الاجتهاد: نظم منتدى الثلاثاء الثقافي مساء الثلاثاء 4 رجب 1442هـ الموافق 16 فبراير 2021م. ندوة حوارية بعنوان «قراءة معاصرة في فكر الشيخ شمس الدين» تحدث فيها الوزير السابق الاستاذ إبراهيم شمس الدين رئيس مؤسسة الإمام الشيخ محمد مهدي شمس الدين للحوار، والتي أدارها الاستاذ سلمان الحبيب.
وجاءت هذه الندوة لإعادة قراءة آراء وأفكار المرحوم الشيخ محمد مهدي شمس الدين والذي يعتبر من أبرز علماء الفقه السياسي المعاصرين وخاصة في منهجيته التأصيلية المنفتحة وأطروحاته الفقهية التجديدية. واشتملت محاور الندوة قضايا الرؤية التجديدية في الفقه الاسلامي، بين ولاية الفقيه وولاية الأمة على نفسها، المجتمعات الشيعية والاندماج الوطني، والوحدة الاسلامية والمشكلة الطائفية.
وشاركت في الندوة ايضا مجموعة من الخبراء والمختصين للادلاء بشهاداتهم وعرض مداخلاتهم حول نظريات الشيخ شمس الدين.
والاستاذ ابراهيم شمس الدين شخصية فكرية معروفة يرأس الجمعية الخيرية الثقافية وعضو مؤسس في اللقاء اللبناني للحوار، ومحاضر في معهد الدراسات الاسلامية المسيحية.
وأدار الندوة الأستاذ سلمان الحبيب الذي تحدث عن أبرز ملامح فكر شمس الدين ورؤاه الاجتهادية مشيدا بدوره المفصلي في تجديد العديد من الرؤى المعاصرة المهمة للمجتمعات المسلمة، وعرف بضيف الندوة الأستاذ إبراهيم شمس الدين الحاصل على درجة الماجستير في إدارة الأعمال من الجامعة الأمريكية ببيروت وكاتب مقالات عديدة في قضايا الحوار الإسلامي المسيحي وحاضر وشارك في العديد من اللقاءات والمؤتمرات الحوارية الدولية، وتسلم منصب وزير دولة لشؤون التنمية الإدارية في الحكومة اللبنانية.
في بداية حديثه قال الأستاذ شمس الدين أنه تمر هذه الأيام الذكرى العشرين لوفاة الشيخ شمس الدين رحمه الله، موضحا أن أفكاره لا تزال حية ومتجددة وتحتاج لاستكمال لدراستها وبحثها بصورة أكثر عمقا، مضيفا أنه تم نشر عدة مؤلفات له بعد وفاته لها علاقة بقضايا التجديد الفقهي، واصفا إياه بأنه فقيه مجتهد ومجدد اهتم بفقه المجتمع وليس فقه الأفراد لما يراه من أهمية بالغة لهذا المجال مقابل الإفراط في بحوث فقه الأفراد.
وأضاف أن الشيخ شمس الدين نظر لحركة المجتمع من خلال إعادة قراءة النص الديني حيث أنه يجد فيها القابلية للاستجابة مع الاجتماع والانتظام السياسي كأحكام نسبية وليست مطلقة، وأن فيها مرونة ذاتية ملازمة لها وقادرة على مواكبة حياة المسلمين، باعتبارها نصوصا حية ومتجددة وقابلة للتأقلم مع ثقافات الحضارات الأخرى، وذلك يحتاج إلى المزيد من الثقة بهذه الحصيلة وهذا الإرث مقابل حالة الانهزامية التي سادت في بعض المراحل.
واستعرض في حديثه بعض قضايا ومجالات التجديد الفقهي التي طرحها الشيخ شمس الدين وتصدى لها خلال مسيرته العلمية والبحثية ومن بينها موضوع الاجتماع السياسي وهو حقل معرفي كبير عمل على دراسته فقهيا واجتماعيا بصورة تجديدية، وأحكام وحدة الأمة الإسلامية وصيانتها باعتبارها الضامن الرئيس لاستقرار المجتمعات المسلمة وقوتها، ونظريات أنظمة الحكم من وجهة نظر شرعية حيث تناول أبحاثه أشكال وأدلة أنظمة الحكم المختلفة، وموضوع الاندماج الوطني والعيش الواحد وخاصة في المجتمعات التي تعيش تنوعا دينيا ومذهبيا وعرقيا.
وأوضح أن الشيخ شمس الدين كان يؤكد في نظرياته على حرية وكرامة الانسان ويعتبرها من الأصول الكبرى التي تتوافق وتنسجم مع مقتضيات العدالة الإلهية مشترطة حرية الاختيار للإنسان وعدم التبعية والتقليد، ومعتبرا أن الولاية حق وواجب في نفس الوقت، وفي كلا الحالين لابد من ضمانها.
وأوضح في حديثه أن الشيخ شمس الدين قدم أطروحة متكاملة حول ولاية الأمة على نفسها مقابل ولاية الفقيه التي اعترض عليها، معتبرا أن إقامة الحكم الإسلامي ليس أمرا مقدسا كما أنه ليس من شأن الايمان والتعبد، مؤكدا على أن الأمة ووحدتها هو الأمر المقدس الذي ينبغي العمل من أجله والحفاظ عليه.
