إليه. وهي قسمان:

الأول: أسمعة قرئت على أصحابها: كسماع يحيى بن يحيى الليثي(ت224 هـ)، وسماع أصبغ بن الفرج (ت225هـ)..
والقسم الثاني: سماعات وفتاوى كان يؤتى بها إلى العتبي فيأمر بإيرادها في المستخرجة.

وبهذا القسم اتهم العتبي بأنه كان لا يتحرى في النقل، حيث أورد في كتابه هذا الغث والسمين، والصحيح النسبة والضعيف، والمكذوب.

ومع هذا فإن المستخرجة من الأمهات المعتمدة عند المالكية بالغرب الإسلامي. بل إن أهل الأندلس اعتمدوها دون غيرها. وازدادت أهميتها وعظمت قيمتها بتوجه عناية علم من أعلام المالكية إليها، وهو أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد الجد (ت520هـ)، وذلك في كتابه المنعوت بـ: «البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليل» وهو مطبوع متداول.

– الواضحة في السنن والفقه: دون هذا الكتاب عبد الملك بن حبيب (ت238هـ)من سؤالاته وأسمعته عن بعض شيوخه عن مالك. من هؤلاء الشيوخ: عبد الله بن عبد الحكم (ت214هـ)، وأبو زيد محمد بن زيد المدني، وإسماعيل ابن أبي أويس (ت226 هـ)، وعبد الملك بن عبد العزيز الماجشون (ت212هـ)، وأبو مصعب مطرف بن عبد الله (ت220هـ) وغيرهم..
كما ضم كتاب «الواضحة» آراء ابن حبيب واختياراته وآثارا وأحاديث..

ومنهجه فيه أنه «قصد إلى بناء المذهب على معان تأدت إليه. وربما قنع بنص الروايات على ما فيها».
ولم تستمر عناية الأندلسيين بهذا الكتاب كثيرا، بل هجروه إلى العتبية، وتركوه وما سواها. كما أنه لم يكتب له البقاء كاملا حتى عصرنا، بل وصلتنا قطعة منه فقط.

الموازية: ويعرف بكتاب ابن المواز لصاحبه محمد بن إبراهيم بن زياد المعروف بابن المواز (ت281هـ).

نعت عياض الموازية بأنه كتاب مشهور كبير.. «أجل كتاب ألفه قدماء المالكيين، وأصحه مسائل، وأبسطه كلاما وأوعبه».
وقصد ابن المواز فيه يشبه قصد ابن حبيب، قصد فيه «إلى بناء فروع أصحاب المذهب على أصولهم..».
ومن مباحث الموازية جزء تكلم فيه محمد ابن المواز «على الشافعي وعلى أهل العراق بمسائل من أحسن الكلام وأنبله».

– المجموعة: وهو كتاب لأبي عبد الله محمد بن إبراهيم بن عبدوس (ت261هـ) أعجلته المنية قبل إتمامه.

هذا الديوان عبارة عن طائفة من الكتب في علوم شتي، أهمها الفقه. قال عياض: «..وألف كتبه في المذهب هذه المسماة بالمجموعة، وهو نحو الخمسين كتابا. وله أيضا أربعة أجزاء في شرح مسائل من المدونة.. وكتاب الورع، وكتاب فضائل أصحاب مالك، وكتاب مجالس مالك: أربعة أجزاء. وقد تضاف بعض هذه الكتب إلى المجموعة». وأفاد الشيرازي بأن المجموعة «كتب كالمدونة».

المبسوط أو (المبسوطة): هو للقاضي إسماعيل بن إسحاق (ت282هـ).
به تفقه أهل العراق من المالكية. وعلى طريقته في المبسوط نهجوا في التأليف والفتوى. وذكر أنه ممن بلغ رتبة الاجتهاد.
* * * *
هذا وقبل أن نختم الحديث عن هذه الدواوين يحسن بي أن أذكر هنا كتابا مهما قد جمع ما تفرق في هذه الدواوين.. أعني كتاب «النوادر والزيادات على ما في المدونة وغيرها من الأمهات»، لأبي محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني (ت386هـ)، وهو مطبوع.

كما يحسن بي أن أذكر كتابا آخر، كاد يأخذ المكانة التي أخذتها المدونة في الشهرة والاهتمام، أقصد كتاب «التهذيب في اختصار المدونة» لخلف ابن أبي القاسم البراذعي.

وكان الناس يطلقون على المدونة اسم “الكتاب”، فلما ظهر “التهذيب” هذا أصبح يطلق لفظ «الكتاب» عليه. وقال الحطاب في مواهب الجليل فيه «واشتغل الناس به حتى صار كثير من الناس يطلقون المدونة عليه».

الموسوعات الفقهية في المذهب المالكي:

بعد الحديث عن الأمهات والدواوين في المذهب المالكي أحب أن أتبع ذلك بالكلام على بعض الكتب التي رام أصحابها التوسع في استقراء الأقوال وحكاية الخلاف في المسألة الواحدة. وبعضهم قصد، فوق ذلك، إلى ذكر الخلاف خارج المذهب، والتوسع في بسط الأدلة…

وقد ذكرت من هذا النوع في خاتمة الفقرة السابقة كتاب “النوادر والزيادات” لابن أبي زيد القيرواني. وأنا ذاكر لك كتبا أخرى. وبالله التوفيق:

– شرح الرسالة، للقاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي (ت422هـ). وهو أول شرح -فيما أعلم- لرسالة ابن أبي زيد القيرواني.

ومنهجه في هذا الشرح أنه يورد نص الرسالة، ثم يشرع في شرحه، ثم يذكر أدلة المذهب ومن وافقه من فقهاء الأمصار، ثم يذكر رأي المخالفين وأدلتهم ويرد عليها، ويورد الاعتراضات على أدلة المذهب، ويجيب عنها.

توجد نسخة من الكتاب بالخزانة العامة بالرباط، برقم 625ق. وهي غير كاملة، في مجلدين، يبدأ المجلد الأول منها من كتاب الضحايا والذبائح.. ويشمل الجزء الثالث والرابع.

أما المجلد الثاني فيشمل الجزء الخامس، وفي آخره يوجد شرح المقدمة العقدية لرسالة ابن أبي زيد (باب ما تنطق به الألسنة.. ). والظاهر أن تأخيره من تصرف الناسخ. مجموع صفحات الأجزاء الثلاثة هو أربع وأربعون وسبعمائة (744). الخط مغربي رديء، لكنه واضح، وفي النسخة تصحيفات وتحريفات وسقط وبياضات..

– الممهد في شرح مختصر أبي محمد، للقاضي عبد الوهاب أيضا، وهو كتاب شرح فيه القاضي عبد الوهاب «مختصر المدونة» لأبي محمد ابن أبي زيد القيرواني.

ومنهجه فيه أنه لا يورد نص المختصر، كما صنع في شرح الرسالة، وإنما يذكر الباب، ويشرع في تفصيله بطريقته الخاصة. وقد يورد نص المختصر ضمن كلامه، وقد لا يورده. فهو ليس شرحا بالمعنى المتعارف عليه..
والظاهر أنه لم يلتزم ترتيب الكتاب المشروح أيضا حسب القطعة التي اطلعت عليها.

ومنهج القاضي عبد الوهاب في كتاب «الممهد»: أنه يذكر الباب أول الكتاب، ويذكر أصله من القرآن والسنة والقياس إن أمكن ذلك، ثم يعطف عليه المسائل والفصول.

والفروع الفقهية عنده من حيث التناول والمعالجة أربعة أقسام:

– قسم يطيل فيه النفس: فيبين رأي المذهب، ويذكر بعض من وافقه من فقهاء الأمصار، وبعض من خالفه أيضا. ثم يذكر أدلة المذهب، ويورد الاعتراضات عليها، ثم يجيب عن هذه الاعتراضات، ويذكر أدلة المخالفين أيضا ويرد عليها.
– القسم الثاني: لا يعتني فيه بإيراد ما يمكن أن يكون اعتراضا على أدلة المذهب.
– القسم الثالث: لا يذكر فيه أدلة المخالف، على غرار ما صنعه في الإشراف والمعونة.
– القسم الرابع: يقتصر فيه على بيان رأي المذهب في المسألة.

توجد قطعة من كتاب الممهد، بجامع الأزهر بمصر، برواق المغاربة، تحت رقم3010، وتوجد مصورة منه بمركز البحث العلمي بجامعة أم القرى بمكة، تحت رقم 48 مالكي.

وتقرأ في هذه القطعة كتب القراض، والمساقاة، والشركة، والوديعة، والوكالة، والعارية، والحجر، والضمان، والحوالة، والغصب، والاستحقاق، والهبات، والصدقات، والأحباس، والشفعة، والقسمة، والوصايا.

– الجامع لمسائل المدونة والأمهات، لأبي بكر محمد بـن عبد الله بن يـونس، التميمي، الصقلي، (ت451هـ).
وكان ابن يونس إماما حافظا لمذهب مالك، وأحد الأربعة الذين اعتمد عليهم الشيخ خليل في مختصره الشهير عند الترجيح.

أما كتابه «الجامع» فقد كان معتمد الفقهاء، حتى نعتوه «بمصحف المذهب لصحة مسائله». يقول ابن فرحون: «وألف.. كتابا جامعا للمدونة، أضاف إليها غيرها من الأمهات، وعليه اعتماد طلبة العلم للمذاكرة..».

وأهم مصادر ابن يونس في كتاب «الجامع»: المدونة، والمستخرجة، والموازية، والنوادر والزيادات، ومختصر المدونة لابن أبي زيد القيرواني.

والكتاب ستصدره محققا دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث بدبي. ونسخه الخطية موجودة مفرقة: بدار الحديث الحسنية بالرباط، وبالخزانة العامة بالرباط أيضا، وبخزانة القرويين بفاس.

– الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار وعلماء الأقطار فيما تضمنه الموطأ من معاني الرأي والآثار، وشرح ذلك كله بالإيجاز والاختصار للإمام الحافظ أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد القرطبي، المعروف بابن عبد البر (ت463هـ).
وهو كتاب في الخلاف العالي بامتياز، لكني أدرجته ضمن الموسوعات الفقهية في المذهب المالكي لأنه اعتنى كثيرا بآراء فقهاء المالكية، واستقصى الروايات في المسألة المختلف فيها داخل المذهب. والكتاب مطبوع.

– المنتقى شرح الموطأ لأبي الوليد سليمان بن خلف الأندلسي، المعروف بالباجي (ت474هـ):
وهو كتاب اختصره الباجي من كتاب أوفى منه، لم يصلنا، سماه «الاستيفاء». واقتصر فيه على الكلام في معاني ما تضمنه الموطأ والفقه..
– التبصرة، لأبي الحسن علي بن محمد التونسي، المعروف باللخمي (ت478هـ).

وهو عبارة عن تعليق على المدونة، مال فيه اللخمي إلى تخريج «الخلاف في المذهب، واستقراء الأقوال، وربما تبع نظره فخالف المذهب فيما ترجح عنده، فخرجت اختياراته في الكثير عن قواعد المذهب».
ومع هذا فالتبصرة كانت من الكتب المعتمدة في الفتوى.

