خلال استقباله الباحث الفرنسي جيل كيبيل المتخصص بشؤون الجماعات الاسلامية ومكافحة التطرف بمعهد الدراسات السياسية بباريس والوفد المرافق له بمكتبه في النجف الاشرف اوضح سماحة الشيخ محمد اليعقوبي ان الفكر الشيعي قائم على اساس احترام الانسان بل حتى غير الانسان فقد ورد في الحديث القدسي (الخَلقُ عِيالي، فأحَبُّهُم إلَيَّ ألْطَفُهُم بهِم، و أسْعاهُم في حَوائجِهِم) وكلمة الخلق هنا تعبّر عن مطلق الخلق ولا تختص بالإنسان .. كما ورد ايضا في الحديث القدسي (المؤمن اشد حرمة من الكعبة)
الاجتهاد: وقد حرص الضيف على ان يكون لقاء المرجعية احدى اهم محطات زيارته الاولى لمدينة النجف الاشرف للاسترشاد برؤيتها وآرائها حول مستقبل المنطقة ازاء موجة التكفير والتطرف التي عصفت بها في السنين الاخيرة والتي اتخذت الدين الاسلامي (زوراً) غطاءً لحركتها وممارستها، كما اهتم الضيف بمعرفة انطباع المرجعية الرشيدة ودورها تجاه تحديات بناء الدولة العراقية” .
وفي معرض بيانه لبعض الاسس الفكرية والعقدية التي يرتكز عليها مذهب اهل البيت (عليهم السلام) والتي تضمنتها اسئلة السيد جيل اوضح سماحة المرجع اليعقوبي ان الفكر الشيعي قائم على اساس احترام الانسان بل حتى غير الانسان فقد ورد في الحديث القدسي (الخلق عيالي وأحبهم الي أشفقهم على عيالي ) وكلمة الخلق هنا تعبّر عن مطلق الخلق ولا تختص بالإنسان .. كما ورد ايضا في الحديث القدسي (المؤمن اشد حرمة من الكعبة) ..
فالإسلام وفق منظور مدرسة اهل البيت (عليهم السلام) قائم على احترام الاخر واشاعة ثقافة الاعتدال والتسامح والسلام .. بل ذهب الى ما هو أبعد من السلام وهو التعامل بمحبة وود فيما بيننا، ورد في الحديث (وهل ما لفت سماحته الى ان الاسلام يعتمد الحوار كمبدأ اساسي يرتكز عليه حتى مع الخصوم، وقد تجّلى ذلك في سيرة رسول الله (صلى الله عليه واله وسلم) والائمة من اهل بيته (عليهم السلام) فترى امير المؤمنين علي بن ابي طالب (عليه السلام ) وهو الخليفة الشرعي الذي اجمع عليه المسلمون يحرص على عدم اراقة الدماء وحفظ ارواح الناس ويستمر عاماً كاملاً في مراسلة معاوية ووعظه وارشاده ( بالرغم من عناده وتمرده على الخلافة الشرعية ) قبل خوض الحرب معه، كما ارسل (عليه السلام) ابن عمه الصحابي عبد الله بن عباس لمحاورة الخوارج وتذكيرهم ووعظهم حتى نجح في اقناع 6000 منهم من اصل 9000 واعادتهم الى جادة الحق”
واشار آية الله اليعقوبي” في حديثه الى مثالٍ حي في وقتنا الراهن وهو دعوته الى معالجة التطرف الفكري والديني وتكفير الاخر بمعالجة الجذور الفكرية لهذه التيارات وحلحلة العقد التي يرتكزون عليها في شرعنه تصرفاتهم عبر فتح باب الحوار الذي يمكن ان نصل معه الى حلٍ، فإن معظم المتطرفين مصابون بالتشويش في عقولهم وافكارهم مغلوب عليها والدخول معهم في صِدام عسكري قبل السعي الى اصلاح افكارهم يعتبر خسارة” .
وكرر سماحته دعوته لإخواننا اهل السنة بفتح باب الاجتهاد الذي اغلق عندهم منذ عصر ائمة المذاهب لمنح شهادة الاجتهاد للمؤهلين وتضييق دائرة الافتاء العشوائي وضبطها وحصرها عند المؤهلين لذلك”
وفيما يخص دور المرجعية الدينية أكد فضيلته على حرص مراجع الدين على حفظ وحدة الوطن وحفظ المصالح العامة للشعب وارشادهم لما فيه صلاحهم وترصين مبدأ التعايش المجتمعي وترسيخ روح المواطنة لدى ابناء البلد والتي نجدها حاضرة وظاهرة بين ابناء البلد بمختلف مذاهبهم وقومياتهم في المواقف والمناسبات الوطنية والتحديات الامنية وغيرها “.
وشدد المرجع اليعقوبي ” على ان المرجعية الدينية تستشعر مسؤولياتها تجاه الوطن وابناءه ولكنها لا تتدخل في تفاصيل الوضع السياسي وهي ليست جزءً منه البتة، وانما يكون تدخلها لأجل حفظ مصالح الناس وارواحهم، وفي المنعطفات الحساسة كدخول داعش الى العراق وغيرها من المواقف.. وهذه رؤية ثابتة لديها لا تتغير” .
وابدى سماحته “تحفظه على محاولات البعض للتفريق بين الاسلام والمدنية وأوضح (دام ظله) على ان الدين الإسلامي هو مؤسس المدنية في البلاد العربية، فالمتتبع لأحوال العرب قبل الاسلام لا يجد الا شراذم متناحرة فيما بينها واصبحوا بالإسلام دولة مترامية الأطراف ، وعادوا الى ركب الحضارة وتولدت الثقافة لديهم ونضجت رؤاهم. ولفت (دام ظله) الى ان الكثير من المبادئ الانسانية التي نحترمها وتتفاخر بها بلاد الغرب نجد جذورها في الاسلام .. وما تراجع المسلمون عن انسانيتهم ومدنيتهم الا بسبب تركهم لمبادئ وقيم الدين الاسلامي العظيم ،مؤكداً على النظرة الشاملة المتكاملة للدين الاسلامي.. فهو دين بناء وعمارة وسعادة للنفوس والبلدان وحضارة وتمدّن.
) يشغل د. جيل كيبل منصب أستاذ ورئيس برنامج الدراسات الشرق أوسطية والمتوسطية في معهد الدراسات السياسية بفرنسا، حيث يشرف على البرامج الأكاديمية حول العالمين العربي والإسلامي في مستويات الدكتوراه والماجستير والبكالوريوس. وهو أيضاً مؤسس شبكة يوروجولف EUrogolfe عام 2003، ويشغل حالياً منصب رئيس مجلس إدارتها. وكان أستاذاً زائراً لدى جامعة نيويورك وجامعة كولومبيا في الفترة 1995-1996. وهو حاصل على شهادات علمية في اللغتين العربية والإنجليزية، والفلسفة، ويحمل بكالوريوس العلوم من معهد الدراسات السياسية، ودرجة الدكتوراه في علم الاجتماع والعلوم السياسية.
هذا وحضر اللقاء سعادة السفير د. عادل مصطفى عميد معهد الخدمة الخارجية ومعاونه د. ياسر و اخرون.