واعتبر شمس الدين أن الشورى هي النظام التنفيذي لصيغة الحكم في نظرية ولاية الأمة على نفسها، وأنها – أي الشورى – واجب كفائي وتتعدد صيغها وأشكالها حسب أعراف وتقاليد كل مجتمع ما دامت تحقق منع التسلط والطغيان وتضمن مشاركة المجتمع في الإدارة والتنمية.
وواصل في توضيح رأيه قائلا أن الشيخ شمس الدين طرح اعتراضات عديدة على الأدلة التي يستند عليها القائلون بولاية الفقيه حيث دقق في أدلتها وأوضح الإشكالات فيها، وطرح أحد الأمثلة كدليل “العلماء ورثة الأنبياء” باعتباره أخذ خارج سياقه المحدد في العلم وليس في السلطة مع عمومية الأنبياء والعلماء الذي قد يخلق اضطرابا واقعيا في حال تحديده بالوراثة السلطوية والولائية.
وأوضح أيضا أن أي دولة تتبع نظاما من هذا القبيل فإن سلطتها تكون في حدود مجتمعها فقط وهي غير ملزمة لبقية المسلمين الذين لم يشاركوا أو يختاروا هذا الشكل من الأنظمة، وبالتالي فسلطة الفقيه على من يؤمن بولايته داخل حدود دولته وليس خارجها.
وتناول الأستاذ شمس الدين عرضا للرؤى المتعلقة بموضوع العلاقة بين الأوطان والأمة، أو ما يعبر عنه بالتداخل بين الانتماء الديني العابر للأوطان والهوية – أو الهويات – الوطنية المحددة، موضحا راي الشيخ شمس الدين بأنه لا يوجد تعارض بين وحدة الأمة وتعدد الأوطان والدول، فالأمة موجودة من دون شرط وجود الدولة التي تعتبر ضرورة واقعية في الاجتماع البشري، معتبرا أن الهوية تبدا من الوطن السياسي أولا قبل الانتماء الديني أو المذهبي.
كما أفتى الشيخ شمس الدين بعدم جواز قيام حكم ديني اطلاقا في المجتمعات المتنوعة دينيا أو طائفيا مناديا بالدولة المدنية كما هو الحال في لبنان المتعدد طائفيا ومذهبيا ودينيا.
وحول واقع المجتمعات الشيعية، قال بأن رؤية الشيخ شمس الدين تنظر إلى الشيعة باعتبارهم من جماعة المسلمين فلا يصح أن يميزوا أنفسهم ولا يتمايزوا عن غيرهم، وينبغي الانخراط في السياقات الوطنية العامة لتأكيد الاندماج الوطني، ولا يوجد هناك شيعية دولية بل مجتمعات شيعية في دولها.
وختم حديثه حول مفهوم المواطنة لدى الشيخ شمس الدين الذي أصل لها فكريا ودينيا لضمان الحقوق المتساوية دون أي تمييز، وحرم أي تبشير أو تبليغ بين المذاهب الإسلامية أو بين الأديان مطالبا بأخذ المعارف عن كل جماعة أو طائفة من خلال علمائها أو مصادرها وليس عبر ما يكتبه الآخرون عنها.
وشاركت الأستاذة أمل السويدان من الجامعة اللبنانية بالحديث مؤكدة على اهتمام الشيخ شمس الدين بالشباب ودورهم في بناء المجتمعات وتجاوز حالة الانغلاق المذهبي والطائفي التي تعيق أهدافهم المستقبلية وتجعلهم غي فاعلين عندما يكون الولاء للجماعة بدلا من الوطن، كما أن ذلك يحد أيضا من قدرتهم على التعبير بحرية عن آرائهم الوطنية.
وتحدث الشيخ محمد العمير في مداخلة تناول فيها أبعاد فكر الامام شمس الدين وإبراز نظرية الوحدة الإسلامية ملخصا إياها في طرحه المتواصل للأدلة الأساسية وعنايته بالبنية الفوقية والاستراتيجيات الكبرى لمفهوم الوحدة، وكذلك تناوله لمواضيع المواطنة باعتبارها تسهم في حماية الوجودات الاجتماعية واستقرارها، ودعوته لتأسيس ميثاق للوحدة الإسلامية بين المذاهب وتشكيل دوريات وجامعات تعنى بهذه القضايا.
وطرح الأستاذ أحمد الخميس في مداخلته دور الشيخ شمس الدين في ملأ منطقة الفراغ الفقهي في إطار التعددية حيث عبر عن فهم وقراءة متأنية للنص الديني سواء في مجاله التشريعي أو التدبيري، كما أنه اشتغل على مسألة التعددية وبنائها والحفاظ عليها، وعمل على إعادة الاعتبار لدور الأمة ومكانتها.
وتناول الدكتور علي الدباغ في مداخلته أيضا مقاربة الشيخ شمس الدين لموضوع الشورى بطريقة تجديدية ودعوته للتعايش في ظل أي نظام تتوفر فيه أسس العدالة لعدم خلق أزمات حادة وخاصة في مجال اندماج المجتمعات الشيعية في أوطانها.
وعلق الأستاذ نادر البراهيم على الأثر الذي تركه تطبيق نظرية ولاية الفقيه على المجتمعات الشيعية في الدول العربية حيث دفع ذلك لخلق حالة من الاستقطاب السياسي الحاد حتى في داخل المجتمعات الشيعية ذاتها.