ومن النقول عن التبصرة قول اللخمي: «واختلف في وقت قطع التلبية: فقال مالك مرة: يقطع إذا زالت الشمس. وقال: إذا زالت الشمس وراح إلى الصلاة. وقال: إذا راح إلى الموقف. وقال في كتاب محمد: إذا وقف.

وذكر أبو محمد عبد الوهاب في الإشراف: يلبي حتى يرمي جمرة العقبة. وهذا أحسن، للحديث أن النبي (ﷺ) أردف أسامة من عرفة إلى المزدلفة، وأردف الفضل من المزدلفة إلى منى، فكلاهما قالا: لم يزل يلبي حتى رمى جمرة العقبة. أخرجه البخاري ومسلم».
والكتاب ما زال مخطوطا.

– البيان والتحصيل لما في المستخرجة من التوجيه والتعليللأبي الوليد محمد بن أحمد، المعروف بابن رشد الجد (ت520هـ). ذكره القاضي عياض فقال: «ألف (أي ابن رشد) كتابه المسمى بكتاب البيان والتحصيل في شرح كتاب العتبي المستخرج من الأسمعة. وهو كتاب عظيم..».

ومنهجه في «البيان» أنه يذكر الكتاب، ثم يذكر نص «المستخرجة»، تحت عنوان «مسألة»، يبدأه عادة بقوله: «وسئل..»، ثم يشرع في الشرح.

– التنبيه على مبادئ التوجيه: لأبي الطاهر إبراهيم بن عبد الصمد المعروف بابن بشير التونسي. من علماء القرن السادس.
وهو شرح للمدونة: قال فيه ابن بشير صاحبه: «إن من أحاط به علما ترقى عن درجة التقليد». وقال في مقدمته: «إنه لما انتهض خاطري إلى شرح كتاب المدونة أردت أن أسلك فيه الإيجاز والاختصار، وتجنبت فيه التطويل والإكثار، ورغبت في حذف التكرار..» .

والكتاب ما زال لم يطبع بعد، وحقق منه الدكتور محمد بن الحسن الأجزاء الأولى إلى كتاب الزكاة. نال به درجة دكتوراه الدولة من كلية الآداب بالرباط، شعبة الدراسات الإسلامية.

– شرح التلقين للإمام أبي عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي التونسي، المازري (ت536هـ). إذا أطلق «الإمام» في المذهب المالكي، فالمراد به هو. وقال القاضي: عياض في كتابه هذا: «وليس للمالكية كتاب مثله» أي في بابه.
ومنهج المازري في الكتاب أنه يذكر المسائل مذيلة بأدلتها، ويكثر من ذكر القواعد الأصولية، وإيراد الخلاف فيها، ويذكر آراء المذاهب الأخرى..
والكتاب لم يطبع كاملا. طبعت منه أجزاؤه الأولى.

– الذخيرة في الفقه، لأحمد بن إدريس، شهاب الدين القرافي (ت684هـ).

اعتمد فيه القرافي على «المدونة» و«عقد الجواهر الثمينة» لابن شاس، و«التلقين» للقاضي عبد الوهاب، و«التفريع» لابن الجلاب، و«الرسالة» لابن أبي زيد القيرواني. مع نقول من كتب أخرى كالموازية والعتبية والمنتقى..
وهو مطبوع.
*******
هذا وهناك كتب أخرى، مبسوطة أيضا، سأذكر بعضها في المبحث الموالي، وهي عبارة عن شروح لمتون مختصرة معتمدة في المذهب المالكي، مثل الشروح التي ألفت على مختصر ابن الحاجب الفرعي، وعلى مختصر خليل.. إلا أني أريد أن أشير في خاتمة هذا المبحث إلى مؤلفات، قصد فيها مؤلفوها التوسع في نوع خاص من الفقه، وهو فقه الوثائق والأحكام، وما يتصل بذلك. وهي كثيرة في المذهب المالكي، وتعتبر من خصائصه. منها:

-كتاب «الإعلام بالمحاضر والأحكام، وما يتصل بذلك مما ينزل عند القضاة والحكام» لأبي عبد الله ابن دبوس الزناتي اليفرني المغربي، (توفي بعد عام511هـ). حقق قسمه الأول الدكتور إدريس السفياني، نال به شهادة دبلوم الدراسات العليا (الماجستير) من كلية الآداب بالرباط، شعبة الدراسات الإسلامية.

– ومنها كتاب «أحكام البرزلي» أو «جامع مسائل الأحكام مما نزل من القضايا بالمفتين والحكام»، لأبي القاسم أحمد بن محمد البرزلي التونسي (ت841هـ).

– المتون الفقهية المشهورة في المذهب المالكي:

من أهم هذه المتون:

– مختصرا أبي بكر محمد بن أبي يحيى زكرياء الوقار (ت269هـ) الكبير والصغـير، الكبير منهما -كما قال عياض- في سبعة عشر جزءا. وكان مفضلا عند أهل القيروان على مختصر عبد الله بن عبد الحكم.

– ومنها كتاب «السليمانية» لأبي الربيع سليمان بن سالم القطان القاضي، المعروف بابن الكحالة (ت281هـ).
– ومنها كتاب «الزاهي» أو «الشعباني» لأبي إسحـاق محمد بن القـاسم بن شعبان المشهور بابن شعبان (ت355هـ). وله أيضا كتاب «مختصر ما ليس في المختصر».

– ومنها كتاب «التفريع» لأبي القاسم عبيد الله بن الحسن أو (الحسين)المعروف بابن الجلاب (ت378هـ) البصري. ويعرف الكتاب أيضا باسم «الجلاب»، يقـال: «وفي الجلاب» أي التفريع. وهو مطبوع متداول. واهتم الناس به شرحا، ونظما، واختصارا(!).

– ومنها كتاب «الرسالة» لأبي محمد عبد الله ابن أبي زيد القيرواني (ت386هـ). وهو أشهر مختصر عند المالكية. ومن أول محفوظاتهم في بداية طلب الفقه. وهو مطبوع متداول، وعليه شروح. بل إن هناك من اختصره(!).

– ومنها كتاب «تلقين المبتدئ وتذكرة المنتهي» للقاضي عبد الوهاب (ت422هـ) ويعرف باسم «التلقين». وهو من أجود المختصراتوأحسنها ترتيـبا وتبويبا. وهو مطبوع مشهور متداول. وعليه شروح، من أهمها شرح الإمام المازري، طبعت منه بعض الأجزاء، وقد سلف الحديث عنه. وشرحه أيضا مؤلفه نفسه شرحا لم يتمه.

– ومنها كتاب «الكافي في فقه أهل المدينة المالكي» للإمام أبي عمر يوسف بن عبد الله بن محمد بن عبد البر القرطبي (ت463 هـ). وهو مطبوع.

– ومنها كتاب «عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة» لأبي محمد عبد الله بن نجم بن شاس (ت616هـ). وكثيرا ما تجد في كتب المالكية «قال في الجواهر» أو «وفي الجواهر..»، وهو المقصود.
والكتاب مطبوع.

– ومنها كتاب «جامع الأمهات» أو «الجامع بين الأمهات» أو «المختصر الفرعي» لأبي عمرو جمال الدين عثمان بن عمر ابن أبي بكر يونس، المعروف بابن الحاجب (ت646هـ).
وهو مطبوع()، وعليه شروح كثيرة.

– ومنها المختصر الشهير لخليل بن إسحاق بن موسى (ت776هـ) اختصر فيه مختصر ابن الحاجب الفرعي، مع زيادة فروع كثيرة أهملها ابن الحاجب، فجاء كالألغاز.
ومع ذلك فقد أصبح غاية كل فقيه مالكي، وكثير من المؤلفات الفقهية في المذهب المالكي بعده تدور عليه، شرحا وتحشية..
ووصفه الحطاب -وهو من الشارحين له- فقال: «.. كتاب صغر حجمه، وكثر علمه، وجمع فأوعى، وفاق أضرابه جنسا ونوعا، واختص بتبيين ما به الفتوى، وما هو الأرجح والأقوى، لم تسمح قريحة بمثاله، ولم ينسج ناسج على منواله. إلا أنه لفرط الإيجاز كاد يعد من جملة الألغاز..» .

– أهم أعلام المذهب المالكي المعروفين باسم الشهرة:

من الصعوبات التي قد يجدها الباحث في التراث الفقهي المالكي وجود كثير من أعلام المالكية مذكورين بألقابهم، أو كناهم، أو بالاسم الأول (محمد، عبد الوهاب..)، أومنسوبين إلى الأب أو الجد (ابن عبد الحكم..)، لذلك رأيت أن أذكر في هذه الفقرة طائفة من هؤلاء الفقهاء باسم الشهرة، ثم أبين الاسم الكامل مع ذكر تاريخ الوفاة إن أمكن.

وأشير بكلمة «مدارك» إلى أن ترجمة الفقيه المعني توجد في ترتيب المـدارك، مع التنصيص على الجزء والصفحة، وبكلمة «شجرة» إلى شجرة النور الزكية. وقد أحيل على «الغنية» للقاضي عياض، أو الديباج المذهب لابن فرحون.

ولا أعتني بذكر الخلاف في وفاة شخص إن وجد:
• ابن كنانة: أبو عمرو عثمان بن عيسى بن كنانة المدني (ت185هـ) مدارك 3/21-22.
• ابن نافع: أبو محمد عبد الله بن نافع الصائغ الأمي المدني (ت186هـ) مدارك 3/128-130. وفيه آخر، سيأتي.
• ابن القاسم: أبو عبد الله عبد الرحمن بن القاسم المصري (ت191هـ) مدارك 3/244-261.
• ابن وهب: عبد الله بن وهب بن مسلم المصري (ت197هـ) مدارك 3/ 228-243.
• أشهب: أبو عمرو مسكين بن عبد العزيز بن داود المصري (ت204هـ) مدارك3/262.
• ابن الماجشون: عبد الملك بن عبد العزيز ابن الماجشون المدني (ت212هـ)
• مدارك 3/136-144.
• ابن عبد الحكم: أبو محمد عبد الله بن عبد الحكم بن أعين المـصري (ت214هـ) مدارك 3/363. ويطلق على الابن أيضا، وسيأتي.
• أسد: أسد بن الفرات بن سنان التونسي (ت213هـ).مدارك 3/291- 309.
• ابن مسلمة: محمد بن مسلمة المخزومي المدني (ت216هـ)مدارك3/131-132.
• ابن نافع الأصغر الزبيري: أبو بكر عبد الله بن نـافع بن ثـابت المدنـي (ت216هـ) مدارك 3/145-147.
• مطرف: أبو مصعب مطرف بن عبد الله بن مطرف المدنـي (ت220هـ) مدارك 3/133-135.
• القعنبي: عبد الله بن مسلمـة بن قعنب البصري، وأصلـه من المدينـة (ت221هـ) مدارك 3/198-201.
• يحيى الليثي: يحيى بن يحيى الليثي القرطبي الأندلسي (ت224هـ) مدارك3/379-394.
• أصبغ: أصبغ بن الفرج بن سعيد المصري (ت225هـ) مدارك 4/17-22.
• أبو زيد ابن أبي الغمر: عبد الرحمـن بن عمر ابن أبي الغمـر (ت 234 هـ) مدارك 4/22-24.
• ابن حبيب: أبو مروان عبد الملك بن حبيب السلمي الأندلسي (ت238هـ) مدارك 4/122-142.
• سحنون: أبو سعيد عبد السلام بن سعيد التنوخي التونسـي (ت240هـ) مدارك 4/45-88.
• أبو مصعب: أحمد بن القاسم بن الحارث المدني (ت241هـ) مدارك 3/ 347-349.
• ابن المعذل: أحمد بن المعذل بن غيلان البصري. مدارك 4/5-14.
• العتبي: محمد بن أحمد بن عبد العزيز الأندلسي (ت255هـ) مدارك4/252-254.
• ابن عبدوس:محمد بن إبراهيم بن عبدوس(ت261هـ)مدارك4/222-228.
• ابن عبد الحكم (الابن): محمد بن عبـد الله بن عبـد الحكم المصري (ت268هـ) مدارك 4/157-165.
• الوقار: محمد بن يحيى زكرياء الوقار (ت269هـ) مدارك4/189.
• محمد: محمد بن إبراهيم، المعروف بابن المواز أيضا (ت281هـ). مدارك 4/ 167-170.
• القاضي إسماعيل: إسماعيل بن إسحاق العراقي (ت282هـ) مدارك 4/276-293.
• ابن لبابة: أبو عبد الله محمد بن عمر بن لبابة الأندلسي (ت314هـ) مدارك5/153-157.
• أبو الفرج: عمرو بن محمد بن عمرو الليثي البغدادي (ت330هـ) مدارك 5/22-23.
• ابن اللباد: أبو بكر محمد بن محمد بن وشاح التونسي (ت333هـ) مدارك 5/286-295.
• ابن شعبان: محمد بن القاسم بن شعبان المصري. ويعرف بابن القرطي أيضا (ت355هـ) مدارك 5/274-275.
• الأبهري: محمد بن عبد الله بن صالح العراقي (ت375هـ). مدارك 6/183-192.
• ابن الجلاب: أبو القاسم عبيد الله بن الحسن أو (الحسين) بن الجلاب العراقي (ت378هـ) الديباج ص237 رقم301.
• ابن أبي زيد: أبو محمد عبد الله بن عبد الرحمن القيرواني التونسي (ت386هـ) مدارك 6/215-222.
• ابن شبلون: أبو القاسم عبد الخالق بن خلف التونسي (ت390هـ). مدارك6/263.
• ابن القصار: أبو الحسن علي بن عمر بن أحمد العراقي (ت398هـ) مدارك 7/70-71.
• البراذعي: أبو سعيد خلف بن أبي القاسم محمد القيرواني التونسي (من علماء القرن الرابع) مدارك7/256-258.
• الباقلاني: أبو بكر محمد بن الطيب بن محمد العراقي، المعروف في كتب أصول الفقه باسم (القاضي) (ت403هـ) مدارك 7/44-70.
• القابسي:أبو الحسن علي بن محمد التونسي(ت403هـ)مدارك7/92-100.
• ابن الفخار: أبو عبد الله محمد بن عمر بن يوسف القرطبي (ت419هـ). مدارك7/286-289.
• أبو محمد ابن نصر: هو القاضي عبد الوهاب بن نصر البغدادي (ت422هـ). ويعرف أيضا بالقاضي أبي محمد. أو «ابن نصر»، أو «القاضي».
• أبو عمران الفاسي:محمد بن عيسى. استوطن القيروان (ت430هـ) مدارك 7/243-252.
• أبو بكر ابن عبد الرحمن: أحـمد بن عبد الرحـمن بن عبد الله التونسي (432 هـ) مدارك 7/239-242.
• أبو إسحاق التونسي: إبراهيم بن الحسن التونسي. مدارك 8/58-63.
• ابن يونس: أبو بكر محمد بن عبد الله بن يونس التميمي الصقلي (ت451هـ) الديباج ص 369 رقم502.
• ابن محرز: أبو القاسم عبد الرحمن بن محرز التونسي، توفي نحو (450هـ) مدارك 8/68.
• ابن عبد البر: أبو عمر يوسف بن عمر القرطبي (ت463هـ) مدارك 8/ 127-130.
• أبو عمر: ابن عبد البر.
• الباجي: أبو الوليد سليمان بن خلف الأندلسي (ت474هـ) مدارك 8/117-127.
• اللخمي: أبو الحسن علي بن محمد التونسي (ت478هـ) مدارك 8/109.
• ابن رشد الجد: أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القاضي الأندلسي (ت520هـ). الغنية ص 54 رقم4.
• أبوبكر الطرطوشي: محمد بن الوليد الأندلسي (ت520هـ)، ويعرف بابن أبي رندقة. وإذا أطلق لفظ «الأستاذ» فهو المقصود. الغنية ص 62 رقم7.
• المازري: أبو عبد الله محمد بن علي بن عمر التميمي التونسي. ويعرف أيضا بـ«الإمام». (ت 536هـ) الغنية 65، رقم9.
• سند: سند بن عنان بن إبراهيم الأزدي، توفي بالاسكندرية سنة (541هـ). الديباج ص 207 رقم 254.
• ابن العربي: القاضي أبو بكر محمد بن عبد الله بن محمد بن أحمد الأندلسي (ت543هـ). الغنية ص67 رقم 10.
• ابن بشير: أبو طاهر إبراهيم بن عبد الصمد بن بشير التنوخي التونسي. الديباج ص 142 رقم150.
• ابن رشد الحفيد: محمد بن أحمد بن محمد بن أحمد.. (ت595هـ). الديباج ص 378 رقم 511.
• ابن شاس: أبو محمد عبد الله بن نجم بن شاس المصري (ت616هـ). الديباج ص 229 رقم 284.
• ابن الحاجب: أبو عمرو عثمان بن عمر ابن أبي بكر المصري (ت 646هـ) الديباج ص 289 رقم 377.
• أبو العباس القرطبي: أحمد بن عمر بن إبراهيم، صاحب كتاب «المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم» (ت656هـ). الديباج ص 130 رقم 126.
• أبو عبد الله القرطبي: محمد بن أحمد ابن أبي بكر، صاحب كتاب «الجامع لأحكام القرآن» (ت671هـ) الديباج ص 406 رقم 549.
• القرافي: شهاب الدين أحمد بن إدريس المصري (ت684هـ). الديباج ص 128 رقم 124.
• ابن الحاج: يطلق على أبي عبد الله محمد بن أحمد بن خلف، قاضي الجماعة بقرطبة (ت529هـ) ترجمته في الصلة 2/580 رقم 1278، و على أبي عبد الله محمد بن محمد المغربي الفاسي، صاحب كتاب «المدخل..» (ت737هـ) الديباج ص 413 رقم 571.
• ابن عبد السلام: محمد بن عبد السلام بن يوسف الهواري، التونسي (ت749هـ) الديباج ص 418 رقم583.
• المنوفي: أبو محمد عبد الله بن محمد بن سليمان المصري (ت749هـ) شجرة ص 205 رقم 709.
• خليل: خليل بن إسحاق الجندي المصري (ت776هـ) الديباج ص 186 رقم 224.
• ابن فرحون: أبو إسحاق إبراهيم بن علي بن فرحون المدني (ت799هـ) شجرة ص222 رقم 789.
• ابن عرفة: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عرفة التونسي (ت803هـ) شجرة ص 227 رقم 817.
• بهرام: أبو البقاء بهرام بن عبد الله بن عبد العزيز المصري (ت805هـ) شجرة ص 239 رقم 859.
• الأقفهسي: عبد الله بن مقداد المصري (ت823هـ) شجرة ص 240 رقم 862.
• ابن عاصم: أبو بكر محمد بن محمد بن عاصم الغرناطي الأندلسي (ت829هـ) شجرة ص 247 رقم 891.
• المواق: أبو عبد الله محمد بن يوسف الغرناطي الأندلسي (ت897هـ) شجرة ص262 رقم961.
• التتائي: أبو عبد الله محمد بن إبراهيم المصري (ت942هـ) شجرة ص272 رقم 1008.
• الحطاب: أبو عبد الله محمد بن محمد بن عبد الرحمن المكي (ت954هـ) شجرة ص270 رقم 998.
• الأجهوري: أبو زيد عبد الرحمن بن علي المصري. له حاشية على مختصر خليل. (ت957هـ) شجرة ص 280 رقم 1051.
• النور الأجهوري: أبو الإرشاد نور الدين علي بن زين العـابدين بن محمد بن زين العابدين بن الشيخ عبدالرحمن الأجهوري. له ثلاثة شروح على مختصر خليل. (ت1066هـ) شجرة ص 303 رقم 1174.
• الزرقاني: أبو محمد عبد الباقي بن يوسف بن أحمد المصري (ت1099هـ) شجرة ص 304 رقم 1177.
• الخرشي: أبو عبد الله محمد بن عبد الله المصري (ت1101هـ) شجرة ص 317 رقم 1234.
• العدوي: علي بن أحمد بن مكرم المصري (ت1119هـ).
• البناني: أبو عبد الله محمد بن الحسن البناني الفاسي (ت1194هـ) شجرة ص 357 رقم 1426.
• الدردير: أبو البركات أحمد بن محمد الأزهري المصري (ت1201هـ) شجرة ص 359 رقم 1434.
• الدسوقي: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن عرفة المصري (ت 1230هـ) شجرة ص 361 رقم 1445.
• الأمير الكبير: أبو عبد الله محمد بن محمد بن أحمد بن عبد القادر المصري، وأصله من المغرب (ت1232هـ) شجرة ص 362 رقم 1446.
• الصاوي: أبو العباس أحمد بن محمد المصري (ت1241هـ) بالمدينة المنورة. شجرة ص 364 رقم 1448.
• عليش: أبو عبد الله محمد بن أحمد بن محمد الطرابلسي الدار، المصري القرار (ت1299هـ) شجرة ص 385 رقم 1543.

– شرح اصطلاحات ورموز في الإنتاج الفقهي المالكي:

القضاة الثلاثة: ابن القصار، وعبد الوهاب، وأبو الوليد الباجي.
القاضيان: القاضي أبو الحسن ابن القصار، والقاضي عبد الوهاب.
القاضي: عبد الوهاب.
الأخوان: مطرف وابن الماجشون .
القرينان: أشهب و عبد الله بن نافع (الصائغ)، لأن العتبي قرنهما في السماع بسبب أن ابن نافع كان أميا، وكان أشهب يكتب له.
الأشياخ: ابن أبي زيد القيرواني، والأبهري، وأبو الحسن القابسي.
الشيخان: ابن أبي زيد القيرواني وأبو بكر الأبهري.
الشيخ: ابن أبي زيد، ويعرف عندهم أيضا بأبي محمد.
القرويان: أبو عمران الفاسي، وأبو بكر ابن عبد الرحمن.
المحمدان المصريان: ابن المواز، وابن عبد الله بن عبد الحكم.
المحمدان الإفريقيان: ابن سحنون (ت256هـ)، وابن عبدوس.
الصقليان: عبد الحق بن محمد بن هارون (ت466هـ)، وابن يونس (محمد بن عبد الله).
الصقلي: ابن يونس.
حافظ المذهب: ابن رشد الجد.
الإمام: المازري.
الأستاذ: أبو بكر الطرطوشي.
أبو إسحاق: هو في اصطلاح ابن الحاجب: ابن شعبان (محمد بن القاسم).
أبو الحسن: ابن القصار.
محمد: ابن المواز.
المخزومي: أبو هاشم المغيرة بن عبد الرحمن بن الحارث (ت186هـ).

المدنيون: ابن كنانة (عثمان بن عيسى )، وابـن الماجشـون (عبـد الملك بن عبد العزيز)، ومطرف (ابن عبد الله)، وابن نافع (عبد الله الصائـغ)، وابـن مسلمة (محمد المخزومي) ونظراؤهم..

العراقيون: القاضي إسماعيل، وابن القصار، وابن الجلاب (عبيد الله)والقاضي عبد الوهاب، والقاضي أبو الفرج عمرو، والشيخ أبو بكر الأبهري، ونظراؤهم..

المصريون: عبد الرحمن بن القاسم، وأشهب بن عبد العزيز، وعبد الله بن وهب، وأصبغ بن الفرج، وعبد الله بن عبد الحكم، ونظراؤهم..

المغاربة: ابن أبي زيد القيرواني، وأبو الحسن القابسي، وأبو بكر ابن اللباد، وأبو الحسن اللخمي، وأبو الوليد الباجي، وأبو القاسم عبد الرحمن بن محرز، وابن عبد البر، وابن رشد الجد، وأبو بكر ابن العربي.

الروايات والأقوال: قال اللقاني: «الغالب عندهم أن المراد بالروايات أقوال مالك، وأن المراد بالأقوال: أقوال أصحابه، ومن بعدهم من المتأخرين كابن رشد والمازري ونحوهم (كذا)، وقد يقع بخلاف ذلك».

الشارح: إذا أطلق هذا اللفظ أحد شراح خليل أو أحد مُحشِّيه، فالمقصود به تلميذ الشيخ خليل بهرام. أما إذا أطلق هذا اللفظ شراح تحفة ابن عاصم، فالمقصود به ابن صاحب التحفة.

خاتمـة

إن الإنتاج الفقهي المالكي – بالرغم من الجهود المبذولة التي ذكرت بعضها في أول الحديث- يحتاج إلى دراسة داخلية للمؤلفات الفقهية في المذهب المالكي، ورصد تطور المذهب: أعني أن دراسة محتويات هذه المؤلفات دراسة تفصيلية له فائدة علمية عظيمة.

ذلك أن تراث المذهب المالكي له سمات خاصة تميزه عن غيره من المذاهب الثلاثة الأخرى. وأهمها ثلاث:

السمة الأولى: أن المالكية -لاسيما بالغرب الإسلامي- اعتنوا بالفروع أكثر من اعتنائهم بأصولها، والسبب في ذلك أن المذهب المالكي كان يعتلي كرسي الزعامة لا ينافسه عليه أي مذهب آخر، خاصة في المغرب الأقصى والأندلس، مما أعفى الفقهاء من الاحتفال بالتأصيل لمذهبهم والاحتجاج له احتفال أصحاب المذاهب الأخر ى.

ولذلك نجد نظار المذهب المالكي موجودين بالعراق، حيث سوق التنافس المذهبي نافقة، فنجد مثلا القاضي إسماعيل، وأبا بكر الأبهري، والباقلاني، وابن القصار، والقاضي عبد الوهاب.. فهؤلاء ونظراؤهم هم الذين نصروا المذهب، واحتجوا له، وناظروا أتباع المذاهب الأخرى بالعراق، لوجود تنافس مذهبي هناك.

السمة الثانية: أن المالكية توسعوا في التأليف في فقه التوثيق المرتبط بمعاش الناس وحاجاتهم اليومية، وفقه القضاء والنوازل..
وهذا اللون من التأليف لا يجارى فيه المالكية، لاسيما أهل الأندلس مما يجعل دراسة هذا التراث دراسة داخلية – بعد إخراجه محققا تحقيقا علميا – أمرا بالغ الأهمية.

السمة الثالثة: أن كثيرا من الفقهاء المالكية – إن لم نقل أكثرهم – بعد القرن الثامن قصروا جهودهم العلمية على كتاب واحد، هو مختصر الشيخ خليل بن إسحاق. بل آل الحال في الأزمنة المتأخرة من تاريخ المذهب المالكي إلى أن اقتصر المغاربة عليه وعلى رسالة ابن أبي زيد القيرواني.

المدخل إلى المذهب الشافعي

لقد اعتنى بعض الشافعية في مقدمات كتبهم بما يُعرَّف بمذهب إمامهم، كالإمام النووي في “المجموع”، وشمس الدين الرملي في “نهاية المحتاج”، وابن حجر الهيتمي في “تحفة المحتاج”، ومحمد الخطيب الشربيني في “مغني المحتاج”.. كما احتفل المعاصرون احتفالا بالغا بالإمام الشافعي وبالتعريف بمذهبه، فألفت في ذلك كتب كثيرة، على رأسها كتاب للشيخ محمد أبي زهرة بعنوان: “الشافعي: حياته وعصره، آراؤه وفقهه”.

وللدكتور أحمد نحراوي الأندونيسي كتاب بعنوان: “الإمام الشافعي في مذهبيه القديم والجديد”.

ومن أجمع ما اطلعت عليه كتاب الدكتور أكرم يوسف عمر القواسمي، وعنوانه “المدخل إلى مذهب الإمام الشافعي”.
ولكاتب هذه السطور إسهام في التعريف بمذهب هذا الإمام، يخص ظاهرة من ظواهر مذهبه، وهي ظاهرة القديم والجديد، وذلك في بحث بعنوان: “القديم والجديد في فقه الشافعي”.

– مصادر أقوال الشافعي:

أول مصدر لأقوال الشافعي وأدلتها كتبه الفقهية الموجودة في كتابه “الأم” والكتب الملحقة به، برواية الربيع المرادي، ككتاب اختلاف مالك والشافعي، وكتاب الرد على محمد بن الحسن الشيباني، وكتاب سير الأوزاعي، وكتاب اختلاف العراقيين وغيرها..

وهناك إشكال قد يقع للباحث، وهو أن الشافعي كان كثير الرجوع عن أقواله، فمن يدري لعل بعضا من هذه الأقوال الموجودة في الأم قد رجع عنها قبل وفاته. لكن هذا الإشكال يزول بملاحظة أن الربيع بن سليمان المرادي كان يحرص على التنصيص على الأقوال التي رجع عنها الشافعي. ثم يكتمل زوال هذا الإشكال بالاعتماد أيضا على مختصر “الأم” للمزني، وهو مطبوع مع الأم.

وهناك أقوال أخرى للشافعي لا توجد في الأم، ومظانها هي روايات التلاميذ الآخرين للشافعي كالبويطي وحرملة: وهي روايات مبثوثة في كتب الشافعية.

ولقد اعتنى البيهقي بالاستدلال لأقوال الشافعي بالأحاديث والآثار، وتكلم عن أسانيدها، وذلك في موسوعته الحديثية “السنن الكبرى”، وكتابه النفيس “معرفة السنن والآثار عن الإمام الشافعي”، وهو مخرج على ترتيب مختصر المزني، وكتاب تخريج أحاديث الأم.

وجمع البيهقي للشافعي كلامه في أحكام القرآن في كتاب بعنوان: “أحكام القرآن للشافعي”.

– أشهر رواة فقه الشافعي:

قيض الله للشافعي بعد موته رجالا نشروا مذهبه، وفي مقدمتهم أصحابه الآخذون عنه، أشهرهم الحميدي، وابن أبي الجارود، وأحمد، وأبو ثور، والكرابيسي، والزعفراني، والبويطي، والمزني، والربيع، وحرملة..

قال البيهقي: “أخبرنا أبو عبد الله بن فنجويه الدينوري، قال: حدثنا الفضل بن الفضل الكندي، قال: حدثنا زكريا بن يحيى الساجي، قال: قلت لأبي داود السجستاني: من أصحاب الشافعي؟ قال: أولهم عبد الله بن الزبير الحميدي، وأحمد بن حنبل، ويوسف بن يحيى أبو يعقوب البويطي، والربيع بن سليمان، وأبو ثور: إبراهيم بن خالد، وأبو الوليد بن أبي الجارود المكي، والحسن بن محمد الزعفراني، والحسين بن علي الكرابيسي، وإسماعيل بن يحيى المزني، وحرملة بن يحيى. قال: ورجل ليس بالمحمود أبو عبد الرحمن أحمد بن يحيى الذي يقال له: الشافعي، وذلك أنه بدل، وقال بالاعتزال”.

قال البيهقي: “وله أصحاب سوى هؤلاء أخذوا عنه، وتعلموا منه، وإنما سمى أبو داود المعروفين، والله يغفر لنا ولهم برحمته”.

وفي مغني المحتاج: “الجديد ما قاله الشافعي بمصر، تصنيفا أو إفتاء، ورواته: البويطي، والمزني، والربيع المرادي، وحرملة، ويونس بن عبد الأعلى، وعبد الله بن الزبير (يقصد الحميدي)، ومحمد بن عبد الله بن عبد الحكم الذي انتقل أخيرا إلى مذهب أبيه، وهو مذهب مالك، وغير هؤلاء. والثلاثة الأول: هم الذين تصدوا لذلك، وقاموا به، والباقون نقلت عنهم أشياء محصورة، على تفاوت بينهم. والقديم: ما قاله بالعراق تصنيفا، وهو الحجة، أو أفتى به، ورواته جماعة، وأشهرهم: الإمام أحمد بن حنبل، والزعفراني، والكرابيسي، وأبو ثور”.

إذن فرواة الشافعي قسمان: رواة القديم، وأشهرهم:

• أبو ثور إبراهيم بن خالد بن أبي اليمان البغدادي الفقيه، قيل كنيته أبو عبد الله ولقبه أبو ثور. توفي سنة 240هـ.
• ابن حنبل: أحمد بن حنبل الإمام المعروف، المتوفى سنة 242هـ.
• الكرابيسي:الحسين بن علي بن يزيد أبو علي الفقيه البغدادي، المتوفى سنة 245هـ، وقيل 248هـ.
• الزعفراني:أبو علي الحسن بن محمد بن الصباح البغدادي،المتوفىسنة 260هـ.
• ابن ابي الجارود: موسى بن أبي الجارود بن عمران أبو الوليد المكي الفقيه، لم أقف على سنة وفاته.

أما رواة الجديد فأشهرهم:

• الحميدي: أبو بكر عبد الله بن الزبير بن عيسى القرشي المكي، رحل مع الشافعي من مكة إلى مصر، ولزمه حتى مات، فرجع إلى مكة يفتي، إلى أن توفي سنة 219هـ.
• البويطي: أبو يعقوب يوسف بن يحيى المصري القرشي الفقيه، المتوفى سنة 231هـ
• حرملة بن يحيى بن عبد اله بن حرملة أبو حفص التجيبي المصري المتوفى سنة 243هـ.
• المزني: أبو إبراهيم إسماعيل بن يحيى بن إسماعيل بن عمرو المصري، المتوفى سنة 246هـ.
• يونس بن عبد الأعلى أبو موسى الصدفي المصري، المتوفى سنة 264هـ.
• محمد بن عبد الله بن عبد الحكم المصري المتوفى سنة 268هـ.
• الربيع المرادي: الربيع بن سليمان بن عبد الجبار بن كامل المرادي مولاهم، أبو محمد المصري، رواية كتب الشافعي، المتوفى سنة 270هـ.

– طريقتا الخراسانيين والعراقيين في حكاية المذهب والتصنيف فيه:

كثيرا ما نجد في كتب الشافعية مصطلحين هما: “طريقة الخراسانيين” و”طريقة العراقيين”، فيقال مثلا: هذه طريقة العراقيين، أو هذه طريقة الخراسانيين. وهما طريقتان في التصنيف وحكاية المذهب. والفرق بينهما أن طريقة العراقيين أكثر ضبطا لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه، وأعرف بأقوال متقدمي أئمة المذهب؛ وطريقة الخراسانيين أحسن تصرفا وتفريعا وترتيبا.

ومن أشهر أعلام طريقة العراقيين:

• أبو حامد الإسفراييني أحمد بن محمد بن أحمد، المتوفى سنة 406هـ.
• القاضي أبو الطيب طاهر بن عبد الله بن طاهر الطبري، المتوفى سنة 450هـ.
• أبو الحسن الماوردي علي بن محمد بن حبيب البصري المتوفى سنة 450هـ

أما أشهر أعلام طريقة الخراسانيين فهم:

• القفال الصغير أبو بكر عبد الله بن أحمد بن عبد الله المروزي، المتوفى سنة 417هـ.
• أبو محمد الجويني عبد الله بن يوسف بن عبد الله، والد إمام الحرمين الجويني، المتوفى سنة 438هـ
• القاضي حسين: أبو علي الحسين بن محمد بن أحمد المتوفى سنة 462هـ.

وهناك من جمع بين الطريقتين، يأتي على رأسهم:

• أبو علي الحسين بن شعيب بن محمد السنجي المروزي، المتوفى سنة 427هـ.
• إمام الحرمين الجويني أبو المعالي عبد الملك بن عبد الله بن يوسف المتوفى سنة 478هـ. وذلك في كتابه الحافل “نهاية المطلب في دراية المذهب”.
• أبو حامد الغزالي محمد بن محمد، المتوفى سنة 505هـ. وعلى كتبه الفقهية دارت جهود الفقهاء الشافعية من بعده، كما سيأتي في الفقرة التالية.

الكتب المعتمدة في المذهب الشافعي:

بظهور العلماء الذين جمعوا بين الطريقتين -أعني طريقة الخراسانيين وطريقة العراقيين- والذين ذكرنا بعضهم قبل قليل بدأ المذهب الشافعي يُقدم لأتباعه على نمط جديد، ينحو نحو القول الواحد الذي يمثل الراجح من المذهب.

ونضج هذا النمط مع الإمامين في المذهب: الرافعي (ت624هـ)، ثم النووي (ت676هـ)، حيث دخل المذهب الشافعي دور التحرير والتنقيح؛ وأصبحت ترجيحاتهما هي العمدة في الفتوى لمن جاء بعدهما من فقهاء الشافعية. وكانوا قبلهما يعتمدون على كتاب “المهذب” لأبي إسحاق الشيرازي (ت467هـ)، والوسيط لأبي حامد الغزالي (ت505هـ).

لقد ألف الرافعي مجموعة من الكتب في المذهب الشافعي، أشهرها ثلاثة:

1- كتاب “المحرر”، بناه على كتاب الوجيز للغزالي. قال فيه النووي: “وهو كثير الفوائد، عمدة في تحقيق المذهب، معتمد للمفتي وغيره من أولي الرغبات، وقد التزم مصنفه – رحمه الله- أن ينص على ما صححه معظم الأصحاب. ووفى بما التزمه، وهو من أهم –أو أهم- المطلوبات..”.

2 – كتاب “العزيز شرح الوجيز”. ويسمى أيضا بالشرح الكبير. وهو مطبوع متداول.
3 – كتاب الشرح الصغير، وهو أيضا شرح لكتاب “الوجيز” للغزالي.
وهذه الكتب الثلاثة هي الممثلة لمجهود الرافعي في تنقيح المذهب.

أما النووي فقد صنف أيضا كتبا في المذهب الشافعي، أهمها اثنان:

1 – منهاج الطالبين. وهو اختصار لكتاب “المحرر” للرافعي، مع ما ضمه إليه من “النفائس المستجادات”، كما قال في مقدمة “المنهاج”.
2 – المجموع. وهو شرح لكتاب “المهذب” للشيرازي. وتوسع فيه النووي بذكر الأدلة واختلاف الفقهاء، لكنه توفي قبل إتمامه. وصل فيه إلى أثناء الربا. وهو مطبوع متداول.

وهكذا استقر أمر المذهب الشافعي على ما تحصل في كتب الرافعي والنووي، لا سيما “المحرر” ومختصره “منهاج الطالبين”.. بل تكاد جهود الشافعية تنحصر في الاهتمام بكتاب “منهاج الطالبين”، على اعتبار أنه مختصر من “المحرر”، مع فوائد مهمة ضمها إليه النووي.

وبهذا أضحى علماء الشافعية يختارون قول المذهب على وفق ما هو مقرر في المنهاج. وعلى رأس هؤلاء عالمان بارزان، أولهما: أبو العباس شهاب الدين أحمد بن محمد، المعروف بابن حجر الهيتمي (ت974هـ)، صاحب تحفة المحتاج في شرح المنهاج. والثاني: شمس الدين الرملي: محمد بن أحمد بن حمزة المنوفي المصري، المشهور بالشافعي الصغير (ت1004هـ)، صاحب كتاب “نهاية المحتاج في شرح المنهاج”.

وبجهود هذين العلمين ومن سبقهما من شيوخهما عرف المذهب الشافعي ما يسمى بالتنقيح الثاني. وذلك بعد التنقيح الأول الذي قام به الرافعي والنووي. ثم دخل المذهب طور الاستقرار، واكتملت الصياغة الفقهية الكاملة له.

اصطلاحات المذهب الشافعي:

القديم: ما قاله الشافعي قبل دخوله مصر، ثم رجع عنه بمصر.
الجديد: ما قاله الشافعي أو ثبت عليه من الأقوال القديمة، ولم يرجع عنه، بعد دخوله مصر.
القول: ما قاله الشافعي في القديم أو الجديد.
الأظهر: هو الرأي الراجح من القولين أو الأقوال للإمام الشافعي. وذلك إذا كان الاختلاف بين القولين قويا، بالنظر إلى قوة دليل كل منهما، ويرجح أحدهما على الآخر، فالراجح من أقوال الشافعي حينئذ هو الأظهر ويقابله الظاهر الذي يشاركه في الظهور، لكن الأظهر أشد منه ظهورا في الرجحان.

المشهور: هو القول الراجح من القولين أو الأقوال للإمام الشافعي. وذلك إذا كان الاختلاف بين القولين ضعيفا. فالراجح من أقوال الشافعي حينئذ هو المشهور؛ ويقابله الغريب الذي ضعف دليله.

الأصحاب: الشافعية الذين بلغوا في العلم مرتبة صارت لهم بها اجتهادات خاصة في المسائل التي ليس للإمام الشافعي فيها نص، يخرجونها على أصوله. ويسمون بأهل التخريج أو أصحاب الوجوه.

الوجوه (أو الأوجه): هي اجتهادات الأصحاب المنتسبين إلى الإمام الشافعي التي استنبطوها على أصوله، ولم ينص عليها أو على خلافها.

الطرق: المقصود بها اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب، فيقول بعضهم: في المسألة قولان، أو وجهان، ويقول آخرون: لا يجوز فيها إلا قول واحد أو وجه واحد. أو يقول أحدهم: في المسألة تفصيل، ويقول آخر: فيها خلاف مطلق.

المذهب: يطلق على الرأي الراجح في حكاية المذهب، وذلك عند اختلاف الأصحاب في حكايته، بذكرهم طريقتين أو أكثر، فيختار المصنف ما هو الراجح منها، ويقول: “على المذهب”..

الأصح: هو الرأي الراجح من الوجهين أو الوجوه للأصحاب. وذلك إذا كان الاختلاف بين الوجهين- أو الأوجه-قويا، بالنظر إلى قوة دليل كل منهما، ويرجح أحدهما على الآخر، فالراجح من الوجوه حينئذ هو الأصح، ويقابله الصحيح الذي شاركه في الصحة..

ومن الجدير بالذكر هنا أن الإمام أبا حامد الغزالي ومن قبله من الشافعية يستعملون في مصنفاتهم مصطلحي الأصح والصحيح للترجيح بين وجوه الأصحاب، وللترجيح أيضا بين أقوال الإمام الشافعي، مما يعني أن مصطلح الأصح يرادف مصطلح الأظهر، ومصطلح الصحيح يرادف مصطلح الظاهر عندهم.

وبالجملة فما سقناه قبل وما سنسوقه من اصطلاحات يشير إلى ما استقر عليه الأمر في المذهب الشافعي. وهذه الملاحظة في الحقيقة تنسحب على باقي المذاهب الثلاثة الأخرى. والله أعلم.

الصحيح: هو الرأي الراجح من الوجهين أو الوجوه للأصحاب. وذلك إذا كان الاختلاف بين الوجهين ضعيفا، بأن كان المرجوح منهما في غاية الضعف، فالراجح من الوجوه حينئذ هو الصحيح، ويقابله الضعيف أو الفاسد. ويعبر عنه بقولهم: “وفي وجه كذا..”.

النص: هو القول المنصوص عليه في كتب الإمام الشافعي. ويسمى نصا لأنه مرفوع القدر بتنصيص الإمام عليه. ويقابله القول المخرج.
***
الإمام: إمام الحرمين الجويني: عبد الملك بن عبد الله بن يوسف (ت478هـ).
القاضي: حسين بن محمد بن أحمد أبو علي (ت462هـ).
القاضيان: الروياني (ت502هـ)، والماوردي (ت450هـ).
الربيع: الربيع بن سليمان المرادي، وإذا أرادوا الربيع بن سليمان الجيزي قيدوه به.
الشارح: بالتعريف أو الشارح المحقق: جلال الدين المحلي أبو عبد الله محمد بن أحمد (ت864هـ). وهو أحد شراح “منهاج الطالبيين” للنووي.
الشيخان: النووي والرافعي.
الشيوخ: النووي والرافعي وتقي الدين السبكي: أبو الحسن علي بن عبد الكافي (ت756هـ).
شيخنا: إذا أطلق هذا المصطلح الخطيب الشربيني (ت977هـ) وشمس الدين الرملي (ت1004هـ) في مصنفاتهما فالمراد به شيخ الإسلام زكريا الأنصاري (ت926هـ).
شيخي: حيث أطلقه الخطيب الشربيني فمراده شهاب الدين الرملي (ت957)هـ
أبو العباس: هو عند الشيرازي في كتابه “المهذب” ابن سريج (ت306هـ).
أبو سعيد: هو عند الشيرازي في “المهذب”: الاصطخري (ت328هـ).
القفال: هو عند النووي في المجموع “القفال المروزي” (ت417هـ) ، وإذا أراد “القفال الشاشي” قيده بالشاشي (ت365هـ) .
المحمدون: محمد بن نصر المروزي (ت294هـ)، ومحمد بن إبراهيم بن المنذر (ت310هـ)، ومحمد بن جرير الطبري (ت310هـ)، ومحمد بن إسحاق بن خزيمة (ت311هـ) وهم مجتهدون مطلقون ينتسبون إلى مذهب الشافعي.

خاتمة

امتاز المذهب الشافعي بميزتين بارزتين:
الأولى: ارتباط معظم المصنفات الفقهية بعضها ببعض في حلقات متصلة: فنجد في أول الحلقة مختصر المزني، الذي شرحه إمام الحرمين الجويني في “نهاية المطلب في دراية المذهب”، ثم جاء تلميذه الغزالي فاختصر نهاية المطلب في “البسيط”، ثم اختصر البسيط في “الوسيط”، ثم اختصر من “الوسيط” كتابه “الوجيز” فجاء الرافعي فاختصر “الوجيز” في “المحرر”، ثم جاء النووي فاختصر من “المحرر” كتابه “منهاج الطالبين” الذي دارت جهود الشافعية بعد ذلك حوله شرحا وتحشية وتنكيتا.

الميزة الثانية: أنه في كل دور من أدوار التطور التاريخي للمذهب الشافعي نجد كتابا فقهيا أو أكثر يكون محور اهتمام الشافعية تدريسا وتعليما أو شرحا وتنقيحا.

المدخل إلى المذهب الحنبلي

لا أعرف مؤلفا قديما خصصه صاحبه للتعريف بالمذهب الحنبلي، عدا بعض متأخري الحنابلة الذين ذكروا بعض ما يتعلق بذلك في كتبهم الفقهية، كعلاء الدين المرداوي في صدر كتابه “الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف” وفي خاتمته؛ وكابن المبرد الصالحي في “مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام”، ذكر فيه بعض الاصطلاحات في المذهب، بعد مباحث تتعلق بأصول الدين، ومعرفة الإعراب، وأصول الفقه، وبما يستعمل من الأدب.

لكنه لما تبنت المملكة العربية السعودية هذا المذهب تكونت لدى بعض علمائه المعاصرين قناعة بضرورة التأليف في التعريف برجاله وكتبه المعتمدة ومصطلحاته. ومن أهم هذه المؤلفات “المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن محمد بن حنبل” للشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي (ت1346هـ)، و”المدخل المفصل إلى مذهب أحمد بن حنبل المبجل” للشيخ بكر أبي زيد..
وأنا ذاكر لك في هذه الفقرة بعض ما تمس الحاجة إليه بخصوص هذا المذهب. وبالله التوفيق.

أبرز رواة المذهب الحنبلي.

نص ابن القيم في أعلام الموقعين على أن أحمد بن حنبل كان “شديد الكراهية لتصنيف الكتب، وكان يحب تجريد الحديث، ويكره أن يكتب كلامه، ويشتد عليه جدا، فعلم الله حسن نيته وقصده، فكتب من كلامه وفتاواه أكثر من ثلاثين سفرا، ومن الله سبحانه علينا بأكثرها، فلم يفتنا منها إلا القليل. وجمع الخلالنصوصه في الجامع الكبير، فبلغ نحو عشرين سفرا أو أكثر، ورويت فتاويه ومسائله، وحُدِّث بها قرنا بعد قرن”.

والرواة عن أحمد بن حنبل كثر، من أبرزهم:

صالح بن أحمد بن حنبل (ت266هـ): وهو أكبر أولاده، وسمع منه مسائل كثيرة، وكان الناس يكتبون إليه من البلدان، يسألونه عن مسائل أبيه.
عبد الله بن أحمد بن حنبل (ت290هـ): سمع من أبيه أكثر مما سمع أخوه صالح، الذي كان مشغولا بعياله. وقال ابن أبي يعلى في طبقاته: “..وقع لعبد الله عن أبيه مسائل جياد كثيرة، يغرب منها بأشياء كثيرة في الأحكام، فأما العلل فقد جود عنه، وجاء عنه بما لم يجئ به غيره”.

أحمد بن محمد بن هانئ الأثرم: الفقيه الحافظ، صاحب السنن عن أحمد بن حنبل وغيره، قال ابن أبي يعلى: “نقل عن إمامنامسائل كثيرة، وصنفها ورتبها أبوابا”، وتوفي بعد الستين ومائتين.

أحمد بن محمد بن الحجاج، أبو بكر المروذي (ت275هـ): قد روى عن أحمد مسائل كثيرة.

إسماعيل بن سعيد الشالنجي: ذكره أبو بكر الخلال، فقال: “عنده مسائل كثيرة، ما أحسب أن أحدا من أصحاب أبي عبد الله روى عنه أحسن مما روى هذا، ولا أشبع، ولا أكثر مسائل منه..”.
حرب بن إسماعيل بن خلف الكراني (ت280هـ): نقل عن الإمام أحمد مسائل كثيرة.

إبراهيم بن إسحاق الحربي (ت285هـ): روى عن أحمد مسائل كثيرة، ذكر بعضا منها ابن أبي يعلى في خلال ترجمته.

أما جامعوا فقه الإمام أحمد بن حنبل في كتب، فأذكر منهم:

أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر الخلال (ت311هـ): سمع من شيوخه مسائل أحمد أثناء رحلاته إليهم، “فنال منها وسبق إلى ما لم يسبقه إليه سابق، ولم يلحقه بعده لاحق، وكان شيوخ المذهب يشهدون له بالفضل والتقدم”.

عمر بن الحسين الخرقي (ت334هـ): صاحب المختصر المشهور. قال ابن أبي يعلى: “له المصنفات الكثيرة في المذهب، لم ينتشر منها إلا المختصر في الفقه، لأنه خرج عن مدينة السلام لما ظهر سب الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وأودع كتبه في درب سليمان، فاحترقت الدار التي كانت فيها الكتب، ولم تكن انتشرت، لبعده عن البلد”.
عبد العزيز بن جعفر، غلام الخلال (ت363هـ): له في الفقه “الشافي” و”التنبيه” و”المقنع” و”زاد المسافر”. قال ابن بدران: “وكثيرا ما يقول أصحابنا: قاله أبو بكر عبد العزيز في “الشافي”، ونحو هذه العبارة”.

أبرز أسماء الأعلام وأوصافهم التي تذكر في مصنفات الحنابلة.

ابن المنادي: هو أحمد بن جعفر بن محمد بن عبيد الله (ت336هـ).
ابن قاضي الجبل: أحمد بن الحسن بن عبد الله بن أبي عمر المقدسي، من بني قدامة (ت771هـ).
ابن حمدان: أحمد بن حمدان بن شبيب بن حمدان النميري الحراني (ت695هـ).
أبو بكر النجاد: أحمد بن سلمان بن الحسن بن إسرائيل بن يونس المحدث (ت348هـ).
الأثرم: أحمد بن محمد بن هانئ الطائي، الفقيه الحافظ، صاحب السنن عن أحمد بن حنبل وغيره، مات بعد الستين ومائتين.

الخلال: أحمد بن محمد بن هارون، أبو بكر. وهو الذي جمع في كتابه الروايات عن الإمام أحمد (ت311هـ).
ابن نصر الله: أحمد بن نصر الله بن أحمد بن محمد بن عمر، شيخ المذهب، ومفتي الديار المصرية (ت844هـ).
الحربي: إبراهيم بن إسحاق بن إبراهيم. أحد الناقلين مذهب أحمد (ت285هـ).
ابن شاقلا: بسكون القاف وفتح اللام، وهو إبراهيم بن أحمد بن عمر بن حمدان بن شاقلا (ت369هـ).
ابن البناء: الحسن بن أحمد بن عبد الله بن البناء (ت471هـ).

ابن شيخ السلامية: حمزة بن موسى بن أحمد بن الحسين بن بدران (ت769هـ).
الطوفي: سليمان بن عبد القوي بن عبد الكريم بن سعيد (ت716هـ).
موفق الدين: عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي صاحب “المغني” (ت620هـ).
ابن رزين: عبد الرحمن بن رزين بن عبد الله بن نصر بن عبيد (ت656هـ).
غلام الخلال: عبد العزيز بن جعفر بن أحمد بن يزداد، أبو بكر، الإمام المحدث، الفقيه (ت363هـ).
الشريف أبو جعفر: الهاشمي العباسي، عبد الخالق بن عيسى بن أحمد بن أبي موسى (ت470هـ).

المجد: عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم، جد شيخ الإسلام ابن تيمية (ت652هـ).
ابن الزغواني: علي بن عبيد الله بن نصر بن السري، الزغواني، أحد أعيان المذهب الحنبلي (ت527هـ).
ابن عبدوس: علي بن عمر بن أحمد بن عمار بن أحمد بن علي بن عبدوس الحراني (ت559هـ).
ابن عقيل: علي بن محمد بن عقيل الإمام، الفقيه، الأصولي (ت513هـ).

الخرقي: بكسر الخاء المعجمة وفتح الراء، عمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد (ت334هـ).
البوشنجي: محمد بن إبراهيم بن سعيد بن موسى، أحد الناقلين الروايات عن الإمام أحمد (ت290هـ).
ابن أبي موسى: محمد بن أحمد بن أبي موسى الهاشمي (ت428هـ).
ابن تميم: محمد بن تميم الحراني (ت675هـ).

الآجري: بمد الهمزة، وضم الجيم، وتشديد الراء المهملة، محمد بن الحسن بن عبد الله (ت360هـ).
أبو يعلى: محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء (ت458هـ).
الخلواني: محمد بن علي بن محمد بن عثمان بن مراق الحلواني (ت505هـ).
أبو يعلى الصغير: محمد بن محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، وهو ابن أبي يعلى المتقدم، وصاحب طبقات الفقهاء الحنابلة (ت526هـ).

الزركشي: محمد بن عبد الله بن محمد الزركشي المصري (ت774هـ).
أبو الخطاب: محفوظ بن أحمد بن الحسن بن أحمد الكلوذاني (ت510هـ).
ابن المُنَجا: مُنجا بن عثمان بن أسعد بن المنجا التنوخي (ت695هـ).
المروَزي: هَيذام بن قتيبة، أحد الناقلين مذهب الإمام أحمد عنه (ت274هـ).
ابن الصيرفي: يحيى بن أبي منصور بن أبي الفتح بن رافع بن علي الحراني، الفقيه المحدث (ت678هـ).
الأزجي: يحيى بن يحيى الأزجي، توفي بعد 600 هـ بقليل.
ابن قُندُس: أبو بكر بن إبراهيم بن قندس، تقي الدين البعلي (ت861هـ).

أبو يعلى: ينصرف عند الإطلاق إلى القاضي أبي يعلى. وإذا أرادوا ابنه محمد صاحب “طبقات الفقهاء الحنابلة” قيدوه بـ “الصغير”.
القاضي: يطلقه الحنابلة منذ عصر القاضي أبي يعلى إلى أثناء المائة الثامنة على محمد بن الحسين بن محمد بن خلف بن أحمد بن الفراء، الملقب بأبي يعلى (ت458هـ). وأما المتأخرون كصاحب “الإقناع” و”المنتهى” ومن بعدهما، فيطلقون لفظ “القاضي” ويريدون به علاء الدين علي بن سليمان السعدي المرداوي (ت885هـ).

المنقِّح: لقب به القاضي علاء الدين علي بن سليمان المرداوي، لأنه نقح “المقنع” في كتابه “التنقيح المشبع”. ويسمونه: “المجتهد في تصحيح المذهب.”

الشيخ: هو عند المتأخرين: موفق الدين أبو محمد عبد الله بن أحمد بن محمد بن قدامة المقدسي (ت620هـ) .
الشيخان: ابن قدامة، ومجد الدين عبد السلام بن عبد الله بن أبي القاسم، المعروف بابن تيمية (الجد).
الشارح وصاحب الشرح: المقصود به: الشيخ شمس الدين عبد الرحمن ابن الشيخ أبي عمرو المقدسي (ت682هـ). وهو ابن أخي موفق الدين ابن قدامة وتلميذه. واشتهر بذلك لأنه شرح كتاب “المقنع” لابن قدامة. وإذا أطلق “الشرح”، فالمقصود به الكتاب الذي شرح فيه “المقنع”.

أهم الكتب الفقهية المشهورة في المذهب الحنبلي:

1) مختصر الخرقي: لعمر بن الحسين بن عبد الله بن أحمد (ت 334هـ).
وهذا المختصر هو أشهر المختصرات عند الحنابلة، ولم يخدم كتاب في المذهب الحنبلي مثل ما خدم. فله شروح كثيرة أهمها كتاب “المغني” لابن قدامة. وهو مطبوع متداول.

2) المستوعب: بكسر العين المهملة، لمجتهد المذهب محمد بن عبد الله بن الحسين السامري -بضم الميم وتشديد الراء- (ت 616 هـ)، جمع فيه “مختصر الخرقي”، و”التنبيه” للخلال و”الإرشاد” لابن أبي موسى، و”الجامع الصغير” و”الخصال” للقاضي أبي يعلى، و”الخصال” لابن البناء، وكتاب “الهداية” لأبي الخطاب، و”التذكرة” لابن عقيل.

وزاد المؤلف على هذه الكتب مسائل وروايات، نقلها من “الشافي” لغلام الخلال، و”المجرد” لابن البناء، و”كفاية المفتي” لابن عقيل، وغيرها من كتب المذهب. فجاء كتابا “مختصر الألفاظ، كثير الفوائد والمعاني”، وهو عند ابن بدران ” أحسن متن صنف في مذهب الإمام أحمد وأجمعه “.

3) الكافي: هو لموفق الدين ابن قدامة صاحب “المغني”، يذكر فيه الفروع الفقهية؛ وكثيرا ما يذكر الأدلة عليها.
4) العمدة: كتاب مختصر في الفقه لابن قدامة أيضا. جرى فيه على قول واحد مما اختاره. قال ابن قدامة: “واقتصرت فيه على قول واحد ليكون عمدة لقارئه، فلا يلتبس الصواب عليه باختلاف الوجوه والروايات”.

5) مختصر ابن تميم: لمحمد بن تميم الحراني. ” يذكر فيه الروايات عن الإمام أحمد وخلاف الأصحاب، ويذهب فيه تارة مذهب التفريع، وآونة إلى الترجيح، وهو كتاب نافع جدا لمن يريد الاطلاع على اختيارات الأصحاب، لكنه لم يكمل، بل وصل فيه مؤلفه إلى أثناء كتاب الزكاة..”.

6) رؤوس المسائل: للشريف أبي جعفر المذكور سالفا. “وطريقته فيه أنه يذكر المسائل التي خالف فيها الإمام أحمد واحدا من الأئمة أو أكثر، ثم يذكر الأدلة منتصرا للإمام، ويذكر الموافق له في تلك المسألة، بحيث إن من تأمل كتابه وجده مصححا للمذهب، وذاهبا من أقوالها المذهب المختار”.

7) الهداية: لأبي الخطاب الكلوذاني، يذكر فيه المسائل الفقهية والروايات عن أحمد.. وحذا فيه حذو المجتهدين في المذهب المصححين لروايات إمامه أحمد بن حنبل. وإذا قال أبو الخطاب في هذا الكتاب “شيخنا” فمراده به القاضي أبو يعلى.

8) التذكرة: لأبي الوفاء علي بن عقيل. جرى فيه على قول واحد مما اختاره وصححه. ويذكر فيه أحيانا الأدلة.
9) المحرر: لمجد الدين عبد السلام ابن تيمية، حذا فيه حذو “الهداية” لأبي الخطاب.
10) المقنع: لموفق الدين ابن قدامة. جعله وسطا بين القصير والطويل، جامعا لأكثر الأحكام دون ذكر أدلتها، غير أنه يذكر الروايات عن الإمام أحمد.

11) الفروع: لشمس الدين أبي عبد الله محمد بن مفلح (ت 763 هـ) يذكر فيه المسائل الفقهية مجردة من دليلها، ويقدم الراجح في المذهب، وله اصطلاح خاص ذكره في أول الكتاب. ولا يقتصر على مذهب أحمد، بل يشير إلى خلاف الأئمة الثلاثة مالك والشافعي وأبي حنيفة وغيرهم. وأحيانا يذكر الأدلة.

12) الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف: لعلاء الدين علي بن سليمان المرداوي. أحد أركان المذهب الحنبلي. ألفه على كتاب “المقنع” لموفق الدين ابن قدامة، وبين فيه كما نص على ذلك في مقدمته “الصحيح من المذهب والمشهور والمعمول عليه والمنصور، وما اعتمده أكثر الأصحاب”.

13) مغني ذوي الأفهام عن الكتب الكثيرة في الأحكام: للعلامة المحدث يوسف بن حسن بن أحمد بن عبد الهادي، الشهير بابن المبرد الصالحي. من تلامذة القاضي علاء الدين المرداوي المتوفى سنة 885هـ. ذكر في أوله مباحث تتعلق بأصول الدين ومعرفة الإعراب وأصول الفقه، وبما يستعمل من الأدب. ثم أتبع ذلك ببعض الاصطلاحات في المذهب، ثم استرسل في الفروع الفقهية على نمط وجيز، ثم أتمه بقواعد كلية يترتب عليها مسائل جزئية. قال ابن بدران: ” لكن ما ذكره من الفنون في صدره لا يفيد إلا فائدة قليلة جدا، وسلك في الفقه مسلكا غريبا..”.

14) منتهى الإرادات في جمع “المقنع” مع “التنقيح” وزيادات: لتقي الدين محمد بن العلامة شهاب الدين أحمد بن عبد العزيز بن علي الفتوحي الشهير بابن النجار (ت 972هـ). هذا الكتاب هو عمدة متأخري الحنابلة.
15) الإقناع لطالب الانتفاع: لموسى بن أحمد بن موسى بن سالم بن عيسى الحجاوي (ت968هـ)، هو المعول عليه في مذهب أحمد في الديار الشامية.

16) دليل الطالب: متن مختصر مشهور، تأليف مرعي بن يوسف بن أبي بكر بن أحمد الكرمي، ثم المقدسي (ت1033هـ)، أحد كبار علماء المذهب الحنبلي بمصر.

خاتمة

هناك ميزة أساسية يلحظها الباحث عند الأئمة الكبار في المذهب الحنبلي، وهي مراعاتهم طبقات المتلقين ومستوياتهم عند التصنيف، وهكذا وجدنا ابن قدامة يؤلف للمبتدئين “العمدة”، ثم ألف لمن ارتقى عن درجة المبتدئين ولم يصل إلى درجة المتوسطين “المقنع”، وضعه مجردا عن الدليل، لكنه يذكر الروايات عن الإمام أحمد. ثم صنف للمتوسطين “الكافي”، وذكر فيه كثيرا من الأدلة. ثم وضع “المغني” لمن ارتقى عن درجة المتوسطين، وتشوف إلى درجة الاجتهاد المطلق، فذكر فيه الروايات وخلاف فقهاء الأمصار وأدلتهم.

قال ابن بدران: “فهذه هي مقاصد ذلك الإمام في مؤلفاته الأربعة. وذلك ظاهر من مسالكه لمن تدبرها. بل هي مقاصد أئمتنا الكبار كأبي يعلى، وابن عقيل، وابن حامد، وغيرهم..”

لائحة المصادر والمراجع

أهم المصادر والمراجع:

• الاختيار لتعليل المختار لعبد الله بن محمود الموصلي (ت683هـ)، دار المعرفة. ط:3/1395هـ-1975م.
• اصطلاح المذهب عند المالكية، للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث ط1/1421هـ – 2000م.
• أصول السرخسي لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي. دار المعرفة 1973م-1393هـ.
• اعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، بتحقيق عصام الدين الصبابطي، دار الحديث، القاهرة، ط1/1414هـ-1993م.
• الأنساب لأبي سعد عبد الكريم بن محمد السمعاني (ت562هـ). الناشر محمد أمين دمج- بيروت لبنان. ط2/1400هـ-1980م.
• الأم للإمام الشافعي، د طار الفكر، 1410هـ-1990م.
• الإنصاف في معرفة الراجح من الخلاف، لعلاء الدين أبي الحسن علي بن سليمان المرداوي (ت885هـ).
• البحر الرائق شرح كنز الدقائق لزين الدين بن إبراهيم بن محمد بن نجيم (ت970هـ). دار المعرفة. بيروت. وبهامشه الحاشية المسماة “منحة الخالق على البحر الرائق” لابن عابدين.
• البناية في شرح الهداية لأبي محمد محمود العيني (ت855هـ) تحقيق أيمن صالح شعبان ط:1/1420هـ-2000م. دار الكتب العلمية.
• البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل في مسائل المستخرجة، لأبي الوليد ابن رشد الجد (ت520هـ)،تحقيق مجموعة من الباحثين ط 2/1408هـ – 1988م.
• تاج التراجم لقاسم بن قطلوبغا (ت879هـ) تحقيق إبراهيم صالح. دار المأمون للتراث ط:1: 1412-1992.
• تاريخ التراث العربي لفؤاد سزكين. الهيئة المصرية العامة للكتاب 1978م.
• تاريخ بغداد للخطيب البغدادي، دار الكتاب العربي، بيروت.
• تاريخ علماء الأندلس لأبي الوليد ابن الفرضي (ت403 هـ)، الدار المصرية للتأليف والترجمة 1966 م.
• التبصرة لأبي الحسن علي بن محمد المعروف باللخمي (ت478هـ)، مخطوط. مكتبة الجامع الأعظم بتازة (المغرب) رقم 610.
• تبيين الحقائق لعثمان بن علي الزيلعي (ت743هـ) دار المعرفة.
• تحفة الفقهاء لعلاء الدين السمرقندي (ت539هـ) دار الكتب العلمية ط: 2/1414هـ-1993م.
• ترتيب المدارك وتقريب المسالك بمعرفة أعلام مذهب مالك، للقاضي عياض (ت 544هـ)، طبعة وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية بالمغرب.
• التصنيف الفقهي في المذهب المالكي: تاريخه وقضاياه المنهجية–الخلاف العالي نموذجا.. للدكتور محمد العلمي، مرقون، بدار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا.
• التفريغ لابن الجلاب (ت 378هـ) تحقيق د. حسين بن سالم الدهماني، دار الغرب الإسلامي، ط1/1408هـ -1987م.
• تنبيه الطالب لفهم كلام ابن الحاجب لمحمد بن عبد السلام (ت 749هـ)، قطعة منه بالخزانة العامة بالرباط برقم 500ق، وأخرى برقم 913 ق. (مخطوط).
• تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، مؤسسة الرسالة.
• التهذيب في اختصار المدونة لخلف ابن أبي القاسم البراذعي (ت398هـ)، دار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث (دبي) تحقيق (محمد الأمين ولد محمد سالم بن الشيخ) ط1/1423هـ -2002م.
• التوضيح (شرح مختصر ابن الحاجب)لخليل بن إسحاق المالكي (ت 776هـ)، الخزانة العامة بالرباط، تحت رقم 260ج. (مخطوط).
• جامع الأمهات (مختصر ابن الحاجب في الفروع) لابن الحاجب (ت 646هـ)، تحقيق الأخضر الأخضري ط اليمامة للطباعة والنشر والتوزيع دمشق – بيروت ط1/1419هـ – 1998م.
• الجامع الصغير لمحمد بن الحسن (ت189هـ) مع شرحه المسمى “النافع الكبير” لأبي الحسنات اللكنوي (ت1304هـ) عالم الكتب ط: 1/1406هـ-1986م.
• الجامع الكبير لمحمد بن الحسن (ت189هـ) باعتناء أبي الوفاء الأفغاني ط: 2/1399هـ. وكذلك طبعة دار الكتب العلمية ط: 1/1421هـ- 2000م باعتناء محمد محمد تامر.
• الجرح والتعديل لابن أبي حاتم الرازي (ت327هـ). دار الكتب العلمية 1413هـ-1993م.
• الجهود المعاصرة في خدمة المذهب المالكي. بحث قدمه الدكتور محمد مرشان للمؤتمر العلمي الأول لدار البحوث للدراسات الإسلامية وإحياء التراث، حول القاضي عبد الوهاب. دبي. مارس 2003م.
• دراسات في مصادر الفقه المالكي للمستشرق الألماني ميكلوش موراني، دار الغرب الإسلامي، ط1/1409هـ – 1988م.
• الديباج المذهب في معرفة أعيان علماء المذهب لابن فرحون (ت 799هـ). دار الكتب العلمية، ط1/1417هـ – 1996م.
• رد المحتار على الدر المختار المعروف بحاشية ابن عابدين لمحمد أمين المعروف بابن عابدين (ت1252هـ) تحقيق محمد صبحي حسن وعامر حسين، دار إحياء التراث العربي ط: 1/1419هـ-1998م. وكذلك الطبعة القديمة.
• رسائل ابن عابدين لمحمد أمين الشهير بابن عابدين (ت1252هـ).(بدون تنصيص على الطبعة)
• رسالة ابن أبي زيد القيرواني (ت386هـ) ط. وزارة الأوقاف المغربية ط3/1415هـ -1994م.
• شجرة النور الزكية لمحمد مخلوف، دار الفكر.
• شرح الرسالة للقاضي عبد الوهاب (ت422هـ). مخطوط بالخزانة العامة تحت رقم 625 ق.
• شرح السير الكبير لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي (تفي حدود 500هـ). الطبعة الهندية 1335هـ.
• الشروط الصغير لأبي جعفر أحمد بن محمد الطحاوي (ت321هـ) تحـ: روحي أورجان، ط:2.
• صحيح البخاري، تحقيق محمد علي القطب، المكتبة العصرية بيروت 1411هـ/1991م.
• صحيح مسلم، باعتناء محمد فؤاد عب الباقي، دار الحديث، مصر. ط1/1412هـ 1991م.
• الطبقات السنية في تراجم السادة الحنفيةلتقي الدين بن عبد القادرالتميمي (ت1005هـ)
• طبقات الشافعية لتاج الدين السبكي، تحقيق محمود الطناجي، وعبد الفتاح لحلو، دار إحياء الكتب العربية. (د.ت).
• طبقات الفقهاء الحنابلة، لأبي الحسن محمد بن أبي يعلى (ت526هـ) بتحقيق د. علي محمد عمر. مكتبة الثقافة الدينية ط1/1419هـ-1998م.
• طبقات الفقهاء الشافعية، لابن قاضي شهبة.
• طبقات الفقهاء لأبي إسحاق الشيرازي (ت 476 هـ) تحقيق د. علي محمد عمر، مكتبة الثقافة الدينية ط1/1418هـ – 1997م.
• طريقة الخلاف بين الأسلاف لعلاء الدين الأسمندي (ت552هـ). دار الكتب العلمية ط: 1/1413هـ-1992م.
• عقد الجواهر الثمينة في مذهب عالم المدينة لعبد الله بن نجم بن شاس (ت616 هـ)، تحقيق د. محمد أبو الأجفان، و أ/عبد الحفيظ منصور، دار الغرب الإسلامي، ط1/1415هـ – 1995م.
• الغنية (فهرست شيوخ القاضي عياض (ت544هـ)) تحقيق ماهر زهير جرار، دار الغرب الإسلامي ط 1/1402هـ – 1982م.
• فتاوى قاضي خان للحسن بن منصور بن محمود الأوزجندي المعروف بقاضي خان (592هـ) مطبوع بهامش الفتاوى الهندية، دار إحياء التراث العربي.
• الفوائد الزينية في مذهب الحنفية لابن نجيم (ت970هـ). باعتناء أبي عبيدة مشهور آل سلمان. دار ابن الجوزي ط: 1/1414هـ-1994م.
• الكافي في فقه أهل المدينة المالكي لأبي عمر يوسف ابن عبد البر (ت463هـ). تحقيق د. محمد ماديك، مكتبة الرياض الحديثة. ط2/1400هـ1980م. واعتمدت كذلك نسخة خطية بالخزانة العامة بالرباط تحت رقم 540ك.
• كتاب الأصل المعروف بالمبسوط لمحمد بن الحسن الشيباني (ت189هـ) باعتناء أبي الوفاء الأفغاني. عالم الكتب 1410هـ-1990م.
• كشف الحقائق شرح كنز الدقائق لعبد الحكيم الأفغاني، المطبعة الأدبية- مصر ط: 1/1318هـ.
• كشف الظنون عن أسامي الكتب والفنون لحاجي خليفة (ت1067هـ) مكتبة المثنى- بغداد.
• كشف النقاب الحاجب من مصطلح ابن الحاجب لابن فرحون (ت799 هـ) تحقيق د. حمزة أبو فارس ود. عبد السلام الشريف. دار الغرب الإسلامي ط1/1990م.
• اللباب شرح الكتاب (مختصر القدوري) لعبد الغني الغنيمي الدمشقي الميداني (ت1298). دار الكتاب العربي- بيروت. ط: 4/1399هـ-1979م باعتناء محمد محيي الدين عبد الحميد.
• اللباب في تهذيب الأنساب لعز الدين ابن الأثير الجزري (ت630هـ). دار صادر.
• مباحث في المذهب المالكي بالمغرب للدكتور عمر الجيدي، مطبعة المعارف الجديدة ط 1993 م.
• المبسوط لأبي بكر محمد بن أحمد السرخسي (ت في حدود 500هـ). مطبعة السعادة- مصر 1324هـ.
• المجموع شرح المذهب للنووي، ومعه فتح العزيز شرح الوجيز للرافعي، ط الأزهر. (د.ت).
• مختصر ابن الحاجب (جامع الأمهات)الخزانة العامة بالرباط، نسخة تحت رقم 887 د، وأخرى تحت رقم 1474د. (مخطوط).
• مختصر أبي معصب أحمد ابن أبي بكر (ت241هـ) مخطوط توجد نسخة خطية منه قديمة بخزانة القرويين تحت الرقمين40 /874. (نسخت سنة 359هـ).
• المدخل إلى دراسة المذاهب الفقهية، د علي جمعة، دار السلام، ط1/1424هـ-2004م.
• المدخل إلى دراسة مذهب الإمام الشافعي، للدكتور أكرم يوسف القواسمي، دار النفائس، ط1/1423هـ/2003م.
• المدخل إلى مذهب الإمام أحمد بن حنبل، للشيخ عبد القادر بن بدران الدمشقي، باعتناء د عبد الله بن عبد المحسن التركي، مؤسسة الرسالة، ط 4/1411هـ-1991م.
• المدونة الكبرى. رواية سحنون عن ابن القاسم، دار الفكر. وبهامشها مقدمات ابن رشد الجد.
• المذهب الحنفي لأحمد بن محمد النقيب. مكتبة الرشد الرياض 1422هـ 2001م.
• المذهب عند الشافعية، للدكتور محمد إبراهيم أحمد علي، مجلة جامعة الملك عبد العزيز، العدد 2/ جمادى الثانية 1398هـ/1978م.
• معجم المؤلفين لرضا كحالة. دار إحياء التراث العربي. بيروت.
• مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، لمحمد الخطيب الشربيني.
• مقدمة ابن خلدون (ت807 هـ) المكتبة العصرية. تحقيق درويش الجويدي.
• الممهد في شرح مختصر أبي محمد صورة عن نسخة خطية بالأزهر الشريف برواق المغاربة، برقم 3010. وعن هذه النسخة صورة بجامعة أم القرى بمكة، رقمها 48 مالكي.
• مواهب الجليل لشرح مختصر خليل لمحمد بن محمد الحطاب (ت 954هـ)، مطبعة السعادة بمصر، طبعة 1/1328هـ.
• الموطأ. للإمام مالك، برواية يحيى بن يحيى الليثي. اعتنى به محمد فؤاد عبد الباقي. دار الحديث. مصر.
• النوادر والزيادات على ما في المدونة وغيرها من الأمهات لابن أبي زيد القيرواني (ت 386هـ). دار الغرب الإسلامي.
• نيل الابتهاج بتطريز الديباج لأبي العباس أحمد بابا التنبكتي، طبعة فاس الحجرية.

المصدر: العدد الرابع من مجلة الواضحة –

مؤسسة دار الحديث الحسنية للدراسات الإسلامية العليا، الرباط

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

Slider by webdesign

Clicky